أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الظاهر - المتنبي في لندن / مع الشاعر عزيز السماوي















المزيد.....

المتنبي في لندن / مع الشاعر عزيز السماوي


عدنان الظاهر

الحوار المتمدن-العدد: 2020 - 2007 / 8 / 27 - 06:30
المحور: الادب والفن
    


- 24 -

( في لندن )

وُجهتْ دعوة لشاعرنا المتنبي لحضور أمسية شعرية تقام في صالة كاليريه
( ديوان ) الكوفة . كان مجرد سماعه إسم الكوفة كافيا ً ليشعل فيه الحماس لزيارة لندن رغم تحفظاته المعروفة حول الإنجليز والإستعمار البريطاني والإمبريالية . فهو ما زال يذكرمصير ثورة العشرين ومعاهدة 1930 وثورة الجيش العراقي المسماة بثورة مايس 1941 أو ثورة رشيد عالي الكيلاني . ما زال الرجل شديد الغيرة على الوطن ولم يستوعب بعد ما جرى في العالم اليوم من تغيرات وتطورات وآخرها العولمة والقطب الأوحد وسواها . سألني ما الذي يجمعه لحضور الأمسية لأنني لا أطيق لندن دون صحبتك . قلت وهو كذلك ، وسأعدُّ لك والإنجليز ؟ قلت له الكوفة والشعر . قال غلبتني بهذا المنطق ، وإنك ستسافر معي برنامجاً حافلا تلتقي فيه ببعض الشعراء من محبيك وببعض رجال الصحافة والأدب والقلم . ثم قد يجد الصديق فلاح هاشم شيئا ً من الوقت كي يجري معك مقابلة إذاعية في ستوديو راديو ( سبكتروم ) في لندن . قال ذلك يزيدني تعقيدا ً . قلت ستسعد إذ ْ تقابل هذه النخبة من مثقفي العراق . قال بل سنرى ، ليس لديَّ تجربة سابقة مع رجال الصحافة والإعلام المسموع والمرئي . قلت جرب ، فالبرهان في التجربة . سألته ومتى سيكون السفر؟ قال الإثنين القادم . جهز نفسك وتأهب . قلت سمعا ً وطاعة ً.
في السابعة مساء دخلنا ديوان الكوفة الواقع في منطقة

على الشارع المسمى 26 Westbourne Grove , London W2 5RH

إذ ْ كان الأخوان رشيد بندر الخيون ووليد عطية في إستقبال جمهور غفير من رجال الأدب والصحافة وغيرهم من المثقفين ومحبّات ومحبي الأدب والشعر. أعتلت المذيعة في إذاعة هيئة الإذاعة البريطانية ( بي. بي. سي . ) السيدة هدى الرشيد منصة الإلقاء يحيط بها عدد من الشعراء والشواعر . بعد كلمة مؤثرة شرعت السيدة هدى الرشيد بتقديم شعرائها الضيوف الذين تناوبوا الإلقاء واحدا بعد الآخر . تابع المتنبي ما كان يسمع من شعر بإنتباه عميق . كان يتابع ذلك مغمض العينين وكان هذا ديدنه كلما أحبَّ أن يستمع الى شيء من الشعر.
حين أعلنت السيدة هدى ختام الأمسية فوجئنا بأن السيد محمد مكية ، صاحب الديوان الكوفي ، يتقدم مخترقا الصفوف مرحبا بأبي الطيب المتنبي . بعد عناق وعتاب وبعض ذكريات الكوفة إعتذرنا فأنسحبنا لأننا كنا حقا متعبين . لقد أصرَّ محمد مكية على إلتقاط صورة مع المتنبي فقبل على مضض . ما كان يحب أضواء العصر الحديث . الغريب في الأمر أنَّ أحدا من الحاضرين غير السيد محمد مكية لم يعرف المتنبي . كما أن الرجل كان قبل وصولنا ديوان الكوفة قد وجه لي تحذيرا ً شديد اللهجة في أن لا أقدمه الى أحد .
ونحن نتناول التكة والكباب والبامياء في مطعم ( بغداد ) غير البعيد عن ديوان الكوفة ، سألني أبو الطيب عن برنامجنا ليوم غد . قلت له لدينا دعوة لزيارة ألصديق أبي مخلص الشاعر عزيز السماوي في بيته . قال سمعت أنه يكتب شعرا شعبيا ً . قلت نعم . قال وهل تعرف عنوان بيته . قلت قد أملاه بالتلفون عليَّ . قال ومتى نزوره ؟ قلت ظهر غد ٍ ، فلقد دعانا السماوي على غداء عراقي أصيل . قال قد أحسن وأحسنت .
في فندقنا القريب آوينا الى الفراش مبكرين . كنا تعابى . نهضنا صباح اليوم التالي مبكرين لأن صاحبي كان شديد الشوق للتعرف على لندن . لم يرها من قبل . في الطابق تحت الأرضي كان مطعم الفندق شديد الزحام . تقوم على إدارته وخدمته مجموعة من الفتيات البولنديات . لم يأكل صاحبي الا القليل لكنه أكثر من شرب القهوة مرة بالحليب ومرات بدونه . كان كعادته قلقا لا يستقر على حال . قلت له تريثْ قليلا ، ستشبع من لندن ولدينا برنامج حافل يغطي الأسبوع بكامله .
قال قبل أن نمضي في سبيلنا الى دار الصديق عزيز السماوي أريد أن أتعرف على حدائق ( الهايد بارك ) . قلت هل تود أن تقول شيئا لأهل لندن ؟ قال مثلا ؟ قصيدة أو خطبة سياسية أو نقدا للحكومة أو لأحد وزرائها . قال أعوذ بالله . جئنا لندن زائرين لا شاتمين. كفانا ما تحملنا في حياتنا من متاعب جراء ما وجهنا للبعض من نقد . قلت له لدينا ساعة من الوقت فقط والهايد بارك قريب منا , لذا سنسرع الخطى كي لا نتأخر في وصولنا الى بيت السماوي وهو بعيد وطرق الوصول اليه معقدة . قال هيا ، أسرع . مررنا على أهم معالم الهايد بارك مَرَّ الكرام . فهذا قصر إقامة الأميرة السابقة ( دايانا ) وهذه بحيرة ( السربنتاين ) وفي الطرف القصي ِّ تمثال الشاعر لورد بايرون ممسكا ً دفترا ً وقلما ً وكلبه يجثم قرب قدمه العرجاء . قصصت عليه بإختصار شديد أهم منعطفات حياة بايرون لكن صاحبي لم يتأثر إلا بالطريقة التي مات بها في جزيرة كريت غريبا ً وحيداً بعيدا ً عن بلده ومسقط رأسه . قال أجد في خاتمة حياته مشابهَ من خاتمتي التي تعرف . قلت لكنه مات مقاتلا من أجل حرية بلاد اليونان وإستقلالها عن السلطنة العثمانية . قال أما أنا فلقد قضيت عمري مقاتلا من أجل حرية الكلمة وحرية وإستقلال الشاعر . ثم لا تنسَ أني حاربت الروم بسيفي وشعري يوم أن كنت مع سيف الدولة الحمداني في حلب. كعربي ٍّ دافعت عن العرب وكمسلم ذدتُ حدود الدولة العربية الإسلامية ، فما كانت دوافع صاحبك بايرون في أن يترك وطنه ليدافع عن قضية لا تهمه لا من قريب ولا من بعيد؟ ثم َّ ما كانت مصلحته في أن يعادي الترك المسلمين وأن يؤلب وأن يجيش الجيوش ضدهم ؟ الحرية يا أبا الطيب . قاتل الرجل من أجل حرية الإنسان . قاتل من أجل تحرير شعب كامل من قيود طغيان محتلٍ غاز ٍ أجنبي . ثم تذكر جيفارا ، تخلى عن الوزارة في كوبا وأعلن نفسه - وهو الأرجنتيني الأصل - مقاتلا عالميا من أجل شرف الإنسان وحريته . قال لا أفهم هذا المنطق . كان لنا منطقنا الخاص ، منطق عصرنا وزماننا . إستأنفت كلامي عن الشاعر الإنجليزي بايرون قائلا : هل تعلم عزيزي أبا الطيب أن بايرون كان في شبابه اليافع قد إرتكب خطيئة شنعاء ؟ قال وما هي ؟ لقد مارس الجنس المحرم مع أخته لأبيه وأنجبت منه طفلة كان يتباهى فخورا ً بين أصدقائه بأنَّ الطفلة منه . قال أبو الطيب ممتعظا ً ومستغفرا ً ربه : ألا ما أقبح صنيع هذا الشاعر . ثم قال قد جرى ما يماثل هذه الحادثة في الزمن القديم . حثثته في أن يقص َّ علي َّ ما يعرف عن مثيل قصة بايرون . فقال قد ورد في العهد القديم ( سِفر صموئيل الثاني / الإصحاح الثالث عشر ) أن ( أمنون ) أحد أبناء الملك داوود قد إغتصب أخته ( ثامار ) غير الشقيقة مما حدا بشقيقها ( أبشالوم ) أن يقتل أخاه غير الشقيق ( أمنون ) إنتقاما لشرف شقيقته. سألته وكيف كان موقف والدهم داوود من هذا الأمر ؟ قال قد لا تصدق إذا رويت لك ما جاء في نفس السِفر ونفس الإصحاح . قلت بل قل وسأصدق كل ما ستقول . قال قرأت ما يلي
( وناح داوود على إبنه الأيام كلها ) . قلت ولله في خلقه شؤون . قال وأية شؤون وأية شجون !! حين رأيت الجو قد أخذته حمى السخونة غيرت الموضوع فقلت مازحا : أتريد أن أريك أين يسكن الملياردير المصري محمد فياض أو محمد فايد أو محمد آل فايد ؟ قال أعدْ ما قلت . أعدت قولي فرأيت صاحبي في غاية الذهول. ما بك يا أبا الطيب ؟ قال ملياردير مصري مقيم في لندن ؟ نعم يا صديقي . انه
يقيم في هذا الفندق المقابل لنا على شارع
Park Lane
قال ولِم َ لا يقيم في بلده مصر . قلت ولماذا هربت أنت من مصر ؟ قال غلبتني يا لعين . فلنتركْ المزاح وللنصرف الى لقاء صديقك الشاعر عزيز السماوي .
وصلنا بيت صديقنا ومضيفنا الكريم حسب الموعد . كان في إنتظارنا واقفا ً بقامته المديدة في شرفة منزله ملوِّحا ً محييا ً مشرقَ الوجه . ما أن فتح باب شقته لنا حتى أخذ المتنبي بالأحضان شامّا ً مقبّلا ً والدموع تتساقط من عينيه الكليلتين . عجز عن الكلام وإختنقت الكلمات . شدَّ ما آلمني أن أرى المتنبي منخرطا هو الآخر في نوبة بكاء ونحيب . إغرورقت عيناي فطيبت من خاطريهما مفتعلا البشاشة وبعض النكات السطحية . بعد السؤال التقليدي عن الصحة والعافية وباقي الشؤون الشخصية طلبنا من أبي مخلص عزيز أن يقرأ علينا شيئا من آخر أشعاره . قال بل سأريكم فيلما بصوتي وصورتي . طلب المتنبي إعادة مشاهدة الفيلم مِرارا ً وكان مأخوذا ً خاصة بطريقة إلقاء الشاعر الشعبي عزيز . كانت السيدة أم مخلص تدور بيننا كالنحلة رافعة كأسا ً ناصبة ً أخرى . بين كؤوس الشاي والماء البارد قال أبو الطيب لعزيز لقد ألحقني صاحبنا ( يقصدني أنا ) بك بالنسب فأسماني مرة ( أبو جاسم السماوي ) وأنا كما تعلم أحد أبناء الكوفة مولدا ً ونشأة ويعرفني جيدا المهندس السيد محمد مكية صاحب ديوان الكوفة. ضحك عزيز وإنفرجت أساريره ثم قال إن َّ ذلك يُسعدني ويشرِّف كل سماوي ٍّعلى وجه البسيطة . من الآن فصاعدا ً سأسميك ( أبا الطيب السماوي ) . قال أتشرف بإيما لقب يسبغه إخواني الشعراء علي َّ . كان عزيز السماوي يشكو من تفاقم مرض سكر الدم الذي أثر على قلبه ورؤيته كثيرا ً . لذا ماكان يقرأ شيئا إلا بمساعدة جهاز مكبِّر خاص . وكان في قدمه جرح عصي على الإندمال . في حوالي الساعة الثانية بعد الظهر كان طعام الغداء جاهزا ً . وكرم أهل السماوة لا يحتاج الى دليل . أعدّت أم مخلص كل ما قد يعن ُّعلى بال العراقي المتغرِّب من أطعمة ومأكولات عراقية يحن لها من كان قد تعود في بلده عليها . مع شاي بعد الغداء إتصل عزيز بصديقه الإذاعي فلاح هاشم مؤكدا ً وصول المتنبي الى لندن وإنه الآن في ضيافته وإنه مستعد لإجراء مقابلة معه الساعة الثامنة مساء . أقفل التلفون طالبا من المتنبي أن يقرأ له بعض أشعاره . إعتذر الرجل منتحلا ذات العذر : إنه شاعر متقاعد وأقسم بعد تقاعده أن لا يقول ولا يقرأ شعرا ً . بالعكس ، طلب هو من عزيز أن يقرأ له شيئا ً من أشعاره . العيون تخون يا أبا الطيب ، رد َّ عزيز .
في السادسة شكرنا أم وأبا مخلص على حسن الضيافة وجودة الطعام وحرارة اللقاء على أمل أن يجود الزمان بفرصة أخرى يجتمع فيها شملنا ثانية في لندن أو ألمانيا أو في السماوة.

في السابعة والنصف جاء الصديق فلاح هاشم بسيارته الى فندقنا
Bayswater Inn
الواقع على شارع
8 - 16 Princes Square , London W2 4NT


فركبنا معه الى أستوديوهات راديو سبكتروم
Spectrum



دخل فلاح والمتنبي في داخل ردهة البث الإذاعي فكانت موسيقى أغنية محمد عبد الوهاب ( خي ِّ خي ِّ ) تصدح شجية ً ساحرة ً . وضع فلاح لاقطات الصوت على أذني أبي الطيب وأشار من خلال الزجاج العازل لمهندس الصوت في أن يبدأ البث المباشر . لم يضطرب المتنبي وكان رابط الجأش مسيطرا ً ومسرورا ً بهذه المقابلة . إستمرت المقابلة ساعة ً ونصف الساعة دارت خلالها الأحاديث المنوَّعة سياسة ً وشعرا ً وذكريات ٍ . سأل فلاح ضيفه عن رأيه في شعر اليوم وحال الشعراء فقال بدون تردد إنه يعتبر نزارا ً القباني ومحمود درويش من أفضل الشعراء . سأله فلاح ومن يأتي بعدهم من الشعراء ؟ قال سريعا : يحتل باقي الشعراء المرتبتين الثالثة والرابعة... في أحسن أحوالهم . سأله فلاح لماذا ؟ قال لأن مقومات الشعر وأركانه الأساسية ثلاث : الفكر واللغة الناطقة ثم الشعور . فان كان فكر أحدهم عاليا ً جاء شعوره واطئا وإن ْ كان الشعور عاليا جاء الفكر متدنيا . هذه هي المعضلة في الشعر . وهذه هي المهمة الأصعب التي تواجه الشعر والشعراء : كيف تقيم التوازن الحرج بين الأفكار والمشاعر ، أقصد كيف تحوِّل الفكرة الى شعور يتحسسه القاريء ويتأثر به كأنما هو شعوره الخاص لا شعور غيره . كيف تستفزه فتجعله يضحك حينا ً ويبكي أحيانا أخرى . كيف يُسر ُّ ومتى يتألم لألمك كشاعر . فقولك مثلا إني سعيد لا يكفي ، ينبغي عليك أن تقنعني كقاريء لشعرك أنك سعيد بالفعل لا بالقول . كيف تترجم أو تحول كلمة السعادة الى إحساس يخترق عصب القاريء . والذي يقول لك إن َّ الدم يسيل منه ليس كمن يريك الدم نازفا ً من عروقه فعلا. هذه هي المعادلة الأصعب والأروع في دنيا الشعر : الفكرة - الشعور . سأله وماذا عن اللغة . قال إن َّ لغة أغلبهم لغة منطوقة وليست لغة ناطقة . اللغة الناطقة وحدها هي لغة الشعر . ثم أردف قائلا إني أعترف أن ثقافتهم عالية ولغتهم سليمة لكنها ليست على الدوام لغة شعر . لذلك - مختصرا - فالشعر الحقيقي نادر يا عزيزي .
بعد فترة إستراحة قصيرة وبث لبعض الإعلانات عاد فلاح يحاجج المتنبي متسائلا عن مصير هؤلاء الشعراء من القدامى المعروفين . قال لا مكان َ لهم اليوم في عالم الشعر. مر َّ بهم الزمن وجرفهم أمامه . الزمن اليوم زمن ما يسمى بقصيدة النثر . الأذن العصرية لم تعد ْ تسيغ رتابة موسيقى أو إيقاع التفعيلة . التفعيلة قيد رتيب بغيض يذكر برتابة مطارق الصفارين وجلبة أسواق الصِفر . لقد نبذ جيلكم بحور وقوافي الخليل بن أحمد الفراهيدي ظهريّا . مسرح اليوم هو مسرح قصيدة النثر شئتم أم أبيتم عزيزي فلاح. تنهّد فلاح الصعداء َ لا يدري كيف يعلق على أقوال ضيفه المتنبي الذي كان جريئا وصريحا ً وواضحا ً كالزجاج . سأل فلاح أية أغنية يحب أن يسمع أبو الطيب . قال بدون تردد أحب سماع أغنية ( نخل السماوة يكول طرتني سمرة // سعف وكرب ْ ظليت ما بي َّ تمره ْ ) . سأله فلاح مداعبا ً ولماذا هذه الأغنية بعينها ؟ قال لأن صديقنا العزيز عزيز السماوي يتابع هذا البرنامج ويسجله في جهاز التسجيل . قال فلاح ضاحكا ً أي أن أبا مخلص يتلصص علينا . قال المتنبي نعم وأكثر من ذلك ، إنه يتجسس علينا . إنفجرنا جميعا ضاحكين . وبالفعل ، كان عزيز السماوي يسجل في بيته هذه المقابلة التي كان طول العمر في إنتظارها .
بعد المقابلة قدّم فلاح لضيف برنامجه نسخة من كاسيت تسجيل المقابلة قائلا يمكنك إعادة أستنساخ الكاسيت وتقديمه هدايا للأصدقاء والمعجبين . أخذنا أخيرا ً فلاح بسيارته مشكورا ً الى فندق إقامتنا . في صالة الإستقبال سألني أبو الطيب عن برنامج اليوم التالي . قلت له سنزور جريدة الزمان وسنلتقي بالمسؤولين فيها . قال حتى في لندن يلاحقني الزمان . قلت له الزمان التي سترى غير الزمان الذي عانيت منه . هل نسيت قولك ( صحِب َ الناس ُ قبلنا ذا الزمانا // وعناهم من أمره ما عنانا ) . قال إي والله قد نسيت . الزمان أنساني كل شيء . الزمان أنساني حتى زماني .
في الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم التالي وصلنا مكاتب جريدة الزمان البعيدة قليلا عن مركز مدينة لندن . وكان الأخ نضال الليثي أول من قابلنا ونحن في طريقنا الى الطابق الأول . رحب الرجل بنا ترحيبا ً حارا ً وقادنا الى مكتبه وأمر لنا بالقهوة . فاجأناه بزيارتنا لأننا جئناهم دون تثبيت موعد للزيارة كما تقتضي الأصول في مثل هذه البلدان . كان كثير الأدب لدرجة أنه لم يسأل مَن نحن ولا عن الغرض من الزيارة . بعد القهوة بادرت أنا للقول جئنا نتعرف على الأستاذ رئيس تحرير جريدة الزمان . قام فورا قائلا عفوا ً ، سأرى إن ْ كان موجودا ً أو لديه الوقت الكافي لمقابلتكم . عاد دون تعليق وبقينا ننتظر . قدم لي بطاقة التعريف الشخصية . أدركت على الفور أن الرجل يحثني على تعريف أنفسنا فبادرت الى تقديم بطاقتي الشخصية له . بدا الكثير من الإطمئنان والسرور على وجهه الصبوح. بعد هنيهة قام ثانية قائلا إنه سيعود حالا . عاد ليدعونا الى مكتب السيد رئيس تحرير الجريدة . إستقبلنا هذا في وسط مكتبه الواسع مرحبا بنا بكل ود وحرارة . ظل ( أبو جاسم السماوي ) صامتا طوال الوقت . لم يسأل وما كان مستعدا أصلا أن يدخل في أي حديث . وما أبدى صاحب الضيافة أي قدر من الفضول لكشف سر هذا الرجل الصامت صمت أبي الهول . همس أبو الطيب في أذني قائلا ( أسأله هل له علاقة قربى برئيس الوزراء الأسبق عبد الرحمن البزاز أو بوزير التربية السابق حكمت البزاز ؟ ) . سألت رئيس التحرير هذين السؤالين فنفى أن يكون قريبا ً لأي ٍّ منهما . قال إنه مجرد لقب يدل على مهنة بيع الملابس لا غير . تذكرت ألقاب الصفار والصائغ والعطار والنجار والحكيم والأطرقجي وسواها من مهن وصنائع شائعة في العراق . بعد بضعة دقائق دخل المكتب شاب وسيم بوجه خجول باسم قدّم نفسه لنا قائلا ( دكتور فاتح ) . تجولنا جميعا برهة في بعض أقسام الجريدة ثم أخذنا دكتور فاتح الى مكتبه الخاص في الجريدة نائبا لرئيس التحرير . قدم لنا بعضا ً من آخر ما نشر من كتب أكاديمية وقصص وروايات .
شكرنا الجميع وإنصرفنا الى باقي شؤوننا في لندن . لقاء آخر لا يتكرر في العمر ، همس المتنبي ونحن نغادر بناية الصحيفة.
في قطار عودتنا الى قلب لندن سأل أبو الطيب وماذا سنفعل غدا ؟ سنزور المتحف البريطاني يا أبا الطيب . شد حيلك لأن زيارة هذا المتحف تستغرق الكثير من الوقت . سترى فيه تراث وآثار أجدادك السومريين والأكديين والبابليين أجدادي ثم الآشوريين أجداد أهل الموصل .



#عدنان_الظاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتنبي في أوربا / مع كارمن ودولة الخروف الأسود
- حوارات مع المتنبي / المتنبي في أوربا
- تصحيح معلومة خاطئة / إلى الأستاذ سلام عبود ... حول قصص جلال ...
- مقبرة الغرباء / رثاء الجواهري
- آليات الإبداع في الشعر / المتنبي نموذجاً
- الأوزون ... درع الأرض الهش
- رسالة لعدنان الظاهر من محمد علي محيي الدين
- التلوث والبيئة / الزئبق
- ليزا والقاص جلال نعيم حسن
- عامر الصافي والمناضل القتيل الحاج بشير
- البايولوجيا الإشعاعية ومخاطر الإشعاع / لمناسبة إسقاط القنبلة ...
- مشاكل ومخاطر محطات توليد الطاقة
- لوركا والبياتي / في ذكرى رحيل الشاعر
- شعراء ثلاثة : أديب وحسين وعبد الهادي
- المتنبي في أمريكا
- المتنبي في موسكو
- وشم عقارب ... ديوان شعر للشاعرة ورود الموسوي
- ألكترا تقتل أباها
- ليس دفاعاً عن سعدي يوسف / سعدي والإحتلال وعزرا باوند
- المتنبي و ( شوكار ) جارية شجرة الدرّ رومانس المتنبي


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الظاهر - المتنبي في لندن / مع الشاعر عزيز السماوي