أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز باكوش - رصاصة في البريد المركزي















المزيد.....

رصاصة في البريد المركزي


عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)


الحوار المتمدن-العدد: 2042 - 2007 / 9 / 18 - 10:11
المحور: الادب والفن
    



على مدى ثلاث ساعات ونصف ، أجرى جندوبا 12 مكالمة هاتفية مع زوجته من هاتفه المحمول ، الذي استنفذ لدقائق معدودة تعبئته المضاعفة. لكن إدارة فندق ماداكو ما تزال قلقة تنتظر وصول حوالة بمبلغ 15 ألف درهم، والوضع النفسي لعائلة رفيق درب جندوبا على أحر من الجمر لمعرفة لحظة إيداع الحوالة ، بعد أن كان مفترضا إرسالها كوديعة الكترونية من القنيطرة لتصل ايطاليا بعد ساعتين من إيداعها..
كان على جندوبا أن يحارب على جبهتين ،أن يقنع زوجته الايطالية بضرورة الصبر والتروي وهو يقول بايطالية مؤدبة : نحن في المغرب وليس ايطاليا يا مدام..." رجاء ، تحملي ...مجرد دقائق إضافية وننهي هذا الغم...ثم يضيف بلغة البلد : آخ..تفو..الله ينعلها جرة... وان يطمئن الجانب الأخر في ما وراء البحر ، على أن يقتنعوا ، حتى يتفهموا ملابسات تأخير الإرسال ويشعرهم بصعوبات تقنية خارج إرادته .

مكتب البريد الآن، وهنا..سوق قروي بامتياز..لانظام ولا انتظام، الكل مصر على الدفع والصراخ ،بائعو السجائر بالتقسيط ،عرابون خارج التصنيفات، وجوالوا انشوطات ، جنوب شرق آسيا.. تتدلدل بين أصابعهم ولاعات و مروحات من الورق.. بطاريات من كل الأحجام ،عطرو رخيصة، مواد تنظيف مشبوهة ، ساعات الكترونية ب5دراهم.... كان التنابز والتدافع والتحريض عملة يصرفها الجميع .
ولان الاحتقان يسود ، فان الجميع بات قابلا للاشتعال ، ومجهزا أوتوماتيكيا كي يوقد معركة، كان الوضع بئيسا مقلقا وغامضا ، أشبه بحمام شعبي مختلط، كان جحيما لا يطاق.
التفت جندوبا .يمينا ، ثمة صراف آلي معطل، عليه كتبت عبارة تحذيرية بلغة أشبه بالأمية .. " جهاز المعطل"
التفت جهة اليسار ، طابور من النساء المنقبات، وقد بدين حريصات على أن لا يختلطن ، ليس بالرجال فحسب، وإنما بمثيلاتهن من النساء المتبرجات ، واتضح إنهن تلقين تعليمات صارمة من أزواجهن المتشددين بهذا الخصوص...في الواجهة ، شباك مرقم ، حيث وجه موظف خمسيني أصلع ، موغل في السمرة ، على جبهته دينار صلاة ، يشبه تمثال أبو الهول ، فهو لا يستمع إلى احد ، ولا يجيب عن استفسارات الناس ، ولا يريد أن يحدث أحدا . يسحب الأوراق ملء يده ،ورقة ورقة ، حسب الطابور ، الوثائق طابور يمتد على طول المسافة ، ويتعرج ليحدث طابورا موازيا ..وهكذا ، ومن يأتي من المواطنين عليه أن يضع الوثيقة في آخر الطابور...
يقف جندوبا ، يحصي الوثائق بتوتر..قبل ساعة كانت 26 ..يا الاهي ..هل نتقدم أم نتأخر....يمتص غضبه..يصلي بصوت مسموع وفي داخلة يلعن البريد والبراد والتبريد والباء والراء والدال...يقف منزعجا وعيناه لا تفارق حوالته، يراقب زحفها باتجاه الموظف الأصلع، إلا من شعيرات جعيدة تحتاج إلى عناية وتشذيب ، لحظة بلحظة. كان ذلك بشعا حقا.. وبتؤدة ، شرع المستخدم في أنفة وكبرياء موغلة في الازدراء والشماتة في ضبط البيانات ، وختمها ومن تم يهوي عليها بخاتم حديديي يصم الآذان...وخلفه بدت حواسيب متهالكة، وأصوات مقززة لآلات عتيقة تعمل بالصفع تارة ، وبالدفع والجرجرة أخرى ... قزقزقزقزقزقطقططقوقوقطقطقطقزقز
كرك ما قاله احدهم "زربتوا على فرنسا
وهو ينزف عرقا أمام مكتب بريد المغرب المركزي بالقنيطرة. بعد أن شاهد شابا تتطاير علامات الشر من عينيه ، يتقدم الطابور ، وقد أودع في الطابور الورقي فاتورة هاتف ثابت ، وتقهقر في جبن واضح متأففا ..." خصنا نهار..باش نخلصوا تيليفون ..الله ينعل والدين التليفون ولي صنعوا"
وتابع في تحد موجها كلامه إلى احد المستخدمين :
" كتدخلوا الملايير ومدايرين حتى فرفارة لهدا البشر لي عبيد عندكم..."
أضاف شاب في العشرين من عمره" والشرر يتطاير من عينيه :
" قصدني ربي اخويا معندي ما ندير...من 10 ديال الصباح وأنا واقف وهدي الثلاثة...
وانضم متقاعد في اللواء الخامس للمشاة في الجيش الفرنسي :
" وهما ... ما يحسن حد ليهم لعوان حتى هما مساكن موظفين، أنت بعد ثلاثة سوايع وتمشي فحالك ، أما هما من 8.30 حتى 5 ديال العشية........
خدمتهم هذيك...عندهم عليها البريمات وقابلينها ...
أما احد أفراد الأمن الخاص ، فقد ظل متأهبا ، زائغ العينين ، متوقد النظرات على أهبة الاستعداد للتدخل في أي لحظة ،وفق التعليمات.

هل تجد ذلك مناسبا.اتاخر أنا ابن الستين ويتقدم هذا الشاب ابن العشرين..بالله عليكم..ألا تخجلون...لا احد يجرؤ..لا احد
من اجل إيداع حوالة بريدية عادية ، يلزم ثلاث ساعات وقوفا ، ودوش بارد ، وقرصين لمحاربة ضغط الدم ، ومضادات قرحة المعدة ،وقدرة نفسية على تحمل وجوم موظف جامد،والتعايش المقرف لساعات مع أزيز وطقطقة أجهزة عتيقة قطقطقطقطقطقط.زززززكزكزكز قزززززز..والبشر ينزف..والصراف الآلي معطل ، وبين الفينة والأخرى ينسحب احدهم في هدوء بعد أن يرن هاتفه المحمول ، وعيناه لا تفارق ركاما من الحوالات وفواتير الهواتف الثابتة والسجلات ودفاتر بريدية ... وعشرات الحوالات للمتقاعدين المهترئة.
يغتاض البعض ، ويستشيط البعض الآخر غضبا ، حين يغادر الموظف الوحيد مكتبه دونما استشارة احد ، قاصدا بابا خلفه ،قصد الحاجة أو الاستراحة من زفرات الناس واستخفافهم بخدمات بريد المغرب وبصوت مرتفع :
--الحيرة في الارديناتور...
--والإشهار...
--خليو الشغل لمواليه...
--باقيا فرانسا تربيكم...
--وازربتوا على فرنسا...
تمر جمرات الانتظار التي تتحول مع صهد المكان نزيفا.

المسالة ليست في الأجهزة..والشعارات وصفقات الإشهار بالملايين ..ومنشيطات إعلانات..الجودة والامتياز .. الثقة قالت زبونة أجنبية بعد أن مسحت الفضاء بتوجس.. الملصقات التي ملئت الحائط.... خدماتنا....جودتنا ...سرعتنا... وقرأت ملصقا بعينه يقول ..:تعمل مؤسسة بريد المغرب منذ إحداثها 1998 على تنفيذ مهام مصلحية ذات طابع عمومي تنافسي ، وهي بذلك تساهم إلى جانب فاعلين اقتصاديين آخرين في التطور الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والتكنولوجي، للبلاد، عبر تقديم خدماتها في الاتصال (إرساليات ...) وخدمات مالية (شيكات بريدية، صندوق التوفير الوطني، تحويل الأموال..). –ولعنت شيئا في نفسها...لعنت كل شيء سوى الشيطان...وانصرفت
وتتعالى أصوات الاحتجاجات..
في هذه الأثناء ، تخاصم شخصان ،احدهما شرطي اقتحم المكان بلباسه النظامي محاولا استفسار المسؤول عن الشباك من غير ان يكثرث بالطابور.... والأخرى ، سيدة في الخمسين من عمرها ،كانت أشبه بكتلة لحم غير منسجمة ، كتفاها مثل بطيخة صفراء ، عندما تقف، تتوالى طرطقات عظامها مثل قصبة مهترئة، لقد أسمعته الثخينة كلاما لن ينساه قيد حياته ، قالت له :أنت راجل..انت.. لاش كتحك معايا ..حتى نكونو بحدنا... وارى ماعنداك..وابتسمت في خبث..بعد عليا... الويل ديالك..والا راني نفضحك.....
لحظتها ، ساد الفضاء صمت رهيب ..فيما اشرأبت أعناق الجالسين والمتكئين ،وأنصاف العيون المفتوحة، والنائمين..وسقطت اللعنات تلو اللعنات، وارتبك الشرطي واحتقن،وانتفخت اوداجه، وفي لحظة ، استل مسدسه ، وبخطوة شبه عسكرية تقدم ، وشرع في تسديده في الجهات الأربع قبل أن يطلق رصاصة طائشة في الهواء.
بعد ساعة ، طوقت قوات من الشرطة والدرك والجيش مكتب البريد المركزي ، وشرعت العربات العسكرية في حشد العشرات من المشتبه فيهم ، دونما التحقق من هوياتهم.. وشاهد عموم المارة أشلاء بشرية تتطاير ،وانهار دماء، وهواتف محمولة تتكدس ، وركام من ملفوظات جلدية واوراق...وتوقفت حركة السير في الطرقات والشوارع الرئيسية المتاخمة فاسحة المجال لنقل الجرحى والأموات، ونشرت جرائد المساء بالبنط العريض خبرا تداولته فيما بعد كل الصحف والمنابر الورقية والالكترونية :
عنصر من شرطة القنيطرة يشل حركة إرهابي أراد تفجير مكتب بريد في القنيطرة . عزيز باكوش



#عزيز_باكوش (هاشتاغ)       Bakouch__Azziz#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رمضان الاسطورة والتلفزيون
- سلسلة تربويات العدد الاول
- حوار خاص
- جندوبا 7
- تقرير في شأن ليلية ظلامية1
- القنفذ الجائع / على هامش اقتراع 7 شتنبر 2007
- من الافضل للمثقف العربي ان يموت الان
- باكالوريا جهة فاس بولمان برسم 2007 أرقام ومعطيات
- - شوف تشوف- لكاتبه رشيد نيني، هل تتغير بعد 20 سنة؟؟
- حماسُ بالرفع حماسٍ بالكسر مع التنوين
- ابو جهل القرن21: البصل يخرج من الملة والدين
- الطريق الى-ريزكَار-
- مجالس التدبير بالمؤسسات التعليمية، عطب ينضاف
- جريدة صدى فاس ترد الاعتبار لأربعة من وجوه مؤسسيها
- فاطمة الزهراء فرح تصدر -مساءات ارض تستحق زرقة السماء-
- الثقافة الصوفية تسائل البشر والتنمية
- الشعر في القرويين ابداع لغوي وسمو بالقيم
- شاعر يابى حداثة نتنة في كفن من حرير
- الاعلام المكتوب هل يختفي بعد 40 عاما؟؟
- قراءة الصحف والمجلات عبر الانترنت فضول ام حاجة1


المزيد.....




- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز باكوش - رصاصة في البريد المركزي