في وداع سيد الشعراء العرب مُظفّر النوَّاب ، قصيدة : -صُرّةُ الفقراءِ المملوءةِ بالمتفجراتْ- ، وصفٌ وترجمة 1-3


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 7255 - 2022 / 5 / 21 - 21:56
المحور: الادب والفن     

1. مقدمة
في معرض الإيفاء ببعض البعض من الوفاء لسيد الشعراء العرب : مظفَّر عبد المجيد النوّاب – الذي غادرنا بالأمس (20/5/2022) غريب الدار مثل غيره من عشرات أنفس يواقيت الأدب والفن العراقي و العربي و العالمي طوال القرنين العشرين والواحد والعشرين – اخترت عرض ووصف وترجمة قصيدته الشهيرة عن المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني النازي لفلسطين ذات العنوان أعلاه في هذا الجزء من المقالة وما سيليها .
نص القصيدة المثبت هنا منقول من تسجيل بالصوت و الصورة للشاعر نفسه و هو يلقيها في حفل جماهيري ، مُتاح على الرابط :
https://www.youtube.com/watch?v=NmEJoZrDsKI
مع مقايسته مع نصها المنشور في كتاب :
الأعمال الشعرية الكاملة : "مظفر النوَّاب ، مع ديوان الرّيل وحَمَد" ، مكتبة البوَّاب ، بغداد (ص: 416-427).
2. نص القصيدة
صُرّةُ الفقراءِ المملوءةِ بالمتفجراتْ
"أبو مشهور مقاتلٌ فلسطيني ، قاومَ في مذابح الأردن ، ورفضَ أن ينسحب ، وماتَ بظروف غامضة بعد ذلك . في "أبو مشهور" فردٌ ورمزٌ في القصيدة ."

أفَلَ الليلُ ،
وَقبرُكَ في الأُفُقِ الشرقيِّ يُوازي الشمسَ ،
يُوازي همَساتِ السَّعفِ ،
وَثمةَ طيرٌ منكفئٌ تَدفعُهُ الريحُ ،
ورأسُكَ في الطينِ الباردِ ساكنةٌ
ترتاحُ إلى حَجَرٍ أرحَمَ من هذي الدُّنيا وسفالتِها ـ
فالعالمُ آلةُ إيذاءْ .
لا تتغيرُ بعد الآنَ ، ولا الأرضُ ،
فإنَّكَ بالاسمِ الأولِ أحلى الأسماءْ .

أقسمُ أنك تلتفتُ الآنَ الى بلدِ الموتِ ،
وقبركَ بعضُ خيامِ فلسطينَ ،
تفتِّشُ عن بيتٍ يجمعُ كُلَّ الغرباءْ -
الثورةُ بيتٌ يَجمعُ كلَّ الغرباءْ .
وتفتّحُ جفنيكَ رطوبةُ ليلِ القبرِ نشيجاً
لم يجدِ الوقتَ الكافيَ بالأمسِ لديكَ ،
وحرفاً يكتظُّ على شفتيكَ بكلِ أداناتِ الشهداءْ -
والحرفُ يشخّصُ بعضَ الأوهامِ ،
وبعضَ الأسماءْ .

هل أنتَ تصيخُ خلالَ مسامِ الأرضِ
لريحِ بساتينِ الموزِ
تهبُّ على الغورِ
وتذرو في الليلِ بقايا مذبحةِ الأردنِ والأشلاء ؟
لم يبقَ سوى وتدٍ واحدَ في الأرضِ
يطلًّ على نهرِ الأردنِ في صمتٍ ،
ويثبِّتُ حقاً بالعودةِ
أكثرَ من كلِّ حشودِ الخوفِ العرجاءْ .

أدينُ بموتكَ مقبرةً حولي يتفسّخُ فيها الأحياءْ .
أدينُ بموتكَ
أزياءَ التهريجِ وقاعاتِ المؤتمراتِ ،
وعرضُ النظريات الأزياء .
أدينُ بموتكَ عُهرَ الشارعِ
يَقرأ فاتحةً وتثاؤبتينِ على الشهداءْ .
أدينُ بموتكَ أنَّ رؤوسَ الأموالِ وراءَ الأشياءْ .
أدينُ بموتكَ -
لكنَّ الصمتَ يعضُّ على قلبيَ
حينَ أواجهُ أن حروفَ المرتدّينَ بدونِ حياءْ .

ولمِ الصمتُ وأولُ ساعاتِ الفجرِ تقومُ بأكفانك
في غضبٍ ، تتوعدُ كالبرق بأعلى الصحراء ،
تتسلل عبر خيامٍ يستكثرها الحكام عليك ،
تشدًّ الغدّارة في وَجدٍ ، وتقبِّلها -
والصدرُ الثوريُّ رجاءْ .
تمسحُ بابَ القدسِ بما فيك من الشوقِ لها ،
وترشُّ حدائقَها .
أقسم إن حَمَام الساحات سيعرِفُ ثوبَكَ ،
والأيتامُ سيجتمعون اليك بأمعاء فارغةٍ ،
وعيونٍ فارغةٍ ،
وأمانٍ فارغةٍ ،
وملابسَ من صدقات السِّلم .
وأنت تزور بيوت الفقراءْ .

سَيرونَكَ تحمل صرّة حزنٍ مثل جميعِ الفقراءْ .
سيرونكَ تقطعُ تذكرةً للصرةِ في الباصِ الإسرائيلي ،
وتجلسُ بين الناسِ الغرباءِ عن القدسِ .
تسافرُ في صمتٍ ،
وترى السهمَ على زاويةِ الشارعِ ،
و المرضَ العبريَّ يشيرُ إلى اللِّدْ -
السهمُ يشيرُ إلى اللِّدْ .
تكادُ تنطُّ الصرةُ كالأطفالِ ،
تشدُ على وجهكَ في فرحِ أجسامٌ تُشير إلى اللّْدْ -
و يحتشدُ الآن بعزمكَ كلُ الشهداءْ .

يَنزلُ آخرُ مَنْ في الباصِ ،
تَنزلُ أنتَ سريعَ الخُطى ،
تَخطُّ على أبوابِ مطار اللّدِ خياناتِ ذوي القربى ،
وشراكتهم للأعداءْ .
والآن فقط :
تنزعُ ثوبَك؛
أكفانَك ؛
خاتمَ عرسك -
تمسي مجهولاً .
وتوزعُ تلك الأشياءَ الربانيةَ في صرتك الزرقاء
بأرجاءِ مطارِ اللدِّ .
وبعد قليلٍ ،
حسب التوقيت الصيفي -
فأنت تحبُ التوقيتَ الصيفي -
ستفجرُ الخزاناتُ ،
وتنفجرُ الصالاتُ ،
وينفجر الحلُّ السلمي ؛
وتهتزُ اللدُ من النشوةِ ،
حين تراكَ تغادرها عَجِلا ًمتّقدَ القلبِ
وتفتحُ دفتركَ الثوريَّ لتسجيلِ أماكنَ أخرىْ .

أدينُ بموتكَ
ألّا تتفجرَ بأرضي أماكنَ أخرى .
أدينُ بموتكَ
كثرةَ ما تُحشى بالتبنٍ فقاعاتُ الصابونِ
فتُصبحَ أسماءً كُبرىْ .
وأدينُ بموتكَ أصلاً
أن الثورة تَقطعُ أرضاً لتسمى تلك فلسطين -
بديلاً عما مُتَّ لَها ، والناسُ يموتون لها ؛
ليست تلكً فلسطينُ ـ أبا مشهورَ -
ولكنَّ تلكً خياناتٌ كبرىْ .

وأطالبُ بالسيف ليغسلَ بعضَ الأوهامْ .
من كانَ مع السيدِ هنري فليرفعَ ياقتَهُ ؛
من كانَ مع الثورةِ فليرفعَ قبضَته -
قبضاتُ الثورةِ أعلامٌ .
سيرَونكَ تأتي من جهةِ القبرِ ،
تَلوحُ عليك مخايلُ أقحاحِ البدوِ .
تلفعتَ بخرقةِ خامٍ سمراء ؛
تحزَّمتَ قنابلَ في حبلٍ من مسدٍ ؛
تتربصُ حولَ حقولِ النفطِ كموعدِ عشقٍ ؛
يا ألله !
وقبلَ التنفيذِ بمملكةِ النفطِ ، وشاياتٌ حصلت:
قبل التنفيذ ، وقبل التنفيذ .
حَذارِ ،
حذارِ حذار ، أبا مشهورَ ، حذار .
وألقى الحرسُ النفطيُّ القبضَ عليكَ ،
وصارَ مصيرُكَ مجهولاً ثانيةً في الصحراءْ .

يَحضُرُ مؤتمرُ القمة للتحقيقِ ،
وتُنزعُ أكفانك ؛ تُنبَشْ .
ما اسمك ؟
لمْ تَنبسْ .
ما اسمكَ ، ها ؟
لمْ تَنبسْ .
عمرُك ؟
لمْ تَنبُسْ .
وتبسَّمتَ -
فليس هنالك عمرٌ للشهداء .
من أي بلادٍ أنت؟
تُشيرُ الى الصُرَّة :
تلك بلادي .
أشهدُ أنك منها ؛
نَشهدُ أنك منها ؛
وتَغذيتَ من البارودِ بتربتها .

نحنُ الشعبُ ،
ونَشهدُ أنك منها ، وتغذيتَ من البارودِ بتربتها .
نُقسمُ أن نسترجعَ كلَّ فلسطينَ ، أو التَدميرُ ،
ونَسفُ الآبارِ ، وحتى العودة .
السهمُ يشيرُ إلى الآبارِ ،
السهمُ يشيرُ إلى الأسماءِ الكبرى ؛
السهمُ يشيرُ إلى الدولِ الكبرى ؛
السهمُ يشيرُ إلى مكة .
السهمُ يشيرُ إلى -
إذ ذاك يغصُّ التحقيقُ ،
ويَسقطُ ريشُ الحكامِ جميعاً .
ويُصوَّتُ أن تُدفن فوراً ؛
تُدفنُ فوراً .
وتقومُ ، وتُدفن ثانيةً .
وتقومُ ، وفي يدك الصرّة ثالثةً ؛
تُدفنُ رابعةً .
تنهضُ ألفاً ،
تُدفنُ ألفاً .
تذهبُ آخرة ً وفراقا ً،
وتحاسبَ هذي الدنيا ،
حتى تشهدَ أنّك منها ،
وتغذّيتَ من البارودِ بتربتها .

مُظفَّر النوّاب

يتبع ، لطفاً .