( تانكادو و شيفرة الحصن الرقمي )

علاء هاشم مناف

الحوار المتمدن-العدد: 2090 - 2007 / 11 / 5 - 09:38
المحور: الادب والفن
    

ان اللغة البنائية للرواية تخضع لتصورات وخواص تركيبية بالاشارة الى عملية البناء والى المادة التي تتكون منها الخواص التركيبية وكيفية تجميع المواد البنائية المتعلقة بذلك التصوير الذهني التجريدي وعلاقته بالانموذج الذي يستند اليه الروائي 0 ومن الواضح فان البنية الروائية موجودة بتشكيل القوة الفعلية للانموذج الروائي وتصوراته الادق تمثيلا للمعالم الروائية وخواصها المرتبطة بالاصطلاح البنائي المثير للجدل الانطباعي والمرتبط بالهيكل التركيبي الذي يعتمد على الرموز والتفاصيل وعمليات التواصل المتعلقة بالواقع وبشكل مباشر ، من هنا تشكلت الاشياء المتعلقة بالتوليد الدلالي ( لشيفرة الحصن الرقمي لدان براون الرواية الصادرة عن الدار العربية للعلوم – ناشرون ) وقد تمثلت بنية الرواية في الاجابة على السؤال المتعلق بالشيفرة الرقمية التي اعتمدت على نظام خاص بالكتابة 0
المكان في الرواية
تدور احداث الرواية داخل أبنية ( اف 0 بي 0 آي) F0B0I
( سي 0 آي 0 أي )C0I0A ، من خلال الكشف والرصد نلاحظ ان الزمان مرتبط بحركة الاشياء من خلال جهاز الحاسوب ، والبناء الروائي اعتمد على النسج المخابراتي الالي ومكوناته بعيدا عن مكونات العمل الروائي ، من هنا جاء البناء الروائي بناءًً صناعيا ً خضع (للسيناريوهات السينمية الجامدة والمتقنة احيانا وهذا يذكرنا بمسلسل استارترك في منتصف السبعينات في القرن الماضي 0 خضعت الرواية للسرد الالي مع الدقة في المراقبة ، فكان (للكريبتو وهو مركز المعلومات وتحليل الشيفرات الدور الرئيسي في تشكيل مكان الرواية وبالفعل التجسسي لما يسمى بالارهاب العالمي ) وتسري احكام هذا الفعل حتى على المنتسبين لهذا المركز 0 ( ان ما حدث لسوزان عند اشتغالها في هذا المركز عندما وضعوا راسها فوق جسد امرأة عارية الا ان تدخل (ستراثمور القائد الميداني لهذا المركز ادى الى فصل الموظف كارل اوستين )

مستوى الفعل الحكائي
اصبح الفعل الروائي يتالف من سلسلة من القضايا التاريخية المهمة فالحدث الحكائي صاغ الخلاصات النوعية لفعل الضربة الامريكية (للقنبلة الذرية للمدينتي هيروشيما ، وناغازاكي في الساعة 8:15 / صباح 6 /اب/ اغسطس 1945 ، في اطار هذا المسار يبدا مستوى الحدث الحكائي في الرواية وهو مستوى متقدم بالقيمة الاجمالية للحدث ، فالضحية كانت والدة ( تانكادوا من ضمن الضحايا وهي تضعه كطفل وتغادر الحياة اثر نزف داخلي ، من هنا تبدا رحلة الوليد المشوه اليدين بعد هروب والده دون ان يراه احد 0 لقد كان الحدث الحكائي في الرواية يشير بشكل خفي الى حقيقة الصراع التكنولوجي والسلعي حول العالم بين ( الولايات المتحدة الامريكية واليابان ) بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، وقد مثل نواة هذا الصراع ( تانكادو وخوارزميته المشفرة ) وقد مثلت سوزان عقدة التطور التكنولوجي الامريكي ( اخذت سوزان نفسا عميقا وكانها تريد قبول الحقيقة المرعبة لقد صاغ تانكادو وخوارزمية غير قابلة للحل 0 ونحن الان رهائن له ) ص52 كان للمعنى البنائي مستويات متعددة بفعل القيمة الدلالية الموحدة التي تجعل الاداء وظيفة اختلافية ومظهرا ً من مظاهر ا لحدث ا لحكائي فهي انعكاس للقيمة الدلالية ليصبح المعنى مجالا تعدديا لاثراء المضامين الفنية (لقد فات الاوان كثير قال ستراثمور اخذ نفسا عميقا لقد وجد تانكادو ميتا هذا الصباح في سيفيل في اسبانيا ) ص52 ان اللغة الحكائية هي رؤية تتعلق بجمال التاويل لصياغة بنية جمعية تتعدد في تشكيلاتها الدلالية ولا تكف عن عمليات التوليد الاختلافية في المباحث الاجرائية للنصوص الروائية وتشكيلات الحدث الحكائي فيها 0 في الرواية هناك دقة في العمل المخابراتي في (الوقت ، والبوابات ، الفاعلة ، والمرشحات المجمعة ، البرامج المطهرة ، تفحص الملفات الداخلية في البحث عن فيروسات الكمبيوتر ، الملفات المبرمجة ) ص55 (مرشحات الغاونتليت ويرسلون الملف الى ، الترانسلتر ) ص56 كان موت تانكادو شكل العنصر الامكاني في الكشف عن الحصن الرقمي ، والحصن الرقمي اصطلاح تبادلي تستعمله
C0I0A ، في البحث عن معنى تمثيل الصورة وفق تصورات مخابراتية مكثفة حول الدول صاحبة الثروات تحقق من خلاله بحثا ( ا نسكلوبيدياً ) تنتقل من خلاله من النظري الى العملي ، هذا الانتقال هو انتقالا اجماليا من النظرية المعرفية الى نظرية الوعي بالارادة والقوة والسيطرة على المؤثر الحيوي والسوق بعد ان اصبح الفراغ الامني في الشرق الاوسط هو الخيط الموصل الى ذلك والمتقدم في ذلك هي التداعيات الذاتية وهي بالنتيجة بتاثير الهيمنه ( للحصن الرقمي ) الذي اصبح موضوعا عالميا الان 0 نعود الان الى حرب ا لفكار والمعلومات ، ان موت تانكادو كان موتا لليابان والسيطرة الكاملة من قبل امريكا على الحرب المعلوماتية بعد السيطرة على اليابان عسكريا وعلميا وتحديدها ، فعملية القتل لتانكادو وكانت منذ كان في بطن امه وما اصابه من تشوهات وعجز حتى مقتله في اسبانيا على يد (هولوهت ) فكان البحث عن الشريك الوهمي صاحب الشيفرة الرئيسية (نورث داكوتا) ليصبح جزء محوريا في الرواية 0 بعد مقتل تانكادو فان المشهد الوحيد الذي بقي شاهدا على الفعل الامريكي باليابان :
هو ان تانكادو كان يحدق في اليدين المشوهتين وهو ميت لينقل تلك المرجعية والسبب في عملية التشوية التي تعرض لها اثناء الانفجار النووي على هيروشيما وناغازاكي ،والروائي في هذا المشهد قام بتحريك الحس الحكائي عبر مستوى البنى الخطابية التي شكلت الايحاء الحكائي بالاختزال والتوزع للقضايا السردية الكبرى وهي تؤلف المعنى في التعبير عن المستوى الذي تجلى بالتماسك الخاص في جثة تانكادو ، فهي تخفي اشياء بعد الموت ، فقد اختفى الخاتم الذهبي الذي (يحوي نقوشا بنوع من الاحرف ولم تكن الاحرف بالانكليزية بل باليابانية ، لقد نقش تانكادو مفتاح الحصن الرقمي على خاتمه ) ص 80 / من خلال الرصف البنائي الذي تميز بالخصائص التشكلية في العمل الفني وعلاقته بالحركة المركبة والدائبة داخل النص السردي ، هناك اقحام لاشخاص شكلوا ابهاما داخل منطق السرد اوداخل الحبكة الدرامية وهذا ما نلاحظه في شخصية (كلوشار) الرجل العجوز داخل المشفى البائس والذي اعترف لبيكر بان الخاتم اعطاه تانكادو الى رجل الماني سائح يرافق امرأه شعرها احمر ، كذلك الممرضة وهي تطوي الارض طويا باتجاه اشكالية الجدال المحتد بين كلوشار وبيكر كذلك شخصية (شارتروكيان الذي احترق وتحطم جسده على المولداة وهو بطبيعة الحال ضحية C0I0A ، الذي كان يعمل باحثا من الناحية التقنية عن الشيفرة ) وكان الحل والخلاص عند (C0I0A )
هو كما يلي:
(1) ان الشعب يحتاج الى شخص ما يراقب عنه ، وهذا الموضوع يذكرنا بنبوءة جورج ارول في روايته 1984 / والتي كتبها في العام 1948 / والذي يشرح فيها هذه التفاصيل التجسسية وهيمنة المخابرات العامة على الشعوب والان يحدث هذا على يد
(C0I0A)
(2) يحتاج الشعب الى ان تقوم (C0I0A) بتحليل الشيفرات بهدف المحافظة على الامن القومي الامريكي
(3) اما المجموعات مثل (أي ، اف ، اف ) فكان احساسها مختلف ، هناك فواصل في التشكيلات لتطعيم العمل الروائي خارج التغطية المخابراتية باطار الحبكة ( ترى سوزان شخصية ديفيد بيكر في شخصية ستراثمور احيانا لديهما العديد من الصفات المشتركة ، التصميم ، الاخلاص ، الذكاء ، تظن سوزان في بعض الاحيان ان ستراثمور سيضيع من دونها ، يبدو ان صفاء حبها لتحليل الشيفرات انه حبل السلامة العاطفي لستراثمور يرفعه من حبل السياسة القلقة ويذكره بايامه السابقه عندما كان محلل شيفرات ) ص121 ان الصراع الخفي داخل الرواية هو صراع عاطفي الظاهر في الحبكة الروائية من ناحية الوعي الانساني اما الصراع المخابراتي فهو صراع صناعي تقوده (C0I0A) 0

في صميم الفعل الروائي
في الرواية معركة مخابراتية قادها تانكادو ضد (ان ،اس ، أي ) وضد (C0I0A) بسبب احتكارهما (الترانسلتر ) والتكنولوجيا بشكل عام ، والحصن الرقمي عند ( C0I0A ) هو البحث عن الخفايا الدفينه والدقيقة عند الشعوب الاخرى والنامية بشكل خاص، انه الحصن الوهمي لكنه مبحث ميداني لانه نقطة دالة بالاطلاق ، وتانكادو عرف هذه اللعبة رغم اشتغاله معهم لان (C0I0A ) هي المنظومة التي دربته اضافة الى اشتغاله مع (ان ، اس ،أي لكنه بقي مخلص لبلده اليابان وحاول تشكيل محاور خوارزمية مبهمة لاشغال (إن، إس ،أي ) حتى قامت (C0I0A) بالتطفل على بريده الالكتورني ،( خدعهم وجعلهم يصدقون ان لديه شريك ، وساقهم الى تحميل ملف خطير جدا ) ص276 / وعليه كان الاستنتاج لسوزان هو ان تانكادو قام بلعبة فلا وجود لخوارزمية ولا وجود لحصن رقمي وان الملف الذي قام به تانكادو بتنزيله على الانترنيت مجرد فيروس مشفر ربما يكون محميا بخوارزمية مشفرة ، من هنا كان (للترانسلتر ) دور كبير في عملية تحرير الفيروس ، وان عملية الانتقام التي قام بها تانكادو هو تدمير الترانسلتر هتى يصبح مشاعا وقرر تانكادو ان يدمر هذا الوحش الامريكي المتمثل بالتكنولوجيا العسكرية ، وان الحرب الكومبيوترية كانت قد بدات بالمعالجات اللاسلكية حتى انتهت بانظمة التحكم في الاقمار الصناعية ناسا) ص278 / لقد هاجم تانكادو بنك المعلومات الخاص بالشيفرات العسكرية واسماء الجواسيس الاجانب ومخطوطات الاسلحة النووية والاتفاقات التجارية السرية 0 لقد افسد لهم سجلاتهم السرية من اجل ان يصبح الترانسلتر مشاعا او تخسر امريكا معلوماتها السرية وتتصاعد الاحداث الدرامية في الرواية في المطاردة التي حصلت بين (هولوهت) وبيكر داخل الكنيسة في اسبانيا وقتل على اثرها رافال دي لاماز موظف مصرف في ضواحي سيفيل وهو شخصية مقحمة ايضا في الرواية ، ثم تتصاعد المشاهد السينمية داخل الكنيسة وهي عبارة عن فيلم بوليسي خاصة في الصفحات :(299 300 / 301 ) وكانت كلمات هيل المنتحر قد افصحت عن الخطر الذي يواجهه بيكر في اسبانيا ، فقد صاحب سوزان القلق جراء هذه الاخبار ( نوماتاكا كان يابانيا من العالم القديم ، الموت قبل العار 0 كره الامريكيين ، كره طعامهم ، كره عاداتهم ، والاهم من ذلك انه كره قبضتهم على السوق العالمي للبرامج ) ص304
الشبكة العنكبوتية المخابراتية
وتتكون من (فونتين وجابا ) وهما الشخصيتان المتبقيتان في هذه الشبكة العنكبوتية المخابراتية ، وفونتين بالذات هو الشخص المخابراتي المسؤول عن كل ما حصل من تصفيات جسدية بالكامل ، لقد قتل فونتين :
(1) تانكادو ضرب برصاصة رض مطاطية ضربته في صدره فاحدثت عنده سكته قلبية وفونتين قام بتصوير هذه العملية علي شريط مخزن عند جهاز (C0I0A) وقد قام بهذه العملية هولوهت0
(2) قتل شخص يرتدي معطف اسود كان اسمه موجودا في لائحة التصفيات لكي يبعد المخابرات عن هذا الموضوع 0
(3) المخابرات وضعت شخصية (هولوهت) بنسختين الاول حي والثاني ميت 0




الخلاصة في منطق الرواية
ان دان براون قد اعتمد على الفضاء الروائي في وصف الامكنه في اسبانيا مثل سيفيل خاصة ، ثم ينقلنا براون بخيال الروائي صاحب السرد المتصل بالشيفرة الى مساحة هندسية كبيرة في الرواية ، مساحة دالة وفاعلة ومنفعلة بمدلوليها الايجابي والسلبي 0 من خلال ابطالها ، وهناك فضاء روائي دقيق يشرح ذلك الفضاء اللغوي الطبيعي وعلاقته بالوقائع والرموز وحتى الاستعارات وهو الامكان اللغوي في عملية التاويل ، وقد تفضي المعالجة الى المعلوم من الضرب العلاجي للغة الروائية ، ودان براون في هذا المنظور اللغوي داخل منظومة لسانية يتحكم فيها الفعل الكلامي بوجهة مبرزة من الناحية الكتابية رغم وقوع اقصاء زمني للاشارة ، وكل ما تبقى في هذه الرواية هي الضربة الروائية المحملة بالدلالة 0
لقد رجع (مينبوكو) الى مرحلة زمنية تقدر باثنتين وثلاثين سنة في المكان الذي تم الفراق فيه مع ابنه تانكادو حين ترك ولده المشوه اليدين وزوجته التي كانت تحتضر اثر الضربة الامريكية ، وقد داخل الروائي بين هذه المشاهد وهو اخراج يتعلق بالمنطق الدلالي للرواية وجعل المظهر الخارجي في الحبكة الروائية موجود اصلا في داخل الحدث الروائي ، وان الداخل والخارج يلتقيان في طبيعة واقعية يرجع اصولها الى الوعي ، وهذا ما جمعه الروائي في بوتقة الفعل الدلالي الزمني بالاشارة الى معنى اللقاء الذي جمع مينبوكو مع ولده تانكادو ولكن هذه المرة جثه هامدة وهو تميز قصدي في منحى الفعل الروائي 0

#علاء_هاشم_مناف (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات