أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح كنجي - معركة أخرى خاسرة















المزيد.....

معركة أخرى خاسرة


صباح كنجي

الحوار المتمدن-العدد: 2073 - 2007 / 10 / 19 - 11:20
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة

ساقلع عن التدخين..
ألا تصدقونني؟ انني جاد في هذه المرة، ولن ادخن أي سيكارة اعتبارا من صباح غد..اي يوم يصادف غدا؟ حسن. اذن ستكون ساعة الصفر صباح الاحد.وبعدها ساحطم خصمي العنيد الذي ظل يصارعني طيلة ربع قرن من الزمان.



نحن الان في يوم السبت. الوقت صباحا. وحتى تحين ساعة الصفر العظيمة ساصفي بعض الحسابات القديمة مع عدوي الغادر. اعترف لكم باني خضت ضده معارك عديدة كان الفشل نصيبي في جميعها، لكني موقن اشد اليقين بأني ساحقق النصر في المعركة المقبلة. ومنذ الان ساتهيأ للمعركة، معتمدا على ستراتيج جديد لم اتبعه في أية معركة سابقة. لقد اجريت تحليلا لاخطائي التي جرت علي الفشل فوضح لي اني كنت ابتدأ بداية خاطئة، والبداية الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة، والعكس صحيح. والعاقل من استفاد من اخطائه. متى دخنت السيكارةألاولى؟ الحقيقة اني لا اتذكر ذلك بالضبط،وكل ما اتذكره اني دخنت لاول مرة وانا طفل ساذج. وماذا كانت الدوافع ؟ لاادري بالضبط. ربما كانت محاولة مني لتقليد الكبار بدافع من اقران السوء.. وعلى أي حال فقد ابتدأت التجربة في السر خوفا من بطش ابي. ثم زين لي جموح المراهقة-بعد اعوام- أن اظهر امام الملا وبين شفتي سيكارة انفث دخانها برضا وسرور متبخترا كالطاؤوس، متنقلا هنا وهناك في زهو وكبرياء. ضبطني ابي؟ وانتم تعرفون ماحدث،زادني العقاب اصرارا على مواصلة التجربة، لماذا يمنعني ابي من التدخين؟ كل الناس يدخنون،المساءلة ضرورة من ضرورات الحياة مثل الاكل والشرب والدراسة، وابي ايضا ربما يكون جدي منعه عبثا عن التدخين، لكنه يدخن اليوم رغم نصائح جدي له..اه..لو يعلم ابي كم اني مغرم بالتدخين، فالناس ينظرون إلي نظراتهم إلى رجل عندما يرون السيكارة في فمي، والتدخين يساعدني على تركيز افكاري وقت الدراسة... التدخين وسيلة ناجحة بين الاغراب. وواسطة للتغازل مع الاحباب... فلن يلمني ابي؟ولم يمنعني؟ إن لم ادخن في صغري فسوف ادخن حتما في كبري، فلم يلمني ويمنعني ابي ؟ لم؟.
استمرت مطاردة ابي لي اعواما عديدة ،ثم يأس، واذن لي أن ادخن علنا متى اشاء.
جرفني تيار الحياة، ووجدتني اصارع الامواج الصاخبة، وبدات آرائي تتغير وتتبلور. شرعت انظر للامور نظرة واقعية، نظرة رجل حنكته تجارب مرة قاسية، عندئذ فقط ادركت أن ابي كان على صواب. وبدأ الالم يحز في نفسي... اليس من العار أن يستمر الانسان على الخطا؟ وما قيمة السيكارة ؟ ولماذا لا يمكن الاستغناء عنها؟ إن الذي لايقنع نوازع السوء الصغيرة في نفسه لايمكن أن يحقق الامال العظيمة.. بهذه المعنوية شرعت افكر بالكف عن التدخين لاول مرة، باعتبار التدخين رذيلة اجتماعية... وكنت يومئذ صارما في انتقاد الذات، حريصا على تنفيذ اية فكرة تخطر على بالي بدقة متاهية.
وياللاسف... فشلت المحاولة الاولى بعد تنفيذها بوقت قصير، وشرعت ادخن بنهم اكبر من السابق، وعدت اناقش نفسي مرة اخرى: هل قطع التدخين صعب إلى هذا الحد؟ لا..مطلقا. انها مسالة ارادة لا غير، وانا لست ضعيف الارادة في ذلك الشان، ساحاول وفشل المحاولة لن يثنيني عن عزمي، ساعيدها مرة اخرى.
تذكرت قصة القائد المغلوب والنملة.تهيات لجولة ثانية وفشلت
فشلت في جولة اخرى واخرى واخرى، حتى لم يعد بامكاني أن اتذكر عدد مرات فشلي، واستمرأت لذة الفشل، وايقنت أن في الفشل لذة لاتقل عن لذة النجاح ابدا.
ومرت اعوام...
وفي كل عام كنت اظن أن المعجزة ستتحقق، واني لا بد من أن احطم الوحش المجنون الذي استعبدني طويلا. قررت أن اخوض غمار معركة اخرى،مستفيدا من الخبرة الاخرين، ومستعينا بتجاربي الشخصية.
ناقشت نفسي من جديد، لابد من عمل حاسم فقد بدات تظهر اعراض جانبية كما يقول الاطباء، فالتدخين يستنزف جزءاً غير يسير من ميزانيتي، وانا اسعل بشكل مقرف كانني شيخ في السبعين من عمره، ماذا قال لي الطبيب؟التهاب قصبات؟اه..عزائي انه التهاب بسيط لاضرر منه..ولثتي ملتهبة ايضا، وقد دب التسوس في اسناني الصفراء، لكم اصبحت مهملا...يبدو أن الدخان صار يبلد ذهني بدلا من أن يشحذه، من اجل والا كيف ارمي اعقاب السيكاير في اركان المنزل بدلا من أن اطفائها في المنفضة التي بجانبي؟ لقد احرقت ذات مرة بدلة جديدة اول ما لبستها. وهذه اصابعي، صفراء لحد القذارة.. والانكى من كل شي أن ابني الصغير (خليل) بدا يسرق مني السكاير وهو بعد في السادسة من عمره. لقد ضبطته يدخن.. وغضبت وارتفعت يدي في الهواء لتنال على وجه في صفعة قوية، لكني عدلت اخيرا،فان العقاب لايفيد، ينبغي أن اقطع علية الطريق، الا ادع في أي سيكارة في تناول يده، ولكن كيف يتسنى ذلك؟ينبغي أن اقلع انا عن التدخين فلا تقع أية سيكارة في متناول صغير.
...فليتحطم الصنم الذي عبدته طويلا.ولتبدا معركة جديدة. ولنر لمن يكون النصر.
شرعت اهيء كل مستلزمات المعركة المقبلة،محاولا عدم الوقوع في أي خطا من الاخطاء السابقة. اخبرت بعض الاصدقاء بعزمي، فابتسموا ساخرين، واخبرت زوجتي في الموضوع، وطلبت منها أن تشتري مقدما كل حاجيات الغد، لانه قد يفرض منع التجوال،ففغرت فمها دهشة، وعندئذ أو ضحت لها:
- لن يحدث أي انقلاب يا عزيزتي.
وبلباقة شرحت لها مشروعي، وهو البقاء في المنزل يوما كاملا، وعدم السماح لاي شخص بالدخول اليه ايضا، فتبسمت ساخرة، ثم اردفت تقول:
-لابأس.. لعلك تنجح في احدى محاولاتك.
واوضحت لها بالتفصيل ادق الامور في معركتي المقبلة،فوعدتني بانها ستبذل من جانبها اقصى الجهود في سبيل تحقيق امنيتي. وامضينا ساعة نتناقش. ثم حل المساء، فشرعت ادخن سيكارة في اثر سيكارة حتى انتصف الليل... عندئذ سحقت جميع ما تبقى لدي من سيكاير، واليقيتها إلى الزقاق من النافذة، موذنا بافتتاح المعركة. وبعد أن تناولت فطوري في الصباح لاحت بوادر الازمة... شعرت بالدوار يعصف براسي، كانني رائد فضاء يسبح في مجال انعدام الجاذبية، قاومت هذه الاعراض المزعجة بشجاعة دون أن انبس بكلمة، لكني في قرارة نفسي كنت على استعداد كامل أن ادفع دينارا كاملا في سبيل سيكارة واحدة، بل كنت على استعداد لان اضحي بسنة من عمري لقاء نفس واحد من الدخان.وخطر أن اعلق فوق الباب لافتة: ممنوع الدخول والخروج؟ .ثم ارتأيت أن امضي تلك السويعات المزعجة بالمطالعة.واخترت احب قصة إلى نفسي، اخترت قصة بعنوان (عناقيد الغضب) وشرعت اقرا فصلا معينا طالما اهاج في نفسي اعمق الاحاسيس الانسانية. لكني لم افقه شيئا مما قرات. ثم تناولت مجلة رخيصة حافلة بصور بغايا عاريات باسم الفن.ثم القيتها جانبا هي الاخرى. واحسست بما يشبه الظمأ. وتجرعت كاسين مترعين من الماء دون أن يزايلني ذلك الاحساس. ثم شعرت بالنعاس. غير اني لم استطع النوم..وشعرت بأعراض غريبة كتلك التي يشعر بها مريض مصاب بهبوط في الضغط. وانتابتني حالة من الياس والفجيعة والقنوط دون أي مبرر.. هل ثمة شي افتقدته؟ لكن الباب موصد، وعلي أن اقوم. ثم تمددت ورحت في اغفاءة قصيرة. وعندما استيقظت امتدت بيدي بطريقة ميكانيكية لتبحث عن علبة السكائر تحت الوسادة. فيا لخيبة الامل قررت بعد ذلك اتمشى على السطح لتمضية فترة هي اتعس من الفترة التي يمضيها المتهم قبل صدور الحكم عليه. وصعدت فوق السطح. ويالهول مارأيت كان ابني (خليل) قابعا في احدى الاركان وبين اصابعه سيكارة يدفع بها في فمه إلى اقصى حد ممكن، وقد انتفخت أو داجه ودمعت عيناه. ورايت لعابه يسيل.انقضضت عليه كالبرق وانتزعت منه السيكارة، وامتصت منها انفاسا عميقة متلاحقة، وعصف بي الدوار كرة اخرى، لكني تمالكت نفسي وصرخت في وجهه بغضب:
-هيه ايها العفريت. قل لي من اين حصلت على هذه السيكارة؟ رفع الي وجها مذعورا،فكررت عليه قولي:
-لن اضربك. قل لي كيف حصلت على سيكارتك في هذا الحصار الجهنمي المفروض على البيت؟ دون أن ينبس بكلمة انتصب واقفا، وتطلع حواليه بارتباك شديد ثم مضى إلى احد الاركان، وازاح حجرا عن حجر، ثم سحب قبضة من مختلف أنواع السكاير كان قد سرقها مني في فترات متباعدة.. صادرت السكائر المهربة،وصرخت به وانا اقطب ما بين حاجبي.
-لاتحاول أن تسرقني ثانية؟
واجاب متلعثما:
-لا يا أبي.
واقبلت زوجتي على صراخي، فوقفت مندهشة وهي تتمعن بذهول في سحب الدخان المعقودة فوق راسي.والحق اني شعرت بالخجل والارتباك ثم شرحت لها الموضوع باختصار، فقالت بعطف:
- عبثا تتعب نفسك كل مرة.
اجبتها على الفور:
- خسرت معركة اخرى يا عزيزتي، ولم اخسر الحرب.


جمعة كنجي

بحزاني في 25/5/969




#صباح_كنجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلة الوداع الأخيرة
- محطات مع توما توماس
- سنجار بلا أسوار
- نعالُ الله ..!!
- مؤتمر الإصلاح بين مبادرة دخليل جندي وهفوة الوزير محمود عيدو ...
- حوارات عراقية
- علي خليل... أبو ماجد هَل ْيتجددُ اللقاء ؟
- الديانة الأيزيدية
- الدين ُ امْ البشر
- حكومة كردستان ... الطريق إلى الأداء الأفضل
- اسئلة عن الإيزيدية
- بحث في دلالة معنى كلكامش.. هل كان كلكامش إبنا ً لبقرة؟
- زهير كاظم عبود...في تنقيبه للتاريخ الإيزيدي القديم..2
- (1)... زهير كاظم عبود في تنقيبه للتاريخ الإيزيدي القديم
- الطريق إلى الإحتفاء ِ بالجريمة...1
- آذار... تداعيات الذكرى والقيم
- إلهُ الحربِ ودينُ الديناميت!
- عشرة في الحروب وعشرة في تيه البحر لطارق حربي..شعرٌ يرفضُ أن ...
- دين... ودجل... وإرهاب
- تنبؤات كاسندرا...قصص... لحمودي عبد محسن


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح كنجي - معركة أخرى خاسرة