مخاطر الخصخصة - خصخصة قطاع النفط العراقي


علي عباس خفيف
الحوار المتمدن - العدد: 1718 - 2006 / 10 / 29 - 11:41
المحور: الادارة و الاقتصاد     

خصخصة قطاع النفط .. مخاطرها !
عشوائية الاقتصاد

مقدمة:

إن الخصخصة ببساطة, هي بيع اصول القطاع العام الى شركة خاصة. وحين تلجأ البلدان الى الخصخصة عادة, فأن ذلك ناجم عن تعرض اقتصادياتها الى مشاكل هيكلية جدّية, تعمل على أعاقة النمو وتطوير مشاريع جديدة.. والمشاكل باختصار شديد هي :
1- تفاقم حجم المديونية الخارجية. ( أي إزديادها المضطرد..).
2- قلّة التمويل الذي يمكن أن يتقدّم بالتصنيع والتنمية الاقتصادية. ( وهناك فرق بين التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي).
ويحدث ذلك غالباً عندما تصبح شركات القطاع العام عبئاً على الميزانية العامة, كنتيجة للخسائر المتتالية لهذا القطاع وعجزه عن توفير فرص جديدة للنمو( ملاحظة : لايمكن أن ينطبق هذا على القطاع النفطي أبدا ,لأن هذا القطاع هو أصل الميزانية).وفي الظروف الدنيا لمثل هذه الأزمات تلجأ الحكومة الى:
1- خفض النفقات الحكومية.(في الصحة والتعليم والسكن .. الخ).
2- زيادة الإيرادات عن طريق رفع مستوى الضرائب.
3- بيع اصول شركات القطاع العام.( وهذا ما تعمل عليه حالياً مؤسسات المال الكبرى في كل مكان في العالم)
لقد رأى مهندسو اقتصاديات الرأسمال العالمي أن الحل يكمن في الخصخصة التي افترضوا ايديولوجياً انها تقوم بـ :
1- تثبيت الاقتصاديات والحيلولة دون تراجع النمو.( مثالهم ما حصل في أوربا الشرقية أوائل التسعينات على الرغم من عدم النجاح في رفع وتائر النمو وتدني مستويات التنمية الاقتصادية واتساع مساحة البطالة ومعدلات الفقر.)
2- خفض الديون الخارجية. ( ومثالهم ما حصل في أمريكا اللاتينية. ولنا رأي تفصيلي مخالف بسبب تراجع فعاليات دولة الرعاية وتخلف التنمية وتمزيق الوحدة العمالية اضافة الى كون خصخصة القطاع العام لم تكن من أساسيات بنية اقتصاديات هذه الدول.)
3- توسيع قاعدة الملكية.( ومثالهم ما حصل في بريطانيا وفرنسا.. وهذا منهج ذرائعي لأن هذه البلدان لا يشكل القطاع العام في إقتصادياتها بنية تحتية أساسية, مع ما لحجم البطالة من خطر يتهدد الحياة في هذين البلدين, وتصاعد موجات الاحتجاج ضد القوانين والانظمة التي تضطر الحكومة لاتخاذها بصورة ترقيعية للتعامل مع المشاكل الاقتصادية.)

الموضوع ومشكلاته:
يمكننا في خلاصة وايجاز شديدين أن نبين مفردات الخصخصة وأنواعها وآلياتها..
هناك نوعان من طرق الخصخصة للقطاع العام هما:
1- الخصخصة التي تنهي ملكية الدولة, وتؤدي الى تحويل كامل ومباشر لأصول القطاع العام الى شركة خاصة.
2- الخصخصة التي لا تنهي ملكية الدولة( وتسمى غالباً خصخصة الإدارة). لكنها تؤدي الى تحويل غير مباشر لأصول القطاع العام الى القطاع الخاص.
ويشتمل النوع الأول على:
أ‌- البيع المباشر( أو ما يسمى عادة التصفية).
ب‌- البيع بالأسهم والسندات.
ج- البيع للعاملين والإدارة.
د- نظام القسائم والكوبونات

والبيع المباشر هو الأكثر استخداماً, حيث تلجأ الحكومة الى عرض أصول شركة القطاع العام للبيع فيما يسمى( طلب عروض الشراء- أو عرض الأصول بالمزاد العلني- أو البيع لمستثمر ستراتيجي ذو خبرة وامكانات في مجال عمله). وطريقة طلب عروض الشراء هي الأكثر انتشاراً. ومثاله ما حصل في المغرب عند بيع الفنادق.
أما البيع بطريق الأسهم والسندات فأنه يحدث لشركات القطاع العام ذات الوضع المالي الجيد والقوي. حيث تعرض الأسهم بسعر ثابت عبر الأسواق المالية!!!
وتتميز هذه الطريقة بتوسيع قاعدة الملكية( أي زيادة أعداد المالكين لأصول الشركة). ولا ندري أية حسنة يحملها هذا البيع لشركة جيدة وكبيرة في وضعها المالي! خصوصاً وهو بيع يحصل لشركة قادرة على ايجاد فرص جديدة للنمو!!
اما البيع للعاملين والإدارة فهو ما يسمى ( الخصخصة الداخلية) حيث يحصل العاملون على أصول الشركة كلها أو جزءً منها .. ولا يحصل ذلك إلا بوجود ودعم سياسي وشعبي .. وفي شركات يصعب بيعها بطرق أخرى!!!! ومن عيوبها عدم تحسن اداء الشركة لأن العاملين لا يملكون التمويل لإدخال مهارات وتكنولوجيا جديدة .
اما نظام الكوبونات والقسائم فهو يعتمد التحويل السريع لنسبة كبيرة من أصول القطاع العام الى شريحة واسعة من المواطنين. وتتم العملية من خلال ( مزاد علني) , تبدأ بنشر قائمة باسماء الشركات المنوي بيعها مع معلومات عن ( أدائها المالي) بما في ذلك ( قيمتها الدفترية) و(عدد العمالة) و (ديونها العامة) ويحق لكل مواطن في السن القانونية أن يدخل (المزايدة) :أنظر معنى المزايدة هنا!!
وتقدم الكوبونات بكلفة تغطي العمل بها. والغاية من هذه الطريقة هي انشاء سريع لقاعدة( اقتصاد السوق!) لكن المشكلة ان هذه الطريقة لا تؤدي الى تحسين الكفاءة الاقتصادية, لأن عدد كبير من هؤلاء المالكين الجدد( المستثمرين!) لا يوفر ظروف مناسبة لتحسين اداء الشركة خصوصاً بسبب (نقص رأس المال ).
ولو تساءلنا , إذن لماذا الخصخصة ,ونحن نجد أن البيع للعاملين غير نافع ونظام الكوبونات والقسائم يسبب الغلاء والتضخم, والبيع بالأسهم والسندات لا يصح الاّ في شركات القطاع العام القوية التي لا تحتاج الى بيعها؟ فهل المقصود هو البيع المباشر والذي لايمكن ان يحصل الاّ في حالة الاستثمار الأجنبي؟ فهل أن افقارنا ودفع جيوش من العاملين الى ساحة البطالة يصلح من أحوالنا الاقتصادية؟

أما الخصخصة التي لا تنهي ملكية الدولة , فهي تعتمد ثلاثة طرق:
1- عقود الإدارة.
2- عقود الإيجارز
3- الإمتياز.
في تبويب مهندسو الشركات الكبرى ورأس المال أن هذه الطريقة ترفع من كفاءة( شركات القطاع العام) من خلال تحسين ادارتها بادخال تقنيات ادارة شركات القطاع الخاص – لاحظ تقنيات القطاع الخاص القائمة على الطرد الكيفي والتسريح وتقصير يد النقابات ومنعها من العمل ومحاربتها. ويقول هؤلاء الإختصاصيون ان هذا النوع هو حالة انتقالية في سبيل إنهاء ملكيةالدولة!!
- فطريقة عقود الإدارة, تتم عند ايجاد عقد لإدارة شركة القطاع العام المنوي خصخصتها مع شركة خاصة للإدارة, تتحول فيها حقوق التشغيل الى الشركة الخاصة بينما تبقى الملكية للدولة.(مثالها كهرباء غينيا بيساو والنفايات في بنين).
- أما عقود التأجير فهي عقد أجارة بين شركة القطاع العام وشركةخاصة. تشغّل بواسطته الشركة الخاصة أصول الشركة العامة وتحتفظ بالأرباح لنفسها مع بقاء الأصول ملكاً للشركة العامة , على أن تتقاضى شركة القطاع العام مبلغاً كبدل أيجار. وتتراوح مدة العقد عادة بين ست سنوات الى عشرة سنوات.
وفي المجال النظري الدعائي يضيف اختصاصيو الراسمال ان الشركة الخاصة تتحمل المخاطر التجارية, لذلك تضطر!!!( أنظر كلمة تضطر!!) الى خفض النفقات( ضمان اجتماعي – سلامة مهنية – رعاية صحية- تقليص عنالة ... الخ) وتحافظ على الأصول!! (لكن كيف؟ شركة نقل الركاب العراقية أيام الطاغية مثالاً, إذ كلنا يعرف حجم التخريب الذي لحق بهذه المؤسسة حينها). وفي نفس المجال النظري الدعائي البعيد عن الحقيقة, يضيف هؤلاء أن هذه الطريقة توقف الدعم الحكومي وترفع العبء عن الميزانية!! وتجذب المهارات التقنية والإدارية المتطورة( أي لا تعمل هذه على خلق المهارات)! ثم تستخدم الأصول بصورة أكثر كفاءة وتحافظ عليها!!!
- أما الإمتياز, فهو عقد تشغيل وتطوير بين الدولة والشركة الخاصة, وهو يشبه الى حد كبير عقد الإيجار, مضافاً اليه النفقات الرأسمالية والإستثمارات التي تقوم بها الشركة الخاصة. ولكن ملكية الأصول تعود بالنتيجة الى الدولة. ومدة التعاقد في مثل هذه الطريقة تكون عادة بين 15سنة وثلاثين سنة,( ومثالها تجربة سكك حديد الأرجنتين) ويقول هولاء أن الإمتياز ينفع في تنمية البنى التحتية!!! ويرفع الأعباء المالية عن كاهل الحكومة , كما يفيد في تطوير المشروعات!!!
وما يطلق الآن على الشراكة في الإقتصاديات النفطية في بلدنا هو المحاولة السيئة لهذا الشكل من الخصخصة في أغلب أختياراته.
إن كل تلك الفذلكة الآيديولوجية التي اطلقتها أبواق العولمة التي انطلقت منذ الستينات وعملت على تخريب اقتصاديات بلدان مستقرة النمو ونامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية, انما هي محاولة لإدخال الإقتصاد العراقي في نفق العولمة وبرامجها التخريبية لأنها تعمل بصورة دائمة على نقل اقتصاديات البلدان من حيّز التنمية الاقتصادية التي يدخل الانسان في مفردات برنامجها بشكل رئيسي, الى حيّز النمو الاقتصادي الذي لا يعنيه الا جداول الأرباح والفائض في الميزان التجاري الذي يستبعد الإنسان . ذلك هو جوهر المسألة .
وفي ملاحظة سريعة نرى أنه لم يجر الإقدام على بيع شركات القطاع العام ذات الانتاج الريعي في تجارب الشعوب جميعها من مثل النفط والفوسفات والذهب واليورانيوم والبلوتونيوم... الخ
كذلك في مجمل فعاليات الخصخصة التي تخضع بالضرورة لبرامج العولمة تؤدي تلك البرامج الى القضاء على القرار الاقتصادي الستراتيجي الوطني, كما أن ما تطلقه أقلام عرابي اقتصاد السوق المتهافتين, من أن الأرض بأيدينا والأستثمار داخل بلادنا وليس للمستثمر الأجنبي الاّ الأرباح ماهو إلاّ هراء, مكشوف منطقه المعوج.
ولا تبتعد الخصخصة عن مفهوم إعادة هيكلة السوق على أرضية العولمة الاقتصادية اذا علمنا أن مواقف حكومات كثيرة بقيت تحت تأثير صناعة سياسات الاقتصاد العالمي الذي وضع أسسه المحافظون الجدد في الثمانينات والتسعينات,الذي يعتمد أفكاراًأهمها:
1- قواعد اقتصاد السوق 2- الخصخصة 3-تقليص القطاع العام(الذي يعني أموالاً أقل للتعليم والصحة والتأمينات الاجتماعية وخسارة مريعة في الوظائف) 4-اعادة التنظيم ( الذي يعني قرارات انفرادية وتشغيل في ظروف لا انسانية وقوانين أقل لتنظيم الاقتصاد الوطني, وبطالة, وحرب مفتوحة ضد النقابات وقوانين العمل).
* * *
ان المؤسسات الاقتصادية العالمية الكبرى تعمل على وضع برامجها في حيز التنفيذ حالما تجد الفرصة مؤاتية .لذلك يعمل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرهم على ترسيخ قواعد العمل التي تستجلب أقصى الأرباح بزيادة مساحة الفقر في البلدان النامية , وضمن آليات أطلقوا عليها( بنية برامج التصحيح) التي تعني:
1- تحرير الاقتصاد, أي إزالة الدعم الحكومي الذي يحمي الصناعة المحلية.
2- تحرير الاستثمارات, اي تشجيع الشركات العابرة على الاستثمار في هذه البلدان.( أسوأ أمثلتها إنهيار اقتصاديات نمور آسيا).
3- خفض الانفاق الحكومي, اي تقليل النفقات الحكومية في مجالات مهمة مثل( النقل , والصحة, والتعليم, والإسكان, والتقاعد والضمان الاجتماعي والخدمات العامة... الخ).
4- خفض الدعم الحكومي, أي تقليل أو رفع الدعم الحكومي عن المواد الاستهلاكية الأساسية مثل( المواد الغذائية, والمحروقات).
إضافة الى اشتراطات مالية ونقدية وفوائد على الديون ضخمة, كالذي نجده في تعاملات منظمة التجارة العالمية التي تضيف الى كل ذلك عقوبات تجارية على البلدان التي لاتنصاع الى قوانينها التجارية .
اننا حتماً سنجد في كل تلك البرامج والآليات مخاطر جسيمة على البلدان وشعوبها المستلبة. ففي مجاال التوظيف والعمالة تعمل الخصخصة على إنعدام الأمان الوظيفي بشكل مركزي. اذ تقوم بـ :
1- تحويل اعداد هائلة من العمال الى جيش من البطالة.
2- تعمل على توسيع الحيز الذي يعمل به عمال المياومة والعمل الجزئي والمؤقت الأمر الذي سيحرم العمال من حقوق كثيرة, ويعيق مطالباتهم المشروعة ويعرقل النشاط النقابي).
3- الاحتيال على القوانين والأنظمة وتقديم تقارير كاذبة (كالذي حصل عندما أقدمت شركة ميرسك الدنماركية عامي 2003 و 2004 في خور الزبير على تشغيل العمال دون أن تنظم عقود عمل لهم وسرقت اجورهم كاملة عندما تركت موقع العمل).
4-زيادة نماذج العمل غير الآمن .
5- القرارات الكيفية والآنية التي ينجم عنها الطرد والتسريح الكيفي.
وكماهو واضح تشكل هذه أهم مخاطر العمل, لأنه يهدد العمال على نحو دائم, ويدفعهم الى عدم الاستقرار والقلق اليومي المتواصل في الحصول على عمل, ويعيق العمل التضامني للعمال الذي تنظمه النقابات. إذ تبدأ النقابات بفقدان أعضائها بعد تجزئة القطاعات, وايجاد شركات صغيرة تقوم بأعمال جزئية وبعمالة صغيرة الحجم, تعيق من خلالها تنظيم الحقوق العمالية, وتمنع العمال من المشاركة في صنع القرار الاقتصادي من خلال نقاباتهم التي ستحاربها وتحطم عملها, الأمر الذي سيجعل من العمال أعداد هائلة لا يتمتعون بالأمن الوظيفي والحماية القانونية.
ولنا مثال من كرواتيا: إذ لم تبدأ الخصخصة في قطاع النقل حتى وجد 1700 عامل أنفسهم تحت تهديد الطرد من العمل وعلى الفور.
وهناك أمثلة أخرى من مثل إجبار عمال الموانئ في تايوان الى تخفيض اجورهم بنسبة 40% والاّ فانهم سيواجهون الطرد من العمل , حال بيع اصول الميناء الى القطاع الخاص.
كذلك تم طرد 75% من عمال الرصيف في بنما في مينائي كريستوبال وبالباوعندما باعت الحكومة موانئها الى شركة خاصةعام 1997.
وقد يستغرب البعض حدوث هذا في ظل القوانين والأنظمة التي تنظمها الاتفاقات الدولية ومنظمة العمل الدولية العاملة على تنظيم العمل وحقوق العمال.
لقد أثبتت التقارير التي تقدمها منظمة العمل الدولية أن هناك اساليب لا يمكن للقوانين منعها أو أيقاف العمل بها من مثل :
- تغيير التطبيقات التاريخية للوظائف مثل( التسميات , آليات عمل بتقنيات جديدة أومغايرة .. الخ).
- تقارير مضللة للسلطات, خصوصاً فيما يتعلق بالتأريخ الوظيفي والأجر والسلامة المهنية… الخ.
- اعطاء تصاريح مضللة رسمية حول فحوصات العمال ,وهي عادة تتم تحت طائلة خوف العمال من التسريح أو التهديد به.
- إنشاء مدارس وهمية لمنح شهادات لازمة للتوظيف تفرض أنظمة عمل خاصة شبيهة بالعبودية على العاملين وتسخرهم وتستغلهم ببشاعة.
اضافة الى استغلال العاطلين عن العمل,خصوصاً الخريجين. ففي دراسة لمنظمة العمل الدولية وجدت أن الشباب الخريجين العاطلين عن العمل في اللبلدان النامية يلجأون الى العمل في القطاعات غير المنظمة للتمكن من العيش.اضافة الى مخاطر العمالة المهاجرة التي تجر الويلات وتنمي مشاعر العداوة بين العمال التي تنعكس بصورة أثنية مع مرور الوقت وتتحول الى خطر يهدد السلم الأهلي.
تلك هي جنة الخصخصة الموعودة للاقتصاد العراقي.
وكما نعلم أن الاقتصاد العراقي في هيكليته الرئيسة هو أقتصاد ريعي, اي يعتمد النفط في بناء قاعدته الاقتصادية اجمالاً بما فيها بناه التحتية.إذ تشكل عائدات النفط - في زمن الاستقرار- 93% من رأس المال الثابت, وهذه العائدات وحدها قادرة على إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي المحطم والذي عمل الاحتلال على تصفية بناه التحتية خلال السنوات الثلاث المنصرمة, حين أطلق الاستيراد وأعاق العمل بقوانين العمل التجاري المنظم, الأمر الذي ادى الى إفشال مشروعات النهضة الصناعية الوطنية, وحطم الصناعة الحرفية وافقر الصنّاع كما هو حاصل في صناعة الألبسة والصناعات الجلدية كمثال.
كذلك ولكي نكون أكثر وضوحاً فان الدراسة التي أعدتها دائرة تطوير القطاع الخاص في وزارة التجارة التي أجراها الباحثان عبدالهادي الحميري والدكتورة هناء عبدالحسين, أكدت أن القطاع النفطي يحتاج الى 30 مليار دولار فقط من الاستثمارات للنهوض ولكي يعمل بالمستوى الذي يعمل به هذا القطاع في دول العالم المتقدم. فهل يدعونا مبلغ زهيد كهذا لخصخصة نفطنا والمقامرة باقتصادنا ودفعه في اتجاه لا نعرف مخاطره ونعرض حياتنا ومستقبلنا للخطر؟ ثم الخضوع لمطالب وديون صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي ابتلانا بأول غيثه وهو رفع أسعار المحروقات؟ والآتي أعظم.
أين هي الدراسات العلمية الرصينة والجادة التي تبيح للساسة اليوم إطلاق الدعوات بحرارة للخصخصة واطلاق اليد للاستثمارات الأجنبية كما فعل السيد وزير النفط مؤخراً؟
إننا بحاجة حقاً لنقل التكنولوجيا والمهارات بكافة أنواعها , لنعمل كما فعل اليابانيون حين بنوا اقتصادهم في غفلة عن العالم,على حد تعبير القتصادي (ليست), حين نقلوا التكنولوجيا دون الحاجة الى بيع مؤسساتهم, وهم لا يملكون ما نملك من ثروة إحفورية قادرة على تأهيل إقتصادياتنا ونهوضها السريع.
إن الخصخصة واحدة من أسوأ اختيارات الاقتصاد السياسي المعاصر, ولا يتورع المدافعون عنها من الليبراليون الجدد عن التعمية والغش والتعتيم الاعلامي على مخاطرها في كل مكان.
هناك اليوم في العالم احتجاجات واسعة ونهوض ضد الشركات المالية الكبرى ومنظمة التجارة العالمية التي لاقى اجتماعها الفشل في سياتل عام1999, بسبب الاحتجاجات التي نظمتها بعض الشعوب مجتمعة في مدينة سياتل لافشال ذلك الاجتماع, وبسبب الخراب الذي الحقته باقتصاديات بلدان نامية كثيرة ,كالذي حصل لاقتصاديات بلدان جنوب شرق آسيا( نمور آسيا).
لدينا أمثلة كثيرة عن الخراب الذي صنعته اقتصاديات السوق والخصخصة, لا يجرؤ مهندسو التخريب الاقتصادي لبلدان العالم الثالث والبلدان النامية الحديث عنه. فهم لا يتحدثون عن "فولتا العليا" الدولة الغنية بمناجم الذهب التي حولوها الى خرائب واقليم فقير لا يذكر وملحق بغينيا بيساو.
ولنا في مصر وحدها أمثلة, فحين انطلقت الخصخصة وتم بيع القطاع العام عام 1975 ,ارتفع العجز بالميزان التجاري الى معدلات عالية, فصدّرت مصرالى العراق وحده مليونين وستمائة انسان دفعهم العوز الى الهجرة, اضافة الى ارقام فلكية لهجرة المصريين الى كل مكان. فيما ارتفعت معدلات الفقر والبطالة بشكل مخيف. والآن في هذه الأيام يمكن سؤال المصريين عن معدلات الفقر والبطالة وسيجيبون بألم, إذ يكفي أن نعرف أن هناك أكثر من مليوني مصري يسكنون في المقابر كسكن دائم لهم في القاهرة وحدها , وتلك هي نعمة الخصخصة .
وفي أوربا الشرقية حيث تم بيع القطاع العام منذ أكثر من خمسة عشرعاماً ,ما زالت معدلات الفقر بارتفاع مضطرد والبطالة ترتفع بمتوالية هندسية وتزداد الهجرة. لكن مهندسي الخصخصة يصمتون عن كل ذلك امعاناً في التعمية .
* * *
6/7/2006
البصرة