أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمعة كنجي - الأشجار لا تموت














المزيد.....

الأشجار لا تموت


جمعة كنجي

الحوار المتمدن-العدد: 2076 - 2007 / 10 / 22 - 10:48
المحور: الادب والفن
    


أقبل الخريف ، بدأت أوراق بعض الأشجار تذبل ثم تسقط على الأرض . حزنت الأشجار حزنا ً شديدا ً ، وتساءلت فيما بينها : " ماذا جرى ؟ ولماذا تتساقط الأوراق هكذا ؟؟" . قصدت الأشجار شجرة جوز كبيرة لتستشيرها في الأمر ، ضحكت شجرة الجوز وقالت : " لا شيء .. لا شيء يا عزيزتي . يبدو أن الشتاء قد بدأ يقترب ، لذلك تتساقط الأوراق نحو الأرض " .
عادت كل شجرة إلى مكانها ، وهي في غاية الأطمئنان . إستمر تساقط الأوراق ، تجمعت أكداس كثيرة منها فوق سطح الأرض . وقبل أن يحل ّ فصل الشتاء ، صارت جميع أشجار الغابة - عدا القليلات- عارية من الأوراق تماما ً .
حتى شجرة الجوز الكبيرة ، سقطت هي الأخرى أوراقها ، وبدت كأمرأة عجوز طاعنة في السن . عندما أضحت الغابة جرداء ، إنتشر الخوف بين الأشجار ، قالت شجرة التين :
-لا بدّ وأن الشتاء فصل قاس لا يرحم ، فأي شيء يمكن أن يحمله لنا ؟؟
ردت شجرة الجوز تقول بوقار:
- أجل.. إن الشتاء فصل قاس ٍ حقا ً ، سيحمل لنا معه الأمطار والثلوج والعواصف ..
لكن عليكم أن تصبروا !
واقبل الشتاء . هبّت عاصفة شديدة ، إرتجفت الأشجار من شدة الخوف ، وإنتشر الذعر في الغابة : الرياح عنيفة ، تستطيع أن تقتلع أي شجرة من جذورها .. ما السبيل للخلاص من العاصفة ؟!. صاحت الأشجار بصوت واحد : " لنهرب من وجه العاصفة ، وإلاّ ستقضي علينا جميعا ً .. !" لكن شجرة الجوز الكبيرة هزت رأسها غير موافقة على هذا الرأي ، قالت بصوت رزين :
- كلا .. لن نهرب ! قد تسقط بعض الأشجار في مهب العاصفة ، لكن ليس في مقدور العاصفة علينا جميعا ً .
هكذا صمدت الأشجار في وجه العاصفة . بقيت العاصفة تهب أسبوعا ً كاملا ً . سقطت بعض الأشجار ، تكسرت أغصان أشجار أخرة ، ثم هدأ كل شيء ، تلبدت السماء بغيوم سوداء كثيفة . لم يمضِ ِ وقت طويل حتى تساقطت الثلوج بغزارة . إستمر الثلج يتساقط ويتساقط حتى غطى الغابة وإنطمرت جذوع الأشجار تحته . خافت الأشجار خوفا ً شديدا ً ، قالت شجرة الزعرور :
- لنهرب.. ! الثلج أخطر من العاصفة . سيطمرنا تحته ، ويقضي علينا جميعا ً !.
أطرقت شجرة الجوز الكبيرة تفكر ، ثم قالت للأشجار بصوت حكيم :
- كلا .. لن نهرب ! قد تسقط بعض الأشجار تحت ثقل الثلج ، ولكن ليس في إمكان الثلج أن يقضي علينا جميعا ً !
إقتنعت الأشجار برأي شجرة الجوز الكبيرة ، وبقيت في مكانها بأنتظار ذوبان الثلوج" .
ذات يوم سقطت الأمطار بغزارة . فرحت الأشجار وقالت : " المطر سيذيب الثلوج". في الليل أضاء الغابة بريق ساطع ، أعقبه دويٌّ يشبه أصوات المدافع ، إنكمشت الأشجار على نفسها وهي ترتعد ذعرا ً .
قالت شجرة البلّوط : هذه هي الصاعقة .. وهي تستطيع إقتلاع أي شجرة في غمضة عين ! " . خافت الأشجار وصاحت :
- لنهرب.. ! الصاعقة أخطر من الثلج ، وهي تستطيع أن تمزقنا قطعا ً قطعا ً .
قالت شجرة الجوز الكبيرة مؤنبة :
- كلا .. لن نهرب ! الصاعقة قد تقتلع بعض الأشجار ، ولكن ليس في إمكانها إبادة غابة .
إقتنعت الأشجار بهذا الرأي ، فلم تهرب .
أذابت الأمطار الثلوج إنحدرت السيول من قمم الجبال . تجمعت على شكل نهر هائج . إتجه النهر صوب الغابة وهو يزمجر . إقتلع عددا ً غير قليل من الأشجار ، وجرفها معه بعيدا ً ، إنتشر الذعر في الغابة ، صرخت شجرة الصفصاف :
- لنهرب ..! السيل أخطر من الصاعقة . سيجرفنا نحو البحار البعيدة .
لكن شجرة الجوز الكبيرة إعترضت قائلة :
- كلا .. لن نهرب ! السيل سيجرف الأشجار ، لكنه لا يستطيع القضاء على غابة .
هكذا بقيت الأشجار في مكانها ولم تهرب . مع بداية الربيع أورقت جميع الأشجار ، إكتست الغابة بثوب أخضر جميل . إنسابت الجداول الصافية في كل مكان ، غرّدت الطيور على الأغصان ، إمتلأت الأغصان بالفاكهة ، لم يعد هناك مكان على الأرض أجمل من الغابة .وحدث فجأة - في أحد أيام الصيف - أمر مرعب . شبت النيران في طرف الغابة ، تصاعدت أعمدة الدخان نحو السماء ، إنتشر الأضطراب في الغابة ، صرخت الأشجار باكية.
- لنهرب ..! النيران أخطر من السيول . إنها ستحرقنا جميعا ً ، وتحيلنا إلى كومة من الرماد !!
نظرت شجرة الجوز الكبيرة إلى ألسنة النيران ثم خاطبت الأشجار بهدوء ووقار :
- كلا .. لن نهرب !! حتى النيران لا تستطيع القضاء علينا. جذورنا في الأرض، وستنمو من جديد .
أحرقتِ النيران جزءً من الغابة ، ثم مضت تلتهم الهشيم . فرحت ِ الأشجار ، وعانقت شجرة َ الجوز بأعتزاز . ويوما بعد يوم أخذت الأشجار تعلو وتكبر . نبتت أشجار جديدة . ظنت الأشجار بأنها لن تصادف محنة ً أخرى . ولكن حدثَ فجأة أن ترددت في أنحاء الغابة طرقات غريبة : " طاق .. طق ! " وعلى الفور إنتشر خبر مؤلم في الغابة : مخلوق يدعى الأنسان ، بيده آلة تسمى الفأس .. هذا المخلوق يقطع أي شجرة يريد بضربات قليلة من آلته الرهيبة ! .
هتفت الأشجار : " لنهرب ..! هذا المخلوق مخيف أكثر من العواصف والثلوج والبرق والسيل .. بل وحتى النار ! "
ردت شجرة الجوز الكبيرة تقول :
- كلا .. لن نهرب !!
القت نظرة على الأنسان ثم استطردت تكمل :
- هذا المخلوق رهيب ، يستطيع أن يقضي علينا فعلا ً ، لكنه لن يقدم على ذلك أبدا ً .
قالت الأشجار مستغربة :
- لماذا ؟؟
أجابت شجرة الجوز الكبيرة :
-لأنه عاقل !! لن يلحق بنا أذى كبيرا ً .سيأخذ حاجته من الخشب ، وينصرف .
عند ذاك توقفت ضربات الفأس ، غادر الأنسان الغابة حاملا ً معه قليلا ً من الخشب .



.****.
مضى الصيف ، واقبل الخريف ، وبدأت أوراق الأشجار تتساقط .. في هذه المرة ، لم تخف الأشجار ولم تضطرب، فهي تعلم أنها مقبلة على حوادث خطيرة : ستهب العواصف . وتتساقط الثلوج،وتفيض الوديان وتقصف الرعود، وتنتشر الحرائق ...وسيأتي الأنسان أيضا ًحاملا ً فأسه ، وبرغم كل ذلك ستبقى الغابة مزدهرة ، خضراء ، يانعة، ولن تموت الأشجار أبدا ً ..



#جمعة_كنجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقاب العادل
- السمكة الفضية
- الثيران لا تستحق الرحمة !
- الطوفان
- الشمس والثلج والجبل
- الينبوع الحزين
- الديك في مملكة الثعالب
- لماذا هرب الحصان ؟
- البيضة


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمعة كنجي - الأشجار لا تموت