تصاعد الصراع بين الأقطاب الرأسمالية: مخاطر جديدة تهدد البشرية!
توما حميد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8438 - 2025 / 8 / 18 - 18:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحرب الأوكرانية: هزيمة الغرب وقبول الواقع الجيوسياسي
لا شك أن الحرب الأوكرانية تمثل واحدة من أهم الصراعات الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين، وربما تكون الأبرز منذ الحرب الفيتنامية. ورغم المحادثات الجارية بين الولايات المتحدة وروسيا، مثل قمة ألاسكا والمفاوضات حول أوكرانيا، فإن الصراع بين الغرب وتحالف "بريكس" يتصاعد، مما يزيد من خطر اندلاع مواجهات أوسع تهدد الاستقرار العالمي.
إن احتمال قبول واشنطن بإنهاء الحرب وفق الشروط الروسية ليس دليلاً على سعيها للسلام، بل قبولا للواقع المتمثل بالهزيمة التي مُني بها الغرب. فكما اعترفت إدارة ترامب، الحرب في أوكرانيا هي حرب بالوكالة خاضها الغرب ضد روسيا، وقد وصلت إلى مرحلة أصبح فيها إخفاء الهزيمة مستحيلاً. لم يعد لدى الغرب، بقيادة أمريكا، ما يقدمه لأوكرانيا لإنقاذها من الانهيار العسكري والاقتصادي.
إن محاولة واشنطن إنهاء الصراع الأوكراني اليوم تأتي في إطار محاولة تفادي تحمُّل تبعات الهزيمة العلنية. فبعد فشل جميع الخيارات الأخرى، بما في ذلك محاولة تجميد الصراع كما حدث في سوريا لإعادة إشعاله لاحقاً، وفشل العقوبات الثانوية على الدول المتعاونة مع روسيا مثل الصين والهند، بموازاة نفاذ مخزونات الأسلحة الغربية المخصصة لاوكرانيا، وجدت الولايات المتحدة نفسها مضطرة للتفاوض.
لكن رغم هذه المفاوضات، فإن الصراع بين المعسكرين الغربي و"بريكس" يتصاعد، كما يتضح من الأحداث في الشرق الأوسط والقوقاز وتايوان وفنزويلا. فالمفاوضات حول أوكرانيا لا تعني تخفيف التصعيد، بل هي محاولة أمريكية للخروج من مأزق الهزيمة وإعادة ترتيب الأوراق لمواجهات أكبر.
استراتيجية التقسيم: اوكرانيا لاوروبا، الصين لامريكا
بسبب عجزها عن خوض حروب متزامنة ضد روسيا والصين وإيران، تعتمد واشنطن الآن على "تقسيم العمل"، حيث تُترك المهمة الأوكرانية لأوروبا، والى حد ما ايران لاسرائيل بينما تتفرغ هي لمواجهة الصين. كما تسعى في نفس الوقت إلى استقطاب روسيا بعيداً عن الصين عبر محاولة خلق انقسام بين موسكو وبكين، خاصة أن الصين تُعتبر العدو الاقتصادي والعسكري والسياسي والايدولوجي والدبلوماسي الأول للغرب.
استئجار ممر زانغزور: محاولة لقطع الشريان الحيوي لـ"بريكس"
في إطار الحرب الجيوسياسية، تبرز تقارير عن محاولات أمريكية لاستئجار ممر زانغزور في أذربيجان، وهو جزء حيوي من الممر الشمال-الجنوب الذي يربط روسيا بإيران والهند وهو جزء من مشروع الحزام والطريق الصيني. يُعد هذا الممر مشروعاً استراتيجياً لدول "بريكس"، كونه يوفر بديلاً عن الممرات التقليدية التي تهيمن عليها واشنطن وحلف الناتو، مما يسمح لروسيا بتصدير مواردها دون المرور بالمضائق البحرية الخاضعة للغرب ويربط الصين وايران باوربا.
تسعى امريكا من خلال محاولة السيطرة على هذا الممر، إلى عزل روسيا عن حليفاتها وتعطيل شبكة التجارة والنقل البديلة. كما أن ربط زانغزور بتركيا وإسرائيل سيعزز النفوذ الأمريكي-الإسرائيلي على حدود إيران، مما يزيد من حدة التوتر في المنطقة وتسهل عملية زعزة نظام الجمهورية الاسلامية في ايران.
بلقنة الشرق الأوسط: تفكيك "محور المقاومة" وإخضاع الأنظمة السنية
لا تقتصر الاستراتيجية الأمريكية على تعطيل الممر الشمال-الجنوب، بل تمتد إلى تفكيك الشرق الأوسط وتحويله إلى كيانات متناحرة يسهل التحكم فيها. اذ تم تسليم سوريا الى القوى الاسلامية الرجعية الموالية للغرب وتقسيمها الى كيانات صغيرة، وفي لبنان تسعى واشنطن واسرائيل إلى نزع سلاح حزب الله والميليشيات الفلسطينية، ويبقى هدف اسقاط نظام الجمهورية الاسلامية في ايران.
في الوقت نفسه، تتعرض الأنظمة السنية الموالية للغرب (مثل السعودية والإمارات ومصر) لضغوط لقبول الهيمنة الإسرائيلية والانضمام إلى التحالف الأمريكي-الاسرائيلي في المنطقة.
الهدف النهائي هو منع ظهور أي قوة إقليمية تهدد هيمنة اسرائيل والغرب على المنطقة و يمكن أن تدعم تكتلات منافسة مثل "بريكس"، مما يضمن بقاء المنطقة تحت السيطرة الغربية.
الحرب الاقتصادية على "بريكس": فرض العقوبات على الهند والبرازيل
في إطار الهجوم الشامل على التكتل المنافس، تستخدم واشنطن أدواتها الاقتصادية لاستهداف أعضاء "بريكس"، مثل فرض تعريفات جمركية على صادرات الهند والبرازيل، في محاولة لإضعاف اقتصادهما وإجبارهما على الانصياع للسياسات الأمريكية. الهند، على سبيل المثال، تواجه ضغوطاً للتخلي عن شراكتها مع روسيا في مجال الطاقة والأسلحة، بينما تواجه البرازيل حملات اقتصادية وسياسية غربية لعرقلة صعودها كقوة عالمية.
الخلاصة: حرب متعددة الجبهات ضد التعددية القطبية
ما تقوم به الولايات المتحدة – من استهداف للممرات الاستراتيجية، وتفكيك للشرق الأوسط، وحرب اقتصادية على "بريكس" – هو جزء من معركتها ضد صعود التعددية القطبية. فتحالفات مثل "بريكس" ومنظمة شنغهاي تهدد هيمنة الدولار والنظام المالي الغربي وبالتالي الهيمنة الغربية السياسية والعسكرية، مما يدفع واشنطن إلى شن حرب شاملة لضرب هذه البدائل قبل أن تصبح واقعاً لا يمكن وقفه.
اليوم، يزداد خطر الحروب المدمرة، حيث تعلن دول الغرب عن زيادة الإنفاق العسكري إلى 5% من ناتجها المحلي و يتم تعزيز الأنظمة الرجعية (مثل إسرائيل وأذربيجان وتايوان) لنشر الفوضى وضرب استقرار الدول المنافسة. في المقابل، تتعرض مكاسب الطبقة العاملة وحقوق وحريات الإنسان لهجمة شرسة، مع تقويض دولة الرفاه وتقييد الحريات بما فيه حرية التعبير والاحتجاج حتى في الغرب نفسه.
المقاومة الجماهيرية: الطريق الوحيد لمواجهة هذه النزعة الرجعية
إن مواجهة النزعة العسكرية الرأسمالية وخطر الحروب والهجمة على حقوق الجماهير لن تتحقق بانتصار أحد الأقطاب المتصارعة، بل من خلال جبهة عالمية تقودها الطبقة العاملة والحركات الجماهيرية. فكما شكّلت التحركات العالمية الداعمة لجماهير فلسطين قوة ضاغطة، يمكن تحويل هذه الزخم إلى حركة مناهضة للحروب والعسكرة والرجعية، وتدافع عن حقوق وحريات الإنسان والمكاسب الاقتصادية و الاجتماعية التي حققتها الطبقة العاملة في مواجهة الآلة الرأسمالية المدمرة.
فبدون مقاومة جماهيرية مقتدرة، سوف تنتصر الهمجية الرأسمالية التي تدفع البشرية نحو الهاوية