أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - خالص عزمي - ووجهك ِ ضاحك البسمات طلقُ 1















المزيد.....

ووجهك ِ ضاحك البسمات طلقُ 1


خالص عزمي

الحوار المتمدن-العدد: 2043 - 2007 / 9 / 19 - 05:01
المحور: سيرة ذاتية
    


انها الشام ؛ وحطت الطائرة على ارض المطار ؛ وما هي الا دقائق ؛ حتى استلمت حقائبي دونما اي تفتيش او صعوبات ؛ وبابتسامة غير زائفة قال لي ضابط الجوازات ( على الرحب والسعة حللت اهلا ) ؛ وخرجت الى ساحة سيارات الاجرة ؛ ليشاركني التاكسي احد ابناء الشام من الاكادميين الافاضل العائد توا الى وطنه و قد ابت شهامته الا ان يدفع كامل اجرة النقل كتحية لذلك الحديث الذي أخذنا على جناحي التعارف ونحن في طريقنا الى قلب العاصمة دمشق .

في شقة متواضعة من عمارة انيقة ونظيفة تطل على حدائق مخضلة غناء ؛ كان لقائي بشقيقتي التي تركت بيتها المرفه في بغداد بسبب ما اصابها من امراض مستعصية ليس لها من عناية او دواء هناك ؛ فجاءت تطلب العلاج في ربوع الشام وهي في شيخوختها المرهقة ؛ فكان عناقا حارا سالت فيه الدموع وتصاعدت الحسرات بين شهيق يحاول استرجاع الاطمئنان ؛ وزفير يطرد الفراق والخوف .

في حبكة من التلاحم ما بين الذكريات وبين ما رأيته من الواقع الدمشقي ؛ سأحاول الجمع والتقريب في المشاهدة معتمدا على حروف نقشتها في صفحات تلك الايام ؛وعلى لقطات مقربة لما تلألأ امام ناظري من مدهشات الصور الشامية الاخاذة على قصر المدة التي قضيتها في مباهج جنانها المخضلة ؛ وينابيع المعرفة المتدفقة التي لم تنقطع روافدها . ومن محصلة كل ذلك سأعود بالقاريء الى ما بدأت به :

اول ما سمعت بربوع الشام تفصيلا ؛ وهو غير ما قرأناه في كتب الجغرافية ؛ كان مما شرحه لنا باسلوب عذب هامس ؛ احد ادباء ومدرسي اللغة العربية السوريين الذين كانوا يعملون في سلك التعليم في العراق في اواخر الثلاثينات من القرن الماضي ؛ لقد كان هذا الاستاذ الجليل وهو من المقربين من المرحوم والدي ؛ الاستاذ عبد اللطيف يونس ؛ الذي اصبح فيما بعد نائبا وامين سر مجلس النواب السوري في الخمسينات من ذات القرن واصدر العديد من الكتب منها( بين عالمين والمغتربون وشاعر عبقر )... كما اصدر صحفا في سوريا والمهجر كان اولها صوت الحق .
كان الاستاذ عبد اللطيف يونس يصف لنا المواقع التأريخية والجغرافية في عموم ارض الشام وبخاصة ؛ اللاذقية ؛ وصافيتا ؛ و طرطوس ؛ وبانياس ؛ويعرج على حلب الشهباء ؛ وحمص وحما .. الخ ويقرأ علينا شعرا رقيقا نطرب اليه ونحفظ شيئامنه مع مجموعة من الامثال والحكم . فاحببت سوريا ؛ وأحببت الطواف في ربوعها و ظلت تلك الامنية حلما طالما رغبت في تحقيقه .
في الخمسينات من القرن الماضي ؛ شاء القدر ان اغادر بغداد متوجها الى الشام ؛ بغية الالتحاق بكلية الحقوق ـ جامعة دمشق ـ وكان ان تحقق الامل ؛( ولهذا الموضوع حكاية اخرى ليس هذا مكانها )؛ وكان من متلطبات الاقامة ان ابحث عن غرفة بسيطة اسكن فيها كما هي حال الطلاب المغتربين يوم ذاك وكان ان وجدتها ؛ وهو ما سآتي على ذكره اثناء استعراضي لجولاتي الاستذكارية :

ما كاد المقام في رحلتي الخاطفة الحديثة هذه الأيام يأخذ مداه وأطمأن تماما على صحة شقيقتي الغالية ؛ حتى وجدتها فرصة سانحـــــة لانفذ منهجا طالما منيت نفسي به ؛ الا هو القيام اولا بزيارة قبور الاصدقاء العظام الذين دفنوا بعيدين عن الوطن . فتوجهت اولا الى مقابر الغرباء في حي السيدة زينب ؛ وما كدت اجتاز الباب الواسعة حتى واجهت قبر الشاعر اللامع والعروضي البارز المرحوم مصطفى جمال الدين فقرأت سورة الفاتحة على روحه الطاهرة ؛ وليس بعيدا عنه وقفت بخشوع واكبار امام عملاق الشعر ومفخرة العراق المرحوم محمد مهدي الجواهري فقرأت الفاتحة ايضا واستعدت شيئا مما احفظ من روائع ابياته في الموت والخلود من قصيدته الشهيرة في الرصافي ومطلعها سر الحياة وحيرة الالباب ــ ان يستحيل الفكر محض تراب ) ؛ بعد ذلك غادرت المقبرة متألما ومتحسرا ؛و توجهت فورا نحو جبل قاسيون ؛ حيث مقبرة زين العابدين الجديدة لازور قبر الشاعر المبدع الصديق عبد الوهاب البياتي ؛ كان مرقده ليس بعيدا عن ضريح الشيخ محي الدين بن عربي ؛ وقرب القبر استذكرت نصف قرن من الصداقة الحميمة والرابطة الادبية التي لم تنقطع اواصرها ؛ وبخشوع والم قرأت على روحه سورة الفاتحة ايضا وغادرت المكان دامع العينين . بعد هده المعاناة ؛توجب علي القيام بمهمة انسانية اخرى الا وهي زيارة بعض المهاجرين او المهجرين من العراقيين الذين ارتبط معهم بعلاقات قربى او صداقة ؛ حيث اتجهت صوب ( جرمانه ) فقابلت اعدادا لا حصر لها من اسر عراقية تعيش دون مستوى الفقر ؛وباحياء مكتظة لايستطيع المرء شق طريقه خلالها الا بصعوبة بالغة . شاهدت اسرا كانت تعيش في بغداد في رفاهية وبذخ ؛ واذا بها في حالة يرثى لها ؛ تعيش في غرفة واحدة هي للنوم والطبخ والجلوس ؛ ومع ذلك تتوجه بالدعاء والشكر لهذا البلد الآمن الكريم الذي حماها من الخطف او السجن او القتل .انها مأساة حقيقية يندى لها جبين حقوق الانسان .

في اليوم التالي وفي صباح دمشقي لا أجمل حثثت الخطى نحو حي الفردوس ؛ ومع ان كل شيء في هذا الحي الواسع قد تغير ؛ الا ان مواقع بارزة فيه ما زالت شاخصة الى هذا اليوم ؛ منظومة الكهرباء المجاورة لكراج الترام ( سابقا )؛ ومقهى الكمال الواسعة ؛ وليس بعيدا عنها ؛ الحصن الدراسي الشامخ ( مدرسة التجهيز الثانوية ) المشيدة عام ( 1931) ؛ والبيت الذي سكنته عام 1950 ( وقد حور الى عمارة سكنية بعد اضافة اكثر من طابق عليه ) وهو يحمل الرقم ( 37) من جادة بلقيس . كان باب العمارة مفتوحا ؛ فولجته ونظرت الى جهة اليسار ؛ حيث كانت غرفتي المطلة على تلك الجادة المليئة بالحركة والنشاط ؛ جلست على كرسي قد يكون مخصصا للحارس ؛ واستعدت شريط الذكريات . كنت ابدأ صباحي بشراء الخبز الطازج الحار من دكان لا يبعد غير خطوات من سلسلة المقاهي الكثر المطلة على حدائق نهر بردى العذب ؛ لاعود الى البيت فأحضر فطوري المعتاد ؛ ثم اغادره نحو كلية الحقوق عبر جسر أنيق ؛ يا ما وقفت على جنباته استنشق عبير النسيم المتعانق مع رذاذ الماء المتطاير في الهواء الطلق من ذلك النهر الساحر .
والآن ؛ حينما دخلت رحاب كلية الحقوق التي درست فيها آنذاك ؛ اعتورتني هزة غالبت فيها دموعا تعثرت في اماقي عيني ؛ تذكرت كل شيء كأنه الامس القريب ؛ على يمين المدخل درج واسع يأخذنا الى قاعة تمــــتد على طول مائة متر ؛ وفيها تبارى اساتذة قانون اجلاء سمعنا عن كفائتهم الاكادمية والقانونية قبل فترة من دخولنا الجامعة من زملاء درسوا على ايديهم كالدكاترة الاســـــاتذة ( مصطفى الزرقا ؛ ومنير العجلاني ؛ ورزق الله انطاكي ؛ ومأمون الكزبري ؛ ومعروف الدواليبي ... الخ ) ووكذلك عن آخرين تتلمذنا نحن بعدئذ على فضلهم وعلمهم ك( الدكتور عبد الوهاب حومد ــ العقوبات القسم الخاص ) و(الدكتور مصطفى السباعي ـ التشريع الاسلامي وتأريخه وملاحقه .... الخ ) .
جلت في ارجاء الكلية وحدائقها ثم دخلت المكتبة وجلست في احد اركان رفوفها القانونية ؛ مستنشقا عبير الكتب وعددا من المحاضرات القديمة المطبوعة والمجلدة باتقان اعتزازا وتكريما لجهود اؤلئك الافذاذ الذين قدموا خلاصة معرفتهم وتجاربهم الى الاجيال .



#خالص_عزمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بائع الرمان في غرناطة
- يحكى أن .... يا له من انقاذ !!
- العصر .... ورجال الدين
- 100000 قاريء
- ابطال مفخخات الدستور العراقي
- الكأس الوحدوي
- الدستوروقانون الاحوال الشخصية وحقوق المرأة
- المطاردة
- المركزية والفيدرالية
- صبيحة الرابع عشر من تموز 1958
- فن الحكم والتقرب الى الشعب
- الأفاك
- الزوبعة
- الجار الهاديء
- الى زوجتي
- جدار عدو الحرية
- ذكريات خاصة عن جسر مكسور الجناح
- محاولة في اصلاح ما خربه الاحتلال 22
- محاولة في اصلاح ما خربه الاحتلال 1 2
- محصلة الحرب المشؤومة


المزيد.....




- منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سب ...
- استمرار الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأميركية ...
- بلينكن ناقش محادثات السلام مع زعيمي أرمينيا وأذربيجان
- الجيش الأميركي -يشتبك- مع 5 طائرات مسيرة فوق البحر الأحمر
- ضرب الأميركيات ودعم الإيرانيات.. بايدن في نسختين وظهور نبوءة ...
- وفد من حماس إلى القاهرة وترقب لنتائج المحادثات بشأن صفقة الت ...
- السعودية.. مطار الملك خالد الدولي يصدر بيانا بشأن حادث طائرة ...
- سيجورنيه: تقدم في المباحثات لتخفيف التوتر بين -حزب الله- وإس ...
- أعاصير قوية تجتاح مناطق بالولايات المتحدة وتسفر عن مقتل خمسة ...
- الحرس الثوري يكشف عن مسيرة جديدة


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - خالص عزمي - ووجهك ِ ضاحك البسمات طلقُ 1