الغرب يتوحش


مصطفى مجدي الجمال
الحوار المتمدن - العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 20:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

سؤال كبير يلح على تفكير الكاتب وتفاعله الغاضب مع الجرائم الفاحشة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني واللبناني والإيراني واليمني.. الخ.. ألا وهو التساؤل عن أسباب ودوافع تجاهل، أو تطامن أو حتى تبرير الغرب، لتفاقم الوحشية الإسرائيلية، بل وتغذيتها السخية علنًا وسرًا بالمال والسلاح والإعلام والاستخبارات والدبلوماسية؟
بطبيعة الحال كانت الدول الغربية دائمًا وقحة في تعاطفها مع الكيان الإسرائيلي منذ قيامه لأسباب معروفة، أهمها اعتبار الكيان بمثابة المخفر الأمامي في الشرق الأوسط لضمان تدفق النفط الرخيص، والسيطرة على الممرات الدولية، والحيلولة دون تطور الحركات الاجتماعية والسياسية الوطنية إلى مستويات تهدد مصالح الرأسماليات الاحتكارية الغربية، وكذلك تحصين مراكز النظم الرجعية والعميلة بالمنطقة من أي تغلغل مناويء، صينيًا كان أم روسيًا.
لكن الجديد هنا في السنوات الأخيرة أن العدوان الإسرائيلي قد خلع كل قفازات التمويه، وبات يعلن مواقف وخططًا ويمارس موجات وحشية من الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، أملاً في تحقيق "الترانسفير" (التهجير القسري والطوعي) للشعب الفلسطيني، وترويع الشعوب الأخرى في المنطقة تمهيدًا للتوسع الأرضي المتواصل، وصولاً في النهاية إلى إسرائيل العظمى.
ومن المعروف جيدًا أن الإمبريالية الأمريكية تعتمد في كل إقليم على قطب/ دولة تمارس دور المقدمة الاستعمارية المدججة بالسلاح. وفي الكيان الإسرائيلي مميزات تسمح بالقيام بهذا الدور، من بينها تكوينه السكاني من جماعات ذات أصول قومية وعرقية كثيرة، مما جعله قادرًا على اكتناز معارف وتقنيات متطورة من أقاليم ودول مختلفة، والجمع بينها في توليفة جديدة تجعل إسرائيل في مكانة أقوى من كل محيطها الذي يضرب التخلف والفساد والتبعية في أطنابه. فضلاً عن تزيين هذا كله بأساطير توراتية عن شعب "عبقري" مختار من الرب لقمع و"تأديب" كل "الأغيار".
لا جديد في هذا، لكن الجديد هو الصمت والتواطؤ والتبرير الغربي لتمادي الكيان في ممارساته الوحشية؟
لعل في مقدمة التفسيرات للمسلك الغربي المخزي هذا، هو تفاقم الصراع الأكبر الدائر على مستوى العالم مع الرأسماليتين المتعاظمتين في روسيا والصين، وبدرجة أقل مع إيران وكوريا الشمالية. فكل مكسب أرضي أو سياسي يحققه الكيان في مواجهة النظم العربية (حتى الخائر والمستسلم عمليًا منها) يحقق بدوره الكثير من المكاسب العامة للرأسماليات الغربية الحاكمة، وبخاصة كرد فعل على الاكتساح الروسي لأوكرانيا، والاستعداد الصيني لاستعادة تايوان.
كما أن الضغط الوحشي المسنود غربيًا الذي تمارسه إسرائيل سيكون عبرةً ودرسًا عمليا لكل حركة أو نظام يحاول رفع رأسه حتى بالتحدي الجزئي أو البسيط للمصالح الرأسمالية الغربية، ولو من أجل تحسين شروط التبعية.
أضف إلى ذلك ألاهتمام الإمبريالي الغربي بنزح المزيد من المكاسب والإتاوات من العائلات المتحكمة في النفط العربي، ودفعهم دفعًا إلى التسليم بقيادة إسرائيل للإقليم، ويبدو أن نجاحًا قد تحقق بالفعل لهذا النهج. كما تستخدم الإدارة الأمريكية نظمًا عربية في تمويل وتسليح ميلشيات في بلاد مثل السودان وليبيا وسوريا، وربما لبنان واليمن والصومال...، لتفكيك الدول فيها إلى كيانات قزمية متقاتلة، الأمر الذي يسمح بالمزيد من النزح الحر للموارد والثروات، وإشغال المنطقة بأكملها عن التفكير في الاشتراك في مواجهة العدو الصهيوني، بل وحتى تجرؤ بعض القوى التماس العون من إسرائيل.
هناك جوانب أخرى يتحاشى البعض الخوض فيها حتى لا يُتهَم بالعنصرية أو العداء "للسامية". فهناك قطاعات واسعة في الجمهور الغربي تتساهل مع الوحشية الصهيونية، بل ربما تباركها، وفقًا لقناعات أسطورية عن المجيء الثاني للسيد المسيح، ناهيك عن انتعاش الروح الفاشية والصهيونية في الغرب التي تتخذ صورًا من "النزعة الصليبية" و"الخوف من الإسلام". وهذا للأسف واقع ثقافي يتزايد في الغرب.. ولعل أبسط دليل عليه ذلك: النواح الغربي اليومي على عشرات "الرهائن الإسرائيليين" دون ذر دمعة واحدة على عشرات الألوف من الشهداء والجرحي الفلسطينيين، وتشريد شعب بأكمله، والإنذار بالطرد من أرضه.