عن السلفية
مصطفى مجدي الجمال
الحوار المتمدن
-
العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 17:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عن السلفية كتبت من مدة:
السلفيون موجودون في كل المجتمعات بدرجات وأنواع وديانات ومذاهب وعرقيات عدة.. يرون النجاة للإنسان في إعادة إنتاج ماض يتصورونه خاليا من أي شائبة..
وربما كان هذا مفيدا في مراحل تاريخية لمقاومة معتد خارجي بالتعبئة الواسعة بسلاح الهوية.. لكن الخطر يصبح داهما حين يطول ذلك السلاح إلى حد العدوان اللفظي والمادي والبدني على أصحاب هويات أخرى في الوطن، بل وربما الانحياز للمعتدي أو الخصم الخارجي إذا كانت هناك "شبهة تماه" في الهوية.
وفي رأيي أن هذا التيار يؤذي نفسه بعزلة وجدانية نسبية عن المجتمع المعيش..
وتزداد الخطورة حينما يتعدى التيار حدود نفسه ويظنون أن الخلاص الشامل للمجتمع والعالم مسؤولية حصرية لهم عن طريق فرض رؤيتهم و"تعبيد الناس للخالق" بكل الوسائل الناعمة والعنيفة، وحسب رؤيتهم الخاصة "للتعبيد"..
وفي التراث حمال الأوجه ما يكفي لتسويغ كل ممارسة متجاوزة لحقوق الإنسان والمنجزات المدنية.
وإذا تطرقنا أكثر إلى الواقع المصري سنجد أن استفحال الظاهرة السلفية بدأ مع هزيمة المشروع الناصري منذ ١٩٦٧، وعضده تفشي الوباء الوهابي المدعوم بجبال الدولارات النفطية والذي أنفق ببذخ على الكاريزمات والمؤسسات والمنصات السلفية، وكذلك انغماس السادات في دعم تلك التيارات لملاحقة التيارات المعارضة، القومية واليسارية وحتى الليبرالية، بسيوف الكراهية والتحقير والتكفير والتخوين، وهو ما توافق تماما مع مخططات الحكومات والاستخبارات ومراكز الفكر والسياسات في الغرب.
وتفاقم نشاط هذا التيار بكل تنويعاته حتى خرج عن سيطرة الرئيس المتذاكي وكانت نهايته برصاصهم. ومع ذلك فإن من خلفه ظل يلعب معهم لعبة التوازنات مقابل الاحتفاظ بسلطة الاستبداد والنهب والعمالة.
ومن الواجب ملاحظة أن التيار السلفي شديد التنوع.. فمنهم الدعاة المتلفزون الذين تضخموا على ذات نمط الدعاة التلفزيونيين الإنجيليين في أمريكا وخاصة في الولايات الجنوبية.. ومنهم الخطباء الزاعقون في المساجد.. ومنهم الجماعات المتوطنة بالايديولوجية المتشددة داخل الأزهر نفسه.. ومنهم الدعاة الجدد "الخنافس" لجذب الشباب.. ومنهم الدراويش والمعالجون "بالطب النبوي".. ومنهم.. ومنهم.. لكن هناك جماعتان هما الأخطر على الاطلاق.. أولاهما جماعات السلفية الجهادية الكثيرة المتبنية للانقلاب الدموي أو حرب العصابات أو الإرهاب الفج ضد المدنيين.. وأساس منشأ هذه الجماعات هو التمويل الاستخباري الغربي والنفطي، والتسليح والتدريب والدعم في أفغانستان ضد الجيش السوفيتي والحكومة الشيوعية.
أما الجماعة الثانية فهي تنظيم الإخوان الذي تبني تكتيكات واستراتيجية اختراق المجتمع المدني والسلطة بكل مؤسساتها بما فيها السيادية.. وكان من أهم حيلها إعلان الإيمان بالديمقراطية الليبرالية.. مع بعض الرطانة الشكلية عن النزعة الوطنية وحماية الأمة الإسلامية من الغزو العلماني..
والمؤسف حقا أن بعض التيارات المظنون علمانيتها قد وقعت في حبائل هذا الدجل بدعم نفطي أحيانا، فكان الحوار القومي الاسلامي وتحالف الوفد ثم حزب العمل مع الإخوان ثم جبهة هزلية عقدها بعض أدعياء التروتسكية معهم.. وأخيرا ما شهدناه في العقد الأخير من انحيازات واتفاقات مخزية مع المنشق أبو الفتوح والمهرج حازم ابو إسماعيل ثم كانت ذروة العبث مع محمد مرسي.
خلاصة ما أريد قوله هي ان شعبية تلك التيارات ومرتكزاتها الفكرية والمادية تمثل خطرا وبيلا على تماسك وحتى وجود الأمة المصرية.. وانه من العار والغباء (سيان) أن تتصور سلطة أو جماعة أنه يمكن ضرب فصيل من التيار المذموم بالتحالف أو التساهل مع فصيل آخر.. فهذا أقصر طريق نحو الجحيم.
لأنها تشكل معا نوعا من "الأواني المستطرقة" أو طبقات من "بصلة" واحدة مسمومة..
فلسنا إزاء مجرد جماعات ترمي إلى دكتاتورية سياسية.. وإنما هي جماعات لما أطلق عليه "فاشية العالم الثالث" المدججة بايديولوجية إقصاءية دموية ودعم أشد قوى الرجعية الإقليمية والإمبريالية العالمية شراسة وعداء للإنسانية.