أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الطيب طهوري - نفس الطريق أيضا ..؟















المزيد.....

نفس الطريق أيضا ..؟


الطيب طهوري

الحوار المتمدن-العدد: 2054 - 2007 / 9 / 30 - 06:11
المحور: الادب والفن
    


أخذ الرجل ذو البطن المنتفخة حبتي جريوات كبيرتين .. وضعهما في الكيس، وانتقل بسرعة إلى الفدان الثاني ، وقطف حبتين بنفس الحجم أيضا، ثم صاح رافعا صوته: السعدي..هل من حبات جريوهات كبيرة عندك؟
أجاب السعدي: البعض..
ابتعدت عن الرجل المنتفخ الذي كان يضع الحبات في الكيس، وأسرعت إلى السعدي.. كان متذمرا.. الناس لايخجلون.. قال ، يستغلون مناصبهم وبكل وقاحة.. وأضاف: الماء قليل..انظر..لقد اصفرت الأوراق..إذا بقيت الحال هكذا تموت..
معك الحق ياالسعدي ..العام جفاف ، والآبار شحت..و..
تركته ومشيت..بين حقل السنابل سرت..كانت السنابل تتماوج صفراء شهية رغم صغرها.. بحثت فيها عن بعض الخضراء التي تصلح للتقشير، لأتغلب على الطريق.. لم أجد أية سنبلة..
واصلت السير..الجو صافيا كان.. والحرارة لم تصل إلى الذروة بعد..و..
حين خرجت من الحقل، قابلتني الأرض الصخرية الجرداء.. امتدت أمامي بعيدا..
قلت: لاشك أنها موجودة وراء ذلك المرتفع، الطريق الترابي أمامي يتجه إلى هناك..
حركت رجلي بسرعة..وسرت ..
كان أمامي على بعد خطوات .. لم أشأ اللحاق به لأنغص عليه نشوة غنائه البدوي.. اصطدمت إحدى رجلي ببعض الأحجار
التفت نحوي.. واصل الغناء وكأنني لست خلفه ، أو كأنني لا أسمع صوته..
حين وصلنا إلى المرتفع وبدأنا النزول إلى السفح، بدا المرج باخضراره الأصفر قدامنا..
فوجئت..إنها نفس الطريق التي سلكت هذا الصباح .. كان ماء الساقية على غير ماتركته عليه..
مر الرجل الطويل بسرعة ليلحق بالذي قبله.. ـ أزول فلاون.. قال .. رد الرجل بابتسامة عريضة: ظننتك… ـ قاطعه الرجل الطويل: إنكم أخوالي..
أردت قفز الساقية حتى لايتبلل حذائي..لكنه تبلل..حين وضعت رجلي فوق الصخرة وأنا أقفز انحرفت الصخرة ..
لحقت بالرجلين.. السلام عليكم.. قلت..
أجابا معا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
نظر الرجل الذي كان قصيرا بعض الشيء عميقا في وجهي.. غيرا حديثهما إلى العربية ..
واصلنا السير.. كانت الطريق أمامنا تمتد..وكان الحديث شجيا مسترسلا..
قال الرجل: ها قد وصلنا..
لم نكن وحدنا..كان هناك رجال آخرون..
أخذنا الرجل إلى منزل ذي باب خشبي أزرق.. فتحه.. ـ تفضلوا قال..
تكلم الشيخ الذي كان يجلس متكئا على الجدار أمام المنزل ويضع العكازة أمامه: يجلسون هنا افضل.. وجلسنا..
كان الهواء نقيا..وكان الحديث يتشعب يمينا ويسارا..في الدين تارة.. وفي السياسة تارة أخرى..
قال الشيخ : زمانكم أعمى.. كثرت دياناتكم وأحزابكم دون جدوى .. فقيركم يزداد فقرا، وغنيكم يزداد غنى..
وقال شيخ آخر: لو كنت أتحكم في عمري ما رضيت أن أبقى حتى هذا الزمان.. هل يعقل أن يأخذ النائب تقاعدا بنسبة مئة بالمئة بعد خمس سنوات من النيابة دون أن يتساءل أحد إذا كان ذلك حلالا أو حراما، بما فيها الأحزاب الإسلامية؟!
ضحك البعض .. وعلق البعض الآخر: إنها المصالح ياعم ، وفي المصالح لادين ولا اشتراكية ولا هم يحزنون..!
آلمتني بطني وأخذ عرقي يتصبب بغزارة..نظرت.. كانت الشمس تغيب تدريجيا..والظلام قد بدأ يسدل أستاره على المكان..
سألت هامسا الطفل الذي كان يجلس أمامي : أين أقضي حاجتي؟.. بدت على شفتيه ابتسامة خفيفة..اتبعني قال..ومشى..
سرت خلفه..على بعد حوالي المئة خطوة أشار إلى السور أمامه: هنا.. وتركني..
كان السور على شكل مربع..فتحت الباب الخشبي، ونظرت..كانت الأرض مليئة ببقايا القاذورات..فاجأتني العجوز في الداخل..غطاني الخجل..عدت إلى الخلف مسرعا..أسرعت ورائي..تأملتني جيدا ..وابتسمت.. ـ سآتيك بالماء قالت..انتظر..
على بعد خطوات تلفظت بغير العربية..
جاء الذي كان يبدو ولدها.. أشارت إلي.. سلمني الشاب طست الماء.. واستدار ..
حين انتهيت من قضاء حاجتي..خرجت..
جنب الجدار كان يجلس.. ابتسم.. مد يده إلي مصافحا.. أحسست وكأنني أعرفه منذ زمن بعيد..
رفع الإبريق وصب الحليب في الكأس ، ثم أضاف بعض قطع البصل الرقيقة ، وأراد أن يصب القهوة..
ـ قليلا قلت..كثرتها تجعل الأرق يلازمني..
ـ تفضل قال..لاشك أنك لم تشرب طوال حياتك قهوة حليب بالبصل ..
أخذت الكأس وشربت.. ـ إنها أول مرة أشرب قهوة حليب بالبصل فعلا.. قلت مبتسما..
ـ ستجدها لذيذة جدا قال..
تبادلنا الصمت..وواصلت ارتشاف قهوة الحليب..
بعد برهة سأل: هل هو هنا؟ ذكر اسما أعرفه..
ـ رأيته..أجبت..
ـ معي زجاجة قال .. وضحك..سننادي عليه.. رفعت رأسي إلى الأعلى..كانت الشمس قد غابت تماما..تذكرت الأولاد والزوجة..أدركت أنه ليس في استطاعتي العودة إليهم في هذا الوقت .. الطريق طويلة.. ولا أحد يجرؤ على قطعها من أصحاب السيارات ليلا .. لا بأس سأبيت الليلة هنا..قلت في سري..
تلمست القميص الأزرق ا لذي كنت ألبس حين لسعتني بعض البرودة..
كانت منازل القرية متفرقة .. وكان اخضرار الأشجار الداكن يمتد على السفح خلفها ..
كنا ثلاثة..وكانت أصوات العمارات التي في طور البناء وهي تمضغ جذوع الأشجار وتلتهم أغصانها ترتفع تدريجيا لتصم آذاننا..
كنا ثلاثة..كانت الزجاجة أمامنا..والظلام يلف الزمان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريوات: نوع من الخضر تعرف مشرقيا باسم الكوسة



#الطيب_طهوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمرّين ..وهذا دمي
- أغان لتراب الطفولة
- العمدة
- أوتار للفرح الصعب
- أحزان المربي الذي..كان سعيدا
- لقاء مع الشاعر والقاص الجزائري الطيب طهوري
- الأصوليات الإسلامية وادعاءها تقليدنا الغرب
- !أيها الغرب، أنقذنا من تقليدك
- الموتى.. يهاجرون أيضا
- رحيق الأفعى
- الأصولية،الاستبداد والغرب الرأسمالي
- الطريق
- نهايات طللية
- مهاباد مهداة إلى عبد الله أوجلان
- العرب بيت الديكتاتورية والفهم المتخلف للدين


المزيد.....




- أحمد عايد: الشللية المخيفة باتت تحكم الوسط الثقافي المصري
- مهرجان -شدوا الرحال- رحلة معرفية للناشئة من الأردن إلى القدس ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- وصمة الدم... لا الطُهر قصة قصيرة من الأدب النسوي
- حي المِسكيّة الدمشقي عبق الورق وأوجاع الحاضر
- لا تفوت أحداث مشوقة.. موعد الحلقة 195 من قيامة عثمان الموسم ...
- أزمة فيلم -أحمد وأحمد-.. الأكشن السهل والكوميديا المتكررة
- بي بي سي أمام أزمتي -والاس- و-وثائقي غزة-... هل تنجح في تجاو ...
- من هم دروز سوريا؟ وما الذي ينتظرهم؟


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الطيب طهوري - نفس الطريق أيضا ..؟