مسلسل انتفاضة تشرين- الوسيط بين المتظاهرين وجهاز المخابرات العراقية


قاسم حسين صالح
الحوار المتمدن - العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 20:50
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

مسلسل انتفاضة تشرين
الحلقة (الرابعة)

د. قاسم حسين صاح
الوسيط بين المتظاهرين والمخابرات!
تنويه
( أن تكتب عن حدث تاريخي وأنت في مكتبك،
غير ما تكتب عنه وانت تعيشه ميدانيا)

ما كنت اعرف أن المخابرات العراقية كانت تراقب نشاطاتي في ساحة التحرير ولقاءاتي بعدد من قيادات تنسيقيات التظاهرات الى يوم اتصل بي هاتفيا صوت قدّم نفسه:
- انا االعقيد (....) من جهاز المخابرات العراقية..معالي رئيس الجهاز الأستاذ مصطفى الكاظمي يخصك بالسلام ويدعوك الى لقائه في مكتبه.
واتفقنا.. وجاءت سيارة خاصة تنتظرني في المكان المحدد ..الصالحية قرب تمثال الملك فيصل الأول. وتوجهنا.
كانت هي المرة الأولى التي أدخل فيها ( الخضراء). وصلنا..واشار لي مرافقي نحو الطريق..فمشيت على سجادة حمراء! .وصلت الباب الرئيس فكان على جانبيه جنديان يحملان بندقيتين ويقفان صامتين على الطريقة البريطانية، حتى انهما لم يردا السلام حين قلت لهما السلام عليكم.
دخلت فاستقبلني السيد مصطفى الكاظمي في الممر ، وأمانة فأنه لم يقل لي : اهلا دكتور بل قال : اهلا استاذي.
دخلنا مكتبه ..وترك كرسيه وجلس معي ،وحكى لي ما اجراه من تغييرات،ونحن نتجول في غرف الجهاز منتقدا سلفه، وسرّني بامور لا يصح البوح بها ،وكيف استطاع ان يحرر ناشطين اختطفتهم ميليشات وعصابات.
كان السبب لهذه الدعوة هو ان اكون وسيطا بين المخابرات وبين قيادات التظاهرات في ساحة التحرير. ومبرر اختياري انني تربطني علاقة ثقافية بالسيد مصطفى يوم كان رئيس تحرير مجلة (الأسبوعية) وكنت اكتب فيها .( كادت هذه المجلة بتصميمها ونوعية كتّابها ان تكون من اهم المجلات العربية واوسعها انتشارا). وكان يتوقع انني سانجح في هذه الوساطة..وكل ما يريده هو ان يلتقي بوفد منهم.
القيادات التنسيقية
في اليوم الثاني..توجهت لساحة التحرير والتقيت بعدد من قادة التظاهرات . طرحت الفكرة عليهم ،فانقسموا فريقين..احدهما ظل صامتا ينتظر نهاية الحوار ، والآخر عارض بشدة..واتذكران احدهم رد بحدّة:
- تحجي صدك دكتور؟!. هو منو خلاّه رئيس اخطر جهاز غير احزاب السلطة..وصدكني ما يختلف عنهم.
اجبته: يختلف..لأنه رجل مستقل اولا ، ولأنه مثقف..ثم انتو ما راح تخسرون..التقوا به وبعدها قرروا.

ورجحت كفة الموافقين ..وتم تشكيل الوفد ..والتقيا به ولا اعرف تفاصيل ما دار بينهما ،لكنني استبشرت يوم رأيت السيد مصطفى الكاظمي يتمشى دون حماية بين المتظاهرين في ساحة التحرير.


المطعم التركي – جبل أحد
واجهته صور شهداء الأنتفاضة وشعارات وطنية ( نريد وطن – نازل آخذ حقي)
وفيه تلتقي قيادات تنسيقيات التظاهرات

توحيد المطالب

من عادتي انني استطلع رأي الشارع العراقي في قضية كهذه،فتوجهت،قبل أن التقي بقيادات المتظاهرين، بالآتي:

(لو كنت وسيطا بين الحكومة والمتظاهرين، ما المطالب "الآنية،العاجلة" التي يمكن ان يوافق على تنفيذها الطرفان خلال مدة من شهر الى ستة اشهر- حدد ثلاثة مطالب فقط. (

بلغ عدد المستجيبين (3132) فردا بينهم اكاديميون ومفكرون واعلاميون،تباينت اجاباتهم بين علمية وممكنة التنفيذ وأخرى تعجيزية واخرى انفعالية تعكس سخرية المزاج العراقي،اليكم نماذج منها كما هي بالنص.

• آني ما كاتلني غير هالدستور..الغوه وخلصونه منه..والأحسن،ادفنوه بصحراء الأنبار.

• وعيونك دكتور ما يصير كل حل ما دام ايران مجلبه بياختنه

• احسن حل..نستورد دستور من سويسرا ونخلص.

وكانت هنالك اجابات تشاؤمية ،لكن احتمالها هو المرجّح، تجسدها هذه الأجابة:

(كل التمنيات والاحلام والوعود والاكاذيب الحكومية تصطدم بواقع لا يدرك حقيقته العراقيون عموما وحسنو النية خصوصا. الصراع الجاري اليوم صراع حياة او موت بالنسبة للطغمة الحاكمة..صراع بين شعب مقموع منهوب وبين احزاب عشعشت 16 عاما ،قادتها وساستها لملموم جمعوا من شوارع وملاهي العالم واستلموا حكما وثروة اغنى بلد..واليوم تريدونهم بتظاهرات سلمية شبابية غير حزبية وعفوية، يتلقون القنابل برؤوسهم العارية، فهل من المعقول ان يتنازل هؤلاء القتلة عن بحبوحة عيشهم ليسلموها لشباب لا يملكون غير رؤوسهم وصدورهم العارية. ثقوا بالله انهم لن يسلموها الا على أسنّة الرماح لأنهم يعتبرونها معركة حياة او موت).
وكان افضل الحلول المقترحة هو:

قيام مجلس النواب باقالة رئيس الوزراء ( عادل عبد المهدي)،وتكليفه بمهمة حكومة تصريف الاعمال،ومن ثم اقرار القوانين الخاصة بالانتخابات وموعدها باقرب فرصة ممكنة، واصدار حزمة القوانين المطلوبة ،ومن ثم يحل المجلس نفسه محتكما الى ارادة الشعب، على ان يأخذ القضاء دوره الفعلي بعيدا عن التسلط السياسي في محاسبة القتلة والفاسدين وفقا للقانون النافذ.
وكنت قد نشرتها في حينه ،موثقة في مقالة قدمتها للوفد، داعيهم الى ان يوحدّوا مطاليبهم مبتدئين بالممكن..وقد تحقق باقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي.
*



مؤشرات عن انتفاضة تشرين