أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - توفيق أبو شومر - من الإنسان المتفجر إلى الإنسان المتحرر















المزيد.....

من الإنسان المتفجر إلى الإنسان المتحرر


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 1972 - 2007 / 7 / 10 - 11:07
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


سؤال يُلحُّ عليّ ويطاردني :
لماذا تزداد الجهالات ويترسخ التطرف في عالم اليوم وتنتشر الخرافات وقراءات الطوالع ، وفي الوقت نفسه تزدهرُ العلوم وتتسارع الاختراعات ، وتتطور الثقافات بوتيرة فائقة السرعة ؟
وأنا دائما أضعُ نماذج إجابات في صورة أسئلة أخرى ، يحتاج كل سؤال منها إلى أبحاث ودراسات :
هل يعود السبب في انتشار الخرافات إلى [ ضحالة] ثقافات اليوم وانحطاطها ؟
أم يعودُ إلى أن الألفية الثالثة أجرت تحويرا وتعديلا ، وحتى تغييرا شاملا [ لمفهوم] الثقافة ؟
أم أن السبب في انهيار الثقافة بمفهومها التنويري يعود إلى [ زوال] مكوناتها الثقافية الأولى بفعلٍ مقصود ومخطط له ؟
أم أن السبب في سيطرة الترهات والأباطيل في عصر التكنلوجيا فائقة السرعة يرجع إلى [ انهيار] المفهوم العملي والنفعي من الثقافة ؟
أم أن الأسباب التي تعزز من سطوة الجهالات هي [ خوف] البشر من نتائج التسارع العجيب في التكنلوجيا ، لدرجة أنهم أيقنوا أن هذه التكنلوجيا سوف تطيح بمستقبلهم ومستقبل أبنائهم وأحفادهم ؟
أم أن السبب في تعدد الخرافات وانتشار الجهالات يعود إلى خلل نفسي ، بعد أن سيطر العقل العلمي المجرد على حياتنا سيطرة تامة ، و[اغتال] منا [شعورنا] وإحساسنا الجميل بالحياة ؟!!
علينا أن نقرر أولا بأن [ التطرف] السائد في عالم اليوم ، هو ايضا من نواتج هذا التسارع التكنلوجي ، والتباطؤ الثقافي ، كما أننا في عالم اليوم أهملنا جوهرا من الجواهر وهو [الثقافة التكنلوجية ] وانصعنا لظاهرة [ الانفجار التكنلوجي] .
ونعترف أيضا بأن استيلاء [ الاقتصاد] على الانفجارات التكنلوجية المتعاقبة والمتسارعة والمتوالية ، يعتبر مسؤولا عن عجز الثقافة في النهوض بالشعوب ، ولم يفلح العالم حتى اليوم في توظيف الاقتصاد توظيفا [ ثقافيا] لذلك أصبح مستقبل العالم كله تقرره [ البورصات] وأسواق المال ، وتمكن أرباب التجارة من ابتداع نوع ثقافي يقع على هامش الثقافة وهو الثقافة [ الرقمية] ، وهذا النمط شبه الثقافي يشبه إلى حد كبير شعر الجُمَّل ، أو التأريخ بأستخدام الشعر وحروفه وحسابها في كل بيت ليحصل القارئ في النهاية على تاريخ مولد الأمير أو وفاته ، وازدهر هذا اللون الشعري في العصر التركي والمملوكي فقد كان لكل حرف رقمٌ معروف . وكان الشعراء يمضون يومهم بحثا عن التاريخ وما إن يجدوه حتى يحسوا بالراحة ، بعد أن يلقوا القصائد [ الفارغة] المتبقية في القمامة .
لقد مُسخ إحساسُ إنسان الألفية الثالثة ، وأصبح يرى الأمور كلها بواسطة [ النظارات الرقمية ] ولم تفلح كل دول العالم حتى اليوم في بلورة [ مضادات] ثقافية حيوية تستطيع التعامل مع الفايروسات المصاحبة للانفجارات التكنلوجية المتعاقبة .
يضاف إلى ما سبق أن الأعداد الهائلة من البشر ، وهم ضحايا الانفجارات التكنلوجية ، لا يمكنهم أن يظلوا عاجزين ومحبطين ، يتفرجون على التسارع التكنلوجي من بعيد ، فقد أصبحوا يرون أنفسهم زائدين عن الحاجة ، لذلك فلم يُبقِ لهم التسارع التكنلوجي إلا خيارا وحيدا وهو أن [ يشاغبوا] على هذه التكنلوجيا في محاولة منهم إما لإيقافها عند حدها ، وإما لإفسادها بمحاولاتهم ركوب موجاتها ، وإما لإيجاد اختراع آخر يتصف أيضا بالسرعة ولو كان يعني السرعة التدميرية .
فلجأت بعض المجموعات المنسية والزائدة عن الحاجة في عالم اليوم إلى عدة أنماط من الحيل ومن أبرز تلك الحيل :
إعادة النظر في الدين السهل البسيط الذي يدعو للمحبة والسلام وتحوير نصوصه وآياته الواضحة وتحميلها ما يرغبون هم في تحميله من مبادئ وعقائد لغرض جعله خادما مطيعا لهم ، يركبون صهوته ، يسرجون لجامه ويمتطونه ، ويقودونه نحو أهدافهم وغاياتهم نحو معركة الفصل النهائي ضد التكنلوجيا التي أفقدتهم مراكزهم وجعلتهم هذه التكنلوجيا يبدون للناس كمهرجين من العصور الغابرة وكشفت عوراتهم ، فقلب هؤلاء مبادئ الدين وأهدافه ، فجعلوا الجوهري في الدين ثانويا ، أما الثانوي فاعتمدوه أساسا وتشريعا ملزما ، فالكتب الدينية الرئيسة لم تعد هي أساس الدين ، بل أصبحت شروحات المتفيهقين هي الأسس ، وأصبحت آيات الأديان وجمله وتعبيراته نصوصاً لتأييد فقه المتفيهقين فقط لا غير، ووصل الأمر أن أصبح بعض الجاهلين [دعاة] للدين ، وحولوا الدروس الدينية إلى مسلسلات [فنية] وسهرات مسائية وجنتْ بعض القنوات الفضائية ربحا هائلا من هذه الصرعات واعتبروا [ الزهد] ليس احتجاجا على التكنلوجيا ، بل ركنٌ أساسي من أركان الدين ، مع أنهم أي دعاة الدين لا يزهدون ولا يمارسون الزهد .
واستفاد كثير من الحكام التافهين المتخلفين من هذه الجهالة لأنها كانت ترسخ نظام حكمهم ، وتكثر أتباعهم بيسر وسهولة بواسطة [ تمتمات ] وأقوال لغوية خطابية ، أجادها كثير من هؤلاء الحكام .
وما سبق تشترك فيه معظم الأديان ، وقد عثرتُ في أقوال أحد المصلحين المسلمين الذين تمردوا على أنظمة الحكم الفاسدة ، وعلى رافعي رايات الترهات الدينية ، وهو المصلح السوري صاحب كتاب ( طبائع الاستبداد) المحظور نشره حتى اليوم في كثير من الدول يقول عبد الرحمن الكواكبي 1848-1902 :
((سبب جهل المسلمين يعود إلى [ احتكار الدين ] من قبل بعض المنتفعين من هذا الاحتكار وعدم المطابقة بين القول والعمل ، والادعاء بأن في الدين أمورا سرية لا يمكن إدراكها إلا بواسطة المنتفعين والأدعياء .
ويضيف بأن الأمراء يميلون بطبعهم إلى العلماء المدلسين ، وكثير منهم يعتبرون العلوم صدقات يمنون بها على شعوبهم ، ويطالب الكواكبي بإصلاح نظام التعليم ، وإصلاح النظام المالي .
ويشير إلى عيب عربي وهو أنهم ( يفضلون الوظائف على الصنائع ) !))
وأعود إلى أسئلتي السابقة فأطالب بإيجاد المعادِلات الثقافية للتكنلوجيا ، أو مانعات الصواعق عن التكنلوجيا ، وتتمثل مانعات الصواعق في مجموعة من الثقافات ينبغي تعزيزها لنتمكن من تقليص الفجوة بين عصر التكنلوجيا فائق السرعة ، وبين الأكثرية الزائدين عن الحاجة وهم يبلغون اليوم 80% من سكان العالم .
ينبغي أولا أن تثبت التكنلوجيا للزائدين عن الحاجة [ نيتها] في جعل الفائدة من التكنلوجيا فائدة عامة وشاملة ، ويمكن تحقيق هذا الأمر بالوسائل التالية :
أن يلتزم (السوبرمان التكنلوجي) بإنفاق جزء من ربحه في تطوير هذا الكم الزائد عن الحاجة وإقحامه في عملية التطوير بواسطة آليات [ ثقافية] جديدة .
فلا يعقل أن تصادر تكنلوجيا الاتصالات كل اجوائنا ، وتتسرب الترددات إلى أعماقنا ، وتستولى على جبالنا وتحول أوطاننا ومرابعنا إلى فضاءات تكنلوجية ، بدون أن تسدد ما عليها لنا ولأوطاننا ولأجبالنا ، ويكون التسديد بالمساهمة في إيصال الحد الأدنى من الحياة إلى البلاد النائية ، وأن تنفق شركات الفضاءات على التعليم في تلك البلدان .
ويجب أن تكون لهذه التكنلوجيا [ ثقافة] خاصة ، تتمثل في مقررات مدرسية عن التواصل وتعليم الفنون والمسرحيات والروايات والقصص المعززة للتقارب بين الشعوب .
ومن الغريب أننا اخترعنا الترجمان الآلي ، وقلما نجد في مكتباتنا أو في مدارسنا أثرا لهذه التكنلوجيا ، ويضاف إلى ذلك سرعة السفر وكثرة المبعوثين والدارسين في بلاد الغرب ، وقلما نجد منهم من يحاول أن يترجم إلى لغته أو من لغته ، أليس ذلك شيئا غريبا ؟
كما أن أكبر اعتداءات التكنلوجيا فائقة السرعة هي على النظام البيئي ، فلم تعد أجواء المقهورين والمظلومين والزائدين عن الحاجة تصلح حتى للتنفس بعد أن تلوثت الأجواء ، واصبحت المصانع الكبيرة في أقصى الكرة الأرضية تهدد النظام البيئي في الطرف الآخر من الكرة الأرضية .
فأصبح الزائدون يحسون بأن التكنلوجيا الفائقة تطاردهم حتى على رئاتهم ، وتستنزف منهم ما بقي لهم من حياة تعيسة .
فأين هي الثقافة التي تعدل هذا المسار ، وتجعل من الزائدين عن الحاجة شركاء في الحياة ، ولو بالحد الأدنى من الشراكة !
ألا ينبغي أن تقوم تلك الشركات بتصميم مشروع ثقافي كبير يحمي أجواء بعض الدول الفقيرة ويخصصها للسياحة مثلا ويصنع الدعاية لها لتستفيد من هذه الثقافة وتعمم الخير على أبنائها ؟ !
ألا يجب على مصممي الحاسوبات أن يعترفوا للعالم بأن حاسوباتهم قد عززت [الفردية] والانطوائية على حساب [ الجمعية] فأصبح كل فرد يشعر بأنه قادرٌ على الحياة وحده بلا شريك ؟!
فأين الثقافة التي تُعدل هذا المسار والتي يجب أن تصممها شركات الحاسوب مجانا ، وتعمل على نشرها وتعزيزها مجانا للزائدين عن الحاجة لغرض إعادة التوازن بين المجتمعات الفقيرة والغنية ، وإزالة [ الغل] والحقد الناتج عن أنانية التكنلوجيا فائقة السرعة ؟!
نعم نحن بحاجة إلى خطة ثقافية [ مارشالية] نسبة إلى خطة مارشال الاقتصادية عقب الحرب العالمية الثانية ، تشرف على إحياء التراث العقلي والفلسفي وتوزعه بسعرٍ زهيد باستخدام التكنلوجيا الرقمية ، وأن تشرف الخطة المارشالية الثقافية على التعليم لغرض بناء إنسان الألفية الثالثة ، حتى ينجو هذا الإنسان من الغل والحقد والتطرف ، فيتحول من إنسان متفجر إلى إنسان متحرر !



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسرائيل أكبر مهدد للديموقراطية في الشرق الأوسط !
- إسرائيل أكبر مهددة للديموقراطية في الشرق الأوسط
- أوهام السلام الإسرائيلي
- انتهاك الديموقراطية في فلسطين
- اغتيال النشء الفلسطيني
- العملاء واغتيال الروح الفلسطينية
- رسالة من غزة إلى حفيدي
- رسالة إلى حفيدي
- الغيرة وما أدراك ؟!!
- هل هناك مؤامرة على الترجمةإلى اللغة العربية ؟
- من فنون اللجوء الفلسطيني
- عجائب ثقافية
- بلاد الفرز ... والحراسات
- ابتسم .. أنت في غزة
- وجادلهم ..... بالمتفجرات
- علاقة الأحزاب الفلسطينية بمنظمات المجتمع المدني
- هل الإحباط مرض عربيٌ ؟
- هل أنظمة الاختبارات التقليدية إرهاب ؟
- المرأة بين الحقيقة والخيال
- المبدعون قرون استشعار


المزيد.....




- البرتغال تخطط لطرد نحو 18 ألف مهاجر غير شرعي من البلاد
- -التحالف الدولي- يجري تدريبات ومناورات في محيط أكبر قواعده ب ...
- استطلاع: ثلثا الألمان يعتبرون حزب -البديل من أجل ألمانيا- مت ...
- الاحتلال يعتدي على فلسطينيات بأريحا والمستوطنون يصعّدون عدوا ...
- قطر ترفض تصريحات -تحريضية- لمكتب نتنياهو حول دورها في الوساط ...
- موقع عبري يكذّب رواية مكتب نتنياهو بخصوص إلغاء الزيارة إلى أ ...
- فرقة -زيفربلات- الأوكرانية تغادر إلى سويسرا لتمثيل بلادها في ...
- -كيماوي وتشوه أجنة-.. اتهام فلسطيني لإسرائيل بتكرار ممارسات ...
- قطر ترد بقوة على نتنياهو بعد هجومه العنيف والمفاجىء على حكوم ...
- موسكو تؤكد.. زيلينسكي إرهابي دولي


المزيد.....

- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - توفيق أبو شومر - من الإنسان المتفجر إلى الإنسان المتحرر