قانون التضليل وتضليل -القانون-..
حسن أحراث
الحوار المتمدن
-
العدد: 8100 - 2024 / 9 / 14 - 22:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يروج مُؤخّرا حديثٌ مفتعل وممزوج بتوابل التضليل والتغليط. ويتعلق الأمرُ بفتح "المشاورات" بين مُكوّنات خليّة أو سلّة مطبخ النظام القائم التي تجتهد وتُبدع من أجل تكريس معاناة أوسع الجماهير الشعبية، وبالخصوص الطبقة العاملة (الحكومة والمركزيات النقابية والباطرونا). وهذه المرة، بل وكُلّ المرات، يتوافقون على الصيغة المُثلى لإعدام مختلف الحقوق، ومنها الآن الحقّ في الإضراب (مشروع قانون تنظيمي رقم 97.15 الخاص بممارسة حق الإضراب)، كمكتسب تاريخي انتُزع بتضحيات جِسام وعبر مسارٍ نضالي طويل. وهي نفس المؤامرة التي تستهدف المزيد من إجهاض مكتسبات التقاعد ونسخ مضامينه الإيجابية (إصلاح أنظمة التقاعد)، حيث السعي بمباركة قيادات المركزيات النقابية كما حصل سابقا وبالالتواءات الخادعة الى اعتماد الثالوث القاتل، رفع سن التقاعد ورفع قيمة المساهمة وتقليص وتسقيف التعويض..
إنها مؤامرة تكبيل ممارسة الحق في الإضراب من خلال فرض ماراثون من الإجراءات والشكليات التي تهدف الى عرقلة إعلان وتنظيم الإضراب وتخويل الأجهزة القمعية حق تجريمه ومصادرته تحت مختلف الذرائع، وذلك حماية لمصالح الباطرونا وإجهازا على حقوق الشغيلة.
إن القانون عموما تضعه الجهة القوية، أي ما يسمى بالدولة، ولا يمكن أن يتعارض ومصالحها الطبقية. ومهما تكُن التعديلات و"الإصلاحات" لا يمكن أن تمسّ جوهر هذا القانون الطبقي. من هنا يبقى الرهان على القانون كالرهان على الوهم. فهل تم احترام القوانين السابقة، سلبية كانت أم إيجابية؟!
وينطبق الأمر على حكاية "التغيير من الداخل" التي أسِرَت قلب وذهن أحزاب "المعارضة" السابقة، أي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي.
إن ما يسمى بالدولة أداةٌ طبقية لخدمة البورجوازية الكبيرة (الكومبرادور والملاكين العقاريين) قبل الثورة البورجوازية وبعدها. والقضاء عليها مرتبطٌ بانتصار الثورة الاشتراكية، أي انتصار ديكتاتورية البروليتاريا؛ ويعني ذلك اعتماد "كُلٌّ حسب حاجته" على أنقاض "كُلٌّ حسب عمله"..
طبعا، هناك أكثر من طريقة لتمرير قوانينهم ودون إحراج "رفاقنا" النقابيين. وللعلم بالشيء، فالنظام القائم يحمي خُدّامه المخلصين. وكل من خذله النظام، فليس غير "ردّ الصرف"، فالأخير لا يتسامح مع من "يأكُل الغلّة ويسبّ الملّة" ولو بطريقة أو أخرى. وحالة محمد زيان (داخل السجن) وادريس البصري (سابقا) وغيرهما تُجسّد صورةً أكثر تعبير ودلالة..
وعلى أثر ذلك، من يحمي/حمى موخاريق وقبله المحجوب بن الصديق (الاتحاد المغربي للشغل) وعبد الرزاق أفيلال (الاتحاد العام للشغالين بالمغرب)...؟
إن قيادات المركزيات النقابية لا تخدُم الشغيلة. وهل يوجد مناضل واحد يشك في ذلك أو يجهل جرائم هذه القيادات (الجرائم المفضوحة والمُتستّر عليها)؟
هل يخفى على مناضلٍ واحدٍ حجم ومقدار ثروات قياديين نقابيين بيروقراطيين؟ أليسوا باطرونا في مسرحية هزلية لتبادل الأدوار؟
نرفع شعار "لا للإفلات من العقاب"، ولا نمارسه في حق القريبين/المُقرّبين منا!!
نرفع شعار "من أين لك هذا"، ولا نمارسه في حق القريبين/المُقرّبين منا!!
نرفع شعار الديمقراطية، ولا نمارسه في حق القريبين/المُقرّبين منا!!
أليس في اليسار (المناضل) من يجهر بالحقيقة المكشوفة و"المُغيّبة"؟
إننا أضعف/أسوأ فاعلين سياسيين تاريخيا (مناضلين منظَّمين وغير منظمين)، خاصة والامكانيات المتاحة لنا، ومنها آليات التواصل التكنولوجي..
ونحن ندّعي ما ندّعي بحسن نية أو بدواعي أخرى، ومن مختلف المواقع السياسية والنقابية والاجتماعية، ألا نخجل، ونحن المحترفين سياسيا (شئنا أم أبينا)، أمام استمرار المعارك النضالية (عمال وفلاحين فقراء ومُعطلين...) المستمرة وراء ظهرانينا وأمام أعيننا؟
ولنكُن دقيقين، هناك معركة عاملات وعمال سيكوميك بمكناس ومعركة عمال بوازار بورزازات، ما هو المطلوب منا؟
إنه سؤال قد يجيب على العديد من الأسئلة. إننا في مرحلة العمل وليس الكلام..
وليكون كلامُنا ذو مصداقية نضالية، لنُعلن عن تاريخ دقيق للالتحاق/الانخراط بالمعركتين الميدانيتين. وحينذاك نكون "قْدّْ كْلامنا قْد ذْراعْنا"..
سبق أن تمّ تشكيل اللجن والشبكات والائتلافات للتضامن مع هذا وذاك (أشخاص)، فهل نسينا أم تناسينا الواجب النضالي تجاه المعركتين (عمال وفلاحين فقراء ومُعطّلين...، وعائلاتهم، أطفالا وشيوخا)؟
فأيّ يسار نحن بعيداً عن العمال؟
وأيّ يسار نحن بعيدا عن الفعل؟
إن تفسير الواضحات من المفضحات...
كثيرون يدْعون الى الوحدة وجمْع شتات "اليسار" (المناضل) وبحماس مُنقطع النظير. لكن، مع تغييب تواطؤ القيادات النقابية البيروقراطية مع النظام والسكوت عن ذلك، أي معنى نضالي للوحدة وجمع الشّتات؟
تماماً كما الدعوة الى الوحدة وجمع شتات "اليسار" (المناضل) ومعانقة القوى الظلامية؟
وأخطر من ذلك، ما هو موقف القوى السياسية المحسوبة على "اليسار"؟ لا أقصد تسجيل الموقف فقط، بل ممارسة الموقف السياسي الواضح والصريح، أي إدانة القيادات النقابية البيروقراطية المتواطئة مع النظام وكذلك القوى الظلامية المتورطة في اغتيال المناضلين ومن ضمنهم رفاقنا..
فهل يُعقل الاشتغال تحت أجنحة البيروقراطية، بل الامتثال لأجندتها، وانتظار الحفاظ على المكتسبات والتصدي للإجهاز عليها أو انتزاع أخرى؟
وأيضا، كيف نقبل الاشتغال جنبا الى جنب مع قوى سياسية أياديها مُلطّخة بدماء رفاقنا وإشراكها في أنشطتنا (وقفات ومسيرات...)؟
إن القضية الفلسطينية ليست مُبرِّرا لجمع ما لا يُجمع، أي "سك غُفران". قد يستدعي الكفاح/المقاومة الفلسطيني/ة ما يستدعي (حمل البندقية أساسا)، وهل القوى الظلامية تحمل البندقية أم تخضع لتعليمات/أوامر النظام؟ ألم "تُبرِّد الطّرح" في عِزّْ دينامية 20 فبراير 2011؟ أما اغتيال رفاقنا، فذلك خطّ أحمر؛ وغير ذلك خيانة وقتل ثان للشهداء..
فهل نُكرِّر فظاعات الماضي؟ وأقصد العناق بعد تصفية الحسابات سنة 1956 بين حزب الاستقلال ("الحاكم" حينذاك) وحزب الشورى والاستقلال (يمكن الرجوع بهذا الصدد الى كتاب "دار بريشة أو قصة مختطف" لمؤلفه المهدي المومني التوجكاني وكتاب "دار بريشة الثانية" لمؤلفه عبد الله الرداد)، وفيما بعد بين الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب الاستقلال (اغتيال عبد العزيز بن ادريس بتحناوت قرب مدينة مراكش سنة 1959). وبدون شك، لا نُغيِّب هنا مسؤولية النظام الساهر أو الناظم لهذه الجرائم المسكوت عنها..
ودون غموض وبكل مسؤولية نضالية ولأننا لا نتحدث عن أرض "الوقواق"، أقصد هنا حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي وحزب النهج الديمقراطي العمالي والحزب الاشتراكي الموحد ومجموعة من الأسماء "المحسوبة" على اليسار الجذري. لا داعي للمزايدة، ولا أستثني نفسي أو رفاقي، إن قضية شعبنا تستدعي التجرد من الأنانية السياسية وأمراضها الملتصقة بالبورجوازية الصغيرة وبالتالي الانخراط في معارك غير مسبوقة، في مقدمتها تصليب الذات المناضلة وممارسة الشعارات "المزعجة" للنظام وحواريه (الأحزاب السياسية الرجعية ومن بينها ما سُمِّي بالأحزاب الإدارية)، وهي الشعارات التاريخية المناهضة للنظام القائم (النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي والثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية...)، وإبداع شعارات سياسية تتلاءم وشروط المرحلة الراهنة. وأعتقد أن من بين الشعارات النقابية/السياسية ذات الرّاهنية "إسقاط القيادات النقابية البيروقراطية" المتسلطة على رأس مركزيتي الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل والنقابات القطاعية المنضوية في صفوفهما. ومن يرفض رفع هذا الشعار وممارسته، كيف سيُبرِّئ ذاته/نفسه أو إطاره السياسي من خدمة البيروقراطية والتواطؤ معها؟
ولا يخفى، وبكل المقاييس، أن خدمة البيروقراطية يعني بالواضح خدمة النظام القائم..
كما لا يخفى أن المدخل للتغيير الجذري هو بناء الأداة الثورية، أي الحزب الثوري...