أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سعد هجرس - دولة -القانون -.. وإمارة - الفتوى -















المزيد.....

دولة -القانون -.. وإمارة - الفتوى -


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1953 - 2007 / 6 / 21 - 10:56
المحور: المجتمع المدني
    


سافرت الى كندا والولايات المتحدة الأمريكية تاركا ورائى جدلاً سخيفا وقاتلاً للروح والوجدان والعقل حول قضايا وهمية لا تقل سخافة وجهالة، مثل رضاع الكبير والبول المقدس وزواج المسيار وغيرها من الخزعبلات التى تحرف الأنظار عن القضايا الحقيقية والمخيفة التى تمثل تحديا لوجودنا كشعوب وأمم ودول ... بل حتى ككائنات عاقلة .
وتصورت أننى سأهرب من هذه المهاترات ، ولو لبضعة أيام، واننى سأستمتع بإجازة من المشكلات العبثية لعالمنا العربى التعيس . لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد فوجئت بأخبار فضائح الفتاوى إياها تسبقنى وتشق طريقها الى الصفحات الأولى للجرائد الكبرى، لدرجة ان جريدة " نيويورك تايمز" – التى هى واحدة من أهم الصحف الأمريكية – خصصت المانشيت الرئيسى لعدد الثلاثاء 12 يونية الحالى لقصة الفتاوى التى تسىء الينا والى ديننا ، ربما اكثر من الإساءة التى أصابتنا بها الرسوم الدنماركية. ووضعت صورة فوتوغرافية كبيرة فى صدارة الصفحة الأولى للشيخ عبدالحميد طنطاوى متكئا على أريكة وأمامه مواطن مصرى منكب عليه يستفتيه فى شأن من الشئون.. وتحت الصورة التى توحى بأن مصر قد عادت الى العصور الوسطى أفردت الجريدة الأمريكية ، واسعة النفوذ، قصة موسعة بعنوان " البوصلة التى يمكن أن تتصادم مع الحياة الحديثة" ، وتحت هذا العنوان الرئيسى عنوان فرعى يقول " مسلمو مصر يسعون للحصول على فتاوى فى الأمور الكبيرة والصغيرة" ، وثم تحقيق طويل عريض يحتل مساحة معتبرة من الصفحة الأولى مع تتمة استهلكت اكثر من ثلثى صفحة داخلية موشاة بصور فوتوغرافية لمواطنين ومواطنات يلوذون بمشايخ الأزهر طلبا للفتوى وفى خلفية الصورة لوحة معلقة على الحائط هى بمثابة إعلان من لجنة الفتوى بالأزهر الشريف مكتوب عليها "أخى المواطن، لجنة الفتوى بالأزهر الشريف ترحب بجماهير المواطنين وتعلن ان الفتاوى مجانا وبدون رسوم" ، وبالطبع فان تحقيق " نيويورك تايمز" يتعرض لفتوى البول وفتوى رضاع الكبير ، ولكم ان تتخيلوا كيف يمكن ان تكون ردود أفعال القارئ الامريكى والغربى عندما يقرأ مثل هذا الكلام الذى أصابنا نحن المصريين العرب المسلمين بالذهول ، فما بالك بالقارئ الأمريكي الغربى غير المسلم ؟!
وكنت أتصور كذلك أننى سأهرب لبضعة أيام من " الملاسنات" الكريهة عن الفتنة الطائفية والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، فإذا بى وجها لوجه ليس فقط مع متعصب مسلم او قبطى هنا او هناك، وانما أيضا أمام موضوعات لا أول لها ولا آخر عن أوضاع الاقليات الدينية فى البلاد الإسلامية ، منها على سبيل المثال تحليل إخبارى على صفحة كاملة فى جريدة " تورنتو ستار" الكندية بعنوان " تقلص عدد السكان المسيحيين حقيقة حية فى المجتمعات العربية" ، ويتناول أوضاع المسيحيين فى العراق، والأراضي الفلسطينية المحتلة ، وسوريا ، ولبنان ، ومصر، والسعودية، وأبوظبى، ويرسم صورة بائسة لتدهور العلاقات – التى طالما كانت وثيقة وحميمية – بين المسلمين والمسيحيين.
وكنت أتصور أيضا أننى سأهرب من عبثية الصراع الفلسطيني – الفلسطيني والاقتتال اللبنانى – اللبنانى ، فإذا بى أنام واصحو على نشرات أخبار العالم تنقل بكل لغات العالم فضيحة ، ومؤامرة، التناحر الفلسطينى – الفلسطيني على سلطة وهمية ، وحرب الاستنزاف اللبنانية على خلفية من التنابذ بين القوى المختلفة بالمحاور الإقليمية والدولية، بينما الإسرائيليون وكبار المسئولين فى الإدارة الأمريكية يفركون أيديهم من فرط النشوة من هذه الخدمات الجليلة التى تقدمها لهم أطراف عربية ، بوعى أو بدون وعى، والتى تخفف عنهم – ولو إلى حين – صدمات وصفعات المقاومة العراقية التى مرغت فى الوحل انف اقوى دولة فى العالم.
باختصار .. أينما تولوا وجوهكم تلاحقكم فضائح العالم العربى وخيباته الثقيلة ومصائبه الفادحة.
ولا يمكن الاختباء خلف "ثقافة الإنكار" هربا من هذه المشاكل التى تختلف فى أبعادها وملابساتها وطبائعها لكنها تشترك جميعا فى أنها بنت مؤسسة الخرافة واللاعقلانية- اقوى مؤسسة موجودة فى العالم العربى المعاصر.
ونقطة البدء هى " الاعتراف" بهذا الواقع المر، وإدانته ورفضه، ليس ببيانات الشجب والإدانة التى شبعنا منها، وليس بقصائد التبرير الكاذب التى لا تنطلى على طفل صغير، وانما بالعمل الجدى والنزيه على إعادة الاعتبار إلى العقلانية والاستنارة والتسامح وكل متطلبات بناء الدولة المدنية الحديثة.
والدولة المدنية الحديثة ليست بدورها لافتة او شعار ، وإنما توجد لها استحقاقات فعلية تستلزم ديمقراطية حقيقية ، على أرضية دولة القانون ، والفصل بين الدين والسياسة، وعدم تديين السياسة أو تسييس الدين .
ويجب ألا يغيب عن بالنا بهذا الصدد ان الدولة الدينية هى تلك التى تقوم على "الفتوى" ، بينما الدولة المدنية تقوم على "القانون" ، وان الأمور الدينية فقط هى التى تقوم على مبدأ "الحلال" و "الحرام" ، بينما الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى المجتمعات الحديثة تقوم على مبدأ " المصلحة" .
ويجب على الجزء الناطق من الأمة، وما بقى فيها من عقلاء بعد تفشى هذا الوباء الجماعى العابر للحدود القطرية والقومية والكاتم للذكاء والعبقرية الإنسانية والاجتهادات البشرية - ألا يرفع رايات الاستسلام أمام بؤس الحاضر.
وهناك مبادرات إيجابية محترمة موجودة هنا وهناك ولا ينقصها سوى التنسيق والتكامل حتى تخلق تيارا عاما تصب فيه كل الروافد المتفرقة .
ويكفى – فيما يتعلق بموضوعنا – أن أشير إلى وثيقة " مواطنون فى وطن واحد" التى قدمها ستة من المثقفين الأقباط، وعرضنا خطوطها العريضة فى نفس هذا المكان الأسبوع الماضى .
هذه الوثيقة كانت خير صديق لى فى مناقشاتى مع مثقفين أجانب وعرب ومصريين قابلتهم على مدار الأيام الماضية فى كندا والولايات المتحدة، حيث تعترف بوجود هموم قبطية لكنها لا ترى لها حلا بمعزل عن اجمالى هموم المصريين مسلمين ومسيحيين، كما لا ترى حلا خارج الجماعة الوطنية، ولا ترى لها مخرجا عبر الحلول الطائفية التى تركز على مبدأ "المخاصصة " وإنما تناضل من اجل حل ديمقراطى على أرضية مبدأ "المواطنة" .
وهذه المسألة لا تهم الأقباط فقط وانما تهم المسلمين أيضا وأساسا، أى إننا نلف وندور ونعود إلى مربع الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة القائمة على "القانون" وليس على "الفتوى " .
والله اعلم .



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكومة تخالف القانون مع سبق الإصرار والترصد
- بكوات .. وهوانم جاردن سيتى 2
- نقش معاصر علي جدارية عريقة
- بكوات و.. هوانم جاردن سيتى (1)
- محنة المسيرى
- القطن المصرى .. عزيز قوم ذل!
- كربلاء المصريين!
- تعليق أخير على الثقافة المحاصرة
- من الأوّلى بالدفاع: ثقافة مصر .. أم وزير الثقافة؟!
- الجبهة الديموقراطية.. أمل جديد
- حتى لا تكون حماية المستهلك مجرد شعار
- العِبَارة .. فى العبَّارة!
- انتبهوا أيها السادة: مؤامرة لاغتيال عقل مصر!
- تعارض المصالح .. للمرة الألف
- البيئة .. والسياسة
- نهاية الرئيس العاشر للبنك الدولى
- إلا رغيف العيش
- الدين .. والبورصة
- إنها الفتنة ! بالله عليكم.. لا تقولوا أن الوحدة الوطنية بخير
- صحة المصريين... وروشتة الجبلى (2)


المزيد.....




- کنعاني: لا يتمتع المسؤولون الأميركان بكفاءة أخلاقية للتعليق ...
- المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة: روسيا في طليعة الدول الساع ...
- مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
- -غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت ...
- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سعد هجرس - دولة -القانون -.. وإمارة - الفتوى -