أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عريب عسقلاني - سيرة المبروكة والعودة إلى بداية الحكاية















المزيد.....

سيرة المبروكة والعودة إلى بداية الحكاية


عريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2089 - 2007 / 11 / 4 - 09:09
المحور: الادب والفن
    



قراءة في رواية صفحات من سيرة المبروكة للروائي محمد نصار

في رواية صفحات من سيرة المبروكة يعود محمد نصار إلى أجواء نهاية الحرب العالمية الأولى, واندحار الحكم التركي وبداية الانتداب البريطاني على فلسطين, انحياز الانجليز إلى اليهود تحقيقا لوعد بلفور على الأرض وما تبع ذلك من ردود فعل وتفاعلات في المجتمع الفلسطيني , ويختار الكاتب مسرحا لروايته قرية من قرى جنوب فلسطين هي الأشد فقرا وتخلفا, تأسس وعيها الجمعي على الإيمان الفطري والموروث القيمي والهجوع أمام قوى الطبيعة الفاعلة في الانتاج الرعوي الزراعي الموسمي الذي يعتمد كليا على مياه الأمطار.
والمبروكة " اسم مستعار" لقرية تعيش على هامش مدينة غزة المتواضعة بين مدن فلسطين تنحصر نخبها الاجتماعية في مخاتير الحارات وشيخ الكتاب وإمام الجامع والموسرين المتكافلين مع الجماعة, أو القادرين المستغلين لها, وفي مثل هذا المناخ يلاقي الدراويش والبهاليل في القرية حظوة ورهبة لاعتقاد العامة في بركاتهم وقدراتهم.
يتشكل عالم القرية من أحداثها ومناسباتها ومفارقاتها وخرافاتها وما توافق عليه الناس خيرا كان أم شرا, ويلعب القدر والقوى الغيبية دورا فاعلا في توجيه الرغبات والطموحات,كما يشكل السلوك الفردي موقع الفرد من الجماعة,مثل ابن فهيمه الذي يتمتع بجرأة مبادرة وقوة بدنية هائلة وقلب أبيض, يسطو على كامب الانجليز ويسرق السجائر والأسلحة,ثم يتطور به الأمر إلى الثورة مدفوعا بالإحساس بالقهر والغبن, فيجد الحظوة عند أبو حسين والد الراوي الذي يتمرد على فرض الضرائب الجائرة ، فيودع في السجن ويخرج منه أكثر وعيا وتبصرا بالواقع العام وأكثر تمسكا بالموروث الإيجابي لمجتمع القرية,ويعيش مدفوعا بتجاوز المألوف والقفز عن حرفة الرعي بزراعة الأرض وتحويلها إلى بيارة برتقال كما يفعل الأفندية, وعندما تعوزه الإمكانيات المادية تجعله ينحاز إلى معادلة أخرى أولوياتها زواج إبنه حتى لا يظهر قصوره أمام أهل القرية وهنا يفكر في التحول إلى التجارة فيصبح صاحب الدكان الأهم في القرية ,ولا يجد غضاضة في دخول زوجته معمعان البيع والشراء في لوازم النساء كجزء مكمل لبضائع الدكان وكخبرة نسوية لاتتوفر للرجال.
وعلى جانب آخر تطالعنا شخصية الشيخ إبراهيم الذي لا يتأخر عن واجب, ويتعامل خيرا مع اليوم إدخارا لما قد يحمله الغد المجهول,ويرى في العرض والأرض مقدسان يذود عنهما حتى الرمق الأخير مهما كان خصمه ، فنراه يعد كمينا بمساعدة أبو حسين للوالي بعد أن تحرش بزوجة الشيخ الشابة ويلقناه درسا قاسيا .
وعندما وسع الخواجا يعقوب نطاق المستوطنة على حساب أراضي القرية خرج على رأس الناس لقطع الطريق على القافلة التي تزود المستوطنة بما يلزمها تمهيدا لاقتلاع الخواجا أو الحد من أطماعه .
الرواية والذاكرة
تقوم الرواية على ذاكرة الجد الذي رافق الأحداث الأولى أو سمع عنها وذاكرة الحفيد حسين الراوي الذي بدأ صبيا يرعى الغنم وانتهى في الرواية شابا وزوجا وتاجرا يدير دكان أبيه, يقف على خبرات ودروس شكلت شخصيته, تتوازى وتتكامل ذاكرة الجد مع ذاكرة الحفيد في رصد الأحداث التي مرت بالقرية حتى بوادر الثورة في ثلاثينيات القرن المنصرم, باستدعاء القصص والحكايات على امتداد صفحات الرواية في محاولة لرصد العوامل والمؤثرات التي شكلت الوجدان الجمعي لأناس القرية حيث يحرم الأطفال من التعليم بسبب رحيل الشيخ الذي أعياه فقر الآباء وشقاوة الصبيان وفعلة ابن فهيمة الذي خرج عليه في هيئة مارد في المكان الذي قتلت فيه رحمة مظلومة بعد أن رمتها زوجة أبيها بالعيب زورا, فتحولت في وعي الناس إلى روح هائمة تخرج على أهل القرية في ذات المكان, وهي التي قبضت على روح زوجة الأب الظالمة في نفس المكان..
وتستحضر الرواية أخبار المبروك الذي هبط على القرية من عالم مجهول وتقبله الناس بهلولا مبروكا صاحب قدرات وكرامات يقوم على العلاج والطبابة من سم الأفعى كما فعل مع أبي حسين, وقدرته على أخراج الأفعى مسالمة وديعة من جحرها, ووقوفه مع حمدة التي لا يستقر حمل في رحمها ، فيشير عليها أن تقيم خارج القرية عند الجميزة, تفعل حمدة وتنجب الأبناء والبنين وتعمر المكان المهجور وتصبح حمدة سيدة مبروكة كما الجميزة التي عرفت بجميزة حمدة, وللبهلول قدرات خارقة فهو من أوقف فحولة أبا راضي بعد أن هزيء به ولم يعيدها إليه إلا بعد أن ذبح سبعة خراف وأولم لأهل القرية.
المبروك يعيش بصفاء سريرة حالة بين البداهة والبلاهة, فيرى ما لا يراه الناس, يختفي متى أراد ويعود محملا بالحكايات والنبوءات والكرامات, مكشوف له الغيب, يحمل هم الناس في المبروكة, ويتسرب في تشكيل وعيهم وقيمهم.
فأين تشتبك الذاكرة وكيف تتقاطع أو تتوازى؟ سؤال يلح على امتداد الرواية, فالراوي يقف بين ذاكرتين, ذاكرة الجد الذي يسوق الأحداث بحيادية منحازة للسائد وذاكرة الراوي الذي يرصد ما يرى مزملا بأعراف القرية, وإن بدا منحازا لأبيه الذي يمثل تجاوزا في الوعي, فهو ينحاز لابن فهيمة ويحتج على فرض الضريبة على الأرض وتعرف على رجال يشغلهم الهم العام, ويحب زوجته ويقدرها ويسمح لها بالمشاركة في البيع والشراء وينصف الكنّة ولا يرى فيها خادمة للبيت, ما دفع الراوي الابن لأن يقبض على معادلة ترضي الجميع ولا تتعارض مع المألوف.
تشكل الرواية عتبة لحكاية ممتدة وتقدم فرشة متعددة الجوانب في محاولة واعية لاكتشاف مكونات الوعي الجمعي للمجتمع, يظهر ذلك من الإفاضة عند تصوير الأفراح وما يصاحبها من غناء ورقص وطقوس, وكذلك تقديم النذور وقصص العشق وحوادث الثأر كما في قصة العاشق راجح الذي يتزوج وضحه ،مما يستثير غضب الأهل على أبيها الذي فضل الغريب على ابن عمها اليتيم, فيكمنون له ويغتالوه غير عابئين بما سيجره ذلك عليهم من ويلات ستؤدي إلى هجرتهم إلى شرق الأردن, وقصة الزوجان العاشقان توفيق ومزيونة ومكيدة حمدان الذي يكلف لصا بمداهمة بيتهما ليراه توفيق يقفز عن السور ويشك في زوجته ويطلقها ليتزوجها من بعده, لكن الأمر إذا تعلق بالشرف يخرج عن نطاق السيطرة ما يحيل القضية إلى البشعة, فتثبت براءة مزيونة وتطلق من زوجها ليتزوجها المختار فيما بعد ويصاب الزوج بالجنون.
وبالإضافة لقصص العرض والثأر تأتي الرواية على قصص الحسد, وتحدثنا عن عين أبي يوسف المكفوف الذي تصيب الجمل فيقع صريعا فينحره صاحبه ويوزعه زكاة مال قبل أن يموت فطيسا.
الأعراف في القرية لها سلطة القانون والخروج عنها يشكل خرقا وانحراف والتقيد بها يعتبر التزاما وفضيلة,فأبو توفيق الذي لا يبر بأمه ويتركها فريسة لاضطهاد زوجة الشرسة التي تطردها من البيت, فتلوذ ببيت ابنتها حتى تموت, هذا العاق تعزله القرية ولا تصاهرة ولكن عندما يعتدي عليه أصهاره الغرباء عن القرية يقفون للدفاع عنه حفاظا على كرامة القرية أمام الأغراب.لكن روح تكافل الجماعة تظهر في قمة تجلياتها في حادث حريق بيت الشيخ أبو إبراهيم حيث تهب القرية لإطفاء الحريق ولإعادة ترميم البيوت التي طالها الضرر.
أسئلة مفتوحة وإجابات مؤجلة
ما هي الأسئلة التي تطرحها الرواية, وكيف أجابت عليها؟
هل تسجيل الذاكرة الشعبية هي ما يشغل الكاتب, أم الحدث السياسي وتأثيره على ناس المبروكة,أين الحقيقة في التاريخ الشفوي, وما هي مؤثرات زمن القص على الأحداث, وكيف لعبت الشخصيات أدوارها, وهل تطورت بتنامي الحدث؟
الأسئلة ما زالت مفتوحة والإجابات على معظمها ما زال مؤجلا فالرواية حلقة في عمل لم يكتمل بعد, ولا غضاضة لو قدمت بعض الإرهاصات أو الإجابات الأولية.فالوالي يقتل ويتفرق أتباعه,ويغير حمدان موقعه في خدمة الوالي إلى خدمة الميجر ثم ينتهي إلى خدمة الخواجة يعقوب ,كأن العمالة للآخر وظيفة مبررة, وابن فهيمه الفقير الشهم الطيب تدفعه أصالته ضد العدو الحقيقي فيسطو على كامب الانجليز لسرقة السلاح الذي يوجهه ضدهم ويستشهد مع اثنين من رفاقه في المواجهة, تاركا المواصلة لأبي حسين الذي يحمل ذات الرؤية ويشارك مع الشيخ إبراهيم في معركة قطع الإمداد عن المستوطنة التي يستشهد فيها الشيخ إبراهيم.
فإذا حدد ابن فهيمه وأبو حسين والشيخ إبراهيم وحتى المبروك موقفهم, فما هو موقف النخب الأخرى مثل المخاتير والشيخ مسعود الذي يقدم له الدين والشرع كل دوافع التمرد والثورة على الظلم, وأين يقف الراوي الذي بدأ صبيا وانتهى رجلا عاشقا وتاجرا مجربا.
في تقديري أن الرواية أجلت الكثير من الإجابات لفصول قادمة باعتبار أن هذة الحكايات مقدمات لرواية واسعة..
ولكن:
* توقعت أن يثري الكاتب الشخصيات المقاومة, باتجاه العمل الوطني من خلال تفاصيل تبين وعيهم بالمعضلة, وخاصة الشخصيات التي انتهى أجلها في الرواية مثل ابن فهيمة والشيخ إبراهيم.
* البنية السردية للرواية تقوم على توليد الحكايات لتسجيل أوسع مساحة من الموروث الشفوي, ما جعل العمل متواصلا, وأعتقد أنه لو اعتمد التقطيع والفصول لوجد مرونة في القفز عن الأزمان والأمكنة وأسقط تفصيلات ليس لها وظيفة فنية.
* يبدو لي أن ما تختزنه ذاكرة كاتبنا من حكايات القرية, سحبه إلى إغراء الحكاية على حساب البنية الروائية, وحمل النص إفاضات تكفي الإشارة فيها مثل حكايات أبي توفيق وأيوب الراضي.
* قدرة كاتبنا على إدارة الحوار أخذته إلى إغراء اللعبة, فغض النظر عن واقعية ما يتحدث به الناس وفنية ما يجب أن يصاغ حوارا, ولعل هذا يطرح سؤال الواقعية في الفن, هل الواقعية هي النقل الفوتوغرافي, أم هو إعادة خلقه وتقنينه جماليا بحيث يبدو أنه ممكن الحدوث فيأخذ مصادقة المتلقي.
أما بعد:
فإن محمد نصار في سيرة المبروكة التقط سيرة فلسطين في خاصرة الريف الموجعة, وقدم عملا تمهيديا جميلا, فهو حكاء يملك أدوات الحكاية, ويملك أدوات السرد والوصف والقدرة على استقصاء النفوس, ويحاول تجاوز نفسه فيما يقدم من أعمال روائية, فهو صاحب رؤية وموقف, وصاحب مشروع روائي يعمل على خدمته بالمعرفة والتواصل, فالعمل الذي بين أيدينا يشكل إضافة لمشوار محمد نصار قفز فيه عن ما سبقه على مستوى الشكل والمضمون, وحتى تتبلور الأسئلة وتكتمل الإجابات, سننتظر كمتلقين الأجزاء القادمة فهل ستأخذنا الدهشة وتخرج بنا من حيرة السؤال؟
* محمد نصار فاص وروائي يعمل مديرا في وزارة الثقافة- غزة, نشر عدة مجموعات قصصية وعدة روايات
* مقاطع من سيرة المبروكة, رواية من منشورات اتحاد كتاب فلسطين 2005



#عريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جحش أبيض في سباق الخيول
- سيرة المبروكة والعودة إلى جذور الحكاية
- العشيرة
- هلال يحضن نجمة
- صورة المرأة في روايات الرجال
- الدموع والدخان وحفاف ماء العين
- جنة يضاريسها وعرة
- الجياد تقفز عن الحواجز
- العودة إلى الحنين
- قراءة في رواية الصبي والبحر للكاتب توفيق أبو شومر


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عريب عسقلاني - سيرة المبروكة والعودة إلى بداية الحكاية