مفهوم وتعريف الأخلاق


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 8537 - 2025 / 11 / 25 - 20:50
المحور: قضايا ثقافية     

مفهوم وتعريف الأخلاق
المفهوم Concept: "هو فكرة محدده تمثل الخصائص الأساسية للشيء الذي تمثله" "هو شكل من أشكال انعكاس العالم في العقل يمكن به معرفة ماهية الظواهر، وتعميم جوانبها وصفاتها الجوهرية. والمفهوم نتاج معرفة متطورة تاريخيا، ترتفع من مرحلة أدنى إلى مرحلة أعلى، وتلخص هذه المعرفة – على أساس الممارسة – النتائج المتحصل عليها في مفاهيم أكثر عمقا، ولهذا فإن المفاهيم ليست جامدة وليست نهائية وليست مطلقة، بل هي في عملية التطور والتغيير ترقى إلى رتبة الانعكاس المطابق للواقع" .
بناءً على ما تقدم، نستخلص بأن "مفهوم الأخلاق هو شكل من أشكال الوعي الاجتماعي (إلى جانب الفلسفة والعلم والفن والسياسة والدين) تنعكس فيه الخصال الاخلاقية (الخير، العدالة، الحق... إلخ) ، والاخلاق هي جماع قواعد ومعايير حياة الناس، تحدد واجباتهم كل تجاه الآخر وتجاه المجتمع" ، هو مفهوم نسبي ، تطور حسب المراحل التاريخية ، والاوضاع الداخلية الطبقية لمجتمع معين في كل مرحلة من المراحل، فالتطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي الذي حدث في سياق الانتقال من نمط اجتماعي اقتصادي الى آخر ، قاد ضمناً وعلى نحو مفصح عنه الى تحولات في البنية الأخلاقية.
فالقيم الأخلاقية ليست أبدية ولا مطلقة، إنما هي نسبية تابعة لعملية التغير المستمر الذي يؤثر في دوافعها الاجتماعية والبيولوجية والفيزيولوجية وغير ذلك من الدوافع .
"قد يكون مفيداً فى البداية أن نطرح بعض الصعوبات التى تواجهنا إذا ما حاولنا أن نتوصل إلى تعريف لما يطلق عليه الأخلاق أو القيم الأخلاقية ، فهو مفهوم قد يتسع "ليشير إلى كل ضوابط السلوك التى يلتزم بها الأفراد فى حياتهم اليومية ، وقد يضيق ليشير إلى ضوابط سلوكية محددة ، أى تلك التى توصف بأنها أخلاقية، وقد يختلف الناس فيما يدخل تحت الأخلاق وما يخرج عنها، وبما أن الأخلاق مفهوم نسبى ، فإن ما يعتبره شعب من الشعوب أخلاقياً قد لا يعتبره شعب آخر" إذا كان يعيش ظروفاً وأوضاعاً متخلفة بائسه ومعقده ومنقسمه كما هو حال شعبنا.
"وثمة صعوبة ثالثة تتعلق بنطاق الأخلاق ومجال تأثيرها : هل هى قيم فردية يتبناها الفرد مختلفاً عن الآخرين ، أم أنها قيم جماعية تشترك فيها الجماعة بأسرها ؟ وهل يمكن التمييز بين القيم الفردية والقيم الجماعية؟ وما حدود التداخل بين المستويين؟ " .
ونصادف "رابعاً معضلة التمييز بين المفهومات المختلفة التى تشير جميعها بشكل أو بآخر إلى الأخلاق . من ذلك مفهوم الأخلاق morals ومفهوم القيم الأخلاقية moral values ، ومفهوم التوجهات القيمية value orientations ، ومفهوم الاتجاهات الاخلاقية moral attitudes ومفهوم الأخلاق المهنية ethics ، وعلاقة كل هذه المفاهيم بمفهوم الثقافة culture أو الأطر الثقافية، وأخيراً هناك مشكلة المدخل النظرى الذى ينطلق منه الباحث فى فهم الأخلاق : هل هو مدخل فلسفى ، أم مدخل انثروبولوجى ؟ أم حتى مدخل ثيولوجى فقهى . ولعل هذه الصعوبات هى التى جعلت موضوع الأخلاق أو القيم الأخلاقية يستعصى على الحصر والدراسة العلمية" .
فإلى جانب اقرارنا أن الاخلاق – في الوعي الشعبي العفوي- هي مجموعة العادات والاعراف والقواعد التي يؤمن بها هذا الشعب أو ذاك في مرحلة معينة من مراحل التطور التاريخي ، إلا أن بعض الفلاسفة يرون أن موضوع الاخلاق "لا يكون مجرَّد دراسة تقريرية للعادات الخلقية السائدة بين الناس؛ لأنهم يرون أن مهمة الأخلاق إنما تنحصر في وضع الَمَثْل الأعلى وبيان الكمال الأخلاقي وتشريع القانون الخلقي من خلال فرض القواعد التي ينبغي على الانسان أن يسلكها في حياته" .
"وهكذا، تصبح الأخلاق في نظر هؤلاء الفلاسفة هي نظرية الَمَثْل الأعلى، وقد بقيت الأخلاق إلى عهد قريب مبحثاً فلسفياً نظرياً يتداوله الفلاسفة ويخوض فيه علماء الأخلاق بوصفه علماً فوضعوه على قدم المساواة مع المنطق وعلم الجمال، وقالوا إن موضوعه هو قيمة الخير، كما أن موضوع المنطق هو قيمة الحق، وموضوع علم الجمال هو قيمة الجمال" .
إن المشكلة الفلسفية للمعرفة الأخلاقية ، تطرح طائفة لا تحصى من الأسئلة التي تتناول ما يتصل بها من مفاهيم ومبادئ وقيم. مثال ذلك : ما أصل مفاهيم الخير والعدالة والشرف والكرامة ؟... هل هي وليدة التجربة أم أنها فطرية، وجوابي على ذلك انها وليدة التجربة.
تعريف الأخلاق :
أجمل معجم "لالاند" تعريفات الأخلاق في دلالات أربع:
الأولى : هي أن الأخلاق جملة قواعد السلوك المقبولة في عصر أو لدى جماعة من الناس. وبهذا المعنى يقال: أخلاق قاسية، أخلاق سيئة، أخلاق منحلة ، أخلاق طيبة ، كريمة أو صالحة ..الخ ، وأنا اضيف هنا أن هناك أخلاق وقيم نتاج لكل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي الاقتصادي لشعوب هذا الكوكب.
والثانية : هي أن الأخلاق جملة قواعد السلوك التي تعتبر صالحة صلاحاً لا شرطياً.
والثالثة : هي أن الأخلاق نظرية عقلية عن الخير والشر، وهذه هي الأخلاق الفلسفية.
والدلالة الرابعة : هي ان الأخلاق جملة ما يتحقق في العلاقات الإجتماعية من أهداف حياة ذات صبغة إنسانية أعظم.
ننتقل الآن إلى تعريف مفهوم الاخلاق فنقول : أنّ الأخلاق ظاهرة اجتماعية يتم صياغتها بصورة واعية و هادفة ، بما يتوافق مع المتطلبات التاريخية في كل مرحلة من مراحل تطور المجتمعات البشرية ، وهي أيضاً شكل من أشكال الوعي الاجتماعي ،يقوم بمهمة ضبط وتنظيم سلوك الناس في كافة مجالات الحياة الاجتماعية بدون استثناء ،في السياسة وفي العلم ، وفي العمل وفي البيت والأمكنة العامة ... إلخ.
"فالأخلاق كمنظومة تتحدد بناء على الواقع الاجتماعي والطبقي المحدد، وأيضا بناء على الخصوصيات الحضارية للجماعة البشرية المحددة في كل مرحلة تاريخية بعينها. فبما أن الموقف من الأخلاق يعكس في العمق موقفا اجتماعيا طبقيا... بالتالي من الصعب الحديث عن الأخلاق بالمعنى المجرد... فالأخلاق هي منظومات ومفاهيم وسلوك نَضَجَ وتبلور في التجربة الاجتماعية" .