البشرية المتمدنة هي الأمل الوحيد لإنهاء مأساة جماهير فلسطين!


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 7782 - 2023 / 11 / 1 - 17:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

من الواضح إذا لم يتم وضع حد لتمادي دولة إسرائيل، فان جرائم هذه الدولة الاثنية -الدينية ضد الفلسطينيين لن تتوقف الى ان يتم تفريغ فلسطين من الفلسطينيين اما عبر القتل الجماعي، او التطهير العرقي من خلال التهجير او القتل جوعاً، والامراض الخ. فإسرائيل هي ضد حل الدولة الواحدة أي قبول الفلسطينيين كمواطنين بحجة ان هذا سيغير طبوغرافية الدولة الإسرائيلية الى الابد، وفي نفس الوقت لا تقبل بحل الدولتين متساوية الحقوق لأنها تريد الاستيلاء على كل أراضي فلسطين.



ان الهجمة على غزة وتهجير قاطنيها هي خطة قديمة ومدروسة. لقد كشفت تسريبات وكيليكس بان إسرائيل خططت قبل سنوات لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة الى صحراء سيناء. كما ان خريطة " الشرق الأوسط الجديد" التي رفعها نتنياهو في اخر خطاب له امام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 أيلول 2023 لم يكن هناك أي ذكر لدولة فلسطين او غزة او الضفة الغربية.



لقد قتلت إسرائيل في غضون ثلاثة أسابيع أكثر من 8 الاف شخص بما فيهم اكثر من 3300 طفل وجرحت اكثر من 21 الف شخص في هجمة همجية على المدنيين قل نظيرها. لقد فاق عدد القتلى الأطفال في غزة منذ السابع من أكتوبر عدد القتلى الأطفال السنوي في كل أماكن النزاع حول العالم في اخر أربع سنوات أي منذ 2019. كيف يمكن إيقاف عمليات القتل الجماعية والتطهير العرقي التي ترتكبه إسرائيل؟



تقف الحكومات الغربية بشكل كامل مع إسرائيل وتبرر هذه البربرية تحت حجة "حق إسرائيل الدفاع عن نفسها". ويتفنن الاعلام الغربي في تبرير المذابح الاسرائيلية. حتى عندما يتم الإشارة الى قتل المدنيين والأطفال في الاعلام الغربي لا يتم الإشارة الى دور إسرائيل. بدون الدعم الغربي، لن تستطيع إسرائيل من الاستمرار في هذا القمع لأكثر من أسبوع. ولكن التماس عطف حكام الغرب هو رهان خاسر. لقد أظهرت الطبقة الحاكمة في الغرب عبر العصور ولحد هذه اللحظة درجة من القسوة، والتنمر والاستغلال والرياء تثير الاشمئزاز. ان التزام الغرب بدعم إسرائيل لن يتزعزع مهما بلغت جرائم هذه الدولة العنصرية. رغم انحدار مكانة القطب الغربي عالميا بشكل مستمر مقابل الأقطاب المقابلة، لكن لايزال قوة عسكرية واقتصادية مهمة، يجعل التزامه تجاه إسرائيل بإخضاعها عسكريا وحتى اقتصاديا امرا صعبا.



تُعقد الكثير من الآمال على دول مثل الصين، روسيا، تركيا، إيران ومصر لوضع حد لجرائم إسرائيل. ولكن وضع حد لجرائم حكومة نتنياهو ليس هدف هذه الدول. ان مصالح هذه الدول في أحسن الاحول لا تتعدى خلق استقرار في المنطقة لخدمة حركة و ارباح الرأسمال. رغم كل التصريحات بما فيها النارية من قادة إيران وتركيا وبعض دول المنطقة، الا ان احتمال دخول أي من هذه الدول في هذا الصراع الى جانب الفلسطينيين هو احتمال ضعيف جدا. بدون شك، ان الجمهورية الإسلامية تحاول الاستفادة من الصراع لتقوية نفوذها، الا انه ليس من مصلحتها الدخول في الحرب. فبعد سنوات من الحصار الخانق، تمكنت الجمهورية الإسلامية اخيرا من اضعاف الحصار بمساعدة روسيا والصين وبدأت صادراتها النفطية تصل الى مستويات غير مسبوقة منذ سنوات وهي قادرة على توريد التكنلوجيا من روسيا والصين بشكل فعال جدا. ان الحرب سوف يعيد اقتصادها الى الوراء لسنوات رغم انه من المرجح ان تتمكن الجمهورية الإسلامية من الصمود في حال نشوب الحرب. ورغم التصريحات المستمرة التي يطلقها أردوغان بالضد من إسرائيل، الا ان احتمال دخول تركيا في الحرب هو امر غير وارد. فمن جهة شهدت التجارة بين تركيا وإسرائيل نموا سنويا مستمرا في عهد اردوغان، كما ان الاقتصاد التركي لن يتحمل حرب تضع تركيا بالضد من الغرب. ان تصريحات اردوغان لا تتعدى الاستهلاك المحلي وتقوية النزعة القومية في تركيا وبين سكان اسيا الوسطى الناطقين بالتركية.



ومن المستبعد ان تدخل روسيا او الصين في حرب بشكل مباشر ضد اسرائيل والغرب لصالح الفلسطينيين.



ان الامل للجماهير الفلسطينية هو ليس، في أي من هذه الدول بل بالبشرية المتمدنة التي بدأت تحتج بشكل متزايد ضد حملات القتل الجماعية التي تقوم بها إسرائيل وبدأت هذه الاحتجاجات تشكل ضغط على الحكومات الغربية بما فيها أمريكا. ففي الاتصال الأخير مع الرئيس المصري، وضح الرئيس الأمريكي، جو بايدن بانه مع ايصال المساعدات للفلسطينيين وهو ضد تهجير الفلسطينيين ونوه الى ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة بعد انتهاء الصراع الحالي. وهو تحول كبير في موقف أمريكا، رغم من المرجح ان يكون تعهد لفظي أكثر من كونه التزام حقيقي. هذا التحول اتى نتيجة الضغط الشعبي ووقوف معظم دول العالم ضد الغرب في الأمم المتحدة. لقد شهدت الكثير من دول العالم منها استراليا واندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية وتركيا وفرنسا وبريطانيا والمانيا وامريكا، إضافة الى دول الشرق الاوسط احتجاجات ضخمة بدأت تقلق قادة الغرب. وهناك المزيد من الاحتجاجات المزمع عقدها في الأيام القادمة. وهناك انقسامات داخل الأحزاب الحاكمة والمعارضة في الكثير من الدول الغربية مثل بريطانيا وامريكا في كيفية التعامل مع هذه القضية.



ولكن يجب تطوير هذه الحركة لجلب أكبر عدد ممكن من القوى التقدمية والنقابات العمالية، والمنظمات الشيوعية ،والاشتراكية والنسوية. يجب ان لا تقتصر الاعمال على الاحتجاجات في الساحات، بل عقد الاحتجاجات امام المنظمات العالمية، المكاتب الحكومية والبرلمانات، مكاتب وسائل الاعلام، وان تشمل استخدام الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لفضح إسرائيل والغرب واعلامهم والمطالبة بوقف الحرب ووقف حصار غزة وايصال الغذاء والماء والكهرباء والدواء الى غزة، التضييق على قادة الدول الغربية، غلق المرافئ التي تستخدم في شحن المساعدات الى إسرائيل والاضراب عن العمل في قطاعات معينة وعشرات الوسائل الأخرى.



فمهمتنا يجب ان لا تقتصر على ابداء الموقف، بل يجب ان تشمل إجراءات عملية تشكل ضغط على قادة إسرائيل والقطب الغربي الذي يدير ويمول إرهاب إسرائيل.