إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح13


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 7402 - 2022 / 10 / 15 - 04:39
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

تطبيق السند على نظرية الإمامة
السند الأول
مع أن الفقهاء والمتكلمين الشيعة نجحوا في تأسيس قاعدة فقهية خاصة بموضوع الإمامة وألحقوها لمفهوم قرآني ثابت، حتى أن الخلف الذي أعقبهم ولليوم لم يراجع هذه القاعدة والبحث في مسلماتها ولا في أصولها التشريعية على أعتبار وحسب البناء العقائدي الذي جعلوا منه المادة الأساسية في بناء النظرية في معظمها قد ذكروا انها نصوص مباشرة من الإمام المعصوم، لذا فهي معصومة من النقد حتى لو لم تكن واردة في النص القرآني أو حديث أو أثر ثابت من قول وفعل وتقرير النبي محمد وحتى الأئمة الثلاث الأوائل عليا والحسن والحسين، هذه القاعدة نعرضها اليوم للتفكيك والنقد وإظهار كل ما تملكه من قوة وضعف بحيادية وتجرد ومقارنة أصولها مع اصول فكرة الإمامة في القرآن عموما وخصوصا.
بالعودة للقرآن نصوصا ومفاهيم نحد أم كلمة إمام ومشتقاتها وردت أثني عشر مرة وكالآتي:.
• وردت بمعنى الكتاب الحاضر والمؤجل في خمسة مواضع، تشير إلى أن الإمام هو ما يكتب من ما كسب الإنسان في حياته وسجل له وعليه، خيرا أو شرا ولا علاقة لهذه الموارد بنظرية الإمامة المهدية ولا بنظرية أستخلاف النبوة بها.
1. (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ) ﴿١٢ يس﴾ .
2. (أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُولَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) ﴿١٧ هود﴾.
3. (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ) ﴿٧٩ الحجر﴾.
4. (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَـٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) ﴿٧١ الإسراء﴾.
5. و (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ) ﴿١٢ الأحقاف﴾
• كما وردت بمعنى التقدم والرياسة والسبق في محل ذم وأحتقار في موضعين هما:.
1. (وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ) ﴿١٢ التوبة﴾.
2. (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ) ﴿٤١ القصص﴾.
• وقد وردت في موضع الدعاء والتمني والترجي خصوصا ومخصوصا في المواضع التالية:.
1. (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ﴿١٢٤ البقرة﴾.
2. (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) ﴿٧٤ الفرقان﴾.
• وأخيرا وردت في موضع الجعل والتقرير والتقدير لفئة من الناس المؤمنين جزاء لما في إيمانهم من إخلاص وصبر:,
1. (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) ﴿٧٣ الأنبياء﴾.
2. (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) ﴿٥ القصص﴾.
3. (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) ﴿٢٤ السجدة﴾.
في المواضع الأربعة بآياتها الأثني عشر وبدلالاتها القصدية والمعنوية وفي أسباب نزولها ومن منطق السياق الذي وردت فيه هذه الآيات جميعا، لا يمكن أن تكون سندا للنظرية بالشكل الذي وضعه فقهاء ومتكلمي الشيعة عندما أسسوا نظرية الإمامة بالشكل الذي يتم التعاطي به واقعا، قطعا العدد الأكبر من الآيات والتي جاءت بمعنى الكتاب فهي لا تنطبق على المفهوم لا مصداق ولا معنى لا تفسيري ولا تأويلي، أما الموضعين الواردين في معنى الذم والقدح مخصوص بها أئمة السوء من الكافرين والمنافقين ومن هم على المماثلة والمشاكلة، هذه سبع مواضع من أثني عشر موضعا لا يمكن لأحد أن يسندها لمعنى الإمامة الشيعية قط.
في المجموعة الثالثة الوارد فيها نصين في الإمامة المخصوصة والمشار إليها بأني "جاعلك"، وهذا خطاب مباشر وحصري وإن لا يمنع أن يكون عنوان وسياق كلي في موضوع الجعل، ولكون الحديث مباشر فيبقى المؤشر إليه هو المقصود الحصري ما لم يقم دليل عابر إلى غيره بنص أو أسناد، يقول الفقيه السيد كمال الحيدري في إحدى حواراته الفقهية بخصوص الآيتين نافيا أن تكونا مصدر لمفهوم الإمامة الشيعية كمضمون وإن بم ينكرها كعنوان (هذه الإمامة بمن مرتبطة؟ مرتبطة بعلي وأهل بيته؟ الجواب: كلا، بشكل واضح وصريح، وإذا وجدتم أحد يستدل بهذه الآية المباركة لإثبات إمامة علي بشكل مباشر أعرفوا أنه لم يعرف مقصود الآية المباركة، هذه الآية متعلقة بإبراهيم عليه السلام، لأن الآية تقوله: (إني جاعلك) يعني إبراهيم الخليل، إذن الآية متعلقة بإبراهيم الخليل) .
ويذكر السيد الحيدري في تبرير عنوانية المفهوم المستنبط من النص من أن له خلفيات جعليه تشريعية يمكن أستنباط مفهوم الإمامة الشيعية منها، على أعتبار أن الإمامة مساوية ومساوقة للنبوة من حيث الأصل التكويني بقوله (يستفاد من الآية أن الإمامة من الأمور التي لابد أن تجعل من قبل الله سبحانه وتعالى، لأن الآية قالت (إني) الله سبحانه وتعالى يقول إني، كما قال تعالى (إني جاعل في الأرض خليقة) هنا يقول أيضاً (إني جاعلك للناس إماماً) فتكون الإمامة الإبراهيمية مجعولة من قبل الله سبحانه وتعالى على حد جعل النبوة لأن الله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام يقول (الله أعلم حيث يجعل رسالته) إذن نجد أن القرآن الكريم نفس الاصطلاح الذي استعمله في النبوة استعمله في الإمامة الإبراهيمية)، فالإمامة وإن كانت هنا جعلية من الله في حق إبراهيم تخصيصا في النصين لكنها لا تمتنع أن تكون كذلك في حق غيره من الأئمة المنصوص عليهم بحسب دعوة إبراهيم لذريته فقد (كانت في اخريات حياته ولذا طلب الإمامة لذريته ونحن نعلم جميعاً أنه لم يرزق الذرية وإلا على كبر سنه، (أألد وهذا بعلي شيخاً) إذن من الواضح أن إبراهيم لم يعطى الذرية في أوائل حياته، وعندما يطلبها لذريته يعني كان عنده ذرية وإلا لم يكن من الأدب الإلهي أن النبي لا توجد عنده ذرية ولا يعلم أنه سيرزق بذرية ويقول إلهي هل تعطيها لذريتي، أين ذريتك حتى أعطيها أو لا أعطيها).
ومع أحترامنا لهذا الرأي ووجاهته المنطقية لكنه يعارض نصا أخر ثابت ومعلوم وهو من نفس السياق ومن نفس الداع وفي نفس المضمون، لكنه يفرق عنه بالتوقيت مما يدلل على أن الحكم الذي بنى عليه السيد الحيدري لم يكن كافيا أو مقنعا في تبرير الوقت فقط، فقد ورد في النص الأخر من المجموعة ذاتها (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، المعروق والمجمع عليه أن هذا الكلام منسوب لإبراهيم ع وزوجه ومصدره دعاء إبراهيم قبل أن يرزق بذرية، ولا ينافي ما ورد في النص الأول ولا يعارض علم الله بما سيكون عليه إبراهيم من ذرية أو من عدمها، إذا الإمامة المقصودة هنا حصرية في إبراهيم بشكل أساسي وبذريته من غير الظالمين مطلقا وحسب الجعل الرباني لمن يجعل منهم الله أئمة كما يرد في المجموعة الأخيرة، بدأ من أسماعيل وأسحق ونزولا إلى أخر ذرية إبراهيم.
إذا فالسند الأول التي قامت عليه نظرية الإمامة لا يمكن أن يختص ويخصص لأحد طالما أنها تعتمد على المصاديق الخارجية ولا تعتمد على النص المحكم، هذا لا يعني أننا ننفي وجود حالة إمامة في الإسلام لثبوت ذلك نصا وروحا ولو بالأحاديث الثابتة والمتفق عليها، ولكن نؤمن بها بحدودها دون التوسع بها وتعميمها حالة أو نظرية جعلت منها من اصول الدين أو من فروعه، لأنها حالة ملحقة بالنبوة ومرتبطة بها وجودا وعدما، وفي جميع الأحوال تبقى تدور في هذه الدائرة الضيقة كوظيفة أو فرض ديني.
السند الثاني
السند الشرعي الثاني الذي يعتمد عليه فقهاء ومتكلمي الشيعة فيما يخص حق الإمام في التملك، هو حق الإرث الشرعي الذي أل للإمام حصرا من مورثه الرسول، كما ورد عن فقهاء الشيعة قديما وحديثا من اواسط القرن الثالث الهجري (أن الخمس يقسم على ستة أسهم: سهم منه لله، وسهم منه لرسوله، وسهم لذي القربى، وسهم ذي القربى في عصر الرسول لأهل البيت خاصة ومن بعده لهم، ثم لسائر الأئمة الإثني عشر من أهل البيت وأن السهام الثلاثة لله ولرسوله ولذي القربى للعنوان، وأن سهم الله لرسوله يضعه حيث يشاء وما كان للنبي من سهمه وسهم الله يكون من بعده للإمام القائم مقامه، فنصف الخمس في هذه العصور كملا لإمام العصر، سهمان له بالوراثة وسهم مقسوم له من الله تعالى وهو سهم ذي القربى، وأن هذه الأسهم الثلاثة لإمام العصر من حيث إمامته)، فالإمام هنا يستحف كامل إرث الرسول وتركته دون أن يكون ملزما بما ورد في النصوص التي بينت الأنصبة والأستحقاقات والطبقات التي يوزع عليها إرث المتوفي، هذا الزعم يخالف ليس النص فقط بل يخالف حتى ما جرى في حياة النبي خاصة والأنبياء عامة، وما جرى عليه الأمر في عهد الإمام علي حين طالب بحق الزهراء فاطمة بت محمد من إرث أبيها,
فلو كان ما ورد في السند القاعدة أن الإمام يرث الرسول كاملا فيما ترك نكون أمام الأحتمالات التالية:.
1. مطالبة فاطمة ع والإمام علي لأبي بكر بحقها مما ترك النبي من إرث، مطالبة باطلة لا تستند إلى زعم شرعي ولا إلى حق نصي، لأن الإمام علي ع وفقا للنظرية هو الوارث الوحيد للنبي كمل يزعم فقهاء الشيعة يعد القرن الثالث الهجري.
2. إذا كانت مطالبة فاطمة عليها السلام للخليفة الأول وهي كما يصفها فقهاء الشيعة معصومة وأن الإمام علي إمام معصوم لا يجوز عليه الخطأ والأشتباه، فيكون إقرارهما ومطالبتهما بحق فاطمة نسفا يقينيا لهذه النظرية، وأنه كان يعامل النبي محمد كما يعامل باقي المسلمين فيما له وعليه من أحكام النصوص وخاصة في الإرث، وهو الأولى أن يكون أول من يطبق شرائع الإسلام.
3. ما ثبت بالواقع من قول وإقرار وفعل من إمام معصوم دون أن يرجع عنه أو يغيره بقول أو فعل أو تقرير مناقض، لا يمكن تبديله وتغيره وتعديله بناء على أجتهاد مبني على رواية أو خبر متأخر، وبالتالي ما كان في عهد الإمام علي هو أصل فقهي وعقيدة ثابتة لا تعارضها أجتهادات الفقهاء ولا المتكلمين.
النتيجة التي توصلنا لها هي الحقيقة التي تجاوزها بعض الفقهاء وأسسوا لنظرية وراثة النبي لسهمي الله ورسوله وسهم ذوي القربى، أي نصف الخمس وتقسيمه بعد ذلك لسهمين هما سهم الإمام وسهم السادة مناصفة بينهما بعد أن كان ستة أصناف، ومن الدلائل التاريخية التي تثبت أن الرسول لم يفعل ما يقوله الفقهاء من جعل الخمس سهمين له بقيضهما بنفقهما كيف يشاء ما ورد في رواية عن أبي العالية الرياحي التي لا ينكرونها ( كان رسول الله يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة تكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة وهو سهم الله، ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل ، قال: والذي جعله للكعبة هو سهم الله).
فسهم الله يذهب إلى الكعبة ليس بمعنى الوديعة وإنما تنفق على شؤون بيت الله من عمارة ووفادة وسقيا وغيرها من أنفاق معتاد ومتواتر حتى قبل الإسلام، كما نجد أن الرسائل التي كان يرسلها النبي إلى القبائل والأقوام التي دخلت الإسلام حيث لم يطلب منها إلا سهمين فقط من سهام ستة جاءت في الآية، وهذه دلالة على أن النبي لم يقبض بقية السهام في حياته، لأنها لا تعود له ولا لأله وإنما تعود لذوي القربى عامة والفقراء والمساكين وأبناء السبيل في المكان والزمن الذي يتحقق فيه الخمس (وفي ما كتب لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه: ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا من المغانم خمس الله وسهم النبي وفارقوا المشركين فان لهم ذمة الله وذمة محمد بن عبد الله).
إن قراءة معمقة وجادة بروح تجريدية من الأنحياز والرؤية المسبقة لتاريخ الإرث النبوي تؤكد بما لا يقبل الشك، أن من أستحق الإرث بعد وفاة النبي الكريم هم "سبعة من زوجاته أمهات المؤمنين" وأبنته الباقية على قيد الحياة فاطمة وعمه العباس فقط، وما جاء بالصحاح والمسانيد وكتب الحديث من السنة ومن الشيعة حادثة وجد فاطمة على الخليفة الأول، ومضمونها ينسف تماما نظرية التوريث الشيعية وتؤكد أن إرث النبي كان وفقا للمواريث الشرعية الواردة في القرآن (حدثنا عبد الله بن محمد: حدثنا هشام: أخبرنا معمر، عن الزُهري، عن عروة، عن عائشة أن فاطمة والعباس عليهما السلام، أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك، وسهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال)، قال أبو بكر: والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته، قال: فهجرته فاطمة، فلم تكلمه حتى ماتت).
ولا أريد هنا الدخول والخوض في المحاجات التي طالت وتعمقت فيها الخلافات والتضارب بين المسلمين بعد عصر الخلافة الأول، ولكن أود أن أشير إلى ما لا يذكره غالب فقهاء الشيعة ومنظريهم حول ما عرف لاحقا بقضية فدك، وإن كانت في الحقيقة ليس من الميراث النبوي، بل هي خلعة من النبي في حياته لأبنته فاطمة، ولكن الصراع الذي حدث لاحقا بعد وفاة النبي جردوا فاطمة من ملكيتها واعتبروها من صدقة الرسول، إن المال الذي خلفه النبي لم يجعله أبو بكر لنفسه ولا لأهل بيته، ولا انتفع هو ولا أحد من أهله بهذه المال، وكذلك عمر لم ينتفع بهذا المال، وإنما هذا المال هو صدقة لمستحقيها، بل سلم عمر هذا المال إلى علي والعباس يفعلان فيه ما كان النبي يفعله وأن يجعلانه صدقة، ثم إن علي لما ولي الخلافة لم يغيرها عما عمل فيها في عهد الخلفاء الثلاثة ولم يتعرض لتملكها ولا لقسمة شيء منها بل كان يصرفها في الوجوه التي كان من قبله يصرفها فيها، ثم إن أبا بكر وعمر قد أعطيا عليا وأولاده من المال أضعاف ما خلفه النبي من المال.
وهنا أيضا نورد دليلا آخر على صحة ما قلنا به من أن ورثة النبي هم ما ذكرتهم من قبل، أمهات المؤمنين زوجات النبي وبنته فاطمة والعباس عم النبي، وهو ما ورد في كتب التاريخ مثل البداية والنهاية لابن كثير وتاريخ الأمم والملوك للطبري، من أن عمر بن الخطاب عندما تولى الخلافة رد فدك إلى علي والعباس، ويرى الشيعة أن هذا الموقف متناقض مع الرواية التي قالها أبو بكر، ورد فدك حدث مرات عدة أخرى في عصور أخرى، فقد قام الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز بردها إلى أبناء فاطمة في عصره، كما عرض الخليفة العباسي هارون الرشيد على موسى الكاظم أن يرد له فدك، ولكن موسى أوضح أن العلويون ينظرون إلى قضية فدك من منظور آخر.
كل هذه الوقائع التاريخية التي لا ينكرها ولا يعارضها الراوي الشيعي المعتمد، تفسد على الفقيه والمتكلم الشيعي الذي أسس نظرية الإمامة بالشكل الذي بيناه من مصادرهم، وأعتبروا أن حق الله والرسول يعودان للإمام حصرا دون مشاركة من أحد، وأن الأئمة المعصومين بقولهم لم يلتزموا بآية المواريث ولا بأحكام القرآن، وهو إدعاء باطل ولا حجة فيه إنما أشيع من خلال الأجتهاد في التفسير والتأويل عن روايات فاسدة في غالبها نسبت لآل البيت زورا وبهتانا.