|
الطوفان
جمعة كنجي
الحوار المتمدن-العدد: 2080 - 2007 / 10 / 26 - 05:27
المحور:
الادب والفن
في مزرعة من المزارع ، شمر الفلاح عن ساعديه ، علق طرف ثوبه في وسط حزامه ، وتناول مسحاته ، ثم راح يعملُ بصمتٍ وهدوء، لهيب الشمس يكاد يحرق ظهره . في مكان ٍ غير بعيد منه ، جلست فوق ورقة ِ نبات بعوضة وذبابة وجرادة . شرع هؤلاء الحمقى الثلاث يسخرون من الفلاح ، زاعمين بأنه مخلوق بليد، ينهك نفسه في العمل ، في حين يعرفون هم كيف ينتزعون طعامهم منه عنوة بلا مقابل .
مرَّ الفلاح بالقرب منهم ، دون أن يراهم ، فسخروا منه ، متوهمين بأنهم يختفون عنه في مكان حصين .
هكذا ظل هؤلاء الكسالى يلتهمون طعامهم بشراهة، إستطاعت الجرادة ُ أن تأكل بقدر حجمها من الأوراق الخضراء ، أمّا الذبابة فرشفت من قشر بطيخ حتى إنتفخ بطنها ، بينما بقيت البعوضة ملتصقة بأحد السيقان، غارسة خرطومها الحاد فيه ، تنهل عصيره بغير حساب... إستمروا يأكلون ببطر، والفلاح منشغل في عمله .
حين أدار الفلاحُ ظهره لهم، طاروا إلى مكان ٍ آخر ، وتمادوا في غيهم وغرورهم، قالت الجرادة:" أنا اقوى من الأنسان ، أستطيع أن التهم كلّ مزروعاته! " . لكنّ البعوضة إعترضت على كلامها قائلة : " أنت ِ متوهمةٌ يا جرادة . أنا اقوى من الأنسان . في النهار احتمي بين مزروعاته ، وفي الليل أهاجمه، ألسعه وامتص دمه لا أدعه ينام! " . إستاءت الذبابة من كلام البعوضة، فردت عليها: " يا لكِ من تافهة ! أنت لا تفارقين مخبأك إلا في الظلام . أمّا أنا فأهاجم الأنسان في وضح النهار، أرافقه في كل خطوة يخطوها. أعيش في منزله ، واشاركه طعامه ، وأنقل له ولحيواناته أمراضا ً مختلفة ، قد تؤدي إلى الموت ! أنا أقوى من الأنسان ! " .. ظلّوا يتناقشون دون أن يتفقوا على رأي معين. إحتدم الخلاف بينهم ، وكاد يؤدي إلى نزاع وخيم العواقب .
هنا زقزق عصفور بالقرب منهم. قالت البعوضة: " لنحتكم إلى العصفور ،هو اكبر منا ، قد يعرف من هو الأقوى" . لكن الجرادة إعترضت وقالت بأنه حكم غير عادل ، بينها وبينه عداوة قديمة .
سمعوا نقيق ضفدع بجوارهم ، إقترحت الجرادة أن يحتكموا إليه، لكن الذبابة إحتجّت، مدعية أن لسانه بذيء ، و غير آهل ليحكم بينهم . وقبيل غروب الشمس طار خفاش من فوقهم، قالت الذبابة : " لنحتكم إليه هو حاكم نزيه ، يخجل حتى من الظهور بين الناس!." لكن البعوضة لم توافق، إدعت إنه قصير النظر ، قد يراها ولا يرى بقية الخصوم! .
وهنا قرروا أن يفترقوا، على أن يجتمعوا في اليوم التالي ، لعلهم يتفقون على رأي معيّن .
لكن الفلاح وقف بالقرب منهم ، رافعا ً مسحاته عاليا ً ، ثم هوى بها على حافة اللاحة ، تدفق الماء يغمر الأرض ،صاحوا مذعورين وبصوت واحد: " إنه الطوفان .. لنهرب !!" . وقبل أن يتمكنوا من الهرب، غمرتهم موجةٌ من المياه، تعلقوا بقشة طافية ، حاولوا النجاة ، غير أن الفلاح ضرب الأرض بمسحاته مرة ثانية، فانطمروا تحت كومة صغيرة من الطين .
نينوى/ بعشيقة 27/8/1985
#جمعة_كنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشمس والثلج والجبل
-
الينبوع الحزين
-
الديك في مملكة الثعالب
-
لماذا هرب الحصان ؟
-
البيضة
المزيد.....
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|