أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - رياض الأسدي - جَردة الموت (آمرلية ) هذه المرة















المزيد.....

جَردة الموت (آمرلية ) هذه المرة


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 1982 - 2007 / 7 / 20 - 10:19
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


قرية منسية خارج التاريخ، تقريبا، وداخل العراق، يصعب أن يصل لها مسؤول عراقي بلا غبار يلاحقه؛ ولأنها شبه منسيه بسبب الغبار نفسه؛ كأن لا وجود لها على خارطة العراق، فكيف بخرائط العالم؟ قرية اصطبغت بيوتها الطينية بالدم في لحظة واحدة.
لا يعرف تبك القرية النائمة في حضن التخلف العراقي ويعرف تاريخها القديم غير العلامة المرحوم طه باقر المولود في الحلة، وحده طه باقر يعلم ماذا تعني آمرلي فهل كان يتخيل يوما ما الذي سيحلّ بها؟ كان مترجم ملحمة كلكامش والباحث الذي لن يتكرر في تاريخ العراق القديم يقود عربة بابلية ليتفقد الموت في آمرلي. يعرف طه باقر العراق أكثر مما يعرفه أي عراقي آخر الآن. قرية من بقايا حضارات العراق الدفينة، يسكنها التركمان غالبا منذ عهود سحيقة. غارقة في الوحدة والحزن التاريخيين. لكنها، ومن أجل الموت فقط؛ دخلت آمرلي التاريخ الأحمر بقوة وعنف وبلا سابق إنذار، لتوضع ببراعة في متحف القتل الجماعي للعراقيين في عهد الاحتلال.
سكان أمرلي آمرليون طيبون قلبا وقالبا، ومن عشبة السيد أوتونابشتم، خلقوا، ويصعب معرفة انتماءاتهم الطائفية فهم أبناء قرية خضراء مغبرة واحدة، وليس لهم أيّ شأن بصراعات المدن والدول والكتل والأحزاب وأزلامها من حملة شارات الموت. ولأنهم كذلك؛ فقد آثروا السلام منذ بداية الغزو إذ لم تسجل ثمة حوادث مهمة أو غير مهمة في هذه البقعة الآمنة من العراق. ولأنها لم تر حفل موت جماعي أهوج كان لابدّ من إدخالها إلى عنوة إلى التاريخ الدموي للقاعدة، فلم تسلم آمرلي من مخططات الموت وكانت هدفا مناسبا وسهلا لصناع الفناء الأسود.
لم تعرف آمرلي طوال خمسة آلاف عام غير السكون، والدعة، والرضا بالمقسوم القليل من البارئ للنسمات، الساكن في العلى القدير. ومنذ زمن السيد (اوتوحيكال) محرر العراق الأول السومري، وحتى زمن الاحتلال الهمجي الأخير. قرية هادئة بطبعها فقيرة فقرا مدقعا يعمل سكانها في الزراعة البسيطة والرعي والبطالة العراقية القاتلة. ربما كان على آمرلي أن تبقى في حضن النسيان، ولم يكتب عنها لا التاريخ القديم ولا الوسيط شيئا: من يهتم للغارقين في بؤس العالم؟ لكن، ثمة من شاء لآمرلي أن تعرف.. أخيرا، وعلى غير ما هي عليه. اجل كان لابدّ لأمرلي أن تكون في طي النسيان العراقي الطويل لكي لا يتعرف عليها أولئك الانتحاريين المعتوهين، فهؤلاء لا يعرفون غير زيادة أرقام الموت والموت وحده.
ويصعب ان تجد في آمرلي من يعرف السيدة كوندا ليزا رايس، أو بان كي مون، او اسامة بن لادن حتى، أو الدكتور الجهبذ حامل منجل القتل اليومي العالمي الذي يخرج علينا من حين لآخر، المدعو أيمن الظواهري نائب أمير الموت وسيد القتل بالمجان.. قال الإرهابي أيمن في رسالته الأخيرة: إن القاعدة لا تعادي آل البيت وعلى الآخرين أن لا ينخدعوا.. شكرا لهذه المعلومة الكاذبة وهذه الوصية الكاذبة التحريرية فقد كانت جدّ مناسبة حيث أعقبتها مذبحة آمرلي مباشرة. لم يصل النداء الهمجي إلا للمسكينة البعيدة، البائسة، حيث عرفت أخيرا أنها مهمة على أجندة العالم ألظلامي، وهي مهمة - أيما أهمية- لتحريك عمليات الجهاد العالمي ضد جبهة الصليبيين العالميين أيضا. أية لعب وسخة تدار على العراق؟
ضرب آمرلي هي غزوة لجند التوحيد والجهاد، تماما مثلما هي غزوة منهاتن وقطارات مدريد ولندن والدار البيضاء؛ آمرلي كتلك المدن الكبرى في نظرهم مادامت تنضح للقتلة اكبر عدد ممكن من القتلى العراقيين فقط ؛ كم هي الأرقام مهمة بالنسبة لهؤلاء إذا، وكم هي الحسابات مضبوطة في آمرلي؟؛ وعلى العالم كله منذ حادث التفجير الآثم أن يعرفها على حقيقتها: قرية صليبية تستحق الموت بنظر الظواهريين!! هكذا يفكر دعاة التكفير الجدد، بلا وازع من رجولة أو دين أو ضمير إنساني.
امرلي من قرى محافظة صلاح الدين إداريا لكنها الأقرب إلى ( التأميم) التي يصر البعض الآن على تسميتها بكركوك فقط،، لكي لا يزعج هذا الاسم السادة الغزاة الاميركان أو من لفّ لفهم على أية حال. ولا يوجد في آمرلي يورانيوم منضب ا غير منضب، وليس فيها معامل لتكرير البترول، ولا أسلحة دمار شامل، ولا كيمياوي مزدوج أو غير مزدوج، ولا جند الشام ولا فتح الإسلام ولا جماعة اوم ولا حتى بقايا من بادر ماينهوف، ولا أي شيء مما يعرفه العالم الوحشي المتحضر.
تعرف آمرلي سكانها الوادعون، إذ لا يوجد فيها غير السلام، والسكون، والبطالة منذ غزو العراق وحتى يومنا هذا. لا يعرف سكان آمرلي ماذا يعني الاحتقان الطائفي، ولا نظام المحاصصة المقيت، ولا حتى البرلمان لكثير منهم. لا مكان لآمرلي على خارطة العالم الجيوبوليتيكية والجيوستراتيجية، ويكاد كثير من العراقيين يسمع بها لأول مرة، لكنه سماع الموت الذي طال حتى الساعة 150 عراقيا وجرح 250 وثمة من بخرهم الانفجار ولم يجد أهاليهم منهم ذرة لحم: يا للأعداد الغفيرة من الموتى.. من هنا فقط تسجل أهمية آمرلي، ومن هنا ادخلوها التاريخ الأحمر وتاريخهم الأسود ولا تاريخ أبيض، أبدا، عنوة وبدون أي مقدمات لتكون شاهدا على الهوس والمرض والجنون.
وبعد أن طال الموت غير المتوقع البيوت الطينية المتهالكة لسكان آمرلي في لحظة واحدة رهيبة لكي تدخل تاريخ العالم مضرجة بالدماء العراقية الزكية وبلا موعد. كانت سيارة محملة بالموت والخضار قد استطاعت أن تدخل سوقها الشعبي بكل بساطة، لأن أي إنسان يستطيع أن يدخل آمرلي من أية جهة: لا سيطرات، لا حواجز كونكريتية، لا أجهزة استشعار عن بعد للسيارات المفخخة، ولا حتى ثمة مايكفي من الشرطة أيضا.
آمرلي لم يزرها أي من مسؤولي ذلك الزمان أو مسؤولي هذا الزمان: لا أصحاب الزيتوني ولا أصحاب اللون النفطي. ألم أقل لكم أنها خارج السمع والبصر والذاكرة؟ وهي ساكنة وادعة تنتظر (فرج الله والعراق) البعيد الذي لا يكاد عراقي يراه في الحلم فضلا عن الواقع. لعل ثمة ما يجدّ لأهل آمرلي – غير الموت- ليطور ولو قليلا من حياتهم التي لم تتطور منذ ستة آلاف عام، لكن السيد الحاصد الظواهري العنيد جاء بمنجله الأسود وأضاع حتى الأمنية.. اجل آمرلي لم تر النور منذ آلاف السنين، لكنها استطاعت أن ترى وهج المفخخات أخيرا، وتعلمت أن لا مناص من دخولها تاريخ التكفير أخيرا.



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية الفوضى البناءة
- اليانكي
- الدب الروسي ورقصة العرضه
- تبغدد.. إلى هيلاري: متى تحكمنا نساؤنا؟
- الغاء الآخر.. نظرة في التاريخ القديم
- تقريربيكر هاملتون:محاولة نظر ناقصة
- الحرب على العراق مقدمة لحرب عالمية ثالثة؟
- القدامة العربية بين الديمومة وظاهرة التقليعة الفكرية
- حديث إلى كريم مروة والظاهرة العراقية
- الحروب ككولاج غير قابل للصق
- روزا باركس.. لا مكان لها في حدوس نوستر أداموس
- ماذا وراء إحياء اللغة اللاتينيةعالميا؟
- عمى أيديولوجي جديد
- علمني كيف اخدم بلادي..في السيرة العلمية والوطنية للعالم العر ...
- مهنة يصعب التقاعد عنها
- القوي والجبار.. كتاب مادلين اولبرايت الجديد
- قراءة في البيان الأول لثورة 14 تموز 1958 العراقية
- تحت خوذة منخوبة
- يوسف الصائغ من الشيوعية إلى الفاشية ..لماذا غير خطّ سيره؟
- إحمد ربك كاكا كمال كريم لست شروقيا


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - رياض الأسدي - جَردة الموت (آمرلية ) هذه المرة