معضلة المخدرات في العراق-الجزء الاول!


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 7703 - 2023 / 8 / 14 - 19:00
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية     

المقدمة



هناك دلائل بأن استخدام المواد المدمنة ووجود حالات الادمان تعود إلى آلاف السنين، ولكن ازمة المخدرات كمشكلة اجتماعية اخذت أبعاد غير مسبوقة تحت النظام الرأسمالي ونمط انتاجه. ان الحديث عن المواد المدمنة يجب ان يتضمن الكحول الذي يؤدي سنويا بحياة 3 ملايين انسان في العالم والتبغ الذي يؤدي بحياة أكثر من 8 ملايين انسان بالإضافة الى المخدرات غير المشروعة. ويعتبر القنب أكثر المخدرات غير المشروعة شيوعا في جميع انحاء العالم حيث يستهلك 5% من سكان العالم القنب (علما ان بعض الدول قد جعلت استخدام القنب- الماريجوانا شرعيا). وقد برزت سلوكيات إدمانيه أخرى وتحولت الى معضلات اجتماعية بالإضافة الى تعاطي المواد المدمنة مثل إدمان الألعاب، وإدمان الجنس، ادمان الأفلام الإباحية، القمار، وإدمان وسائل التواصل الاجتماعي، التسوق، العمل وحتى ادمان الاكل الخ.



ان العدد التقديري لمتعاطي المخدرات في العالم بلغ حوالي 270 مليون في 2018 وصنف 35.6 مليون منهم على انهم يعانون من مشاكل اي اضطراب تعاطي المخدرات. في الواقع العدد الحقيقي لابد ان يكون أكبر من هذه الأرقام بكثير وربما بأضعاف المرات. ويتفاقم عدد المدمنين والوفيات بسبب المواد المدمنة بسرعة كبيرة. على سبيل المثال واحد من كل ستة – سبعة اشخاص في الولايات المتحدة مدمن على المخدرات وتكلفة الإدمان على الاقتصاد الأمريكي تفوق 700 مليار دولار سنويا. اذ توفى حوالي 110 الاف شخص في الولايات المتحددة بسبب الجرعات الزائدة في 2022.

شهد العراق في غضون عقدين ارتفاعا حادا في نسبة تعاطي المخدرات ليتحول من بلد ذي مستوى منخفض جدا من الإدمان الى احدا اسوأ البلدان في هذا الميدان، اذ تحول ادمان المخدرات الى ازمة وخطر يهدد مصير المجتمع. ان سرعة هذا التغير نادرا ما يحدث في التاريخ. لا يمكن فصل ازمة المخدرات في العراق عن الاحتلال الأمريكي في 2003 ووصول المليشيات الإسلامية والقومية للحكم اذ يجب اخذ معضلة الإدمان وعواقبه الاقتصادية والاجتماعية في الحسبان عند تقيم الاحتلال الأمريكي للعراق والاضرار التي لحقت بالمجتمع العراقي جرائه.







حسب احصائيات وزارة الداخلية 50% من شباب العراق يتعاطون المخدرات، وتبلغ هذه النسبة 70% في المناطق الفقيرة ومن المتوقع أن تصل النسبة في عموم العراق إلى 70 % في غضون سنوات. ويشكّل الشباب بين 15-30 سنة غالبية المتعاطين للمخدرات والمؤثرات العقلية واغلبهم ينتمون الى اسر فقيرة تسكن مناطق فقيرة، لا تمتلك 65.4% منها منزلا خاصا بها، واغلبهم هم من منخفضي التعليم ومن اباء وامهات منخفضي التعليم أيضا.



وتشير وزارة الداخلية إلى أن مواد الميثامفيتامين الكريستالي والحشيشة وحبوب الكبتاغون وأنواع مختلفة من الادوية المهدئة تعد من أبرز أنواع المخدرات المتداولة في العراق. وينتشر الهرويين في كردستان العراق الى جانب المواد التي تنتشر في باقي العراق.



بينما كانت هذه المخدرات تدخل الى العراق من إيران، باتت الان تزرع وتنتج كميات منها داخل العراق اذ يتم حتى تصنيع مخدر الميثافيتامين الكريستالي الذي يعد أخطر المخدرات في معامل داخل العراق.



خطر المخدرات





ان أخطار الإدمان وإساءة استخدام المواد المخدرة لا تحصى حيث تشمل الوفاة نتيجة الجرعات الزائدة، الانتحار، او الحوادث مثل حوادث السيارات وحوادث العمل او سوء التغذية او الامراض المعدية التي ترافق استخدام بعض المخدرات، وتدهور الصحة وامراض الصحة العقلية بشكل خاص، الفقر، فقدان الوظيفة، تدني الإنتاجية، العنف والجريمة بما فيها الجرائم المروعة التي تهز المجتمع، انعدام الامن، حرمان الاطفال من الرعاية، تفكك العلاقات الاجتماعية والاسرية وعشرات المشاكل الاخرى.



ان سوء استخدام الكحول مرتبط بعدد كبير من حالات العنف بما فيها العنف المنزلي أي ضد النساء والأطفال ولكن اخطر المواد المخدرة فيما يتعلق بالعنف سواءً داخل الاسرة او في المجتمع بما فيه ضد الكادر الصحي هو الميثافيتامين الكرستالي. وحتى في العراق هناك دلائل تشير بان هذه المادة تقف وراء الكثير من العنف على مستوى الأشخاص بما فيه الاعتداء الشخصي، السطو المسلح، الاختطاف والقتل المتعمد والعنف على مستوى العشائر.



ما هو الإدمان؟



بنظري ان أفضل تعريف للإدمان هو التعريف الذي قدمه (غابور ماتي) وهو خبير معروف على المستو ى العالمي في هذا المجال.



يقول ماتي " الإدمان حالة نفسية -فيزيولوجية معقدة تتجلى في أي سلوك يجد فيه الشخص المتعة والراحة من معاناة، وبالتالي يتوق لهذا السلوك، ولكنه يعاني من عواقب سلبية دون ان يكون قادرا على التخلي عنه."



ويضيف " الإدمان ليس اختيار شخصي، او فشل أخلاقي، او هفوة أخلاقية، وليس ضعف شخصية، او ضعف الإرادة التي هي الطريقة التي يصور بها المجتمع الإدمان. وهو ليس مرض عقلي موروث التي هي رؤية الطب للإدمان، بل في الحقيقة الإدمان هو استجابة لمعاناة إنسانية. معظم، إن لم يكن كل المدمنين تعرضوا الى صدمة شديدة في الطفولة نتيجة العنف الجسدي، او الجنسي، او العاطفي، او نتيجة الإهمال وعدم الاستجابة لحاجتهم".







أي يستخدم (ماتي) ثلاثة معايير في تعريفه للإدمان. أولا، الرغبة او التوق للانخراط في السلوك الادماني او تعاطي المادة المخدرة؛ ثانيا، الانخراط في السلوك الإدماني او تعاطي المادة من أجل المتعة أو الراحة المؤقتة من نوع من الألم ؛ وأخيرا ، عدم القدرة على التخلي عن المادة أو السلوك.



ان تعاطي الفرد للمخدرات والادمان يمر بمراحل تشمل الاستخدام التجريبي، الاستخدام الاجتماعي او الترفيهي، الاستخدام المنتظم، سوء الاستخدام او الاستخدام المحفوف بالمخاطر اوعالي الخطورة، الاعتماد والإدمان ، الأزمة / العلاج. يصبح تعاطي المخدرات مرض مستفحل ومتفاقم في مرحلة سوء الاستخدام والادمان.



ان الانتقال من مرحلة الاستخدام التجريبي الى الادمان هي سريعة مع الميثافيتامين الكريستالي، الكوكايين والهيروين وحتى النيكوتين في حين تكون بطيئة مع الكحول والماريجوانا. وسرعة الانتقال أيضا تعتمد على الشخص واهم العوامل الشخصية هو وجود حاجة للهروب من ألم داخلي وقلة الوعي بخطورة المخدرات. في مرحلة الإدمان، يصبح الشخص غير قادر على التحكم بالاستخدام وتظهر علامات أهمها، الحاجة الى تعاطي مزيد من المخدر مع الوقت للحصول على التأثير نفسه، الشعور بأعراض الانسحاب عند التوقف عن تعاطي المخدر، الاستخدام المتكرر في أوضاع خطرة، الاعتماد الجسدي والنفسي مما يودي الى رغبة طاغية للاستخدام لا يمكن السيطرة عليها، الانخراط في سلوكيات خطرة ومتهورة مثل الجريمة او السياقة تحت تأثير المخدر، عدم القدر على الإقلاع عن المخدر والفشل في التقليل، الاستمرار في تعاطي المخدر رغم العواقب السلبية الصحية (الجسدية والنفسية) والمالية والاجتماعية و القانونية، التقليل من الفعاليات الاجتماعية، فشل في اداء الوظيفة في البيت، المدرسة او العمل الخ.