أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يحيى الشيخ زامل - الكتاب الذي أسعد إبليس !!















المزيد.....


الكتاب الذي أسعد إبليس !!


يحيى الشيخ زامل

الحوار المتمدن-العدد: 2061 - 2007 / 10 / 7 - 10:09
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الكتاب الذي أسعد إبليس !!
يحيى الشيخ زامل

لو قيل لإبليس ما الذي أدخل السرور إلى قلبك ، لقال بلا تأمل كتاب (نقد الفكر الديني ) لـ (صادق جلال العظم ) ، فالكاتب قد دافع عنه دفاع من كان من أقربائه أو أصدقائه الحميمين - مع أنه لا يعترف بوجوده ـ فقد قضى الوقت الطويل من حياته لإيجاد الدليل تلو الدليل على براءته ـ إبليس ـ من كل التهم الموجهة إليه عبر ملايين السنين ، وكأنه ضحية لمؤامرة إلهية أشترك بها الله والإنسان ،وجاء ( العظم ) لإنصافه من هذه المؤامرة الأزلية .
خرج علينا قبل أيام عبر قناة الجزيرة : الماركسي القديم ( صادق العظم ) خلال محاورة فكرية ، وكنت أظن أن مثل هذه المخلوقات قد انقرضت بعد سقوط أمها وحاضنتها روسيا الشيوعية ؛ ولكن يظهر أن بعض بني قومنا ماركسيون أكثر من ماركس نفسه !
وكما لا يخفى أن ( العظم ) صاحب الكتاب الشهير ( نقد الفكر الديني وكتب أخرى) الذي أثار ضجة غير قليلة في حينه ، واللقاء جرنى إلى إعادة قراءة الكتاب مرة أخرى وكتابة هذه الملاحظات حول ما جاء في الكتاب ، مع مقدمة تعريفية للكاتب .

تعريف بالكاتب :
هو صادق جلال العظم، سوري الجنسية (من أصل تركي) يدين بالفكر الشيوعي. ولد في دمشق سنة 1934م. - والده جلال العظم كان أحد العلمانيين المعجبين بتجربة كمال أتاتورك في تركيا. وزوجته هي فوز طوقان (عمها الشاعر إبراهيم طوقان وعمتها الشاعرة فدوى طوقان).
ـ يعترف العظم بأنه نشأ في جو علماني متحرر لا يعرف أحكام دينه ولا ينفذها. يقول : (كان هناك -أي في بيته- تدين عادي ومتسامحٍ وغير متمسك بالشعائر والطقوس)!! ويقول أيضاً: (لم يكن أحد حولي يصلي أو يصوم)!
ـ درس الفلسفة، وكانت رسالته عن الفيلسوف (كانط)، عمل في الجامعة الأمريكية ببيروت، ثم أستاذاً بجامعة عمَّان سنة 1968م، ثم باحثاً في مركز الأبحاث الفلسطيني، ثم عاد إلى دمشق وتولى رئاسة قسم الفلسفة، بجامعة دمشق.
ـ اعتنق العظم الفكر الشيوعي (وجهر) بإلحاده في كتابه الشهير "نقد الفكر الديني" المطبوع عام 1969م، الذي خلاصته الزعم بأن الدين (لاسيما الإسلام!) يناقض العلم الحديث!

تمهيد وأستشهادات :
وكما قلت أنفاً أن الكتاب دفعني دفعاً إلى أيراد هذه النقاط والملاحظات حول الكتاب والآراء التي طرحها فيه من فرضيات و تناقضات ـ كما يقول ـ ولكن العكس هو الصحيح إذ أن التناقضات قد ملئت كتابه الذي أدعى أنه حجة على خصومه ونتاجاً فريداً لمدة من السنين .
وحاول الكاتب إضافة لذلك إنكار وجود خالقاً للكون وما يدور فيه من حوادث باعتبار المادة هي أصل الخلق ولا وجود لما يسمى (إله ) وأن وجد فأنه من نسج خيالنا وأسطورة حاكها من انتفع بها وعاش عليها من خلال هذه الأساطير المجتمعة على مر العصور ،والتي سموها فيما بعد أديان .
ولكن الذي يهمني وأوردت عليه هذه الملاحظات ما ورد في الفصل الثاني من كتابه والذي سماه ( مأساة إبليس ) ويبتدىء فيه فيقول : ( لو حاولنا أن نحدد المشاعر الرئيسية التي عبرت بها الأديان السامية الثلاثة عن علاقة الإنسان بالإله لوجدنا أنها تنحصر في المحبة والخوف والكراهية ، محبة الله والخوف من جبروته وعقابه ،وكره إبليس ) .......ونلاحظ هنا أن أسمه ـ إبليس ـ يدل على جوهره وهو (الأبلاس ) أي اليأس التام من رحمة ربه ومن العودة إلى الجنة ) ص81 .
ويستشهد الكاتب في الصفحة التالية رأياً لأبن الجوزي ، فيقول : ( أن معظم الحركات الدينية والفكرية الكبرى التي قامت في تاريخ الحضارة الإسلامية إلى عمل إبليس ويجعله مسئولا عنها فيحوله بذلك إلى فيلسوف كبير ومتكلم نحرير و السوفسطائية والدهرية والطبائعية وأديان الشرق الأقصى والمسيحية وعلم الكلام وفرقة المعتزلة هي من أعمال إبليس ونتيجة لتلبيسه على المفكرين والعلماء.........واختصارا كذلك كل الخوارج والمتصوفة والفلاسفة وأهل اللغة والأدب ).
كل هذا والكاتب ينقل أراء الأخرين من الذين سبقوه بدراسة الأجواء المحيطة بالمنظومة الدينية وما نتج عنها من أفكار ورؤى خلال تلك السنين من خلال ( أطار التفكير الميثولوجي الديني الناتج عن خيال الإنسان الأسطوري وملكاته الخرافية ...... ) ص83
ويعتبر الكاتب إن الإنسان ( حيوان خرافي ) أي أنه يصنع الخرافات والأساطير ، وما إبليس إلا نسج خيال هذا الحيوان الذي أولع منذ أن وضع قدمه على الأرض بصنع عالمه الأسطوري ، وهو لا يعتبره كائناً موجوداً وحقيقياً وإنما أهتم بدراسته لكونه شخصية ميثولوجية أبدعتها ملكة الإنسان الخرافية وطورها وضخمها خياله الخصب ، ويؤكد الكاتب أن كلامه عن الله وإبليس والجن والملائكة والملاء الأعلى لا يلزمه على الإطلاق بالقول بأن هذه الأسماء تشير إلى مسميات حقيقية موجودة ولكنها غير مرئية ، بل أن تركيب اللغة يتطلب منه بطبيعة الحال أن يكتب ويتكلم بطريقة معينة توحي بالظاهر وكأن الشخصيات التي يذكرها موجودة بالفعل معتبراً أياه وهماً لغوياً يكمن في كونه رمزاً لا في كونه وصفاً لأحداث وقعت بالفعل ، ثم يدرج الكاتب الآيات التي تتعلق بالخلاقة والسجود لأدم ورفض إبليس الرضوخ لذلك ، ثم كيفية خلق أدم وإبليس وأنضاره إلى الوقت المعلوم وقسم إبليس بعزة الله أن يغوي العباد إلا المخلصين ، في سورة البقرة ( 30 ـ34 ) والحجر( 28ـ 41) والأعراف ( 10ـ17) .

نستنتج من الكتاب عدة ملاحظات أهمها :
1ـ ذكر الكاتب فكرة هامة قال بها بعض المسلمين وهي التميز بين الأمر الإلهي وبين المشيئة الإلهية أو الإرادة الإلهية ، والأمر ممكن أن يطاع وممكن أن لا يطاع ، أما المشيئة الإلهية واقعة بالضرورة ، يقول :( لذلك باستطاعتنا القول بأن الله أمر إبليس بالسجود لآدم ولكنه شاء له أن يعصي الأمر ، ولو شاء لإبليس لأن يقع ساجداً لوقع ساجداً لتوه ، إذ لا حول ولا قوة للعبد على رد المشيئة الإلهية ) ص90 .
وهنا يذهب الكاتب مذهب الجبرية في الأقوال والأفعال إذ يرون إن الإنسان مجبور على أفعاله وأقواله ، مع أن النصوص التأريخية والدينية والعقل يقول أن الله عادل ، ولا يصح هذا من إنسان عادل فكيف برب العالمين ، وكما أن هناك فرق بين المشيئة الإلهية والتي لا تعني الأمر به ، ولكنه الله يعلم ما تؤل إليه الأمور وليس معنى هذا أن يجبره على فعل ذلك ، فإن فعله كان ذلك خلاف العرف والعقل .
ويصف الكاتب مأساة إبليس او محنة إبليس – كما يقول – ويعالج تلك المأساة دراميا بمقارنتها بمسرحيات شكسبير وكيف أن إبطالها قد عاشوا مسالة التناقض التي عاشها إبليس بين أن يوحد الله من حيث أن لا يسجد لغيره أو هدم الوحدانية الصمدانية ويسجد لأدم وهو بذلك قد خالف الأمر الأول وهو من جانب أخر مجبور على عدم جوده لان الباري عز وجل كتب بالمشيئة الإلهية انه يعصيه ولا يسجد لأدم فما هو ذنبه ؟ يقول الكاتب 00 بعبارة أخرى كان إبليس خاضعا في أحواله واختياره وطرده ولعنته وتشويهه إلى احكام الإرادة الإلهية بدليل قوله تعالى : (إنا كل شيء خلقناه بقدر ) (ص106 )
والحقيقة لو كان إبليس خاضعاً في أحواله واختياره ......الخ ، إلى أحكام الإرادة الإلهية لما عصى الله ولما عاند بالأصل ولا أعتقد أن أي عاقل يطلب أمراً ما ويريد تحقيقه ثم يجبر الآخرين على خلاف ذلك ، وهو كالذي يهدم ما بناه أو ينكث غزله الذي هو غايته ومناه ، ولوا أن أحدنا قام بذلك لكان سخرية الناس وهزئهم فكيف برب الأرباب والذي يكدح الكاتب كدحاً على عدم وجوده .
كما أن اعتقدنا بذلك فلماذا نلوم المجرمين والقتلة واللصوص ونحكم عليهم بالسجن والإعدام والنفي ، وقوانين الدول الحديثة والقديمة سواء كانت علمانية مادية ، أو شيوعية إلحادية ،أو عربية مسلمة ، كلها تجمع على تجريم هؤلاء ولا تعطيهم الحق بعقوقهم واعتدائهم بحق الآخرين ، وكان الأولى ـ حسب رأي الكاتب ـ إلا نعاقبهم أو نلومهم لأن المشيئة الإلهية قد أجبرتهم على ذلك .
والسؤال الأهم : لو أن أحدهم أعتدى بشكل من الأشكال على (الكاتب ) وسبب هذا الاعتداء عواقب وخيمة وأضرار فادحة لحقت به أو بأسرته أو بممتلكاته ،فهل سيطالب الكاتب بإعفائه من الجرم المشهود لأن ذلك الشخص فعل ذلك برغم منه حسب ما يقول ويعتقد ؟ ...... وبل وربما سيكافئه على صنيعه كما توقع لإبليس في أخر هذه المأساة الدرامية لكونه كان ضحية للمشيئة الإلهية أو تناقضاتها...... فهل يقبل بذلك عاقل ؟
2ـ وقع الكاتب في تناقض واضح بين الواجب المطلق نحو الله وبين واجبات الطاعة الجزئية لأوامر الله تعالى ، فيقول : أ ـ لاشك أن إبليس خالف الأمر الإلهي عندما رفض السجود لأدم ،غير أنه كان منسجماً مع المشيئة ومع واجبه المطلق نحو ربه .
ب ـ لو وقع إبليس ساجداً لخرج عن حقيقة التوحيد ،وعصى واجبه المطلق نحو معبوده لذلك كان السجود لآدم وقوعاً في ما يضيفه أهل الشرك إلى الذات الصمدية ، مما هي منزهة عنه إذ أن السجود لغير الله لا يجوز على الإطلاق لأنه شرك به .
وهنا نتساءل إذا كان السجود لغير الله شركاً ...... بماذا نفسر سجود والدي النبي يوسف (ع) حينما دخلا عليه وهو في مصر ، وحينها قال لهم : هذا تفسير رؤياي وكان في رؤية سابقة رأى أن الشمس والقمر له ساجدين ، ولماذا لم يعترض على عملهما باعتباره شركاً لا يصح الآتيان به ، والنصوص القرآنية تشير إلى تلك الحادثة في سورة يوسف .

3ـ برر الكاتب تبريراً غير منطقياً لرفض إبليس السجود لآدم لأنه أفضل منه ،ولأنه يعرف مسبقاً بأن أدم وذريته سيفسدون في الأرض ، إذ يقول : ( برر إبليس رفضه السجود لأدم تبريراً منطقياً واضحاً إذ قال : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) ، وبالإضافة إلى ذلك تتضمن الآيات القرآنية التي أشرت إليها تبريرا خفيا لرفض إبليس وهو معرفته المسبقة بأن أدم وذريته سعيثون في الأرض فسادا ويسفكون الدماء وكان هذا شعور الملائكة أجمعين .
أشار القران الكريم ان إبليس كان من الجن وقد خلق قبل ادم عليه السلام ، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أمر السجود لم يكن للملائكة كافة بل الى القسم الذي سيتولى خدمة ادم (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ) وهذه الاية تدلل ان العالين هم قسم من الملائكة لم يؤمر بالسجود ورد عدم سجود ابليس الى الاستكبار وجاء رد إبليس حاسما ومؤكدا لهذه الاية (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ) الاسراء 61 ورد ايضا في اية اخرى في مسألة التمايز والتفضيل (قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ) ، وهذا يجرنا الى توضيح مسألة السجود التي علق عليها الكاتب فليس كل السجود عبادة فالكثير من بلدان الشرق الاقصى تعتبر سجود الصغير للكبير احتراما كما وان للسجود في القران وجه اخر كما سجود اخوة يوسف واباه له كنوع من التبجيل لما اعطاه الله وليس من قبيل العبادة ،وهكذا فأن سجود الملائكة لادم لم يكن عبادة له بل سجودا لقدرة الله في ابداع خلقه لادم وللكينونة التي خلقه عليها من الاختيار ، واما تساؤل الملائكة عن خلق ادم كما جاء في سورة البقرة 30 (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) فمرد هذا التساؤل يرجع الى معرفة الملائكة بوجود خلق من الجن كانوا يعيشون على الأرض قبل خلق ادم عليه السلام وقد تقاتلوا فيها وسفكوا الدماء ، إن الغاية من أمر الملائكة وإبليس بالسجود للحقيقة الانسانية ممثلة في آدم هي اظهار ان جميع القوى الكونية مسخرة لأجل الانسان وتقدمه، وذلك لأن الملائكة أسباب إلهية وأعوان للانسان على تقدمه الروحي والمادي، وسعادته الاخروية والدنيوية. وذلك لأجل تأكيد معنى خلافته في الأرض.
وقد أدرك إبليس المنزلة العالية التي جعلها اللّه للإنسان، وأدرك أن الأمر بالسجود نتيجة لذلك، فرفض الاعتراف بهذه الحقيقة، وأن الإجابات التي وردت على لسان ابليس كتبرير منه لرفض السجود اكدت انه عمل اختياري فهو قد تباهى بالجنس والنوع ففاضل بين النار والطين والتكبر، والتفاضل النوعي هنا باعتباره خلق من النار اصله مردود إليه فلا يوجد في الترتيب الاسلامي للخلق مفاضلة من هذا النوع انما هو بفعل التكبر الذي احسه كتبرير لعدم السجود مفترضا ان أمر السجود قد اعلن من اجل ادم وانه باعتباره محبا لله ولا يسجد لغيره تعظيما ومحبة فهو قد انكر الامر ورفضه وكون إبليس من الجن وهم كالبشر مخلوقون على الاختيار فأن رفضه جاء من موقع اختياره وليس من موقع الاجبار والاكراه كما صوره الكاتب العظم .
ودلالة اخرى على ما تقدم من مسالة الاختيار فأن الرد الذي اتى به بعد ان وصل الى ما قد جنته يداه يمثل الاصرار على متابعة الاختيار دون توبة ويرد الامر بالتكبر والمفاضلة الى خالقه بسبب خلقه من نار وهذا تفسير ما جاء في الاية ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) فالاغواء هنا جاء في موقع اللوم على الله لانه ادرك ان المفاضلة التى اطلقها هي التي ادت به الى التكبر وعدم السجود فاراد نسبها الى الخالق وهي النقطة التي حاول الكاتب ان ينفذ منها كمسلمة فتبنى راي ابليس ورفض كلام الله عز وجل وهذا يؤدي الى توضيح مبتغاه من مناقشة المسألة
وذكربعض المفسرين : أن الاستكبار هو أول معصية عصي الله بها قال فقال إبليس يا رب اعفني من السجود لآدم ع و أنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب و لا نبي مرسل قال الله تبارك و تعالى لا حاجة لي إلى عبادتك إنما أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تريد فأبى أن يسجد فقال الله تعالى : ( فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ) فقال إبليس يا رب كيف و أنت العدل الذي لا تجور فثواب عملي بطل قال لا و لكن اسأل من أمر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك فأعطيتك فأول ما سأل البقاء إلى يوم الدين .
4ـ يستعرض الكاتب رأيا للعقاد في كتابه (إبليس ) وينتقده على حجته بوجوب سجود إبليس لأدم ، وأنه كائن عاص ، وأنه يرفض الاعتراف بمحنة إبليس ،وحجة العقاد في ذلك لأن أدم خير منهم ـ الملائكة ـ فهو قادر على فعل الخير والشر بينما الملائكة قادرة على فعل الخير فقط ، وأيظاً لأن الله سبحانه علّم أدم الأسماء كلها ولم يعلمها للملائكة .
وهنا يعترض الكاتب فيقول : ( تبرهن قصة إبليس أنه حتى سادة الملائكة والمقربين ليسوا بمنجاة من غواية الشر وإلا لما عصى إبليس ربه ) ، ونلاحظ هنا الخلط الذي وقع فيه الكاتب إذ أن من الواضح الذي ليس عليه غبار أن إبليس ليس من الملائكة ،وهي معلومة يعرفها الصغير قبل الكبير وبدليل قوله تعالى : (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من ( الجن ) ففسق عن أمر ربه‏) ‏[‏الكهف‏:‏ 50‏] وأيضاً أن الجان مخلوقون من النار (والجان خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ )الحجر 27 ووردت في آية أخرى(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ ) الرحمن 15 ، وان خلق إبليس كغيره من الجن خلق من النار ، بينما الملائكة خلقوا من النور ، ومما تقدم من الآيات فإن إبليس الوحيد الذي خالف أمر السجود ، ولو كان من الملائكة لما خالف ، بل لسجد مع الساجدين .
5ـ يقع الكاتب مرة أخرى في مغالطة كبيرة بين المفاضلة بين الملائكة وبين أدم ، فيقول : ( لنطرح السؤال بصيغة أعم وأشمل أيهما أفضل الكائنات التي تصنع الخير أحيانا وتصنع الشر أحياناً فتفسد في الأرض وتسفك الدماء أو الكائنات التي لا تصنع إلا الخير بصورة مستمرة ودائمة ) ص95 .
ونرى هنا أن الكاتب قد وقع بفخ التعميم حيث أن أدم وبنيه هم أفضل لو عملوا الخير وابتعدوا عن الشر ، لأنهم سيطروا على غرائزهم بعقولهم ، ولكنهم لو عملوا الشر وتركوا الخير لكانوا أدنى من الحيوان ، لأن الحيوان عقل بلا غريزة ، وأما أدم وبنيه فكما يعرف الجميع أن البشر عقل وغريزة أيهما تغلب على الأخر كان عنوان أفضليته أو دونيته .
6ـ يرد الكاتب على حجة العقاد الثانية ، والتي تدعّي ـ حسب قوله ـ : ( بأن سجود الملائكة حق لآدم لأن الله علمه الأسماء كلها ولم يعلمها للملائكة ، وأن سمو إبليس كان سمو الطبيعة والجوهر وليس سمواً في الأحوال العارضة الزائلة كالتي أكتسبها أدم عندما علمه الله الأسماء كلها بعبارة أخرى لا يؤلف علم ادم بالسماء كلها خاصة من خصائصه الجوهرية المميزة ، ولاشك أنه كان باستطاعة الملائكة تعلم الأسماء كلها لو شاء الله ذلك .
والحقيقة أن الأفضلية العلمية التي هي صفة حسنة لكل كائن كان وبما أن العلمية كانت لأدم ولم تكن لإبليس أو للملائكة كان هو أفضل منهما بلا جدال ، كما أن لو كان أفضلية إبليس بالطبيعة والجوهر لما يقول الكاتب ، لما تعداه الله إلى أدم والذي أفترض الكاتب أنه أدنى منه ، باعتبار أن هذا أنما أمر عقلي وصدر عن عاقل يطلب الكمال من جميع أوجهه ، وأما باستطاعة الملائكة تعلم الأسماء كلها لو شاء الله ، فكيف تستطيع شيئاً هي غير قادرة على حصوله وخارج عن أرادتها ، ولا تستطيع أن تناله إلا بالتمني وكما قال الشاعر : ( لو كان هذا العلم يحصل بالمنى ـ ما كان يبقى في البرية جاهل ) ، والحاصل وبما أن الله علم أدم لأفضلية هو يراها ( سبحانه ) فعندها تسقط كل الفرضيات ، ومنها لو أن جاهلاً جاء إلى أحد العلماء وقال له : أنا أفضل منك ، لأن علمك كسبي وعارض وهو غير جوهري أو أصيل ، وبإمكاني لو تهيئة لي الظروف أن أتعلم مثلك و أكون خير منك ..... فهل يقبل بذلك عاقل !!! .....مع قوله تعالى ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون أنما يتذكر أولوا الألباب ) ( الزمر / 9 ) .
7ـ ويقارن الكاتب في الصفحة 107 موقف إبليس وآدم ، إذ كلاهما عصيا ربهما ،ولكن لما عاتب الله أدم ، رد آدم : ( ربنا ظلمنا أنفسنا وأن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) ، أما إبليس ، البطل المأساوي ـ كما يقول الكاتب ـ فلا يقول : ( أني ظلمت نفسي ) عند عتاب ربه ( بل قال : (( بما أغويتني لأزينن لهم الأرض ولأغوينهم أجمعين )) .
ويصف الكاتب حال إبليس بموضوعة ( الكبرياء المأساوية ) إذ يقول : ويكتب موضوع الكبرياء أهمية خاصة بالنسبة لنا بسبب الرأي الذي يعزو رفض إبليس السجود إلى دافع الكبرياء والفخار ) ص108
ثم يقول : لم يعرف آدم هذا النوع من الكبرياء على الإطلاق ولو كان مقدراً له أن يكون شخصية مأساوية لما قال ( ربنا ظلمنا أنفسنا ....... الخ الآية ) ص109 .
ولا أدري كيف فات على الكاتب قول إبليس في النصوص القرآنية التي أستدل بها على واقعة السجود والعصيان أن عدم سجود إبليس لم يكن بدافع الكبرياء أو التوحيد أو تناقض الأمر الإلهي كما يقول ، بل هو التكبر والمفاخرة المبالغ بها أو غير الحقيقية والنصوص تشير إلى ذلك بكل وضوح .
كما أن واقع حياتنا تشير إلى الاشمئزاز واستقباح كل من يفاخر أو يمدح نفسه والأدهى لو أن المفاخر كان يدعي ذلك فهي بلاشك تنقلب ضده والمثل يقول : من مدح نفسه فقد ذبح نفه ) ، فكيف لو المفاخر أمام الله عز وجل ، والذي يعلم بما في نفسه ومنزلته وأفضليته ، ولو أن آدم كان مثل أبليس ( حين ترك الأولى ) جادل الله وخاصمه لكان بلا شك غير أدمياً ليتصف بصفات الكمال ويرقى إلى سمو الإنسانية والاعتراف بالخطأ فضيلة ( كما يقولون ) .
8 ـ يقول الكاتب : ( إذا كان باستطاعة آدم أن ينسب النقيصة إلى نفسه أو إلى إبليس الذي أغواه ، وأن يطلب المغفرة والرحمة من ربه تمشياً مع توصية السيد المسيح (( أعط ما لقيصر لقيصر ، وما لله لله ) ، فإلى من يجب أن ينسب إبليس عصيانه وجحوده . ص126 .
لا أدري لماذا لا يرتاح الكاتب من الذي يتخذ موقفاً ايجابيا حين يخطأ مثلا ، أو يرتكب فعلاً غير سوي فيعترف بخطاءه ويطلب السماح له والعفو ؟ .......ولا أدري ما هو هذا الإصرار والوقوف إلى جانب إبلي الذي كان موقفه موقف التكبر والغرور والطغيان ، وعدم اعترافه بذنبه أو على الأقل طلب العفو أو غير ذلك بل كان على العكس ، وإن كان يسأل عن إبليس إبليس فهو نفه المغرورة التي تسوّل له فعل الشرور وتبعده عن الخير وهي مصداق لقول الإمام علي (ع) : ( أعدى أعداءك نفك التي بين جنبيك ) .
ولا أدري لم يدمج توصية السيد المسيح مع موقف آدم مع أن المسيح متأخر آلاف السنين عن أدم كما لا يخفى ، وهل أن الإلحاد بهذا المستوى من الأخلاق ، فإن كان الإلحاديين على هذا النمط وهذه الشاكلة فأي فضيلة يمتلك هذا المذهب على غيره .
9 ـ يقول الكاتب في أواخر الفصل ....... : ( يعود بنا هذا القول إلى الخاتمة النهائية التي توقعها لإبليس عندما قلت أن الله يكافئه على نجاحه في التجربة التي أبتلاه بها ، ويعيده إلى الجنة يوم تشرف هذه الدراما الكونية على الانتهاء ........ للاعتبارات التالية :
أ ـ تمسك إبليس بحقيقة التوحيد ......... ، ب ـ ( نجح إبليس في التجربة التي أبتلاه بها وصبر على البلاء الذي حل به ......... ولو لا هذه النهاية السعيدة المتوقعة لإبليس لكانت خاتمته مأساة حقيقية لا يمكن لمنطق الدين أن يقبل بوجودها / ص128 .
يصور الكاتب بشكل وأخر أن واقعة السجود هي واقعة درامية إذ يقارنها مع إعمال درامية مسرحية أو روائية من صنع الإنسان وخياله ، وهو تصوير لا شعوري بأن واقعة إبليس غير حقيقية مثل تلك الروايات والمسرحيات الأخرى ، لذلك كان عمله هنا عمل الناقد حين يكشف مواضع الضعف والخلل في النص المطلوب ، لذلك هنا أكتشف أن بإمكانه مادام النص أسطوري ودرامي وغير حقيقي أن يغيره ويغير النتيجة المأساوية لإبليس لذلك فهو يصور تكبر وغرور إبليس شجاعة وكبرياء مع أن النص القرآني يشير إلى أن إبليس ( أستكبر ) وهي المغالات في التكبر كما لا يخفى .
كما أن النقطة التي أوردها في الفقرة (أ) وهي تمسك إبليس بحقيقة التوحيد والتي لم يقلها إبليس نفسه في كل اعتراضاته على الأمر الإلهي ولا أدري مالسبب الرئيسي الذي يدعو الكثيرين وليس الكاتب فحسب أن سبب عدم سجود إبليس لأدم هو توحيد الله سبحانه ،ولم يكن شيئاً أخر ؟
وأما ما أورد في النقطة (ب) فأي بلاء حل بإبليس وهو الذي أختار ذلك بنفسه ، وأن كان حقيقة في بلاء لكان صبر على ذلك ولم يستمر في استكباره ويقسم برب العزة لإغواء بني أدم إلى يوم الدين ، وأما ما تحدث به عن نهاية إبليس السعيدة فالنصوص القرآنية تكذب ذلك فقوله تعالى (قال أخرج منها مذموماً مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين ) ( الأعراف / 17 ) وأما منطق الدين فهو قيامه على أنصاف المظلوم ومكافئه المحسن ومعاقبة المسيء ، ولعل من عدم منطقية الدين أن يعفو الله عن إبليس بعد كل هذا الإغواء لبني البشر وسبب دخولهم إلى جهنم . ولعل ما زاد عجبي من إصرار إبليس على الكفر والعصيان وهو في السموات مع الملائكة ، وكان طول سجدته آلاف السنين كما تذكر الروايات ، وهو يكلم الله بدون واسطة ويشاهد ملكوت السموات والأرض والعرش وكل عجائب الخلق والنظم الكونية ، ومع كل هذا يصّر استكبارا على عدم الطاعة والعصيان ، فلا لوم إذن على بني البشر إذ لم يروا الله ولم يكلموه ولم يشاهدوا شيئاً من ملكوت السموات إن عصوا أو أذنبوا ، ولكن لهم فضيلة تستحق الذكر أختصهم الله بها وهي الاستغفار وهي الخصلة الأكثر ايجابية فيهم .
وأكثر ما زاد عجبي أيظاً دفاع الكاتب عن إبليس وكأنه دفع له مقدماً كل أتعابه متعهداً له بطباعته ونشره مهما يكن الحال، ومستلهما منه بعض أفكاره .....أم كلها من بنات أفكاره ؟ .
أعتقد أن هذا الكتاب من أكثر الكتب قرباً إلى قلب إبليس ، وأكثر من جلب السعادة إلى قلبه ، ووضعه في موضع لم يحلم به نفسه ، وعيّشه في حلم كبير وهمي ، وهو العفو عنه بعد كل هذه المصائب والنوائب التي جرت في الأرض إلى يوم الدين .






#يحيى_الشيخ_زامل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقابر نصف جماعية
- كنا
- خسارات
- بيت الطين بين المسرح والتلفزيون
- أبله
- الإرهاب ..... والهجرة العكسية
- أسطورة شهر تموز وقمع الشعب العراقي
- ستة أصابع
- جدلية العلاقة بين الحكومة والمواطن
- التجربة الصينية والتجربة العراقية
- تمرد
- ماذا نعني بالمثقف ......ومنهم المثقفون ؟
- سيف أسلامي بيد فارس بريطاني
- وجوه
- أوضح من عين الشمس
- جلدي القديم
- أخر بقاياك
- جيفارا
- تداعيات في ربية
- الأنفجار الأخير


المزيد.....




- عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر
- واشنطن: سعي إسرائيل لشرعنة مستوطنات في الضفة الغربية -خطير و ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهدافه دبابة إسرائيلية في موقع ال ...
- هل أفشلت صواريخ ومسيرات الحوثيين التحالف البحري الأمريكي؟
- اليمن.. انفجار عبوة ناسفة جرفتها السيول يوقع إصابات (فيديو) ...
- أعراض غير اعتيادية للحساسية
- دراجات نارية رباعية الدفع في خدمة المظليين الروس (فيديو)
- مصر.. التحقيقات تكشف تفاصيل اتهام الـ-بلوغر- نادين طارق بنشر ...
- ابتكار -ذكاء اصطناعي سام- لوقف خطر روبوتات الدردشة
- الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على جنوب لبنان


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يحيى الشيخ زامل - الكتاب الذي أسعد إبليس !!