الجندربة والمثلية والبغاء واشكالية السياسة في العراق
قاسم حسين صالح
الحوار المتمدن
-
العدد: 8461 - 2025 / 9 / 10 - 20:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجندرية والمثلية والبِغاء
وإشكاليات السياسة والدين في العراق (1- 2)
عدنان حسين أحمد – لندن
( هذا الكتاب القيِّم أشبه بالزلزال الذي "لم يعرف درجته على مقياس رختر" لأنّ الدكتور قاسم "أدخلنا في المحظور والممنوع والمحرّم" وأكثر من ذلك فقد خَرَقَ المستور، وفضح المسكوت عنه، ولامَس بجرأة كبيرة العديد من الموضوعات الحساسة اللامُفكَّر فيها كالبغايا والسمسارات والمثليين والسُحاقيات والمُخنثين)
الدكتور فجر جودة - لندن
*
صدر عن دار لندن للطباعة والنشر في المملكة المتحدة كتاب جديد للدكتور قاسم حسين صالح يحمل عنوان "الجندرية والمِثلية والبِغاء . . وإشكاليات السياسة والدين في العراق" وهو الكتاب الثامن والخمسين ضمن رصيده الفكري والإبداعي بشكلٍ عام. يتألف الكتاب الذي يقع في 242 من القطع الكبير من مقدمة وستة فصول متنوعة توزعت كالآتي:"مجتمع، فكر وتعبير عن الرأي، العراقيون . . شعب استثنائي، دين، الشخصية العراقية وكوميدية عراقية" كما أنها جمعت بين علوم وأجناس أدبية متعددة كعِلم النفس والاجتماع والأدب والفن والحوار الصحفي العميق والدراسات الميدانية والاستبيانات وما إلى ذلك.
المحظور والممنوع والمحرّم
لا بدّ من الإشارة إلى التقديم الذي دبّجته أنامل الدكتور فجر جودة،أستاذ علم الاجتماع والانثروبولوجيا الثقافية في جامعة بغداد الذي وصف هذا الكتاب القيِّم بالزلزال الذي "لم يعرف درجته على مقياس رختر" لأنّ الدكتور قاسم "أدخلنا في المحظور والممنوع والمحرّم" وأكثر من ذلك فقد خَرَقَ المستور، وفضح المسكوت عنه، ولامَس بجرأة كبيرة العديد من الموضوعات الحساسة اللامُفكَّر فيها كالبغايا والسمسارات والمثليين والسُحاقيات والمُخنثين وما سواهم من شخصيات يعتبرها المجتمع العراقي إشكالية "شاذة" خرجت عن الصِّراط المستقيم. ومَن يقرأ هذا التقديم المُعمّق سيكتشف من دون لأيْ أنّ الدكتورة جودة قد قرأ فصول الكتاب برمتها ولامسَ ثيماتها الرئيسة، وأشادَ بأسلوب كاتبها الأدبي الذي يجمع بين حلاوة الكلمة المُنتقاة، وطلاوة الجُملة الرشيقة المُنمّقة، وخفة الظل التي تخفف من وطأة الأبحاث والدراسات الأكاديمية التي تخلو من الطُرَف والنُكت والكلام المُستملح.
يعتقد الدكتور جودة أنّ الجندر والجنس هو موضوع الكتاب المركزي وهو يستحق أن يتوقف عنده قليلًا، فالأول ثقافي والثاني بيولوجي كما يقول علماء الاجتماع. فالجنس يعني الاختلافات البيولوجية بين الذكور والإناث، والجندر يضع في الاعتبار الاختلافات النفسية والاجتماعية والثقافية بين الجنسين. ولو توخينا الدقة لقلنا أن الجندر يعني "النوع الاجتماعي" أو "الهُوية الجنسية" للكائن البشري الذي يقبل بالخصائص الجينية التي يتوفر عليها ويقتنع بها من دون تأفف أو تذمّر أو استياء. فالجندر مصطلح سيكولوجي وليس وصفًا بيولوجيًا. أمّا اضطراب الهُوية الجندرية فيعود إلى أسباب بيولوجية وخلل في ثلاثة هرمونات وهي الأندروجين (ذَكَري) والبروجستيرون والأستروجين (أنثويان) والهرمونات الثلاثة موجودة عند الذكر والأنثى والمشكلة في كميات إنتاجها المختلفة حيث يُصبح بعض الرجال أشدُّ ذكورة من غيرهم وهذا الأمر ينطبق على النساء أيضًا الأمر الذي يفضي إلى تخنّث بعض الذكور أو اضطراب الهوية الجندرية عند كلا الجنسين.
أجاز القانون الأمريكي عام 2015 زواج الرجل بالرجل في كل الولايات الخمسين بعد أن كان مسموحًا في ثلاث ولايات فقط بينما تنص القوانين في بعض البلدان العربية على الإعدام أو السجن أو الغرامة المادية أو بكليهما معًا وهذا يعني أنَّ العالَمين العربي والإسلامي يتعاملان مع "المِثليين الجنسيين" كمجرمين وليس كمرضى يعانون من خلل أو اضطراب هرموني. لعل الأوروپيين والأمريكيين أو العالم المتحضر برمته أشجع منا في مناصرة العِلم والاصطفاف إلى جانبه ويكفي أن نشير هنا إلى أنَّ وزيرة داخلية ألمانيا نانسي فيزر التي حضرت مباراة بلدها مع اليابان ضمن بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر كانت ترتدي شعار دعم المثليين (حُب واحد) في منصة المتفرجين الخاصة بالمسؤولين ووُصف هذا التصرف بأنه تحدٍ سافر لقوانين قطر وخرق لمنظومة قيمها التي دأبت عليها منذ سنواتٍ طوالا. ومَن يتأمل تصرّف الوزيرة الألمانية من وجهة نظر أوروپية سيجدها طبيعية جدًا لأنّ معظم الساسة الأوروپيين يؤيدون هذا الحق في برامجهم الانتخابية ويضعونه في أعلى سُلّم أولوياتهم لأنهم ينظرون إليه من جانب علمي لا يأبه، في الأعم الأغلب، بمنظومة القيم التي تجترحها مجتمعاتهم لأنهم يعتقدون أنها قائمة على خرافات وأباطيل تنسجها الذاكرة الشعبية التي لا تستند في كثير من الأحوال على الحقائق العلمية الدامغة.
لا يمكننا الإحاطة بكل الموضوعات المهمة التي احتواها الفصل الأول لذلك أحيل المتلهفين لقراءة هذا الكتاب إلى الحوار العِلمي الدقيق الذي أجراه المؤلف مع فرويد وغطّى فيه على مدى 16 صفحة موضوعات شديدة الأهمية وردت في سياق الأسئلة أو الأجوبة معًا من بينها أنَّ الشاعر والكاتب المسرحي شكسبير قد سبق فرويد في اكتشاف اللاشعور وضمّن تأثير العقل اللاواعي في العديد من مسرحياته. كما توقف عند إبداعات دا ڤنشي ومثليته، ونتاجات دستويَفسكي وعُقدة أوديب وما سواها من موضوعات مثيرة للجدل جمعها الكاتب بحِرَفية عالية في هذا الحوار العلمي الشائق الذي يلامس النسغ الصاعد لشجرة فرويد السامقة.
الحفاظ على القيم الدينية
يولي الدكتور قاسم حسين أهمية كبيرة للقانون الذي أقرّه مجلس النواب العراقي في 27 - 4 - 2024م الذي يُجرِّم العلاقات المثلية بحجة "الحِفاظ على القيم الدينية" تارة أو "الحِفاظ على كيان المجتمع العراقي من الانحلال الخُلقي" تارة أخرى، ويعاقب مرتكبيها بالسجن لمدد قد تصل إلى 15 سنة والحبس لسبع سنوات لأي شخص يروِّج "للبِغاء والشذوذ الجنسي" غير أنَّ الباحث يدعوهم إلى الاستعانة بالأطباء المختصين والاستشاريين النفسيين في التعامل مع مِنْ سيُقبَضُ عليهم ودراستهم قبل إحالتهم إلى المحاكم المُختصة.
تكمن أهمية هذا الكتاب في الأبحاث واللقاءات المباشرة التي أجراها الدكتور قاسم حسين مع البغايا والسمسارات حيث التقى بـ 77 مومس وقوّادة تتراوح أعمارهنَّ بين 17 و 55 بَغية تحليل شخصياتهنَّ والأسباب التي دفعتهنّ إلى ممارسة الدعارة وتبيّن أنَّ نسبة المتزوجات في هذه العيّنة قد بلغت 58% مقابل 42% بين مُطلّقة وأرملة وعزباء. ومن المواقف الطريفة في هذه الدراسة الميدانية أنَّ فتاة "جميلة أنيقة لَبِقة"، ذات شخصية مُعتَبرة ادّعت بأنه قد جيء بها بالخطأ وسوف يُخلى سبيلها في اليوم الثاني، وهذا ما حصل بالفعل بعد أن جاء أحد أفراد حماية "الرئيس" وأخذها معه، وحينما أعادها سمير الشيخلي، وزير الداخلية آنذاك للحجز ذاته تمت إقالته من منصبه بعد عدة أشهر، ويظن الباحث أنّ إقالة الوزير كانت بسبب (بائعة هوى)!
أمّا قصة "الحاجة مبروكة" فهي قصة أقرب إلى الخيال المُجنّح منها إلى الواقع الأسيان حيث تعرّفت في سن الثالثة عشرة إلى شاب أطلق عليه الباحث اسم "ربيع" الذي استسلمت له ومارسا "الخطيئة" وذهب إلى حال سبيله لكنها استطاعت أن تتصل به ثانية وتخبره بأنها ستبوح بالأمر إلى اخوانها الذين سيقتلونه مهما كلّف الأمر فيوافق على الزواج منها مُرغمًا وسوف يطلّقها لاحقًا. ثم تقترن بسمسار، وشيخ غجري، وسمسار ثانٍ وظلت تمارس الدعارة حتى عام 1982م. ثم عادت إلى مدينتها والتقت بوالدها الذي أُوشك أن يُغمى عليه لكنها أخبرته بأنها متزوجة و مستورة الحال، وقد اشترت منزلًا فخمًا كتبت على واجهته "بيت الحاجة مبروكة"، وزكّت أموالها، وأخذت تتصدّق على الناس لتكفِّر عن خطيئة قتل أمها حينما اتهمتها زورًا بأنها كانت تحرّضها على الزنا ودفعت أصغر أشقائها لقتلها ظلمًا وبهتانا. ونظرًا لمساعدتها للفقراء والمحتاجين في الحي الذي تسكنهُ، ومواقفها الطيبة، وكرمها اللامحدود فقد أطلقوا عليها لقب "الحاجة مبروكة" وصار اسمها يتردد على الألسن تردد الحِكم والأمثال.
• لمناسبة افتتاح المعرض الدولي للكتاب. بغداد 10 ايلول/سبتمبر 2025
*