يوم واحد في مشغل البصرة السردي


علي عباس خفيف
الحوار المتمدن - العدد: 3701 - 2012 / 4 / 18 - 17:30
المحور: الادب والفن     

يوم واحد في مشغل البصرة السردي :
فن الملصقات المذيبة للشحوم
هذا العنوان من مرتضى كزار..
يأتي مرتضى كزار وتأتي حيله ملفوفة في ورقة مخبأة في جيب داخلي . مرتضى الذي سرقته حكايات الجبيلي ، وابتكر لها أغطية رأس ضخمة .. كلاوات .. يدعوها فنون أحاديث الامهات الخائفات من السحرة ، لأن ضياء الجبيلي ، شاكسه بـ (يشّو وربيع وجوزيف):
كلاو رقم 1 : فن نجارة الهويات - كنى وألقاب .. كلاو رقم 2 : فن السياحة مع الأديان – العروج الذي يحلّق بالهفوات.. كلاو رقم 3 : فن الملصقات المذيبة للشحوم – ريبورتاج الزعفران الذي لا ينتهي ، يعطّر الحكايات .. كلاو رقم 4 : فن أحمد والرجل العجوز – محكم ، نعم محكم ، " بشرفي ".. كلاو رقم 5 : كلاوات المتلقي مرتضى كزار – كشف السر في محنة غريغوري ما قبل الدخول إلى قلعة الملك الفارسي .. لتجميل "خِشِّته".
نجلس أزاء الشط ، نرقب السفن الغارقة والسفن المعطلة والشط الذي يجري دونما توقف :
- " كل يوم جمعة ،الساعة الرابعة، شنو رأيكم؟ " –" لا .. خليها الخامسة فالصيف حار" – ".. لا خلّوها الرابعة فيوم الشتاء قصير" .. " لا .. لـــــ ........"
- " ليس هذا مشروع رواية ، هذا اختيار موعد المحترف السردي . نجتمع لنشرب الحنظل بالعسل ، رواية قصيرة ( لا نختلف مع بشير حاجم)."
يأتي ضياء مشياً عبر طريق الخندق ، فالداكير ثم الكورنيش حتى عروس البصرة ، عوامة بائسة من حديد وذكريات صدئة . حذاؤه بلا لون ويقرا في بلاطات الرصيف قلعة اردشير العجيبة، يصنع تماثيل القلعة من طين شط العشار وهو يخطو فوق البلاطات المحطمة ، أو التي لا شكل لها، تلك التي أعطت حذاءه وصفه الطيني ، غبار فوقه غبار. " ويموت مود بالزحار..ها شلونها؟ "
ياتي رمزي حسن بحقيبقه اليدوية . حقيبة تخفي لوعة السرد ومتعته ، تحت نظرات عيني جينيت الثاقبة عن الراوي سيء الصيت : - "عنوان جاذب .. عتبة الاهداء ، ياويلي .. رسمية وسعيد ، دير بالك!! نعم اصنع الوهم ، لا تخش النظرية .. هذه المشهديات الرائعة ، من أين لك؟.. لقد عملت على الملخص أو المجمل ، حيوية الراوي هنا ، ركًز هنا ، هذه هي الرواية .."
يأتي الاستاذ محمود عبدالوهاب بعد ربع ساعة : - " عذراً تأخرت ! أين أنتم الآن ؟"
- " ما زلنا مع الجبيلي . كيت وكيت ..."
- " جميل . الرواية كوّنت انزياحاتها . فالتقليدية محكمة البناء ، والحديثة جنس لا محدود . التقليدية بئر الشخصية والسيكولوجيا ، الحديثة تحفر في الشيئية . التقليدية الشخصية صانعة الحدث ، والحديثة توريطية . التقليدية عناية مغرقة في اللغة ، الحديثة اللغة غير مقدسة ...و ..والشخصية في الرواية الحديثة شخصية ورقية ، والزمان أزمنة ، والحداثة حداثات ."
يأتي باسم الشريف ، مسجله يقتبس المعاني ويسربها مثل الأحلام ، مسجل الذكريات . ذكريات لم تأت بعد .. لكنها الذكريات ، يسرّبها جهاز التسجيل ويختزنها ليوم غد .. احفظها ياابو فواز .
- " كمشتني فكرة ، ... ... شلونها ؟ الرواية مثل الحياة ، لابد لها من تواصل ، تواصل في الكتابة ، لكي تعيش قبل أن يصفر على حروفها الورق . "
- " تسلم باسم الشريف؛ عمل الورشة للذي يقول عندي فكرة . ليس بامكان كل فكرة البقاء . الحكاية لاتبنى على القاعدة ، بل على الاستثناءات . الدفاع عن الفكرة يجب أن يكون شديداً ، لكنه ليس للحد الذي يمنعك من التخلي عنها . واقع الرواية واقع افتراضي . اسرد الخيال كأنه حقيقة ، واسرد الحقيقة كأنها خيال. لا تدع قناعاتك تتحدث ، وليتكلم الساردون حتى لو تخاصموا وطعن أحدهم الآخر بسكين اشتراها المؤلف ."
يسأل باسم القطراني : " السكران راسه هم يوجعه؟ ياجماعة !! " مفعمُ بالضحك انت. يقسم القطراني أنه لن يدع شخصية تؤذيه من دون أن يذيقها الموت .
- " اليموت يموت والما يموت احطله حزام ناسف وهو نايم ."
يسكر ابطاله ، من دون أن يسكر معهم . يجندهم لشحذ السكاكين ويتقاتلون حتى الموت . يجدهم كل يوم وقد تركوا صفحاته التي كتبها بقلم الحبر الجاف ، فيراهم يتسكعون تحت الطاولة يتثائبون ، ويغفون رغماً عنه ، يأنفون محاورته عن مصائرهم التي لا ترضيهم . ( هذه روايته " متحف منتصف الليل" ).
- " لنر ما لديك الاسبوع القادم ."
- " سأجيء بها ، لكن ليشتري غيري الفستق . يا جماعة أريدة يكفيني لحد الجسر ، رجاءً لا تمدون ايديكم من افتح الكيس ، أو تدفعون عني عصير الليمون ." ثم " على الكاتب أن لايكتب عن شيء لا يعرفه ، وإلا ورط أبطاله . التفصيل الحسي ضروري كما أرى مثل حساسية الشاعر. احاول جعل الجمل خالية من توتر الغرق في مشهد النص . لأن الرواية كمنظومة معقدة ، وتحتاج في بنائها للأدلّة ، كما في تحقيق عن جريمة ، لكن مرتكبها الكاتب التي يدع شخصياته تتلبسها ."
- " الواقع مفهوم يحمل تصور ملتبس . فالبحث عن أدلة هو بحث في وقائع ملتبسة ، أو خيالات ملتبسة ."
- " تلقي النص معرفة - ابستمولوجيا - لأن الثقافة رسالة وليست رطانة تخصصية ."
- " نعم يتفنن المثقف لصنع الاتصال الفعّال ".
- " جوليان بيندا يقول : المثقفون جماعة صغيرة من ملوك وحكماء ،.. وقفوا انفسهم لبناء ضمير الانسانية ."

تنصرف الأمواج ، تغيب عن عيوننا ، تغادر مشهدها حالما تحل الظلمة . مدونة الاحلام ستأتي، ووجه غريغوري لن تحميه الأقنعة البلاستيكية . والنسخ التي رزمت بعناية تأخذ طريقها لترصف فوق الكتب . الكتاب المؤجل ، المخطوطة التي يأتي عبيرها مفعماً بالفرح .
تنصرف طيور الغاق ، وتبقى البطات التي افسد اجنحتها الزيت التي يغطي ضفة الكورنيش . ونحن نرى ولا نتحدث عنها حتى تغيب طيور الغاق.
ثم نمضي.. يشتري القطراني فستقه بألف دينار ، ونمد أيدينا !!
- ها ..اشحجينه؟؟؟