أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الظاهر - المتنبي و ( شوكار ) جارية شجرة الدرّ رومانس المتنبي















المزيد.....

المتنبي و ( شوكار ) جارية شجرة الدرّ رومانس المتنبي


عدنان الظاهر

الحوار المتمدن-العدد: 1928 - 2007 / 5 / 27 - 05:41
المحور: الادب والفن
    



(( 30 ))

www.mars.com

( يقولون ليلى في العراق مريضة ٌ ...) سمعت صوت صاحبي المتنبي مجلجلاً وهو يُنشد صدر هذا البيت من الشعر فقاطعته ولم أدعه يكمل العجز . رويدك يا رجل ! ماذا حلَّ بك ؟ قلت له . ثم علام كل هذا الحماس الذي لم أعهده منذ زمن طويل فيك ؟ تجاهلني جملةً وتفصيلاً . تجاهل أسئلتي ثم شرع يقرأ بذات النبرة الحماسية العالية بعض أشعاره :

حسمَ الصلحُ ما اشتهتهُ الأعادي
وأذاعته ُ ألسنُ الحُسّادِ

وأرادتهُ أنفسٌ حالَ تدبي
رُكَ ما بينها وبين المُرادِ

صارَ ما أوضعَ المخبّونَ فيه
من عتابٍ ، زيادةً في الودادِ

إنما تُنجحُ المقالة ُ في المر
ءِ إذا وافقتْ هوىً في الفؤادِ

أراد صاحبي الشاعر أن يمضي أبعد في قراءة أشعار هذه القصيدة لكني رجوته أن يتوقفَ ليسمع إعتراضي وبعض الأسئلة عن وضعه الغريب هذا اليوم وهو عيد عالمي للعمال . قال هيا وقلْ ولا تتردد ، ما وجه إعتراضك ؟ إعتراضي على صدر بيتك الأول . لقد سبقك إلى معناه المرحوم المطرب فريد الأطرش . قال كيف ؟ قال في بعض أغانيه (( ختمَ الصبرُ بُعدَنا بالتلاقي )) بينما قلت أنت (( حسمَ الصلحُ ما اشتهته الأعادي )) وأرى هذا من ذاك . قال أكمل البيت الذي غناه صاحبك فريد الأطرش. نعم ، سأفعل (( وشفى الصدرَ أنَّ ودّكَ باقي )) . قال يا جاهل : بعد صدر بيتي جاء العجز كما يلي (( وأذاعته ألسنُ الحسّادِ )) وشتان بين القولين . ثم ، تكلمت أنا عن صلح تمَّ بين أمير مصر الأسود كافور الإخشيدي وبين أحد أمراء مصر . بينما تكلم صاحبك المطرب ــ وهو ليس بشاعر كما إخال ــ عن لقاء تم بعد بعاد بينه وبين من يحب . لا محب ولا محبوب في قصيدتي موضوعة إعتراضك . هنا خصام سياسي تمت تسويته بصلح بين طرفي الخصومة ، وهناك غرام ولوعة وصبر على الفراق إنتهى بلقاء العشاق ... هناك " صلح " وهنا " " لقاء " ... فهل تفهم يا جاهل هذه الفروقات ؟ هل تفهم الفرق بين صلح سياسي ولقاء غرامي ؟ الصلح السياسي يحقن الدماء ويطفئ نيران العداوة والشجار والبغضاء . أما اللقاء الغرامي فعلى عكس ذلك ، إنه يشعل نيران الحب ويضاعف من سعار العشق في قلوب المحبين . وليس من يُطفئ النار كمن يُلقي فيها حطباً ويزيد من أوار وقيدها ولهيبها . حسب المتنبي أنه أحرجني وغلبني على أمري وما درى أني أفلحتُ في إيقاعه في الفخ الذي نصبتُ . نجحتُ في إثارة حفيظته وخروجه عن طوره وعن طبعه الهادئ . ثم ، فوق هذا وذاك ، وُفقِتُ إلى تحويل خطوط تفكيره ومزاجه فأوقفته عن مرامه في أن يواصل قراءة قصيدة طويلة هي ليست بأفضل ما قال من شعر وليست من بين قصائده المفضّلة لديَّ . قال هل إقتنعتَ الآن وهل فهمتَ مرامي ؟ أجل ، قلت ، ولكن ... قاطعني وكان عجولاً في المقاطعة فقال ساخراً : ولكن ... ماذا ... ولكن ... ماذا تريد أن تضيف ؟ أردتُ أن أسألك يا ضيفي الكريم عن مناسبة أشعار هذا اليوم وما كنا قد إتفقنا على مناقشة موضوعها وتفاصيلها . قال معك حق ، إنه موضوع طارئ فيه بعض التعقيدات . حصل معي ولم أعرض عليك تفاصيله فيما سلف من أيام . إذاً ، قلت ، ها قد حان الوقت المناسب لأن تُفصح وأن تبين . ما فحوى هذا الأمر الطارئ يا أخا العرب ؟ قال سأقص عليك حكاية حصلت معي ربما لا تصدقها . ولماذا لا أصدقها يا صديق ؟ قال لأن دماغك غدا ( ستوك ) ، لا يفهم كل ما يجري من حوله من قضايا وأمور مستجدة . أنت من ( أهل الأول ) . قل ولا تخفْ يا متنبي . سأحاول أن أفهمك وأتفهم قضاياك العالقة والمستحدثة . تفرّس الشاعر في وجهي كأنه يختبر درجة إستعدادي لتقبل ما سيقول ومدى قدرتي على فهم ما سيقول من أمور غريبة ، جدَّ غريبة . قال إسمع : أنت لا تعرف أني كنت شبه زائر دائم لبلاط مليكة المسلمين في مصر ( شجرة الدر ) التركية وجارية الملك الصالح الأيوبي الراحل . إلتقط المتنبي عمق إستغرابي مما قال فبادر للقول رجاء لا من تعليق الآن. دعني أُنهي مقالتي ثم سلْ عما بدا لك . واصل كلامه : نعم ، كنت ضيف هذه الملكة الداهية شبه الدائم . كنت أزورها في جناحها الخاص في ساعات محددة من كل ليلة تقريبا ً . ما كانت مليكة المسلمين تستقبلني وحيدة في صالون إستقبالها الفخم والخرافي تأثيثاً ورياشاً وطنافسَ وذهباً وعاجاً وأبنوسَ وسواها من الحاجيات والكماليات الباذخة والمفرطة في غلاء أثمانها . كانت هناك معها على الدوام مغنيتها ( شوكار ) الفاتنة الصوت والصورة وهي في الأصل من جواري المرحوم الملك الصالح . كلفتني مليكة المسلمين على عرش مصر أن القن هذه الجارية المغنية أشعاري في الغزل لتغنيها لها ولكبار ضيوفها من الأمراء والوزراء والضيوف الكبار . كنت بالطبع مسروراً بهذا التكليف . قضيت هناك أجمل وأسعد أوقاتي في الدنيا طراً . أمامي تجلس ملكة مصر بكل جمالها وهيبتها وحسن تدبيرها لأمور المملكة حتى أنني أتخيلها كأنها نسخة َأصل ٍ من ( كليوباترا ) . وتجلس بجانبي كتلميذة نجيبة وفية مغنية رائعة الصوت والأداء نادرة الجمال . كنت ألقنها أشعاري وكانت تحفظها سريعاً عن ظهر قلب . وكانت تستزيد وتستزيد وكانت الملكة ( شجرة الدر ) تشجعها على هذه الإستزادة . ما كانت ( شوكار ) تكتفي بترديد ما حفظت من أشعاري ، ولكنها تقوم فوراً بتلحينها وأدائها بصوتها الرخيم ولا صوت صاحبك فريد الأطرش . كانت تغني جميل أشعاري وكانت الملكة ( شجرة الدر ) تصغي بكل جوارحها لصوت ( شوكار ) . كانت تحبها حباً غير طبيعي وغير معروف بين ملكة وجارية مغنية . أشك في أنها كانت تحبها حباً [ جنسياً / مثلياً ] ... كما تسمونه في هذه الأيام . كانت الملكة تغرّق ناظريها فيها ولا تفارق عيناها وجه مغنيتها ولا كفيها وكيف تلاعب أواتر العود وكيف توقّع اللحن عليها . كانت تنصرف إليها بشكل يفوق التصور . كانت تذوب فيها وتتلاشى في صوتها ونغمات عودها . وكنتُ أنا كأني في جنة محاطاً بالحور العين وكل ما قد يخطر في بال إنسان مثلي . بإختصار شديد ... حصل بيني وبين هذه الصبية المغنية ود عميق متبادل إلا أنها صارحتني ذات يوم إنها لا يمكن أن تنصرف كليةً لي لأنها تحب في نفس الوقت الأمير التركي المملوك ( ركن الدين بيبرس البندقداري ) الذي كان وقتذاك بمنصب ( داودار ) الملكة والذي سيصبح بعد ذلك سلطان مصر كلها بإسم ولقب ( الظاهر بيبرس ) قاهر الإفرنج والمغول . لا أدري ، واصل المتنبي حديثه ، كيف نجحت هذه الصبية المغنية أن تجمع في قلبها الصغير حب رجل كوفي عراقي مثلي وحب أمير تركي مقاتل شجاع ؟! أحسبَُ ، أضاف ، أن الفنانين والشعراء ومرهفي الحس من سائر البشر ... أحسبهم شديدي التاثر بمن يماثلهم من الناس . وجدت الصبية المغنية البارعة فيَّ الشاعر الذي تأثرت به عن طريق موهبته الشعرية . لشعري سلطان عليها لفرط حساسيتها الفنية العالية وموهبتها الأصيلة وعمق فهمها للعلاقة المتينة بين الموسيقى والشعر . أضاف ، أما تعلقها بالأمير والقائد العسكري الشجاع فتلك مسألة أخرى لا يصعب تفسيرها . القوة في الرجل تجتذب النساء عموماً . ثم أضف إلى ذلك سعة عيش هذا الأمير وسمعته كمقاتل شديد البأس وقربه من بلاط الملكة . الفن هناك في الشاعر العراقي البعيد عن وطنه ، وقوة الرجل وبسطة عيشه هنا في الأمير التركي المملوك . ما قيمة عراقي فقد وطنه وتشرد في الآفاق يبحث عن عمل أو مورد رزق ثم عن ملاذ آمن يحميه من بطش حكامه ؟ مع ذلك ، لم تقهر القوة العسكرية ولا مظاهر الإمرة والأمراء الأتراك ... لم تستطع التغلب على قوة وجبروت روح الفن شعراً ولحناً وغناءً وموسيقى . هنا الروح وهناك الجسد . جمعت الصبية كليهما في قلب صغير . ضمنت مستقبلها إذ تزوجها الأمير ركن الدين فيما بعد ، وبعد ما عانت من أهوال ومشاق ومخاطر كادت أو تودي بحياتها . ما نفعها من شاعر مشرد لفظه وطنه ثم إنه رجل متزوج !! هل أنهيت قصتك يا متنبي ؟ قال تقريباً . هل من تعليق أو سؤال ؟ أسئلة كثيرة يا صديقي لكنك سبقتني فأجبت على أغلبها . مع ذلك ، وددتُ أن أسألك عن سر ذكرك للعراق في مطلع لقائنا . قال تقصد قولي (( يقولون ليلى في العراق مريضةٌ ؟ )) نعم يا صاحبي . قال أما تتمة هذا البيت فهي
(( ألا ليتني كنتُ الطبيبَ المداويا )) . زدتَ من حيرتي يا متنبي . قال لماذا ؟ إنك لم تجب عن سؤالي إياه . قال هذا حديث معقد طويل سيأتيك خبره ربما في مناسبة أخرى أو في آخر لقاء اليوم . طيب ، قلتُ ، وهل سارت أمورك بشكل طبيعي مع المغنية الصبية ( شوكار ) ؟ قال تعثرت علاقاتنا لفترة أسبوع واحد فقط . حصل سوء فهم بيننا ولا أقول سوء تفاهم. قاطعتُ مجلس شجرة الدر وكففت عن التلقين وأقمتُ في داري التي خصصها لي في سالف الزمان أمير مصر الأسود كافور الإخشيدي . طرق باب بيتي في إحدى الليالي طارق عرفته رغم شدة ظلام الليل . إنه الخصي ( عابد البصري ) ، أحد خدام القصر ، جاءني يحمل لي رسالة عاجلة من ( شوكار ) . أبقيته في حجرة إستقبال الضيوف ومضيت إلى غرفة نومي . فتحت الرسالة فقرأت فيها ما يلي :
(( سيدي العزيز :
ما أردتُ إبلاغه لك أنَّ غيابك َ ولّد لي فراغاً كبيراً . لا أطلب منك رداً أو رسائلَ فرسالتك التي تركتها لي ومضيتَ قالت الكثير . ففضلاً عن عذوبتها حملت لي أغصان الجوري وورود الجوري . هل تدري ؟ حلمتُ ليلةَ أمس ورأيتك في منامي . إقتربتُ منك وتحدثتُ إليك وقبلتك في فمك . صدقت جدتي ! صدقت إذ فسرت لي حلم اللقاء بأنه يعني ( فراق ) !
لن أكتب لك ثانيةً سيدي ولن أرسل أنا ولا سيدتي الملكة في طلبك حتى تأتي أنت من تلقاء نفسك وتعاود تدريسي روائع أشعارك وتستمتع بجميل الحاني وسحر غنائي الذي يطرب الصخر . لم نغلق أبواب القصر في وجهك ولم نصرفك لكنك أنت إفتعلت الخصومة وفضلت الإبتعاد عني رغم ما تعرف من علو مقامك في قلبي . ثم ، لعلمك سيدي ، إني لا أستطيع زيارتك في بيتك لأتلقى منك حصص تلقيني الشعر وبعض دروس اللغة العربية وأنت سيدها . أنت تعرف أن هذا الأمر غير ممكن بل ومستحيل . فمثلما أبغي سلامتك أرجو منك مقابلتي بالمثل . ثم إني فتاة شبه مخطوبة للأمير ( ركن الدين بيبرس ) حسب مشيئة سيدتي ( شجرة الدر ) فضلاً عما يخالجني من مشاعر هوى حقيقي تجاه هذا الأمير الشهم.
لن أقول لك ما أشعر به الآن من غصة وحزن لكني سأحاول أن أتكيف وأن أعود نفسي على الظرف الطارئ الجديد . سأحاول أن أتقبل الحقيقة المرة من كوني عدتُ إنسانة عادية بعد أن صيرتني حروفك آلهة ً . آسفة جداً سيدي إذا قسوتُ عليك أو جرحتك كلامات رسالتي هذه . أقول لك وأنت المتنبي الكبير : رسالتك تلك أبكتني كثيراً وأثرت بي كثيراً فأنا لا أستحق شكرك وتمنياتك الطيبة . إنما أنت الذي يستحق الشكر والعرفان بالجميل فأنا كما تعلم تلميذتك وأنا المعجبة بشعرك وشخصيتك القوية التي تفرض نفسها على شعرك والقارئ على حد سواء . سأعتكف خلف الستر كواحدة من حريم سيدتي ملكة المسلمين فهل تعاد أنثى من السماء العالية لتسجن خلف حجاب ؟ لا أطيل عليك لكني أردتُ أن أقول لك أن َّ غيابك ترك بداخلي حزناً كبيراً سأحاول التعايش معه عسى أن تنجح محاولتي . لا أستطيع وصف حزني في رسالة ، فحمرة عيوني تتكلم فتفضح حقيقة أمري ولا يمكن إخفاء إحتقان العيون . إلى لقاء قد لا يأتي يا سيدي الغالي جداً عليَّ وسأبقى أحبك من أعماق قلبي الذي يشاركك فيه الأمير الشجاع الثري ( ركن الدين بيبرس ) . ستبقى أوتار عودي يتيمة في غيابك . وسوف لن تنطق بنادر الألحان من وحي شعرك كما كانت تفعل قبلاً )) .

وضع صاحبي رسالة ( شوكار ) على الطاولة وهو يجفف عرق وجهه بمنديل حرير سمائي اللون ثم أفرط في تناول كؤوس الماء وأقداح الشاي . ظل صامتاً فتركته منسجماً مع طقس حبه الذي تهرب منه في لحظة إنفعال وعجلة . دخل الشاعر في هذا الجو المفرط في حساسيته وإستثنائيته وكان واضحاً أنه يعاني من الندم . أردت إعانته بالخروج من هذه الأجواء المحمومة فسألته هل رد على رسالة ( شوكار ) ؟ فكر طويلاً قبل أن يقول نعم ، كتبت رداً وطلبت من رسولها ( الخصي عابد البصري ) أن يحمله إليها بكل سرية وأن لا يسلمه إلا لها . ماذا كتبت يا صديقي في ردك ؟ كان ردي مطولاً يتناسب مع خطورة الموقف وحجم الحزن الذي سببته للحبيبة المشتركة مناصفة ً . وكذلك مع مقدار معاناتي جراء ما فعلت يداي في لحظة غضب زائد غير محسوب العواقب . هل ستقرأ عليَّ هذا الرد ؟ قال كما تحب :

(( يا حبي كيف حالك ؟ هل أقدر على فراقك ؟ لا واللهِ . ذلكم أمر غير ممكن ، بل ومستحيل . يا حبي ، أكتبي لي كما تشاءين وكيفما تشاءين ومتى ما تشاءين فلسوف تجدينني كما عهدتيني في سالف الزمن من علاقتنا المتفردة ... ذلك المحب العابد المخلص المنتظر أبداً لك ولكل كلامك . أنا آسف جداً أني سببت لك كل ما عانيتِ بسبب رسالتي اللعينة تلك والتي كتبتها تحت تأثير عوامل شتى أشعرتني كأني أُسدي لك خدمة وجميلاً في أني أُبعد نفسي عنك وعن حياتك لكي تتفرغي للرجل العسكري الآخر إذ كنت أحسبُ أني أسبب لك مشاكل معه بسبب غيرته مني رغم فارق العمر بيننا والفوارق الأخرى التي يتفوق بها عليَّ أنا الكوفي العراقي المشرد ثم المتزوج . كيف أسمح لنفسي أن أكون سبب تعاستك أنا الذي أجهد لأن أراك سعيدةً في حياتك بهيجةً مع ما ألقنك من أشعار الحب والهوى . ثم إني كنت عازماً أن أكتب فيك أشعاراً جديدةً من وحي سحر غنائك وجمال وجهك وكرم أخلاقك . هل تعلمين ؟ إني غدوتُ مدمناً بك وفيك وعليك فكيف يهون عليَّ فراقك وأنت صغيرتي وحبيبتي وأنت سيدتي وأنت ربتي ؟ كيف يهون الفراق ، كيف ؟ كيف يهون الفراقُ والعراقُ بعيد ؟ إني أعتذر يا حبي وأرجو منك أن تنسي ما كان مني من جفوة عابرة شدما ندمت ُ إذ إصطنعتها . وأرجو أن تعودي لي كما كنتِ أنتِ وكما كنا قبل الجفوة . أرجو منك نسيان ما كتبتُ لك في رسالتي الوحيدة السابقة ألا شلّت يدي وتكسرت أصابعي وجرى دمي بدل دموعك تكفيراً عن الخطأ الذي إقترفتُ بحق حبيبتي ومعجزتي وملهمتي . إغفري وعاودي الكتابة لي لكي أعود إلى القصر وأستأنف تدريسك اللغة العربية والشعر . أنتظر منك رداً مكتوباً أو رسالةً شفوية يحملها لي أحد خدمك من الثقاة تقترحين فيها عودتي إليك وسيدتك ملكة المسلمين في مصر . أحبك وأظل أنتظر / أبو الطيب المتنبي الشاعر)) .
ما أن إنتهى صاحبي من قراءة رده على رسالة ( شوكار ) حتى سألته إن كان قد إستلم رداً منها فقال إنه على ثقة كبيرة في أنها سترد طالبةً منه أن يرجع إلى سابق عهده وعلاقاته الطيبة معها ومع سيدتها ( شجرة الدر ) .
كان صاحبي منبسطاً وقد أزاح عن صدره عبئاً ثقيلاً إذ أفصح لصديقه عن هموم ثقال تنوء بها الجبال . لقد أضناه بعده عن الصبية ساحرة الغناء والنغم فغدا شديد التوله بها مع رغبة عارمة في أن يعاود إعطاءها الدروس الخصوصية وما يحس به من نعيم في قصر وضيافة ملكة مصر.
أردتُ أن أستفزه وأختبر بعض نواياه فهو يظهر نصفاً ويخبئ النصف الآخر فسألته متظاهراً بالكثير من البراءة : هل أعجبتك ملكة مصر وهل من علاقة متميزة ربطتها بك ؟ قال دون تأن ٍ : يا راجل ! إتقِ الله ولا تورطني في مسائل ليس وراءها إلا قطع الأيدي والأعناق ! إنها متورطة في غرام عاصف مع مدبر مملكتها وكبير أمراء الجيش المملوك التركي
( عز الدين أيبك ) . فأيبك هذا هو الذي إختارها ملكة ً على مصر فردت عليه جميله بتعيينه بمنصب مدبر المملكة وكان هو في واقع الحال الحاكم بأمره في مصر وليس ( شجرة الدر ) . ثم تزوجته فيما بعد ــ وقد خلعها خليفة بغداد المستعصم من ملك مصر بدعوى أن َّ الإسلام لا سابقة له في تمليك النساء ــ فمن أنا مقارنةً مع هذا القائد وأمير أمراء الجيش التركي الأصل ؟ هل من ملاحظات أو أسئلة أو تعليقات قبل أن أودعك وأمضي إلى عالمي الآخر ؟ نعم . لماذا ذكرتَ بغداد في بداية لقاء اليوم وما علاقة بغداد ب ( شوكار ) ومصر و
( شجرة الدر ) ؟ قال المتنبي معك حق . السبب هو أن خليفة المسلمين في بغداد طلب المغنية ( شوكار ) من الملكة ( شجرة الدر ) عن طريق ( عز الدين أيبك ) لكي يضمها إلى مجموعات جواريه ومغنياته بعد أن تناهى إلى مسمعه جمال هذه الجارية وتفردها في العزف على العود ثم سحر غنائها . وهل إستجاب ( عز الدين أيبك ) فأقنع ( شجرة الدر ) في التخلي عنها وترحيلها إلى الخليفة المستعصم بالله في بغداد ؟ قال أجل ، ذلك ما حصل . رحلوها هديةً لخليفة المسلمين في زمن كان هولاكو المغولي يستعد لغزو العراق ... لكن حبيبها وخطيبها الشهم ( ركن الدين بيبرس )
غامر فزار بغداد زيارةً سرية فنجح بمساعدة الخصي ( عابد البصري ) في إخراجها من بغداد فأتى بها إلى القاهرة ثم تزوجها ليصبح فيما بعد سلطان مصر بإسم ( الظاهر بيبرس ) .
غادر المتنبي بيتي مردداً بحزن عميق وأكثر من شجا :

يقولون ليلى في العراقِ مريضة ٌ
ألا ليتني كنتُ الطبيبَ المداويا

(( كل ٌ يبكي على ليلاه !! )) . لقد أصابني المتنبي بحمى عدوى حزنه وشجوه فالأحزان ــ مثل عواء الثعالب والذئاب ــ سريعة الإنتقال من بشر لآخر وإنها عابرة للقارات والحقب والأزمنة . لم يكد صاحبي أن يفارقني حتى وجدتُ دموعي تجري على الخدين لكنها كانت دموع فرح وغبطة ومسرة ... ثم إنتبهت وقد وجدتُ نفسي أردد ــ كما فعل المتنبي ــ دونما ملل :

حسمَ الصلحُ ما اشتهته الأعادي
وأذاعته ُ ألسن ُ الحسّاد ِ

الأول من مايس 2007



#عدنان_الظاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان إلى المثقفين العراقيين كافة ً ...
- إلى الدكتور قاسم حسين صالح / حول مجلس عمان
- المتنبي وبعض الثائرين / الجزء الثالث
- المتنبي و المغولي بوقا تيمور في الحلة
- رواية المسرات والأوجاع / لفؤاد التكرلي الجزء الأول
- رواية المسرات والأوجاع لفؤاد التكرلي / الجزء الثاني
- برشمان أنيس الرافعي مجموعو قصصية
- البرشمان / أنيس وجحيم دانتي
- ورق عاشق / ديوان شعر لفاتحة مرشيد
- المتنبي وبعض الثائرين
- الصابئة المندائيون
- الشعراء والأديان الأُخرى
- مع أبي محسد المتنبيء في أوربا
- أطياف الندى
- السامري
- تدوين لزمن ضائع للشاعر عباس خضر
- كيف يحصل التلوث في الكون؟ - البيئة والكيمياء والسموم.. زواج ...


المزيد.....




- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
- أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الظاهر - المتنبي و ( شوكار ) جارية شجرة الدرّ رومانس المتنبي