يسوع من الرابي إلى الإله


كمال غبريال
الحوار المتمدن - العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 18:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

يمكن متابعة رحلة تطور صورة يسوع، من التاريخ إلى اللاهوت عبر 5 مراحل أساسية:
المرحلة الأولى: الصورة الأقرب للواقعية ليسوع التاريخي (30- 33 م):
شاب يهودي من الناصرة، يعظ في الجليل بمفاهيم أعمق لوصايا الشريعة الموسوية. مندداً بالالتزامات الطقسية الحَرْفِيَّة والمظهرية. متحدياً بذلك السلطة الدينية.
هو هكذا معلم ومصلح روحي يهودي جوال. لم يقل صراحةً إنه الله ولا دعا أحداً لعبادته. ولا دعا
لتأسيس ديانة جديدة.
وكانت نهايته الموت مصلوباً بقرار روماني كأحد مثيري الفتنة. تحت ضغط من الغوغاء وشيوخ اليهود. بلا شهرة تُذكر حتى الآن خارج أتباعه القلائل. الذين تفرق أغلبهم فور القبض عليه وصلبه.
يمكن القول أنه حتى الآن كان "ملكوت الله ووصايا موسى" فمركز رسالة يسوع، لا "يسوع" نفسه.
المرحلة الثانية: يسوع الموعود أو المسيا (المسيح) المنتظر (33- 60 م)
في هذه المرحلة كان التأويل الأولي بعد موته من قِبَل تلاميذه، خصوصاً بطرس ويعقوب. فقد آمنوا أنه لم يُهزم، بل قام من بين الأموات. وربطوه بنبوءات "المسيح" المنتظر من اليهود. والذين تصوروا مخلصاً يأتي ليكون ملكاً من نسل داود. يجلس على كرسي داود أبيه. ليعيد مجد إسرائيل بين الأمم.
لكن بالطبع لأنه لم يتحقق في حياة يسوع أي من هذه الصفات والتوقعات. ففقد جاء التلاميذ بيسوع المسيح الجديد، بفهم جديد للمسيا. فكان المسيح المتألم المصلوب. لا المسيح الملك المحارب المنتصر.
وكانت الطقوس الأولى (العشاء الرباني، التعميد) هي علامات رمزية للانتماء.
لم يكن يُعبد بعد، لكن "الإيمان بأنه قام" كان بداية ولادة "المسيحية" كفكرة وانتماء للمصلوب المنتصر على الموت. دون أن يخطر ببال كبار تلاميذه الانفصال عن الدين اليهودي، لتأسيس دين جديد مستقل.
المرحلة الثالثة: المسيح العالمي البولسي (50 – 100 م)
كان شاول الطرسوسي أو بولس الرسول هو نقطة التحول الكبرى. فهو لم يهتم بحياة يسوع وسيرته وكلماته. لأنه أساساً لم يره، ولم يستمع لكلماته. لكنه اهتم بشخص يسوع ذاته، في مرحلة ما بعد القيامة.
فهو في رسائله السابقة لتدوين الأناجيل التي هي مصدر رواية كلمات يسوع وسيرته، نجده يتحدث عن يسوع بوصفه:
• ابن الله
• الوسيط بين الله والناس
• الكائن الأزلي الذي فدى البشرية بموته.
بولس هكذا نقل المحور من التأويل الروحي لشريعة موسى، إلى شخص يسوع نفسه، والذي كان قد تقرر اعتباره مسيحاً.
كما تم الانتقال من اعتبار يسوع مسيحاً مخلصاً يهودياً، إلى اعتباره فادياً لكل البشرية.
هكذا تم الانتقال من الواقع التاريخي والوصايا المرتبطة به، إلى اللاهوتيات والافتراضات الغيبية. التي لا توجد إلا في عالم مواز. أقام بولس أعمدة هيكله الأولي. ليتولى من أخذوا المهمة على عاتقهم بعده استكمال بنيانه.
المرحلة الرابعة: الأناجيل الأربعة (70 – 100 م). التي بدأت تُكتب بعد دمار الهيكل (70 م) وسط صدمة لاهوتية، لم تكن بكاملها سيراً ذاتية. بل كانت ما يمكن اعتباره لاهوتاً روائياً. حيث تختلط فيها الروايات المفترض حدوثها الواقعي، ممزوجة بنزوع لبث إلهيات ولاهوتيات في مجرى الأحداث.
وقد صاغ كل إنجيل يسوع حسب رؤيته:
• مرقس: المسيح المتألم.
• متى: موسى الجديد.
• لوقا: المخلّص الأممي الرحيم.
• يوحنا: الكلمة الأزلية المتجسدة – Logos.
في إنجيل يوحنا فقط يُقال: “أنا والآب واحد” – هنا يُعبد يسوع بوضوح.
المرحلة الخامسة: يسوع الإله الرسمي (القرنان 2-4 م)
في هذه الفترة احتدم الجدل: هل يسوع إله كامل؟
أم إنسان؟
أم خليط بين الإله والإنسان؟ هل هل هو مخلوق أم أزلي؟
اختلف الجميع مع الجميع في كل سؤال من هذه الأسئلة: الأريوسيون، الغنوصيون، الأبيونيون، ……. إلخ.
ثم جاء مجمع نيقية (325 م) ليحسم الجدل:
- يسوع مولود غير مخلوق، واحد مع الآب في الجوهر.
- أصبح “ابن الله الإلهي” هو العقيدة الرسمية.
وتدريجياً تطورت العقيدة الشعبية التي اضطرت الكنائس لتبنيها. لتنتقل بيسوع من الابن الإلهي المولود من الآب قبل كل الدهور، ليصير هو الإله ذاته. ليقف وحده في السدة الإلهية. ويتوارى أو يكاد يتلاشى بجانبه الأقنومان الإلهيان الآخران (الآب والروح القدس).
لتلحق به فيما بعد إلهة عبدتها مختلف شعوب العالم بأسماء شتى. ليعبدها المسيحيون مع ابنها باسم "العذراء مريم". بصفتها "والدة الإله".

هكذا تطورت صورة يسوع من معلم يهودي جوال، إلى إله كامل الألوهية. ترافقه أمه العذراء.
******
( تم الاستعانة بالـ AI)