يا قادة العالم العربي- انقذوا الشباب من المخدرات


قاسم حسين صالح
الحوار المتمدن - العدد: 8346 - 2025 / 5 / 18 - 00:20
المحور: قضايا ثقافية     

جريدة الزمان- الحوار المتمدن- المثقف استراليا

يا قادة العالم العربي
انقذوا الشباب من المخدرات
أ.د. قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
عضو منظمة الصحة العالمية

تنويه: ياتي هذا المقال لأن موضوع (المخدرات) مدرج ضمن جدول اعمال القمّة.
نبدأ من العراق بتصريح حديث لضابط في مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية العراقية: (ان انتشار المخدرات أسرع من السيطرة عليها). ولا يعني هذا ضعف القوات الأمنية العراقية ،بل انه يعكس تشخيصا لحقيقة واقعة بعد أن أصبحت تجارة المخدرات تأتي بالمرتبة الثالثة بعد تجارة النفط والسلاح ، وبعد أن صارت مخاطر المخدرات في العراق توازي تهديدات الإرهاب، وفقا لمديرية مكافحة المخدرات، وبعد أن استطاع المهربون تطوير طرائق تهريبهم للمخدرات باستخدام طائرات شراعية تسمى (درون) تحمل بين (20 إلى 30) كيلوغراما من المخدرات و مليون حبة (كبتاغون).

ولا يكاد الحال يختلف كثيرا في بلدانكم العربية عن العراق ،ففي جمهورية مصر العربية،مثالا، تشير احصاءات عام 2020 انها تمكن من ضبط 44 ألفا و416 كيلوغراما من الحشيش، و1282 كيلوغراما من الهيروين و259 كيلوغراما من الأفيون، و4 كيلوغرامات من الكوكايين، و13 مليونا و733 ألف قرص ترامادول، و14 مليونا و657 ألف قرص كبتاغون
وتعلمون حضراتكم ان الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد اصدرت قراراً في العام 1987 حددت فيه، بأن يكون السادس والعشرين من يونيو من كل عام، يوما عالميا لمكافحة المخدرات ، تقديراً منها للخطورة العالمية لتداعيات المخدرات، لما لها من أضرار جسيمة على النواحي الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ولأنها لم تعد مقتصرة على (الحشيش ،الماريجوانا،الكوكايين، والمورفين...) بل ظهرت مركبات جديدة لها تأثير واضح على الجهاز العصبي والدماغ..وقد وجدنا من دراسات ميدانية ،ان المخدرات تؤدي بالدمن عليها الى ارتكاب أقبح جريمتين:(قتل الأحبة وارتكاب الزنا)!.
ولقد كشفت متابعتنا الميدانية الى أن التعاطي الذي كان على صعيد الشباب والراشدين، صار الآن على صعيد المراهقين والاطفال ايضا!.وان مخدرات ما كانت معروفة في العالم العربي،صار الشباب يتعاطونها بالآلاف. فوفقا لوكالة عراق برس اطلق قسم الصحة النفسية بمستشفى البصرة العام صرخة استغاثة لمساعدته بعد رواج تعاطي مادة (الكرستال) بين الشباب ابتداءا بالمراهقين وصولا الى طلبة الجامعات. والكرستال هذا الذي يشبه زجاج السيارة المهشم وصل سعر الغرام الواحد منه مئة دولارا،يجعل متعاطيه ينسى واقعه ويحلق منتشيا في الخيال.
ان ادراجكم موضوع (المخدرات) ضمن جدول اعمالكم ياتي تقديرا منكم لخطورتها وبحثا عن اجراءات للحد منها . وانطلاقا من مسؤوليتنا العلمية فاننا نقدم لحضراتكم استراتيجية مقترحة للحد منها..نبدأها بهذا التساؤل:
ما الذي يضطر الانسان لتعاطي المخدارات؟

هنالك أكثر من نظرية حاولت تفسير الدافع الذي يضطر الإنسان لتعاطي المخدرات بينها نظرية (انعدام المعايير- الانوميا) لعالم الاجتماع ميرتون.. ويعني بها التعبير عن الاحساس بانعدام المعايير التي اذا ما سادت في المجتمع فأنها تحرم مجموعات اجتماعية من تحقيق مصالحها.
واشارته الذكية إلى أن المجتمعات التي تضع قيمة كبيرة على الأمور المادية ومسائل الترف أو لا تتمتع بها الا القلة، فأنها تبرز فيها حالة الانوميا أو فقدان العدالة الاجتماعية، فتظهر جماعات تتجاوز قيم المجتمع ونظامه، وتخرق محرماته ومنها تعاطي المخدرات والاتجار بها.
وترى نظرية (الانسحاب الاجتماعي) أن متعاطي المخدرات هو في حقيقته شخص حرم أو عجز عن تحقيق أهدافه بوسائل مشروعه فاضطر إلى الانسحاب عن المجتمع فتضطره عزلته إلى تعاطي المخدرات لتخلق له عالما بديلا ينسيه عالمه الذي هو فيه نابذ أو منبوذ.

وعراقيا ،لدينا نظرية اسميناها (نظرية التيئيس الانتحاري)، وترى أن النظام السياسي حين يكون ولاّد أزمات فان الإنسان يمر بعملية نفسية دائرية بين: أزمة.. انفراج.. أزمة..، تفضي به إلى تيئيسه من أن (النظام) عاجز عن تأمين حاجاته. وحين يصل حالة الاقتناع بأن السلطة اصبحت مصدر شقاء له، وأن الواقع لا يقدم حلّا لمشاكله، فان من استنفد طاقته في تحمل الضغوط ووصل حالة الشعور بانعدام المعنى من الحياة.. يلجأ إلى تعاطي المخدرات لإنهاء حياته بعملية انتحار تدريجي لا شعورية.

استراتيجية علمية للحد من المخدرات في العالم العربي

تتضمن هذه الاستراتيجية الخطوات الآتية:
- إن معالجة اية ظاهرة اجتماعية سلبية تبدأ أولا بتشخيص أسبابها عبر دراسات ميدانية، وعليه ينبغي تكليف أقسام علم النفس وعلم الاجتماع في الجامعات العربية كافة بإجراء دراسات ميدانية لتشخيص عوامل انتشارها (سياسية، اجتماعية، نفسية اقتصادية...)، ومعرفة العلاقة بين انتشار تعاطيها وانتشار انحرافات أخرى، وما أحدثته من تأثير في القيم والاخلاق، واقتراح المعالجات.

- يتم ذلك بإصدار توجيهات من مكتب دولة رئيس الوزراء في كل دولة إلى الجهات المعنية، واعتبار هذا المشروع (قضية وطنية ومسؤولية اخلاقية ودينية).

- تبدأ الاستراتيجية خطوتها الأولى باعتماد وتفعيل قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية (رقم 50 لسنة 2017) العراقي وتطويره في ضوء قوانين مكافحة المخدرات في الدول العربية ، وقيام الجهات المعنية بتطبيقه بحزم مسبوقا بتوعية واسعة بنوعيها الإعلامية والجوالة.

- عقد مؤتمر وطني بعنوان في كل دولة عربية تناقش فيه الأسباب والنتائج والتوصيات والمقترحات التي توصلت لها الدراسات الميدانية التي أجرتها اقسام علم النفس والاجتماع في الجامعات العربية، وتوحيد الأسباب والحلول المقترحة.

- ترفع نتائج المؤتمر الوطني إلى هيئة تضم مديرية مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية وممثلين عن مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية، (البرلمان، الحكومة، القضاء) ووزارات الصحة والتربية والتعليم العالي والثقافة والجمعيات النفسية وجمعيات الأطباء النفسيين تقوم في ضوئها بإعداد استراتيجية تنفذ على مراحل زمنية يجري لها تقويم يحدد الايجابيات والمعوقات.

- تكليف لجان اكاديمية متخصصة بالتنسيق مع مديريات مكافحة المخدرات لتشخيص ما تم تحقيقه واقتراح الحلول لمعالجة المعوقات بما يضمن تحقيق الاستراتيجية بسلاسة.
- عقد مؤتمر وطني عربي في بغداد او أية عاصمة عربية اخرى..يختتم اعماله باصدار اجراءات للحد من المخدرات تنفذ في الدول العربية بموعد واحد.

تحياتنا مع خالص تمنياتنا بالموفقية
بغداد 17 / 5 / 2025
*