الدرس الخامس عشر من دروس رمضان لهذا العام


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 7934 - 2024 / 4 / 1 - 02:48
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

جهنم والجحيم .... بين الصورة والتصور
الجحيم وجهنم والنار هي العناوين الأكثر تكرارا التي وردت في القرآن للدلالة على مثوى الكافرين بعد الحساب في يوم الحساب، وبالتأكيد فإن تكرار اللفظ لا يعني أن الناص يريد فيه تثبيت معنى في كل الأحوال وإن كان جائزا كما ورد في آية (فبأي ألاء ربكما تكذبان)، أحيانا يكون التكرار تنبيه وتحذير وتذكير حتى لا ينسى المخاطب الدليل والصورة وما حذر منه، كذلك تكرار المعنى وليس المبنى على عدة صور يراد منه في الحقيقة لإشارة إلى دلالات مختلفة بأختلاف اللفظ ذاته، فلقد وردت مفردات الجحيم والنار وجهنم والسعير والهاوية وسقر والحطمة ودار البوار ولظى، وأضاف لها البعض من البشر سجين وغيا والكثير من الدلالات والصفات والمعاني بشكل أو بأخر، وكلها وجميعها لم ولن تشترك بمعنى واحد كلي.
لو عدما لنفرد المعاني ومن خلال العامل التقني وهو عامل اللغة وحاولنا أن نصنف المفاهيم تبعا لهذا العامل أو ذاك، عندها يمكن أن نقف تماما عند المفاهيم والدلالات الخاصة والمخصوصة في الأستعمال اللساني، والتي من عموميتها في الأشتراك برابط واحد أو أكثر من غيرها نعرف سبب الجمع لها في دلالات معينة، لو أخذنا مثلا معنى اللظى والتي يعدها البعض من أسماء الجحيم أو جهنم، نجدها في اللغة كما يلي_ {لَظَّى (فعل) لظَّى يلظِّى ، لَظِّ ، تلظيةً ، فهو مُلَظٍّ ، والمفعول مُلظًّى لَظَّى النارَ: أَلهَبها، أما اللظى: (اسم) صوت النار عند إلتهابها، أما كمصدر اللَّظَى لهبُ النار الخالص لا دُخانَ فيه، أما لَظيَ (فعل) لظِيتِ النَّارُ :تلهَّبت، فصوّت لهبُها}، إذا سبب جعل البعض من لظى اسما من أسماء جهنم، والحقيقة أن النص الذي ورد فيه اللفظ لا يشير لجهنم وإنما يشير لنوعية النار الملتهبة بدون دخان تغبيرا عن هولها وقسوتها، وفي التنزيل العزيز (كلا إِنها لَظَى نَزَّاعةً للشَّوَى).
من الأسماء المشهورة لجهنم هو الجحيم وقد وردت كثيرا بهذا المعنى أو أنها وصف لجهنم أو وصف للعذاب الأخروي، ومنها صارت الجحيم معنى لجهنم وبديلا عنها في الدلالة والأستعمال، والحقيقة أن الجحيم بالمعنى الأصطلاحي واللغوي وهو المكان الذي لا حدود له أو لا يستطاع أن تتحمله أما لسعته أو لعظمته، فوصف جهنم أو عذاب جهنم بالجحيم متأت من وصف خاص لمعنى خاص، فقد ورد في معاجم اللغة أن الجحيم هو { جَحيم (اسم) الجَحِيم الجُحْمة، مكان عذاب لا يُحتمل، أو مكانٌ شديد الحرّ صارت حياته جحيمًا، أو نارٌ شديدة التَّأجّج، عكسه نعيم مثال هذا الحرُّ أصبح جحيمًا: حرٌّ لا يطاق، أما الجحيم: (مصطلحات) النار الشديدة التأجج. (فقهية) جَحَمَ: (فعل) جَحَمَ جَحْمًا جَحَمَ النارَ: أَوقدها جَحَمَ الرجُلُ عينيه: فَتَحَهُمَا لا يَطْرِف، جَحِمَ: (فعل) جَحِمَتِ جَحْمًا، وجَحَمًا وجُحُومًا فهو أَجحمُ، وهي جَحْماءُ والجمع : جُحْمٌ جَحِمَتِ النارُ: عظُمَت وتأَجَّجَت، جَحِمَتِ العينان أي اشتدَّت حمرتُهما مع سعتهما}، إذا الجحيم لا تعني جهنم بأكملها وبماهيتها بقدر ما تصف كونية الحالة فيها وعظة النار المتأججة هناك.
إذا الجحيم ليست هي جهنم التي يرد ذكرها كضد نوعي للجنة بل هي وصف لما فيها من حال وما فيها من ماهية تؤدي إلى الفزع من ذاك العذاب الموجود، ومن الأسماء التي يربط الناس بها وبين جهنم النار، وهنا لا أحتاج إلى تكرار الدليل، فالنار هي الألية الرئيسية في تنفيذ وجه من أوجه العذاب في جهنم وليست هي جهنم بالتحديد، فالنار كما وردت في معنى الجزاء المؤلم، كذلك وردت في معنى إيجابي حينما تكون مصدر للضوء ومصدر للخير، ورد المعنيين في النصوص القرآنية (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ)، وأبضا (إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى)، فليست النار دوما وإن جاءت غالبا في نصوص القرآن بمعنى عذاب الحريق، لكن القرآن ومن خلال إدراكه لقيمة المعنى في الأستعمال الطبيعي جعل من النار التي هي مصدر طاقة نافع عذاب للذين تمردوا على ما في منفعتهم ومصلحتهم (فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ).
إذا كل التسميات التي وردت في النصوص القرآنية ما عدا طلمة جهنم فهي أما توصيفات جزئية أو تحديدات مكانية في أقسام جهنم، وتبقلا كلمة جهنم هي المعنى الأساسي والشامل لدار العقاب والعذاب الأخروي، الذي يتم تحديده في يوم الحساب أو وعد الله به وعيدا للكافرين والضالين والمستكبرين الطاغين، هنا نعود لنعرف معنى جهنم وأبوابها وأجزائها وفقا لما ورد في القرآن من نصوص، فجهنم كما وردت في قواميس اللغة والدراسات اللغوية تشير إلى معنى البئر البعيدة المظلمة (وهي لفظَةٌ أعجَمِيَّةٌ لا تَنصَرِف لِلعُجْمَةِ والتَّعريف، وقيل: جَهَنَّمُ اسمٌ عَربيّ، سُمِّيَت به نارُ الآخِرَة؛ لبُعْدِ قَعْرِها، ومَن جَعلَ جَهَنَّم عَرَبِيّاً احتجّ بقَوْلهم: بِئْرٌ جِهِنّام، ويكون امتِناعُ الصَّرْفِ للتَّأنِيثِ والتَّعْريف)، وجاء أيضا في المعجم الكبير ذكر هنا أن كلمة جهنم في العربية تقابلها جْهنّام في العبرية، وهي شائعة في عدة لغات أخرى من لغات العالم ومنها العربية بمعنى القعر البعيد،.
والقول بأن جهنم عربية هو قول ابن خالويه والشيخ شاكر وغيرهما، وهؤلاء قالوا أن تركيب جهنم موجود في اللغة العربية، ووزنه كما يقول الجوهري في مختار الصحاح وهو ملحق بالخماسي بتشديد الحرف الثالث منه، ولا يجري للمعرفة والتأنيث"، وذكر ابن منظور في لسان العرب قولا ثانيا عن يونس بن حبيب بعد ان ذكر القول الأول القائل بعجمة الكلمة فقال " وَقَالَ آخَرُونَ جَهَنَّم عَرَبِيٌّ سُمِّيَتْ نَارُ الْآخِرَةِ بِهَا لبُعْد قَعْرِها، وإِنما لَمْ تُجْرَ لِثقَلِ التَّعْرِيفِ وثِقَل التأْنيث"، ومن خلال العودة لجذر الكلمة و (جهن - يجهن ، جهونا) جَهْن: مفرد لصفة مشبهه (جَهْن) في حال يكون مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا والمشتق من الفعل (جَهَنَ) والذي جذره (جهن) ومعناه الوجه الغليظ وهنا إشارة تدل على المعنى عندما ذكر الله في النص القرآني أن (عليها ملائكة غلاظ)، والجُهْنَة هي الظُلمة في آخر الليل شديدة الحلكة، وإنما أضيفت لها الميم كأداة تعريف كونها تعود لجذر اللغة العربية القديمة وهي لغة العراقيين القدماء على الأقل من مصدرها الأكادي أو البابلي التي يكون تعريف أسم العلم بإضافة الميم لها مثل كلمة (الله) لتعريف المعرف تتحول إلى (اللهم).
تعود إذا لموضوع جهنم مع أن القرآن فصل كل شيء عنها عن ما فيها ولماذا خلق جهنم؟ ولماذا أعدها بهذا الرعب؟، فقد ورد كل ذلك في هذه الآيات والنصوص وكما يلي:.
1. (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) ﴿٤٩ التوبة﴾.
2. (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) ﴿٨١ التوبة﴾.
3. (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ﴿١١٩ هود﴾.
4. (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) � الحجر﴾.
5. (فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) � النحل﴾.
6. (مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) � الإسراء﴾.
7. (إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا) � الكهف﴾.
8. (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) � مريم﴾.
9. (إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ) � طه﴾.
10. (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا) � النبإ﴾.
11. (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) � البروج﴾.
12. (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ) � ق﴾.
13. (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ) � الفجر﴾.
14. (لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) ﴿٤١ الأعراف﴾.
15. (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ) � غافر﴾.
هذه هي عناوين فقط لجهنم وما فيها وشكلها وعذابها وجزاءها لمن عصى وأستكبر وتولى، وفيه يخبرنا الله أن من يدخل جهنم خالدا فيها وأنها مثوى المتكبرين يساقون لها سوقا زمرا ويلقون فيها كما تلقى الدلاء والحجارة في البئر العميقة، وأنها شديدة الظلام بعيدة المقام لا تبقي ولا تذر وفيها فيها سعير وجحيم لا يطاق عليها ملائكة غلاظ، يتولون أمرها وتدبيرها وسؤال من يلقى فيها (ما سلككم في سقر)، كما يخبرنا النص أن لجهنم أبواب وليست باب واحدة كما هي للجنة، وأن فيها أجزاء وأماكن خاصة سماها النث (مهاد) والمهاد السبل أو الطرق والدروب، منها سقر وهي الأكثر جحيما فيها وفيها أيضا، كما ذكرت النصوص أن جهنم أعدت للإنس والجن لأنهم مأمورين في التكليف، فمن أماع نجى ومن تخلف وأزدرى كان له محيطا ومأوى ونزلا حتى يشاء الله.
وأخيرا هناك نص قد يبدو محيرا للبعض خاصة أولئك الذين ووفقا لما أراد الله وصدقوا معه، فكيف يكون لهم أن يوردوها مع غيرهم حسب ظاهر ما جاء في هذه الآيات من سورة مريم (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72))، وبعيدا عن كل التفاسير القديمة والحديثة والتي زعمت أن كل مخلوق من الجن والإنس سيرد النار التي سينصب عليها السراط المستقيم، فينجو من كتب الله له النجاة وتمسك هي بأصحاب النار، أقول أن معنى (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا) ومن خلال النص الذي يسبقها، أن الله ولبيان الحق وتذكيرا لهم بأنه خلق من قبل ولم يكن الخلق شيا، سيحشرهم جميعا حول جهنم وليس في جهنم وهذا أمر مهم ويفرق كثير، كقول الله تعالى في نص مشابه والحالة مختلفة زمننا ومكانا (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) النمل 8، فموسى ليس في النار ولم يكن فيها وإنما كان حولها، أي خارجها أمتثالا لأمر الله وأستجابة لدعوته له .
ثم يستمر النص في وصف الحال الذي عليه الخلق حينما يحشرون حول جهنم ليبدأ قرار الفرز والقسمة والفصل، يقول النص (ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا)، هنا ليس كل من حول جهنم يرد النار بتحديد من ينزع الله من الشيع المحشورة كفئة أولى هم (أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا)، والسبب أن الله يعلم ومن خلال ما سجل الكتاب وما كسبت الأيدي منهم أولئك الذين عدهم الله (أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيًّا)، والخطاب هنا تخصيصي وليس عمومي لكل المحشورين حول جهنم، بالدليل أنه يخاطب الفئتين الأولى والثانية على الخصوص ولا يخاطب جمع المحشورين حولها، والدليل أن النار لا يدخلها مؤمن أبدا لقوله تعالى "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها" الأنبياء 101 – 102.
وأن المراد الحقيقي من قوله (وإن منكم إلا واردها) الحضور والرؤية والشهادة والتذكير فقط، لا بمعنى الدخول والإلقاء فيها، الدليل الأخر الذي يعزز ما ذهبنا له قول الله تعالى " ولما ورد ماء مدين" القصص 23 ، هنا الورود تنصرف تحديدا قصدا وواقعا وكت هو معروف أنه الحضور، فبعد أن حكم بالعدل بقراره (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا)، هنا يعرف كل فريق جزاءه الأوفى فيعلم المؤمنون الفائزون أنهم ناجون منها، ويفرحوا ويشكروا الله على ما أثابهم جنة وحريرا (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا)، أما الخاسرون الظالمون الذين خسروا أنفسهم فقد يذرهم الله وما كانوا يعبدون فيها جاثين لا حراك لهم ولا نجاة (وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا).
إذا شتان بين الصور الحقيقية التي أوردتها النصوص القرآنية عن الجحيم وجهنم والنار، وبين التصور البشري عنها وعما صوروا لنا أفكارا وخيالات مريضة لا تمت لله بصلة ولا هي من ما وعدنا به اللطيف الخبير، وللتمثيل فقط والبعد بين الصورة والتصور هذا أورد لكم بعضا مما في إرثنا المريض السوداوي عن عدل الله ومحبته للبشر، قال الإمام أحمد حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا خالد بن سليمان، عن كثير بن زياد البرساني، عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود، فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن، وقال بعضهم يدخلونها جميعا، ثم ينجي الله الذين اتقوا، فلقيت جابر بن عبد الله فقلت له إنا اختلفنا في الورود، فقال يردونها جميعا، وقال سليمان مرة يدخلونها جميعا وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه، وقال صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله يقول "لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم، حتى إن للنار ضجيجا من بردهم، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا ".