أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - ربحان رمضان - مرايا السجن - 2















المزيد.....

مرايا السجن - 2


ربحان رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 1950 - 2007 / 6 / 18 - 05:03
المحور: سيرة ذاتية
    


" الأمثولة "


لا أخفيكم يا أصدقائي بأني وفي منفاي البعيد .. المنفى الذي أرغمت عليه لا أزال ومنذ تسعة عشر عاما ً أحلم أحلاما ً مفزعة ، وتنتابني في الليل كوابيس مخيفة .مرّة أرى في المنام ( لا أراكم الله هما ً ولا غما ً ولا اعتقال) المحقق الذي كان يحقق معي ، يلاحقني ومعه مجموعة كبيرة من المسلحين ، ومرة سيارة اسعاف فيها ممرضون يمتشقون أســلحة خفيفة ، يطلقون النار بين ساحات المدينة وهي تطاردني ..
ومرة جرذ رمادي يقضم أصابع رجلي واحدة تلو الأخرى ..
سأقص عليكم شيئا ً عن أيام الاعتقال الرهيبة التي عشتها في أحد أقبية الاعتقالات وخفت من نشرها طيلة تلك المدة لأنه وللأسف لاتزال أجهزة القمع تتحكم بقيادة البلاد..

ربحان رمضان *


" الصبر طيب "

منذ اليوم الأول لاعتقالي بدأت أحاول أن أتكيف مع واقعي الجديد ، كيف لا وقد وجدت الكثيرين ممن دخل هذه الزنزانة قبلي قد أصبحوا عاديين في حياتهم ، وكأنهم ولدوا وتربوا باشراف السجانين أنفسهم فيها .
كما أن عقدة الخوف قد زالت لأن الاعتقال بحد ذاته كان مبهما ً لدي ، كنت أخاف أن يحدث معي ماحدث للشهيد سليمان الحلبي (1) أول " مخوزق" من أجل التآخي الكردي – العربي لأني كنت متأكد من أن أساليب أبو حمزة السفاح – عم الحجاج لا تزال سارية في سجون الأنظمة العربية حتى الآن .
مع التعذيب كانوا يغروني ويراودوني على شرفي الحزبي .. يريدون أن أتعاون معهم لنصنع حزبا ً كرديا ً وعلى رأيهم من طراز جديد .
- : " لا مانع من النضال في كردستان ، ونحن لن نعطي الجنسية السورية للأكراد (2) نريدهم أن يذهبوا ويقاتلوا في كردستان .. لن نعطي الجنسية السورية للأكراد كي لا يستقروا في هذه البلد " هكذا قال لي العميد " .
* لكنهم يطالبوا بحقوقهم ضمن الوطن السوري وليس في تركيا ولا ايران ، وهذا مطلب مروع ياسيادة العميد ..!! قلت أنا ذلك .
- نؤيدكم ، ونساعدكم على أن تطردوا صلاح بدر الدين من الحزب لأنه عدوكم وعدونا ، ومرتبط بجهات معادية .
* من ؟ !!
لن أوافق ، فهو أمين عام حزبنا وسكرتير لجنت المركزية وأنا متأكد من نزاهته ، وإلا هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، ثم منذ متى عدونا وعدوكم واحد، سوى اسرائيل ومن وراء اسرائيل ؟!!
فكوا لي قيدي وناقشوني ، ارفعوا عن عيني الطماشة (3) كي أراكم .. إنهما لا يريان إلا كلمتين محفورتين في القلب ، ومنذ زمن طويل .. " الشعب " و" الحزب " .
- لا .. لا ، نحن نريدك أن توافق أولا ً ، و " قسما ً " سنعينك رئيسا ً للحزب ، وعضوا ً في مجلس العب .
* قلت في نفسي : " طز " ..
وأردف قائلا ً : نحن نريد منك أن تبني حزبا ً جديدا ً مستقلا ً عن حزبك ، وستنجح في عضوية أول انتخابات تجري لمجلس العب ، سنضع اسمك في قائمة الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا زز تخرج من هنا سالما ً ُمسلما ً ، بل أكثر وزنا ً .. لدى الآخرين .
لكني كنت أعرف أن وزني لم يزد طوال حياتي عن الخمسة والخمسين كيلو غراما ً ، ولن يزيد ، ومن سيصبح عضوا ً في مجلس الشعب يجب ان لا ينقص وزنه عن الثمانين كيلو غرام ، بل يجب أن يكون له " كرش " بارز إلى الأمام كما هو كائن لدى البعض في " خلفيتهم " البارزة إلى الوراء .
كنت أرفض فـُألام من قبل بعض زملائي في الزنزانة .. أجلس فأقص عليهم قصة الكاتب التشيكي " دوبتشيك " المناضل في الحزب الشيوعي التشيكو- سلوفاكي الذي أعتقل لدى أجهزة " الجستابو " الهتلرية ، كان يرفض أن يذعن لإغراءات سجانيه ، وبقي صامدا ً حتى تحررت المانيا منهم .
يقول الكاتب في روايته : أنه كان بين أربعة جدران في زنزانة صغيرة لا يدخلها الضوء .
فيها حفرة صغيرة للتبول ، وفي الباب نافذة ( أعتقد أنها أكبر من نوافذ زنازيننا حيث تسمح للصحن أن يدخل من خلالها .
أما نوافذ بوابات زنازيننا فإنها تتسع لقبضة السجـّان فقط .
كان الراوي لا يسمع سوى صوت أقدام السجان يمشي يمشي عندما يأتيه بالطعام .. كان ينتظره بلهفة كي يسمع ذلك الصوت .
وعلى مر ّ الأيام بدأت عوارض الملل تدب في نفسه .. لم يعد يفكر إلا بالحياة في النور بين الناس من جديد .
يجتر ذكريات الماضي الجميلة ، ويحلم بالمستقبل السعيد .. ويحسبها :
" إذا طرقت الباب ودعيت السجان سيكون الضابط بانتظاري في مكتبه ، أصرح له (كما يريد) لأخرج .. سيطلق سراحي ويخرجوني بعد توقيع صك الخيانة ..
أصيح ؟ أم أطرق الباب ..؟؟
هذه الحالة كانت تنتابه مرة في الشهر .. مرة واحدة فقط ، ثم تتلاشى .. إلى الشهر الذي يليه ، وهكذا ..
ومع مر الأيام بدأت تنقص فترة تلاشي الفكرة فأصبحت ترتاد ذاكرته في كل أسبوعين مرة ، ينتابه خلالها شئ من انفصام الشخصية وصراع الذات .
هل أطرق ؟
هل أصيح ؟
وأيضا ً ومع مرور الأيام نقصت فترة التلاشي وأصبحت كل أسبوع ترتاد ذاكرته مرة .. ثم يومين بيوم .. ثم يوميا ً ..
سمع صوت النعال يقترب .. اقترب من الباب ، كاد أن يلفظها ، إلا أن السجان ناوله منورا ً بدل الطعام معلن فيه أن برلين قد تحررت من الزية .
هذه القصة لم تعطيني الأمل وحدي فحسب ، وإنما كانت مثالا ً رائعا ً للآخرين ..
مثلكم أيها المنفيون والمشردون ، والقابعون في السجون والمعتقلات تركت أمـي الطاعنة في السن ، المريضة دون أن أودعها أو أن ألقي عليها السلام .. ، وعرفت من أحد المعتقلين الجدد بأنهم اعتقلوا أخي الأكبر مني أيضا ً بسبب لأنه و (فقط) حاول رمي كتب تباع عادة في الأسواق كانت مركونة في مكتبتبتي قبيل الاعتقال ..
وأحلم كما تحلمون بعيون حبيباتكن .. وابتسامتهن ..
غير أن تقديسي لحزبي هو دليل حبي لأمـي ولأخي .. وكل الشعب ..
كنت أوصي كل من كان يطلق سراحه بإبلاغ رفاقي قول الشاعر أن :

قل لرفاقنا .. ماركعنا .. مالوينا أن قــــهـــــقــــــه الديجــــــــور
ماانثنينا ، ومزق الشــوك عينينا وفــي الريح حلـــمنا مـــــذرور
دنــــس خمرنا البغاث ، فموتــي عطشــــا ً لن تلوثي يانســـــــور

===========
(1) سـليمان الحلبي ، كردي من قرية كوركان في جبل الأكراد = شمال سوريا واسمه الحقيقي سليمان محمد أمين .
(2) الأكراد المجردين من الجنسية حسب قانون الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 .
(3) الطماة هي العصابة التي توضع على عيون المعتقل أثناء التحقيق معه .



#ربحان_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرايا السجن - 1 -
- خير جليس .. (كتاب) !!
- من يوميات لاجئ سياسي أو منفي رغما ً عن أنفه
- العمل في بطن الخزان - قصة قصيرة بمناسبة يوم العمال العالمي
- العمل في مؤخرة المدينة
- السابع عشر من نيسان – اليوم الوطني لسوريا
- تعقيبا ً على محاورة الزملاء في صحيفة ولاته مه مع السيد فرهاد ...
- سأحتفي وأنتم معي بالنوروز
- نم قرير العين ففي بقية الرفاق أمل مهداة إلى الرفيق الشيوعي س ...
- رئيس الجمهورية يعفو
- !!كلام معسول ، كلام مسؤول يمكن التراجع عنه
- اعتقادات خاطئة
- تهانيَّ القلبية للأستاذ محمد غانم (الحر) المطلق السراح
- الحرب غير المتوازية للكاتب السوري مازن بلال
- اريد أن أموت في فلسطين للروائية هدى حنا
- قراءة في كتاب الأكراد للدكتور أرشاك بولاديان
- قراءة في كتاب - سقط سهوا ً مجموعة قصصية للروائية السورية حسي ...
- الرأسمالية .. ذئب أغبر
- النوروز والجلاء يومان يوم للكرد ويوم لكل السوريين
- فلنتحرر من عقدة التبعية


المزيد.....




- خمس مدن رائدة تجعل العالم مكانا أفضل
- هجوم إيران على إسرائيل: من الرابح ومن الخاسر؟
- فيضانات تضرب منطقتي تومسك وكورغان في روسيا
- أستراليا: الهجوم الذي استهدف كنيسة آشورية في سيدني -عمل إرها ...
- أدرعي: إيران ترسل ملايين الدولارات سنويا إلى كل ميليشيا تعمل ...
- نمو الناتج الصيني 5.3% في الربع الأول من 2024
- حضارة يابانية قديمة شوه فيها الآباء رؤوس أطفالهم
- الصحافة الأمريكية تفضح مضمون -ورقة غش- بايدن خلال اجتماعه مع ...
- الولايات المتحدة.. حريق بمصنع للقذائف المخصصة لأوكرانيا (صور ...
- جينوم يروي قصة أصل القهوة


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - ربحان رمضان - مرايا السجن - 2