طبول الحرب.. اوكرانيا -سر الضجيج-


علي عباس خفيف
الحوار المتمدن - العدد: 7157 - 2022 / 2 / 9 - 18:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ذكرت اوكالة بي بي سي يوم 30/1/2022 جملة من تصريحات الرئيس الأوكراني، "فولوديمير زيلينسكي" فقد صرّح قائلاً:-
- "أن الحلفاء الغربيين قد بالغوا في رد فعلهم على الأزمة."
وهو التصريح الذي تجاهله "ستولتنبرغ" الامين العام للناتو في تصريحاته العدائية ضد موسكو..
يأتي ذلك بعد أن حض الرئيس الأوكراني الصحفيين على:-
"عدم إثارة الذعر بشأن حشد القوات الروسية على حدود بلاده."
- وقال الرئيس الاوكراني "زيلينسكي" أيضاً في مؤتمر صحفي في كييف مستغربا الضجة الغربية:-
- "إنه لا يرى تهديدا روسياً الآن أكبر مما كان عليه التهديد خلال حشد مماثل للقوات الروسية على حدود بلاده في الربيع الماضي."
من جانب آخر يدعو الرئيس الاوكراني روسيا لسحب قواتها من الحدود الاوكرانية لوقف التصعيد، ويطلب من البلدان الصديقة دعم اوكرانيا في هذا المطلب، ويثمن مواقف البلدان الداعية لانسحاب القوات الروسية.
هذه خلاصة ما ذكرته وكالة بي بي سي..
فما الذي يحدث؟
لقد ذكرت "سكاي نيوز" اليوم 2/2/2022 في مقال لها بعنوان (غزو اوكرانيا يلقي بضلاله على الصين...) تصريحاً لمسؤول في الناتو يكشف بشكل واضح كل شيء عن الضجة الغربية ودونما غبار، فقد قال:-
• "في حال لم يجد الغرب وسيلة للتعامل مع الصناعة العسكرية الاوكرانية، فستنتهي الخبرات التكنولوجية هناك في ايدي الصينيين".
اذن هذه هي الوسيلة؛ إن دق الطبول ايذانا بالحرب وبدء المعارك يتعلق "بالكنز العسكري الاوكراني" الذي تمرح الصين في ساحته الرحبة.
** فماذا لدى اوكرانيا يستدعي كل هذا الضجيج؟
ترك الاتحاد السوفييتي في اوكرانيا بعد انهياره ما يلي:-
- 750 مصنعاً للاسلحة االمختلفة، صناعة الطائرات والمدافع والدروع والأسلحة الخفيفة والاتصالات والصناعات النووية.
- اي 30% من اهم الصناعات العسكرية السوفييتية.
- اكثر من 2000 شركة تدعم الصناعات العسكرية.
- 40% من مراكز البحوث العلمية السوفيتية التي تقوم بتطوير الصناعات العسكرية.
- تحتل الصناعات النووية ما معدله 7% من الصناعات السوفييتية في اوكرانيا.
- ما زالت روسيا تعتمد على 20% تقريباً من تسليحها على المصانع الاوكرانية.
لكن لماذا تسقط في يد الصينيين كما يقول الناتو؟..
* تدعم الصين الموقف الروسي في النزاع الاوكراني الروسي.
* لدى الصين علاقات شراكة وتصنيع مشترك مع اوكرانيا في مجال الصناعات العسكرية.
* طوّرت الصين واعادت صناعة طائرة سوخوي 27 عن النسخة السوفييتية بنجاح.
* زوّدت المقاتلات الصينية جي بي 11 برادارات صناعة "نوفاتور" الاوكرانية المتميزة.
* طورت واعادت صناعات عسكرية ومدنية اخرى كثيرة..
** إذن الخطر الصيني قادم حيث ينشط الناتو وقد تفلت البلدان التي انضوت تحت لوائه من قبضته حينما ترى ان مظلة الصين اسلم من مظلة الناتو.. لذلك أهمل مسؤول الناتو "تصريح الرئيس الاوكراني" الذي استغرب ردة فعل الغرب، فقد اعتبر الناتو هذا التصريح استهجاناً وتشهيراً بالضجيج الغربي بشأن الأزمة الحالية.
• بالمقابل ولجملة من الاسباب حشدت روسيا على الحدود قواتها واسلحتها، فقد اعتبرت وجود الناتو في اوكرانيا مصيرياً، وحسب تعبير بوتين "انها قضية تهديد لوجودنا"..
والامر بالنسبة لموسكو باختصار؛ أنها طالبت بما يلي:-
- عدم تقدم الناتو شرقاً بعد ان ضم الناتو اليه رومانيا وبلغاريا وبولندا والتشيك.
- التزام الناتو بعدم ضم اوكرانيا لانه يشكل تهديداً مباشراً لروسيا.
- احترام الناتو اتفاق 1997 والعودة الى وضع ما قبل هذا التاريخ، كما يشير الاتفاق.
- عدم تكوين مواقع ثابتة وستراتيجية لقوات الناتو او اي بلد عضو في الناتو داخل اوكرانيا.
- اضافة الى ذلك تدعم روسيا لأسباب قومية مطالب مقاطعتي (دونتسيك ولوهانسك (دونباس)) الحدودتين مع روسيا واللتان تطالبان بالانفصال عن اوكرانيا، علما ان سكانهما يتكلمون اللغة الروسية ويطالبون بحقوق قومية، وفيهما حركة مسلحة انفصالية ناشطة، فيما يذكر السكان هناك انهم يتعرضون للقمع وتتعامل الحكومة الاوكرانية مع المقاطعتين بالاهمال والتفرقة.
لقد اندلعت الازمة بعد ان اخل الناتو باتفاق 1997 الذي يمنع اتشار الناتو شرقا، حينما بدأ بضم دول البلطيق الثلاث (ليتوانيا ولاتفيا واستونيا) ورومانيا وبلغاريا والتشيك وبولندا وآخرها الجبل الاسود الذي اثار غضب موسكو، وطالبت موسكو بوقف تقدم الناتو شرقاً مرة اخرى عام 2021 ولم يستجب الناتو ولا امريكا، وهو ماسبب اندلاع الازمة بين اوكرانيا وروسيا بشكل واسع وتحشيد الروس على الحدود الاوكرانية.

ماهي النتائج المحتملة؟
قبل الذهاب بعيداً لابد أن نذكر أنّ الأزمة هي صورة واضحة من صور صراع القوى الإمبريالية في عصرنا الراهن. وفي ما سبق لنا ذكره من حقائق تتعلق بـ "الكنز الأوكراني" كما تسميه الصحافة الغربية، لدليل بيّن على طبيعة الصراع الدائر بين الأطراف الإمبريالية في بؤرة من بؤر الصراع الدولي.
وتشير بعض التحليلات المتسرعة إلى ظهور إمبريالية جديدة تمثلها روسيا مقابل الإمبريالية القديمة، بذريعة أن أميركا غزت غرينادا وباناما في مرحلة الحرب الباردة، وأفغانستان والعراق بعد نهاية الحرب الباردة. غير أنها انسحبت في النهاية من أغلبها، وهذه خلاف الحقيقة او نصفها على الاقل. أما روسيا أيام بوتين، فيقولون عنها؛ إنها تغزو وتبقى كما في غزو جورجيا حيث جرى فصل إقليمي "أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية" اللتان أعترفت موسكو بهما جمهوريتين مستقلتين..
في الحقيقة ليس لهذا التصور أي مصداقية عملية فأمريكا لم تنسحب من العراق، وهي لا تنسحب إلّا تحت الهزيمة أو تفتعل الأشياء عبر تغيير إسلوب الاحتلال ووسائل النهب الإمبريالي، فضلاً عن أنّه لا فرق بين إمبريالية جديدة وقديمة إلاّ في حدود تغيير هيئة اللاعبين.
لقد ساءت علاقة روسيا مع أوكرانيا منذ اندلاع حرب 2014 التي اشتعلت بين الحكومة الأوكرانية ومقاتلي مقاطعتي (دونيتسك ولوهانسك) اللتان تطالبان بالانفصال عن أوكرانيا.
وعزز ذلك حادثتين متداخلتين، هما اعلان بوتين ضم شبه جزيرة القرم في احتفال "يوم الوحدة الوطنية" الذي أقامه في شبه الجزيرة المذكورة؛ معلناً ان شبه جزيرة القرم جزء من روسيا إلى الأبد، في رسالة واضحة الى الغرب قائلاً:-
"استعادت بلادنا اليوم وحدتها التاريخية"،
والثانية هي إسقاط الغرب الرئيس الأوكراني "فيكتور يانوكوفيتش" الموالي للكرملين عام 2014.
ولقد ارتفعت حدة التوتر وقتذاك بعد تهديد اوباما لبوتين بانه سيدفع الثمن لو اعتدى على أوكرانيا.
وللحال بدأت أمريكا بالتلويح بالعقوبات ضد روسيا والتدخل مع الناتو في الشؤون الأوكرانية. ثم بدأت مع الناتو بتعزيز الترسانة العسكرية الاوكرانية وإرسال السلاح بصورة متواصلة إلى كييف الأمر الذي زاد من حدة التوتر.
ولابد أنّ هناك أسئلة لدى عموم المتابعين حول الأزمة الأوكرانية لايمكن الحصول على أجوبة حاسمة لها مثل:
هل ستقوم موسكو بغزو أوكرانيا فعلاً؟
لا أحد يستطيع أن يتكهن بخطط بوتين بشأن أوكرانيا، هذا ما تراه امريكا وكل وكالاتها التجسسية لكنها تدرك أنّ بوتين قادرٌ على العدوان، قادر على غزو أوكرانيا متى يشاء، بينما تنفي أدارة بوتين وجود أية نية للغزو.
وهل ستحصل مواجهة عسكرية بين موسكو من جهة وواشنطن والناتو من جهة أخرى أم سيكتفي الغرب بالعقوبات التي ستفرضها على روسيا في حالة حصول الغزو؟
وما تأثير هذه العقوبات؟
لنرَ...
لنبدأ من التصعيد الإعلامي الغربي..
يقول نابليون: "أتوجس خيفة من ثلاث جرائد أكثر مما أتوجس من مائة ألف مقاتل".
ويقول الحكيم الصيني "لاو تسو" في "فن الحرب":- "أفضل انتصار هو الانتصار من دون خوض المعارك".
ويقول قادة الصين الحاليين:- "الحرب بالسلاح لم تعد ضرورية طالما يمكن احتلال بلد إعلامياً".
في الحقيقة يعمل الإعلام الغربي في أزمة أوكرانيا الحالية على التهويل؛ وهذا ليس من فراغ، بل هو من جوهر السياسة الإمبريالية. ولنأخذ مثالاً من "نيوزويك الأمريكية"، فقد نشرت هذه الصحيفة منذ أيام أن:
"الخيار النووي بات مطروحاً في واشنطن."
ومن يرى أن الخيار النووي في حرب محدودة بين بلدين جارين أمراً ممكنا يخدع نفسه، فلا أوكرانيا راغبة بمثل هذا التدمير، ولا روسيا ترى في الأمر استحقاق نووي، ولا أمريكا مستعدة لارتكاب هذه الحماقة، بل أن واشنطن تستبعد حتى المواجهة بحرب تقليدية وفقا لتصريحات بايدن والمسؤولين الامريكان.
وفي جوابه عن أسئلة الصحفين بشأن الخيارات الأمريكية المفتوحة؛ قال مستشار الأمن القومي الأميركي "جيك سوليفان"، "أنّه إذا غزت روسيا أوكرانيا، فإن الخيارات التي سيتم استخدامها تشمل تغييرات في القوات والقدرات التي ستنشرها الولايات المتحدة وحلف الناتو في شرق أوروبا لتعزيز قوة دفاع الحلفاء".
وتذكر "وكالة أنديبيندنت" ما قاله بايدن من أن "إرسال قوات قتالية أميركية إلى أوكرانيا لخوض حرب مع روسيا أمر غير مطروح على الطاولة". فيما تقوم القوات الخاصة الأمريكية بصورة منتظمة، بتدريب القوات الأوكرانية فقط.
وفي الحقيقة، إنّ الأمر بالنسبة إلى الغرب فيه الكثير من البهرجة واستعراض القوة، إذ بناءً على تصاعد حدّة التوترات والمعلومات الاستخباراتية، ذكرت الانديبندنت أيضاً في 19/1/2022 أنّ إدارة "جو بايدن" قد شرعت بدراسة مجموعة خيارات، تقدمتها عملية توفير مزيد من الأسلحة لأوكرانيا، وتعزيز قدرة القوات الأوكرانية على مقاومة الغزو الروسي المحتمل. وذلك "من أجل زيادة كلفة الحرب على موسكو!" حسب تعبير البنتاغون. بهذه اللغة التي تكشف بشاعة الآمبريالية وصف البنتاغون تدخله في أوكرانيا.
ومن المفيد أنْ نذكر أنّ هذا الخيار الإمبريالي العدواني يستبعد إلى حد كبير طبيعة التدخل الغربي المباشر في الحرب لو اندلعت. وهو يعني بلا أدنى شك، أنّ أمريكا تعمل لجعل الأوكرانيين يقاتلون نيابة عن أمريكا وعن الناتو، من اجل أن يبقى (الكنز الأوكراني) بعيداً عن أيدي الصينيين.
وللتذكير أنّ "روسيا والصين" أصدرتا بياناً مشتركاً شديد اللهجة قبل يوم الخميس3/2/2022 يدينا فيه فعاليات الناتو ونشاطاته العسكرية في شرق أوربا ويرفضان فيه تمدد أو تقدم الناتو هناك.
من جانب آخر؛ تحدث نائب الأمين العام لحلف الناتو "ميرتشا جيوانا" بلغة مهادنة من أجل السيطرة على التصعيد المتواصل للأزمة والإمساك بخيوط اللعبة الأمبريالية، معلناً أنّ الحلف لا يناقش انضمام "كييف" إليه في وقت قريب، مشيراً إلى عدم وجود توافق داخل الحلف بشأن احتمال عضوية أوكرانيا.
ففي تصريح لقناة "فرانس 24"، قال نائب أمين عام الناتو إنّ "لا أحد يتحدث عن انضمام أوكرانيا إلى الناتو في الوقت القريب"، مضيفا أنّه "على السلطات الأوكرانية إجراء إصلاحات كثيرة في البلاد".
وتابع: "إضافة إلى ذلك يجب أن نتوصل إلى توافق في الناتو. واليوم لا يوجد توافق بشأن عضوية أوكرانيا المحتملة في الحلف"
و,من اللافت أن هذه التصريحات ستعمل على التخفيف من حدة توترات موسكو بشأن تدخلات الناتو الى حد ما.
الملاحظ أيضاً أن حظوظ الدبلوماسية ما زالت قائمة ولم تتوقف حتى اللحظة، وتشير اللقاءات المستمرة بين وزيري خارجية كل من روسيا وأمريكا، وزيارة بلينكن وزير خارجية بايدن إلى العاصمة الأوكرانية كييف للقاء الرئيس الأوكراني"فولوديمير زيلينسكي" في 19/1/2022، قبل لقاء نظيره الروسي لافروف في 21/1/2022 الى اتجاه سير المخططات التي يجري رسمها في البيت الأبيض كما لو أن الدبلوماسية لم تُستنفَذ بعد.
تبقى نتائج الأزمة مقرونة بما تخفيه خطط بوتين وماسيؤول إليه الموقف في الصراع الإمبريالي هذا، خصوصاً بعد أن عجز الجميع عن التكهن بما يبيّت له بوتين. بعد أن نشر 100 الف من قواته على الحدود الشرقية لأوكرانيا، وفي بيلوروسيا قامت قوات بوتين بتدريبات مكثفة قرب الحدود شمال أوكرانيا إذ عزز قوته هناك بـ 30 طائرة سوخوي 34، حيث يمارس بوتين لعبته المفضلة في تحريك الخلاف داخل الاتحاد الأوروبي ثم بين أميركا وأوروبا.
غير أنّ هذا لايعني إنّ الحرب ستقع لا محالة، على الرغم من تأكيد الاستخبارات العسكرية الأمريكية التي تقول إنّ الحرب ستندلع حتماً بعد ان استكمل بوتين حشد 70% من الاستعدادات الضرورية لشن العدوان.
من جهة الموقف الغربي، بعد انكشاف توريط أوكرانيا في الحرب مع روسيا، ودفعها ثمن ما يخطط له الناتو وهو يضع مستقبلها ومصير أبنائها بين فكي فوضى حرب لن تحصد منها إلّا الخسائر استمرت واشنطن وحلفاؤها الغربيون يهددون بسلسلة من العقوبات غير مسبوقة ضد روسيا لثنيها عن غزو أوكرانيا.
وتستعد أمريكا في خطوة مستعجلة لوضع العقوبات موضع التنفيذ، بفرض عقوبات مالية على العملاء التجاريين الموالين لروسيا داخل أوكرانيا، وهو إجراء بديل عن استهداف الحكومة الروسية في الوقت الراهن.
لكن ماذا سيحدث للعقوبات الأمريكية لو أقدمت موسكو على غزو أوكرانيا، خصوصا بعد تخلي الغرب والناتو عن خيار التدخل المباشر في الحرب، وفرضت أمريكا وحلفاؤها العقوبات على روسيا؟
ما يعيق نجاح العقوبات على روسيا ثلاثة قنوات اقتصادية مهمة، إضافة إلى قناة رابعة هي القناة السياسية.
وللاختصار فان القناة السياسية تتمثل بالموقف الصيني الذي يعنيه الموقف الروسي المطالب باستبعاد الناتو عن اوكرانيا، لكي تبقى الصين على امتيازاتها التي حصلت عليها من أوكرانيا في موضوع الشراكة والاستثمار في "الكنز الأوكراني" المتمثل بمصانع السلاح الأوكرانية ومراكز البحوث العلمية التي تدعم إنتاج السلاح.
وموقف أخر ضمن هذه القناة ايضا هو الموقف الفرنسي، حيث يراهن ماكرون بقوة على قيادة فرنسية لأوربا بدلاً عن المانيا التي تقود الاتحاد الأوربي حالياً، عبر التهدئة وإيجاد السبل لتجنب مواجهة غربية روسية من جهة، ومنع غزو أوكرانيا من قبل الروس والتي ستحسب له في الانتخابات القادمة القريبة أيضاً، وهو يعمل بقوة من أجل لقاء بوتين في 14/2/2022 ولقاء الرئيس الأوكراني في اليوم الذي يليه.
اما القنوات الاقتصادية الثلاث المعرقلة للعقوبات الأمريكية فهي:-
- مشكلة إمدادات الطاقة إلى أوربا عبر الغاز الروسي الذي يزود أوربا الغربية بـ 40% من حاجتها للغاز.
- عراقيل كبيرة تواجه شمول العقوبات الامريكية فصل روسيا من نظام "سويفت- Swirt".
- اعتراض شركاء روسيا التجاريين الأمريكان والأوربيين المستثمرين في روسيا أو في بلدانهم.
• فيما يتعلق بالغاز الروسي..
يشير الباحث الأمريكي "باراك بارفي" من "مؤسسة أمريكا الجديدة" إلى أنّه "من خلال نفوذ روسيا كمصدر للغاز في أوربا يمكنها التغلب على آثار العقوبات".
ومع أنّ قطع إمدادت الغاز إلى أوربا ذو تأثير متبادل على الاقتصاد الأوربي من جهة، وعلى الاقتصاد الروسي الذي يواجه عقوبات سابقة منذ وقت ليس بقصير من جهة أخرى، إلاّ أنّ كفّة روسيا راجحة في هذه المواجهة.
والسؤال المهم الذي تطرحه الصحافة :-"هل تستطيع أوربا أن تصمد في حال قطع إمداد الغاز الروسي خصوصاً وأن البدائل عن الغاز الروسي فقيرة جداً؟"
من المفروغ منه أنّ الغاز الروسي يربك حسابات أوربا بقوة.
وفي الحقيقة إنّ أهم من يعترض العقوبات الأمريكية أو يضعفها هو الموقف الألماني. فقد رفض المستشار الألماني الجديد رفضا قاطعاً تزويد أوكرانيا بالسلاح بذريعة الموقف السياسي الألماني التقليدي أو المبادئ الألمانية التي تعارض مبدأ الحرب في حل المشاكل بين الدول. ولابد أنّ الأمر يتعلق بحاجة الاقتصاد الألماني للغاز الروسي عبر خط "نورد ستريم2" الذي اكتمل العمل به في شهر أيلول 2021 وينتظر الإذن بضخ الغاز إلى ألمانيا..
وتستورد أوروبا كميات هائلة من الغاز الطبيعي، تتجاوز 560 مليار متر مكعب سنوياً يأتي منه 40% من روسيا. وهذا يعني أنّ أوربا ستواجه خيارات صعبة ودقيقة لو طبقت العقوبات الأمريكية وانقطعت هذه الامدادات، خصوصا بعد الانتعاش الاقتصادي النسبي بعد الجائحة.
ومع وجود مباحثات أمريكية حول زيادة الإمدادات القطرية لأوربا من الغاز المسال إلاّ أن حجم الإمداد هذا إلى أوربا لايتجاوز 5% وهو لا يحل المشكلة. كذلك هناك اسباب فنية ودبلوماسيةتعوق عملية تعويض النقص عبر إمدادات الغاز الجزائري.
وتعتبر أوربا الغاز الروسي المورد الرئيسي للطاقة في القارة.
وفي مناورة استباقية عملت روسيا على خفض إمدادت الغاز إلى أوربا بدءاً من شهر كانون الأول للضغط على حلفاء واشنطن الأوربيين. ويقول "بيرند فايدنشتاينر" كبير المحللين الاقتصاديين الألمان في "كومرتس بنك" الألماني مقره الرئيسي في فرانكفورت "يبلغ المخزون في الوقت الحالي حوالي 47٪ من السعة الكاملة"، وأن الأمر يمثل مشكلة إذ إنه من المفترض أن يصل المخزون في الوقت الحالي إلى 60%، مضيفا "إننا نعاني من نقص كبير".
ويشير عدم تردد "أنالينا بيربوك" الوزيرة الألمانية من القول لفرانس برس في 22/12/2021 إن "قلقي كيبير"، وهي تدفع باتجاه الحفاظ على استقرار يضمن إمدادت الغاز القادم من روسيا وفي قولها إنه حتى لو كانت المطالب الروسية لا تشكل أسسا للمفاوضات، أنه "من "المهم أن نعود إلى طاولة المفاوضات" مع موسكو في إطار مجموعة بلدان النورماندي التي تجمع ألمانيا وفرنسا وأوكرانيا وروسيا، من أجل التمكن من منع أي تصعيد جديد.
وقد حاول الاتحاد الأوروبي جاهداً قبل عدة سنوات إبرام اتفاق تعاون بين أعضاءه لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي، ولكنه عجز عن إيجاد البديل لسدّ احتياجاته من الغاز. خصوصاً وأن %80 من صادرات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي يمر عبر خطوط الأنابيب الروسية التي يبلغ عددها 13 خطاً.
من جهة أخرى ستعاني بلدان شرق أوربا، اعضاء الناتو بولونيا ورومانيا والجيك وبلغاريا ودول أخرى، من أزمة وقود بلا حدود لأنها تعتمد بشكل كامل على إمدادات الغاز الروسي.
ويبدو تهديد المستشار الالماني "أولاف شولتز" في 5/2/2022 بوقف ضخ الغاز عبر الخط الروسي الالماني "نوردستريم2 " مناورة سياسية مكشوفة لا ترقى إلى مستوى الفعل، خصوصا بعد حديثه يوم 6/2/2022 عن إعجاب الشعب الألماني والحكومة الألمانية بالثقافة الروسية وتقاليد الشعب الروسي من دون مناسبة.
كذلك يكشف ما قامت به المستشارة السابقة (ميركل) في الحد من الضغط الأمريكي على إنجاز "نورد ستريم"2 قبل نهاية فترتها، مقدار حاجة ألمانيا الملحة للغاز الروسي عبر هذا الخط الذي دعمته ميركل وأهميته الاقتصادية والتاريخية.
من جهة أخرى عملت إيطاليا بإلحاح على الاستحواذ على خط الإمداد الستراتيجي إلى أوربا "نورد ستريم" منذ 2016 وفاوضت لكي يمر خط البلطيق هذا في أراضيها بدلاً عن ألمانيا.
وفيما يتعلق بنظام "سويفت"؛ بينما تدرس أمريكا وبعض حلفائها الغربيين فرض عقوبات على موسكو، طرحت أمريكا حرمان موسكو من نظام المدفوعات الدولي "سويفت- Swift" أي نظام التحويلات المالية الدولية من دون فائدة، الذي جرى إنشاءه بسبب الحجم الضخم للتعاملات التجارية الدولية عام 1973، مقر مؤسسته في بلجيكا، ويدعى النظام "سويفت- Swift"، بالرغم من أن فكرة حرمان روسيا من هذا النظام تواجه معارضة قوية من الاتحاد الاوربي، وهو في الحقيقة نظام للعقوبات ضد الخارجين عن الإجماع الإمبريالي الذي تقوده المصارف الدولية وبنك الاحتياط الأمريكي.
وحسب تقرير "بلومبرغ" يعتبر حرمان روسيا من نظام "سويفت"، "إشكالياً بالنسبة إلى الغرب". وتقول بلومبرغ إن فصل روسيا عن نظام "سويفت" الذي يستخدم لتحويل المدفوعات في جميع أنحاء العالم، يعتبر "مشكلة كبيرة بسبب الاضطرابات المحتملة التي سيتسبب بها في الأسواق العالمية للطاقة".
كذلك لم تصدر المؤسسة المسؤولة عن سويفت أيّ رأيٍ بشأن تضمين مؤسستها للعقوبات.
من جهة أخرى يمكن لروسيا تفادي عقوبة فصلها عن "سويفت" عبر إنشاء نظام ثنائي دولي كالذي أنشأته مع تركيا في أزمة الصواريخ "أس 400".
وفي الحقيقة؛ إن دولاً غربية كثيرة تعترض على فصل روسيا عن سويفت مثل ألمانيا التي تقول إن هذه العقوبة ستضرب اقتصادات أوربا في الصميم. وتنقل وكالة RT أنّ هناك تراجعات في واشنطن عن هذه العقوبة، وتنصح بروكسل أيضا بعدم اللجوء إلى هذه العقوبة، وتشير التقارير إلى أنّ الاتحاد الأوربي ترك النظر في موضوع فصل روسيا عن "سويفت".
ويقول زعيم حزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" في ألمانيا "فريدريخ ميرتس":- "إن فصل روسيا عن سويفت يمثل انفجار قنبلة ذرية بالنسبة لأسواق المال والسلع والخدمات"
وهذا بالذات يؤكد أن العقوبات ستبقى في مجال التأثير اليسير طالما بقيت التعاملات المالية الضخمة لروسيا قائمة وهي تحويلات مالية للعمليات التجارية الكبرى عبر العالم خصوصا تجارة الطاقة.

ثم يأتي ثالثاً اعتراض شركاء روسيا التجاريين في عموم بلدان أوربا غربها وشرقها على العقوبات ليشكل عائقاً مهماً آخر. إذ سيتعرض هؤلاء الشركاء الى خسائر فادحة نتيجة العقوبات.
وحسب "وكالة تاس الروسية للأنباء"؛ بلغ فائض الميزان التجاري لروسيا في الفترة من يناير إلى سبتمبر هذا العام 130.3 مليار دولار، بزيادة نسبتها 68.13% عن نفس الفترة من العام الماضي.
وذلك وفقا لبيانات الجمارك الروسية. وأشارت البيانات إلى أن الصادرات في الأشهر التسعة الأولى من عام 2021 قد بلغت 343.8 مليار دولار، بزيادة نسبتها 41.4% على أساس سنوي فيما بلغت الواردات 213.5 مليار دولار.
وشكلت منتجات الطاقة الحصة الأكبر في هيكل الصادرات الروسية.
أمّا "أبرز الشركاء التجاريين لروسيا من خارج رابطة البلدان المستقلة (الدول السابقة في الاتحاد السوفيتي) أشارت البيانات إلى الصين (حجم التبادل التجاري 98.9 مليار دولار)، ومن ثم ألمانيا (40.9 مليار دولار)، وهولندا (32.5 مليار دولار)، والولايات المتحدة (26.2 مليار دولار)، وتركيا (23.3 مليار دولار)".
وفي التقدير النهائي يكشف الوضع والمداخلات الدولية، السياسية والاقتصادية المختلفة، طبيعة المساومات والتسويات الامبريالية بين اطراف النزاع في الازمة الاوكرانية بشكل واضح.