أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - صورة المرأة في روايات الرجال















المزيد.....


صورة المرأة في روايات الرجال


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2077 - 2007 / 10 / 23 - 10:43
المحور: الادب والفن
    


صورة المرآة في روايات الرجال
أما قبل:
تتعرض هذه القراءة لنماذج نسائية, قدمها ثلاثة روائيون فلسطينيون لهم مكانتهم وحضورهم في المشهد الروائي الفلسطيني والعربي وهم:
غسـان كنفانـي: في رواية أم سعد، كيف يرى في أم سعد النموذج الفلسطيني الوطني الأصيل، وكيف تكون المرأة معادلاً للصفاء والنقاء والخصوبة والأرض والوطن. وتشكل كياناً فاعلاً في مقدمات الثورة الفلسطينية.
رشـاد أبو شـاور: في رواية البكاء على صدر الحبيب, يرصد تداعيات أحداث أيلول 1970وما تلاها من أحداث جرش, وخروج قوات الثورة الفلسطينية من الأردن وما طال المناضلين والمناضلات من إحباط, وكيف دفعت النساء أمثال "فجر، ونهاد، وهناء" ثمناً باهظاً.
يحيـى يخلـف: في رواية تفاح المجانين حيث يقدم زوجة الفورمن النموذج المتميز المنحاز إلى الأصالة والصدق, وانتصار في رواية تلك المرأة الوردة التي تنتصر للحياة من خلال انحيازها للطبقة العاملة وفقراء الناس, ومجد في رواية نهر يستحم في البحيرة, المرأة الفلسطينية المعذبة بين خيارين, هل تنحاز لرجل عائد مازال يعيش في الماضي, أو إلى المغترب العائد من أمريكا إلى الوطن ليعلن بيان سلام وتسامح.
***
امرأة من عالم غسان كنفاني
رواية أم سعـد للكاتب الفلسطيني المعروف غسان كنفاني، صدرت في 1969 على أصداء نكسه حزيران 1967 التي ألقت بظلالها على كافة نواحي الحياة العربية، وطرحت أسئلة قصور منظومة الفكر العربي والأنظمة العربية، ما أظهر الثورة الفلسطينية والمقاومة المسلحة ظاهرة أكثر تألقاً في أجواء الهزيمة الشاملة.
وفي الأدب نجد غسان كنفاني الذي أطلق صرخته مبكراً في روايته الرائدة رجال في الشمس "من يدق جدار الخزان" والتي شكلت نبوءة ثورية وإرهاصاً مبكراً للخروج من واقع الأزمة العربية, على خلفية قناعاته بالفكر القومي ورؤيته الثورية لوظيفة الأدب وقدرته على التأثير والتغير, يرى دور المرأة في المجتمع الفلسطيني, الذي تحول إلى تجمعات لاجئين يشكلون نفايات بشرية هامشية على ضفاف المجتمعات المضيفة "ولعل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يشكلون الواقع الأكثر قسوة ومرارة", ما جعل الفلسطيني أمام معادلة البقاء والبحث الدائم عن لقمة الخبز بعد أن فقد أبسط مقومات الحياة.
في هذا الواقع يعود غسان كنفانـي إلى النبع الأساسي، ويقدم نموذجه النسوي معادلا رمزياً للأرض، والخصوبة والوطن، والقدرة على الصمود والعطاء في أقسى ظروف يمكن إن يتعرض لها البشر.
فأم سعـد امرأة ريفية تسكن غرفة من صفيح في المخيم، وتحترف أعمال الخدمة السوداء المدينة "بيروت", في بيوت الطبقة الموسرة، عاملة نظافة, وخادمة تقدم ما يأنف منه الآخرون لقاء قروش بسيطة تضمن حياة الأولاد، في ظل بطالة الزوج الذي لا يجد عملاً، ولا يملك غير الشكوى والتذمر والجلوس على المقهى مهزوماً.
يعيد الكاتب إنتاج المرأة منبهراً بإيمانها بالحياة، وبطاقتها الإنسانية الايجابية التي تعتمد الأمل وسط واقع تتشابك فيه كل أسباب العتمة والإحباط.
كيف يكون ذلك وقد سلبت الحياة هذه المرأة كل شروط البقاء والصمود، إنه يراها كما يريد للمرأة الفلسطينية أن تكون.
"وبدت مثل شيء ينبثق من رحم الأرض"
"تمشي بقامتها العالية كرمح يحمل قدر خفي"
عندما تأتي يحضر معها الريف الفلسطيني بأصالته وبراءته وقيمه الضاربة عميقاً في الأرض.
"دخلت أم سعـد ففوحت في الغرفة رائحة الريف"
تؤمن باستمرارية الحياة، تزرع عود الدالية الأسمر الجاف وكلها ثقة بأنه سينمو ويصبح دالية تطرح عنباً شهياً، هذا العود الذي يحيا على أقل الماء ويمتص رحيق التربة الفقيرة يجود بأطيب الثمار مثله مثل أم سعد، وكأن الفطرة جعلت من الدالية وأم سعد صنوان أو توأمان.
"كانت تبدو أمام الباب المفتوح عملاقاً يدخل مع ضوء الشمس"
هذه الصورة المعنوية الأثرية التي تختزن طاقة الشمس في روحها، تدرك أن ابنها سعـد لابد سيخرج من الحبس وينطلق إلى الثورة، باحثا عن دروب الحرية ويكون التحاقه بالفدائيين منطقيا,ً فهو قدر الفلسطيني ووسيلته إلى الوطن.
أم سعـد لا تبكي، وعندما تخذلها اللحظة، ويكون الإرهاق والهم اكبر من طاقتها, تخجل من دموعها فتطلق الزغرودة، هل في ذلك أسطرة للمرأة الفلسطينية كما يريدها غسـان، المرأة هنا هي الوطن/ الأرض/ رحم الثورة/ لذلك لابد أن تكون بؤرة الهم ومفاعل الآلام ومنتج الصمود الذي يشكل السمة الأساسية لشعب منكوب مثل الشعب الفلسطيني.
"وفي ساعدها الأسمر القوي الذي يشبه لونه لون الأرض، ورأيت كيف للأمهات أن ينجبن المقاتلين"
تمارس الشقاء على مدار الساعة، تخدم في بيوت المدينة نهاراً، وتنضم لأهل المخيم ليلاً في مقاومة سيول الوحل، وطفح المجاري التي تغمر المخيم وتجتاح بيوت الصفيح، لا تعبأ بالجروحُ والخدوش التي تغطي مساحات جلدها.
يقول الراوي غسان:
"ففرشت راحتيها أمامي، كانت الجروح تمتد في خشونتها انهراً حمراء جافة تفوح منها رائحة فريدة، رائحة المقاومة الباسلة حيث تكون جزءًا من جسد الإنسان ودمائه".
وكأنه جهدها اليومي من أجل البقاء وتربية الأولاد، والوقوف إلى جانب الزوج, مقاومة لا تقل عن مقاومة الفدائيين على حدود الوطن.
غسـان كنفانـي يقدم نموذجاً إنسانياً من لحم ودم، فالتقط كل نساء المخيم وصهرهن في كيان واحد يمثل الخصوبة والنماء والإصرار، ويمتلك رحماً ولوداً يرضع من حليب التمرد، ويزود الثورة بالمقاتلين الذين يعرفون الدروب إلى الوطن، ضاربين عرض الحائط كل عوامل الإحباط،ويؤجل غسان كنفاني البحث في كثير من القضايا المتعلقة بالمرأة لضرورات الأولوية في مرحلة الثورة المسلحة.
***
المرأة الفلسطينية في أتون المقاومة, والبكاء على صدر الحبيب لرشــاد أبو شـاور

تتعرض الرواية لأجواء الثورة الفلسطينية بعد أحداث أيلول ومذابح جرش، وخروج الثورة الفلسطينية من الأردن، وما نتج عنه من تفكيك وتصدع في بنية المنظمات الفدائية، ما أطلق العنان للمراجعة والنقد الذاتي الذي وصل إلى جلد الذات، ولعل الرواية تطرح ما تكرس من سلبيات وأمراض مزمنة رافقت الثورة الفلسطينية منذ أربعة عقود وما زالت.
زيـاد الصمـودي الكاتب والصحفي والإعلامي, يفتح بوابة المراجعة على مصراعيها, ويفتش في ملفات المتسلقين والانتهازيين, الذين يملكون المال والسلاح والتحكم في القرار ومصائر الرجال، ما جعل الثوريين الحقيقيين يعيشون على هامش الثورة، موظفين في المكاتب ينتظرون المخصصات الشهرية حتى يتواصلوا مع الحياة.
هذا المناضل ابن الشهيد الذي لجأ مع أسرته إلى مخيم النويعمة في أريحا، يترك دراسته إلى ساحات القتال في الأغوار، ويشهد معارك أيلول في عمان، ينتهي به الأمر عليلاً مصدوراً يعيش على هامش الحياة في غرفة فقيرة في مخيم اليرموك.
ويستعرض زياد الصمودي ما آلت إليه أحوال الثورة, باستحضار سير أصدقاء ورفاق استشهدوا أو طردوا أو تم تهميشهم، مثل صديقه غالي الذي ترك الثورة ليعمل على ظهر باخرة تجوب البحار, ورجع لإحساسه بالضياع والغربة أكثر إصراراً على مواصلة الكفاح والإصلاح من داخل الثورة,وفي هذه الأجواء يتعرض القاص لثلاثة نماذج نسوية شاركن في الثورة ودفعن ثمناً باهظاً.
1- فجر صالح الخلف
الفتاة الأردنية نموذج الشباب الملتزم، تؤجل مشروع دراستها الجامعية، وتنضم للمقاتلين في عمان، وتتشرب الثورة بكل عفوية ومصداقية، تقع في هوى قائدها الذي يستغل اندفاعها وجمالها ويعدها بالزواج وإعلان الخطبة, ولكنه يفاجئها ويعرفها بكل برود على خطيبته، وكأن ما كان بينهما عبث أطفال، أو مشاغبة صبيانية من مشاغبات الثوريين المناضلين.
فجر ذات الشعر الذهبي والعينين الخضراوين ينقصف حلمها فجأة، تقف مذهولة لسهولة الخداع، مهزومة كما الثورة بعد أيلول, تفقد حبيبها وتفقد عذريتها في لحظة صدق معه.
ولكنها سرعان ما تتماسك وتقرر إكمال دراستها في بيروت، وفي الطريق إلى بيروت تتوقف في دمشق لتتواصل معزياد الصمودي، الصديق الوفي الذي سبق أن صارحها بأحاسيسه اتجاهها، ورغبته في الارتباط بها، عندما كانت في ذروة تعلقها بحبيبها الأول، فلم تملك إلا أن تقدر له مشاعره وتحترمه أخاً وصديقاً وفياً.
تلتقي بزياد المحبط بعد المعركة، وتفاجأ بأنه ما زال على أشواقه الأولى، وما زال وفياً لمشاعره اتجاهها، وأنها لم تغادر قلبه، ويعذبه ما طرأ عليها من تغيرات يقول:
"وجهها شاحب، وفي عينيها قلق، وتعب، جسمها صامد وبعض الغضون في جبينها"
زياد يلخص مشاعره اتجاها
"رأيت اخضرار عينيها، فكرت أنها صافية وعذبة قريبة وبعيدة، هكذا كانت بالنسبة لي دائما، أما ذلك القذر لا يستحقها، ستكون كارثة إذا اقترن بها"
مع زياد الطيب المشتاق الحنون الذي لا يكتم مشاعره، يتبرعم الحب من جديد، وتعود إليها البراءة الأولى.
"كانت أكفنا قد تقاربت، وغرقت في الدفء اللذيذ رأيت في شفتيها ابتسامة عذبة وفي عينيها فرح صغير يضيء"
ولأن البراءة تحمل كل مقومات الصدق، تنحاز فجر إلى زياد وتلوذ به صدراًَ حنوناً ترتاح عند مرفأه.
يقول زياد:
"نقرت على جبيني، افترت شفتاها عن ابتسامة حلوة، كنسمة رطبة عطرة في ظهيرة يوم قائظ".
ولكن فجر تخشى الخديعة، فتصارحه بأنها فقدت عذريتها مع الرجل الأول الذي أدار لها ظهره، يترنح زياد تحت الضربة غير المتوقعة، ولكن ليس من موقع الرجل الشرقي الذي يرى في العملية هدر شرف المرأة، إنما بوعي بأن ما حدث اغتصاب قذر يرتكبه الانتهازيون كل لحظة، ويدفع ثمنه الشرفاء على مدار الساعة.
"أنا متألم الآن، لا أريد أن أكذب عليك، أنا مقهور الآن، ليس لأنك فقدت عذريتك مع ذلك القذر، إنني أشعر وكأنه اغتصب أمي أمامي، لقد أهانونا كثيراً ولكل شئ نهاية.
زياد يرى في عملية فض بكارة فجر اغتصاب للوطن ما يجعله يترنح تحت ضربة اغتالته في الصميم.
أما فجر فتقف عند حد الاختيار، هي تحب زياد ولكنها تخشى أن تستغل مشاعره وحبه القديم وطيبته، وتخشى أن يثور فيه الرجل الشرقي يوماً لذلك تقرر أن تعطي لنفسها ولزياد مزيداً من الوقت.
إلا أن الأحداث تؤكد صدق العلاقة، فيلحق بها إلى بيروت للتفاهم على ترتيبات الزواج، وهناك يكونا شاهدين على فجيعة كبرى, حيث تستشهد هناء وغالي في الأحداث المسلحة التي وقعت بين قوات الثورة والقوى اللبنانية المعارضة.
من لبنان تبدأ رحلة جديدة، ويكون البكاء على صدر الحبيب تطهراً من آثام الماضي، وانطلاقاً لمقاومة الفساد والأمراض التي تنهش جسد الثورة الفلسطينية.
2- نهاد تعود إلى اللاذقية
الفتاة القوية التي تدربت مع الشباب وفرضت عليهم احترام عقلها وإرادتها، وعدم النظر إليها كامرأة ضعيفة مشتهاة، وبقدر ما كانت صارمة مع الفدائيين وقفت في مواجهة أخيها الذي حاول طعنها بالسكين رافضاً التحاقها بالثورة، تغلبت عليه وطرحته أرضاً، ما جعله يراجع موقفه وينضم لفصيل فدائي ويستشهد في حوادث لبنان 1969.
هذه الشابة تترك أمها وأبيها في اللاذقية، وترسل بعض النقود لأمها لأن أباها يرفض أن يعيش من عرق امرأة حتى لو كانت ابنته, وفي عمان تقع في هوى أبو صالح الفدائي المتطوع العراقي, ورامي الدوشكا ويعلنان خطبتهما في القواعد، وفي أحد العمليات تصاب بجروح خطيرة, ويستشهد أبو صالح لتبقى على ذكراه.. تشارك في معارك أحراش جرش مع القــــائد أبو علي إياد، وفي الحصار تستسلم مع الرجال للقوات الأردنية، وعندما يكتشف الضابط الأردني أنها امرأة يحاول التحرش بها فتبصق في وجهه فيصفعها ويصرخ في وجهها.
_ شرموطة
وفي دمشق تلتحق شأنها شأن الآخرين بالمكاتب, وفي يوم يستدعيها المسئول يرحب بها على غير المألوف ويصطحبها إلى بيته لتتناول الغذاء، وتفاجأ بالحفاوة البالغة التي تبديها زوجة المسئول التي طالما تعاملت معهم كملكة متوجة، إلا أنها سرعان ما تكتشف سر الحفاوة, إذ رشحها لونها الأسود للقيام بعملية في دولة افريقية.
تعتذر وتؤكد أنها على استعداد للقيام بمهمة داخل الأرض المحتلة, أو ضد النظام الأردني الذي ذبح الثورة في جرش, وتعود إلى اللاذقية حيث والديها.
نهاد نموذج المرأة الملتزمة التي تؤمن بالثورة طريقاً للخلاص، ولكنها تواجه بسلسلة من الخسائر والهزائم, وتتحول إلى رقم في أحد المكاتب بانتظار راتب آخر الشهر تحت رحمة مسئول يتاجر بالأموال والسلاح وأرواح البشر.
3- هناء والرقص بين التحرر والانحلال:

الفتاة التي تؤمن بأن الثورة تعني التحرر من القيود والأعراف والتقاليد، حتى في مجتمع شرقي، تأخذها الأفكار اليسارية الفجة، وممارسات المراهقين الثوريين، وتعتقد أنها تحررت من كل قيد، وان لها الحق في الإقبال على الحياة بكل طاقتها وشهواتها، فتقدم جسدها لمن ترغب من الرجال، جسدها ملكها وحقل تجاربها، تتقاذفها الأيام والأحوال، تعمل في الصحافة وتتغذى على الأفكار الجديدة، لتكتشف أنها بقايا امرأة مشتهاة، تصعقها فجر.
- هل يقبل أحدهم أن يتزوجك؟!
تضعها فجر أمام الحقيقة، فتخرج منها المرأة المهزومة الخاسرة، تكابر على الوقت، فتغوص في وحل الحالة والتردي تعترف لتتطهر من أدرانها.
"أنا انتهيت يا فجر، إنني أشبه ما أكون بمومس، حتى إنني خفت أن أكون مريضة، لقد منحت جسدي للكثيرين، أنا لا أصلح أن أكون زوجة لأيما رجل مهما كانت قيمته، كنت أريد دائماً أن أؤكد إنني امرأة وأنني حرة، بربك هل هذا الجسد جسد امرأة وإنني حرة، إنني مثل ماعز أيام القحط.
هناء تكتشف زيف الرجال من حولها، وكذبهم والفصام الذي يلف حياتهم، تكتشف الخديعة ولكنها لا تستطيع التوقف, وكأن قدرها أن تمارس السقوط إلى النهاية.
"يأتي أحدهم أحياناً إلى المجلة ومعه زوجته، يحاول ان لا تلتقي نظراتي بنظراته، يتحدثون عن الوطن والوفاء الزوجي، وأعباء الحياة النضالية ثم بعد أن تخرج الزوجة يتحول إلى ذئب.أنا قرفـت."
وعندما تتعرف على غالي المتبرم من كل شئ، والحانق على كل ما حوله من مظاهر، تتعلق به وكأنه الوجه الآخر لحالتها، وفي الاشتباك الذي يحدث في المدينة الرياضية تلتصق به، وترفض أوامره وتظل في مرمى النار وتقضي قتيلة أو شهيدة.
هل استشهدت هناء أم انتحرت أم أنهم قتلوها.
أعتقد أنها وصلت إلى ذروة الأزمة فقررت الانتحار.
**
نسـاء من فضـاء يحيـى يخلـف
1- زوجة الفورمن امرأة لم تأكل تفاح المجانين
المرأة البيضاء الجميلة ذات الشعر الأشقر، زوجة الرجل سيء السمعة، الذي عمل مع قوة الحدود ويعمل مع مشروع النقطة الرابعة، الذي يدفع باتجاه توطين اللاجئين, وصاحب الحظوة عند رجال مخفر الشرطة.

هذه المرأة التي يمتلكها الفورمن كما يمتلك السطوة والمال والنياشين، ولكنها تملك قلباً نقياً, فتنحاز إلى ناس حي التـنك، من اللاجئين الذين لم يجدوا مكاناً في مخيمات اللاجئين, تقدم العطايا والمساعدات والحلوى لأطفالهم نظير خدمات صغيرة، وترتاح لصداقة امرأة جار عليها الزمن، قافزة عن الفوارق الاقتصادية والاجتماعية.

هذه المرأة تبحث عن الامتلاء, والتخلص من جوع مزمن مع الفورمن الذي فقد شروط الرجولة من وجهه نظرها.. تقبل الصبي "مشروع رجل صغير" كما يفعل الحمام الأبيض، ولا تدرك أنها وضعت الصبي عند بوابة الاكتشاف الأول..تبحث بصمت أرستقراطي عن رجل تجد فيه ضالته, والرجال من حولها مأزومون منكسرون يعيشون على حكايات الماضي، لم يفيقوا من الصدمة فما حدث أكبر من قدرتهم على الاستيعاب في بدايات الهجرة الأولى.

يظهر الخال عمران الفدائي نموذج آخر يتجاوز الرجال من حولها، فتستجيب للإفراج عنه, وتدفع زوجها لتقديم الكفالة المطلوبة, واستغلال حظوته لدى سلطة المخفر، وكأنها على ميعاد مع الرجل التي انتظرته طويلاً، لا تدرك أنه مأزوم أيضاً، وانه وقع في البلبلة شأنه شأن الآخرين، ولكنه ما زال يحتفظ بجذوة الثورة في أعماقه.

وفي زمن الحاجة والفقر والجفاف يقع في هواها, ويمضي بها إلى الزاروب المعتم ويغيبان طويلاً, وتقبله كما يفعل الحمام الأبيض.
هذه العاشقة الطيبة تستكثر على عمران الاحتفاظ ببطاقة إعاشة تعود لرجل مات رغم أهمية البطاقة في مواجهة الجوع.

هذه المرأة نموذج إشكالي تعيش مأساتها الشخصية مع زوج مرفوض، وتنحاز إلى الأصيل من الناس، وتتألم لآلامهم, تقف في المنطقة البيضاء عند الاختيار، وترفض أن ينساق الرجل الذي تحب وراء بطاقة إعاشة مرفوضة.
- ماذا فعلت بنفسك؟ لماذا تلبس هذه الملابس يا عمران؟
علاقة صافية صادقة تضرب يافوخ الفدائي. وتضعه في مواجهة نفسه من جديد, فيعود إلى خياره الأول وينطلق من حيث أتى.
2- انتصار تلك المرأة الوردة:


عاملة في مصنع راحة الحلقوم وسط عالم من الصبيان والرجال والعجائز، الفتاة ذات الوجه الرائق والعينان الصامتتان، تُغيب شعرها خلف المنديل. فقيرة التي تحمل في قلبها شوق إلى الحياة، كما الصبايا في عمرها تتفتح أشواقها عندما يعزمها الصبي الفقير مثلها إلى عرس قريبته التي ستزف من بيته، تناوشها الرغبات فتسأل إذا ما كانت العروس تمتلك الأساور والخواتم, وأدوات الزينة, تسأل عن الفستان الأبيض، وهل ستعيش العروس في بيت مستقل أو مع العائلة.. وبعد طول تردد تحسم الأمر وتلبي الدعوة، استجابة لإلحاح الصبي, وربما استجابة للبحث عن فرح مفقود..
وفي الفرح ترقص، ترسم تكشيرة على وجهها دون أن تنظر لأحد، تدق قدماها الأرض بقسوة، وتهز جسدها بعنف ليس له مثيل، وكأنما تطرد منه القهر، وتلفظ الصدأ، تبتسم رغماً عنها، وتهبط إلى أن تصبح ناعمة كقرار موجة، ما جعل الفرح أكثر انسجاماً وبهجة، وأضفى على الحالة بهاء خيم على المكان، كان همها أن تبسط الحاضرين فتعاود الحركة مع الإيقاع
ولكن أين للفقراء والمحرومين من البهجة.. فجأة تظهر امرأة حامل وتتهمها بسرقة اسورتها، تفتشها وتخرج الاسورة من شنطتها، لم تدافع انتصار عن نفسها، وكأن ليس من حقها ان تمتلك أسورة مثل النساء, أكدت بضعف فقط:
- إنها أسورتي، اشتريتها من عرق جبيني.

وتخرج من الفرح مطرودة متهمة، ولكن سرعان ما تظهر الحقيقة وتكتشف المرأة الحامل أنها نسيت أسورتها التي تشبه أسورة انتصار في خزانتها.

لماذا لم تدافع انتصار عن حقها؟ ولماذا غادرت المكان صائمة على أحزانها؟.

هذه المرأة الشابة الضعيفة, تتحول إلى شظايا وتنشب أظافرها في عنق صاحب المصنع الذي هوى على كتف أحد العمال بقضيب الحديد, هجمت على من يستغل الفقراء, وخرجت لا تلوي على شيء.. زلزلت المصنع وفعلت ما لم يفعله الرجال, فلماذا لم تزلزل الدنيا عندما اتهموها بالخيانة؟ لماذا لم تتنمر في وجه المرأة الحامل؟
الفقراء لا يقهرون الفقراء.
يعيد الصبي الاسورة، تضعها في يدها دون أن تظهر الدهشة، وكأن الأمر تحصيل حاصل.. وضعت شالها على كتفيها ومضت لم تلتفت للوراء.

انتصار بيضاء كما الحقيقة، صلبة كما الحق، تستوعب الحياة بثقة وتختزن آلامها، وتحدد نقطة انفجارها عندما يكون الطرف الآخر من يستغل عرقها ويصادر أحلامها, واثقة بأنها تمتلك الحلم ولابد أن تمتلك الغد.
هذا ما يريد أن يصل إليه الكاتب, وهو أن الفلسطيني الذي فقد الحاضر، عليه أن يمتلك المستقبل.



3- مجد والنهر الذي يستحم في البحيرة:

مجد المقدسية تقف في المنطقة الوسط بين رجلين, مثقف عائد من المنافي في قطار أوسلو, ومغترب يعود بجواز سفر أمريكي، يبحث عن الأمل والتعايش والمستقبل, لأيهما تنحاز، وعلى أي أرضية تقف وبأي القناعات.
مجد تتألم وتتعذب وتفقد رحيق عمرها، يعذبها الاختيار.
في غزة تلتقي مع صديقها المثقف الذي قابلته في تونس قبل سنوات، وانتظرت لقاءه الذي لم يتم في مدينة خارج الوطن. وعندما تلقاه تخبو اللهفة وتفقد بريق عينيها، وتقفز التجاعيد التي أخذت تزحف تحت جفنيها.
هل هو الخذلان أم الفقد والخسارة، وقد اكتشفت أنه لا يريد الخروج من حضن صديقته العربية عائشة, وكأنه أدمن الغربة وأدمن على ترتيل حكاية الوطن فصولاً حزينة يعيد قراءتها ويتوقف عند روائح البكارة الأولى، وكأن نصف قرن مضى لم يغير الأمكنة والأفكار والوقائع.
يرفض ما جاءت به اتفاقية أوسلو، ويريدها حرب لا تنتهي مثل الياباني أونودو الذي يرفض إلقاء سلاحه.
مجد تدرك أنها مع شخص آخر غير الذي قابلته في تونس, تتأمله مصدومة معبأة بالحيرة من رجل طالما ردد على مسامعها عبر الهواتف.
"إن أجمل الأيام لم تأت بعد"
وعندما تراقصه في الفندق وقد أمسك بيدها اليسرى، فيما التفت يده اليمنى حول خصرها، يرتعد جسدها وترتجف.
هل هي النشوة أم الرعب من شعور لم تتبين حقيقته؟.
هذا العائد الباحث عن حكايات البحيرة التي يخترقها نهر يستحم في مياهها ويخرج بهياً فحلاً.
بماذا تفكر هذه المرأة التي انقسمت إلى امرأتين.
واحدة تفكر بليلة عرس.
وأخرى عالقة بعش عنكبوت.
أما أكرم المغترب العائد إلى الوطن بجواز سفر أمريكي, يبحث عن الأمل والتعايش والمستقبل، يبحث عن بيرتا راقصة الليدو الشهيرة, التي وقعت في هوى خاله فارس الفارس, وأحبته حباً خالصاً صعد فوق الديانات والقوميات والصراع السياسي، خرجت معه إلى مخيمات اللجوء، ولكنهم انتزعوها من حضنه وسلموها إلى الصليب الأحمر الذي اعددها إلى طبريا، فاعتزلت الرقص، وصام هو عن النساء حتى مات وترك خاتمه الذي أهدته إياه بيرتا.
أكرم المغامر الذي الموهوم بالحياة في أمريكا, يبحث عن بيرتا ليصدر وإياها بيان من أجل السلام العادل.
وعندما يلتقي بها تصدمه الحقيقة.
يقابل حطام امرأة لا تتكلم ولا تسمع وترى غبشاً من نور، لا تتعرف عليه، ولا يبدو أنها تعرفت على الخاتم.
إلى أي الرجلين تنحاز مجد, ومن أي النموذجين تقترب؟
هل تنحاز إلى أكرم؟ كما توهم صاحبها المثقف عندما رآها تتحول إلى فراشة بصحبته، أم إنها رغبته هو حتى لا تقترب من وليفته عائشة فتاة المنافي, وعبق الغربة التي لم يتخلص وربما لا يريد التخلص منها.
هل تبقى مجد في المنطقة الوسطى يعذبها الاختيار والانحياز؟ أم تتعذب برفض النموذجين وتلتصق بتجربتها الخاصة في مدينتها المقدسة.
فجر في رواية نهر يستحم في البحيرة مرآه صافية لعذابات الفلسطيني في منافيه ومهاجره ووطنه, تدفع الثمن لأنها اختارت البقاء في الوطن.
استنتـاجات أولية:
1- النماذج النسائية في الرواية الفلسطينية "رواية المنفى", غالباً ما تكون تابعة لعالم الرجال، ولم تظهر بشخصية مستقلة تتبلور بمعزل عن إرادته.
2- الكاتب الرجل يقدم نماذج نسائية على ضوء ثقافته وخياراته الأيدولوجية، ما حد من حركتها ونموها كشخصية فنية تقدم نموذجاً متكاملاً منسجماً مع وضعه الاقتصادي والاجتماعي, والنماذج النسائية الايجابية جاءت صدى لأفكار الكاتب الرجل، لذلك عبرت عن دلالات رمزية مثل أم سعد عند غسان كنفاني في رواية أم سعد وصورة انتصار في تلك المرأة الوردة وزوجة الفورمن في رواية تفاح المجانيين الأقرب إلى حقيقة المرأة المنسجمة مع واقعها كامرأة في بين رجال مخذولين أو مهزومين.
3- المرأة الواعية لدورها، تكبلها قيود المجتمع الذكوري، لذلك تحاول الخروج من أزمتها بالانحياز إلى حريتها أولاً, ووضعها في المجتمع ثانياً أمثال فجر التي تستوعب التجربة ولا تنكسر عند فشل تجربتها مع رجلها الأول الذي فض بكارتها في حالة عبث ثوري، وكذلك مجد في رواية نهر يستحم في البحيرة التي وقعت بين خيار التوافق مع رجل يعيش في الماضي وآخر مغترب يريد إطلاق بيات التعايش السلمي على النمط الأمريكي، فتنحاز الى رغباتها وترفض كلا الخيارين.
4- المرأة المنكسرة على ضفاف التجربة، لا تستطيع المواجهة لذلك نراها تعود إلى مربعها الأول, مثل نهاد التي تلجأ إلى حضن العائلة بانتظار أن يتغير واقع الرجال, وهناء التي تفقد البوصلة بين الحرية الفردية والانحلال على صدى أفكار المراهقة الثورية, فتذهب إلى الموت الذي يبدو استشهاداً ولكنه يحمل في طياته كل مبررات الانتحار.
*ملاحظة واجبة: إقتصرت المداخلة على روايات كتبت في المنافي قدمها كتاب انخرطوا في العمل الثوري,ولم تتعرض إلى روايات كتبت داخل الوطن تحت نير الاحتلال, والتي ربما قدمت نماذج تحمل مواصفات أخرى وتحتاج إلى دراسة أخرى مكملة.



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدموع والدخان وحفاف ماء العين
- جنة يضاريسها وعرة
- الجياد تقفز عن الحواجز
- العودة إلى الحنين
- قراءة في رواية الصبي والبحر للكاتب توفيق أبو شومر


المزيد.....




- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب
- الفيلم الفلسطيني -الحياة حلوة- في مهرجان -هوت دوكس 31- بكندا ...
- البيت الأبيض يدين -بشدة- حكم إعدام مغني الراب الإيراني توماج ...
- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل
- السجن 20 عاما لنجم عالمي استغل الأطفال في مواد إباحية (فيديو ...
- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - صورة المرأة في روايات الرجال