ما أهمية البنك المركزي؟


علي عباس خفيف
الحوار المتمدن - العدد: 6706 - 2020 / 10 / 17 - 01:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

استقلالية البنك المركزي مصدر قوة للدولة العراقية
- ماذا فعلوا بهذه الاستقلالية؟ و كيف سينهار العراق وتعمّ فوضى لا تستطيع أيّة قوة على ايقافها؟
كتب رئيس المجلس الاستشاري العراقي "فرهاد علاء الدين" رسالة طويلة محذراً من النتائج المدمرة لمشروع "الورقة البيضاء" على الدولة العراقية ومصيرها، وفتحها الباب واسعاً لخلق فوضى قد لا تنتهي يوماً.
سأوجز ما فيها إلى جانب إضافات ورؤى أخرى تصب في نفس المنحى.
▪ طرح الكاظمي مشروعه الأخرق (الورقة البيضاء) للإصلاح الاقتصادي، التي تقول في الصفحة 42 منها إن "التمويل النقدي غير المباشر من قبل البنك المركزي العراقي هو المصدر الوحيد المتبقي." بوصفه حلاً سهلاً.
- يقول الخبراء الاقتصاديون إنّ (أسهل الحلول ليس حلاً)، لأن تمويل واردات السلع والخدمات، تعني انخفاض الاحتياطي بشكل خطير في غضون "تسعة أشهر"، حسب تقدير الخبراء الذين أعدوا الورقة الغبراء هذه، وهو ما يعني انهيار الدينار بالنتيجة، وما يتبعه من نتائج مظلمة.
ما هو دور البنك المركزي العراقي؟
▪ البنك المركزي مؤسسة مستقلة مالياً وإدارياً عن الحكومة حسب المادة 103 من الدستور العراقي. (والكاظمي يحاول أنْ يرفع عنه هذه الاستقلالية.)
• البنك المركزي مسؤول عن؛ 1- وضع السياسة النقدية وإصدار وإدارة العملة الوطنية. 2- يحافظ على قيمة العملة الوطنية ويضع لها سعرَ الصرف مقابل العملات الأجنبية. 3- إدارة وحفظ الاحتياطات النقدية الأجنبية (موجودات العملة الأجنبية المعروف بالقطع او النقد الاجنبي). 4- له حق التصرف بالخزين النقدي بما يحفظ المكانة المالية للدولة في المحافل الدولية. 5- وضع الأنظمة والإجراءات والضوابط لعمل المصارف المحلية في البلد ومراقبة عملها وتدقيقها. 6- هو الجهة الرسمية في تمثيل العراق في المؤسسات المالية والنقدية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما. 7- يقوم بتحديد العرض والطلب على العملات من خلال تحديد أسعار الفائدة. 8- هو المسؤول عن تسلم عائدات مبيعات النفط.
• ألا تتطلب هذه المهام استقلالية راسخة ومتينة عن الحكومة وإجراءاتها المالية؟
- إن استقلال البنك المركزي عن السياسات المالية للحكومة يُعدُّ في غاية الأهمية للحفاظ على المال العام المودع في خزائن هذا البنك.
- لكن ماذا فعل المالكي في سنوات سابقة اولاً؟
- وماذا يحاول الكاظمي فعله عبر مدير البنك المركزي الحالي؟
• سبق أن نشب خلاف بين حكومة "المالكي" ومحافظ البنك المركزي سنان الشبيبي عام ٢٠١٢ حيث تمسك الشبيبي باستقلالية البنك المركزي ولم يتراجع. فكان من نتيجة موقفه اتهام الشبيبي بالفساد، وصدور أمرٍ قضائي باعتقاله وهو في طوكيو للمشاركة في أحد المؤتمرات الاقتصادية، خلافا للمادة 13 من الدستور التي تفرض حصانة من الاعتقال لمدراء البنك المركزي. أعقب ذلك محاكمته غيابيا، والحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات عام ٢٠١٤ وإقالته من منصبه.
▪ أما "الكاظمي" فقد طرح "ورقة بيضاء" غبراء للاصلاح الاقتصادي لتمرير خطة نزع الاستقلالية عن البنك المركزي عبر وزيره، لحماية كرسيه من الانهيار لأشهر معدودات، فيما هو يعرّض الدولة العراقية للانهيار.
• فقد صرّح وزير المالية "علي علاوي" في مؤتمر صحفي عقب تبني "الورقة البيضاء" للإصلاح الاقتصادي من قبل مجلس الوزراء في 13/10/2020، قائلا:-
- (لدينا علاقة متينة وقوية مع البنك المركزي "لتوحيد السياسات النقدية والمالية"، وهذا سيوفر لنا الإمكانية أن نغطي كل متطلبات واستحقاقات رواتب الموظفين والمتقاعدين.).
• هذه اللغة التي تحاول أن تستثمر في حاجة الناس للرواتب، لغة مخادعة وجريمة أخلاقية. إذْ بدلاً عن إصلاح الخلل الهيكلي في النفقات الحكومية القائمة على سياسة المصاريف التشغيلية الاسترضائية للاحزاب وافراد الحكومة والبرلمان، وضبط موارد الحكومة بقوة القانون، ها هي تلجأ الى هذه الحيلة الخطيرة غير الأخلاقية.
• ويبدو أن الاتفاق جرى ترتيبه بين محافظ البنك المركزي والحكومة، لان المحافظ اختفى ولم يصرح بشيء مقابل ما قاله وزير المالية بشأن العلاقة المريبة بين وزارة المالية والبنك المركزي.
- إن مدير البنك المركزي إذا سار وفق هذه السياسة في إقحام البنك المركزي في صلب السياسة المالية للحكومة وتحمُّل أعباء إخفاقاتها المالية وتخبطها فإنه يضحي بعلم ودراية وإصرار بمصير العراق.
▪ فما الذي سيحصل للاحتياطي النقدي لو طبقت "الورقة الغبراء" هذه؟
- سيتعرض الخزين الاحتياطي إلى الانخفاض السريع عبر ثلاثة محاور، وهي:
أولا:- عبر استخدام الاحتياطي لتمويل العجز المالي للحكومة “بشراء السلع والخدمات” بالعملة الصعبة، وخفض سعر صرف الدينار مقابل الدولار "لدفع الاستحقاقات الشهرية من الرواتب، عن طريق اصدارات جديدة للدينار."
ثانيا:- عبر استمرار مزاد بيع العملة سيئ الصيت (مكمن الفساد ومصدر ثراء المتنفذين في العملية السياسية وبطاناتهم)، ملاحظة: (مبيعات العملة الصعبة تفوق إيرادات الدولة في اغلب الأحيان- حسب جمعية الاقتصاديين العراقيين).
ثالثا:- عبر زيادة الضغط من قبل دائني الدولة، وخصوصا "إيران" المحاصرة بعد ان وُضع 18 مصرفا إيرانيا تحت طائلة العقوبات، فأصبح البنك المركزي العراقي والمصارف العراقية منفذاً وحيداً لإيران للعملة الصعبة. (وعلى هذا الأساس جاءت زيارة محافظ البنك المركزي الإيراني إلى العراق في 12/10/2020.)
ومن النتائج الخطيرة التي ستحصل لاحقاً للوضع المعيشي للناس بسبب هذا النزيف النقدي هي:-
• سيواجه الدينار تضخماً هائلاً، ويخسر قدرته الشرائية، بسبب خفض سعر صرف الدينار.
• سترتفع تكاليف المعيشة لعموم السكان بسبب تخلي االدينار عن سعر الصرف الثابت والاتجاه نحو سعر الصرف المتحرك.
• سوف تنخفض القدرة الشرائية لغالبية الناس وعجزهم عن تلبية متطلباتهم، لأن العراق يعتمد اعتماداً كلياً على الاستيراد لتلبية الاستهلاك، بسبب فرض سياسة منع الحكومة من المشاركة في الإنتاج المحلي الزراعي والصناعي التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة وفق سياسية الليبرالية الجديدة سيئة الصيت.
• سيزداد التعثر والتخلف في سياسة الاستثمار إنْ كان استثماراً محلياً أو أجنبياً.
• سترتفع معدلات البطالة نتيجة تعثر أو تراجع الاستثمار.
- وهذا يعني أن غالبية ابناء الشعب سيدفعون الثمن وستتفاقم معاناتهم جرّاء هذا التحول في السياسة المالية والنقدية.