ألمانيا كضحية جانبية للحرب الباردة الأمريكية الجديدة


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 7945 - 2024 / 4 / 12 - 03:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مقدمة المترجم
هذه المقالة هي ترجمة لمقالة الخبير الاقتصادي الأمريكي الماركسي "مايكل هدسن" (Michael Hudson) المؤرخة في 29 آذار من العام الحالي والمنشورة في صحيفة "برلينر تسايتونغ" الألمانية والتي تشرح كيفية قيام ادارة بايدن الفاشية الشمولية بتحويل كل بلدان اوروبا الغربية - وأهما ألمانيا - إلى مستعمرات تابعة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا لها عبر بعثها للحرب الباردة الأمريكية الجديدة بإغراء فرخها زيلينسكي على التنكر لاتفاق مينسك عام 2018 بغية اجبار روسيا على شن الحرب على أوكرانيا. وكانت ادارة بايدن تؤمن بأن هذه الحرب ستحول روسيا أيضاً الى تابع لفلكها بغية محاصرة الصين بعدئذِ وتحويلها الى تابع آخر لها. نص هذا المقال متاح على الرابط:
https://michael--hudson-com.translate.goog/2024/03/germany-as-collateral-damage-in-americas-new-cold-war/?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=sc
الكاتب مايكل هدسن (من مواليد 14 مارس 1939) هو خبير اقتصادي أمريكي وأستاذ الاقتصاد في جامعة ميزوري - كنساس سيتي، وباحث في معهد ليفي للاقتصاد في كلية بارد، ومحلل سابق في وول ستريت ومستشار سياسي ومعلق وصحفي. وهو أحد المساهمين في تقرير هدسون: بودكاست أسبوعي للأخبار الاقتصادية والمالية من إنتاج Left Out.
تخرَّج هدسن من جامعة شيكاغو (بكالوريوس، 1959) وجامعة نيويورك (ماجستير، 1965؛ دكتوراه، 1968) وعمل كخبير اقتصادي لميزان المدفوعات في بنك تشيس مانهاتن (1964-1968). وكان أستاذًا مساعدًا للاقتصاد في المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية (1969–72)، وعمل في العديد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية كمستشار اقتصادي (من الثمانينيات إلى التسعينيات).
كرَّس هدسن حياته المهنية لدراسة الديون، سواء الديون المحلية (القروض، والرهون العقارية، ومدفوعات الفائدة)، أوالديون الخارجية. في أعماله، يدافع باستمرار عن فكرة أن القروض والديون المتزايدة بشكل كبير والتي تفوق الأرباح المتحققة من الاقتصاد الحقيقي هي كارثية التأثير على كل من حكومات وشعوب الدولة المقترضة لأنها تغسل الأموال (المدفوعات للمرابين والمستأجرين) من معدل دوران الأعمال، وليس من دورانها مع ترك الأموال لشراء السلع والخدمات، مما يؤدي إلى انكماش الديون. ويشير هدسن إلى أن النظرية الاقتصادية الحالية، مدرسة شيكاغو على وجه الخصوص، تخدم أصحاب الدخل العالي والممولين لرأس المال المالي، وقد طورت هذه المدرسة الفاشلة في كل شيء لغة خاصة بها تهدف إلى تعزيز الانطباع بأنه لا يوجد هناك أي بديل للوضع الراهن الذي تلوح في آفاقه أشباح عدة ازمات اقتصادية. فوفق هذه النظرية الخاطئة، فإن الأعباء الطفيلية على الاقتصاد الحقيقي، بدلا من خصمها كمطلوبات في المحاسبة، فإنها تضاف كإضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي ويتم تقديمها على أنها أصول منتجة. وينادي هدسن بضرورة حماية المستهلك ودعم الدولة لمشاريع البنية التحتية وفرض الضرائب على القطاعات الريعية من الاقتصاد بدلاً من العمال هو ما يمثل الاستمرار لخط الاقتصاديين الكلاسيكيين الصحيح اليوم. وفي مقال له نشر في نيسان 2006 في مجلة هاربر - قبل فترة الركود العظيم في الفترة 2007-2008 - توقع هدسن انهيار أسعار المساكن في الولايات المتحدة، وهو الانهيار الذي دفعت وتدفع شغيلة العالم أجمع ثمنه حتى الآن، وخصوصاً البلدان المصدرة للنفط التي تبيعه اليوم بأرخص من سعر الماء المعلب، رغم كونه – عكس الماء – ثروة نفيسة ناضبة لا تعوض بسبب اجبار الولايات المتحدة الأمريكية لها ببيعه بالدولار المطبوع لإدامة استعباد الأوليغاركية الامريكية الفاشية الشمولية لبلدان العالم أجمع.
وسأحاول في مقالات قادمة تسليط المزيد من الضوء على الفكر الاقتصادي المجدد للماركسية لدى مايكل هدسن.
نص المقالة
"يمثّل تفكيك الصناعة الألمانية منذ عام 2022 واحداً من الأضرار الجانبية للحرب الجيوسياسية الأمريكية الهادفة لعزل الصين وروسيا والدول الحليفة التي يُنظر إلى ازدهارها المتزايد واكتفائها الذاتي على أنه تحد غير مقبول للهيمنة الأمريكية على العالم. ومن أجل الاستعداد لما قد يكون معركة طويلة ومكلفة، فقد اتخذ الاستراتيجيون الأمريكيون خطوة استباقية في عام 2022 لإبعاد أوروبا عن علاقاتها التجارية والاستثمارية مع روسيا. لقد طلبوا في الواقع من ألمانيا الانتحار الصناعي والتحول إلى التبعية الاقتصادية للولايات المتحدة. وهذا ما جعل ألمانيا هي الهدف الأول والأكثر إلحاحاً في الحرب الباردة الأمريكية الجديدة.
عند توليه منصبه في يناير/كانون الثاني 2021، أعلن جو بايدن وفريق الأمن القومي التابع له أن الصين هي العدو الأول لأمريكا، معتبرين أن نجاحها الاقتصادي يشكل تهديداً وجودياً للهيمنة الأمريكية. ولمنع فرص السوق من جذب المشاركة الأوروبية أثناء قيامها ببناء دفاعها العسكري الخاص، سعى فريق بايدن إلى حبس أوروبا داخل المدار الاقتصادي الأمريكي كجزء من حملته لعزل الصين ومؤيديها، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تعطيل اقتصاداتهم عبر خلق الضغوط الشعبية للتخلي عن آمالهم في نظام اقتصادي جديد متعدد الأقطاب.
وتتطلب هذه الاستراتيجية فرض العقوبات التجارية الأوروبية ضد روسيا، والتحركات مماثلة لمنع التجارة مع الصين من أجل منع أوروبا من الانجراف إلى مجال الرخاء المتبادل الناشئ الذي يتمحور حول الصين. وللتحضير للحرب بين الولايات المتحدة والصين، سعى الاستراتيجيون الأمريكيون إلى عرقلة قدرة الصين على تلقي الدعم العسكري الروسي. وكانت الخطة تتلخص في استنزاف القوة العسكرية الروسية من خلال تسليح أوكرانيا لجر روسيا إلى معركة دامية قد تؤدي إلى تغيير النظام. وكان الأمل غير الواقعي يتلخص في استياء الناخبين الروس من الحرب، تماماً كما استاءوا من الحرب في أفغانستان التي ساعدت في إنهاء الاتحاد السوفييتي. وفي هذه الحالة سيمكن استبدال بوتين بقادة اوليغاركيين من المستعدين لاتباع سياسات نيوليبرالية مؤيدة للولايات المتحدة شبيهة بتلك التي انتهجها نظام يلتسين. ولكن ارتدادات هذه السياسة كانت عكس ذلك تماما. لقد فعل الناخبون الروس ما كان سيفعله أي شعب يتعرض للهجوم: فقد احتشدوا حول بوتين. وقد أرغمت العقوبات الغربية روسيا والصين على تحقيق المزيد من الاكتفاء الذاتي.
لقد واجهت خطة الولايات المتحدة للحرب الباردة العالمية الجديدة الممتدة معضلة عويصة. كان الاقتصاد الألماني يتمتع بالرخاء من خلال تصدير المنتجات الصناعية إلى روسيا والاستثمار في أسواق دول ما بعد الاتحاد السوفياتي، في حين كان يستورد الغاز الروسي والمواد الخام الأخرى بأسعار دولية منخفضة نسبيا. ومن البديهي أن تتبع الدبلوماسية الدولية في ظل الظروف العادية المصلحة الوطنية الذاتية وكانت المشكلة بالنسبة لصقور الحرب الباردة في الولايات المتحدة تتلخص في كيفية إقناع زعماء ألمانيا باتخاذ خيار غير اقتصادي عبر التخلي عن تجارتها المربحة مع روسيا. وكان الحل يتلخص في إثارة الحرب مع روسيا في أوكرانيا والتحريض على كراهية روسيا لتبرير فرض مجموعة واسعة من العقوبات التي تعيق التجارة الأوروبية مع روسيا.
وكانت النتيجة هي حبس ألمانيا وفرنسا ودول أخرى في علاقة التبعية للولايات المتحدة. وبينما يصف الأميركيون بشكل ملطف هذه العقوبات التجارية والمالية التي يرعاها حلف شمال الأطلسي بلغة أورويلية مزدوجة، بكون أوروبا قد "حررت نفسها" من الاعتماد على الغاز الروسي من خلال استيراد الغاز الطبيعي المسال الأميركي بأسعار أعلى بثلاثة إلى أربعة أضعاف، وتجريد نفسها من احتياجاتها من الغاز الروسي ومن الروابط التجارية مع روسيا، ونقل بعض شركاتها الصناعية الكبرى إلى الولايات المتحدة (أو حتى الصين) للحصول على الغاز اللازم لإنتاج المصنوعات والمواد الكيميائية.
كما أدى الانضمام إلى الحرب في أوكرانيا إلى دفع أوروبا إلى استنفاد مخزونها العسكري. وهي تتعرض الآن لضغوط بغية حملها على اللجوء إلى الموردين الأميركيين لإعادة التسلح ــ بمعدات لم يكن أداؤها طيباً في أوكرانيا. ويروّج المسؤولون الأميركيون لوهم مفاده أن روسيا قد تغزو أوروبا الغربية. ولا يقتصر الأمل على إعادة تسليح أوروبا بالأسلحة الأميركية فحسب، ولا على إعادة تسليح روسيا بأسلحة أميركية فحسب، بل في أن تستنزف روسيا نفسها مع زيادة إنفاقها العسكري رداً على إنفاق حلف شمال الأطلسي. وهناك رفض عام للنظر إلى السياسة الروسية باعتبارها سياسة دفاعية في مواجهة تهديد حلف شمال الأطلسي بإدامة، بل وتصعيد، الهجمات الرامية إلى الاستيلاء على القاعدة البحرية الروسية في شبه جزيرة القرم سعياً إلى تحقيق حلم تفكيك روسيا.
والحقيقة هي أن روسيا قررت التوجه نحو الشرق كسياسة طويلة الأمد. وينقسم الاقتصاد العالمي إلى نظامين متعارضين، الأمر الذي يترك الألمان عالقين في المنتصف، حيث قررت حكومتهم حبس الأمة الألمانية في النظام الأمريكي الأحادي القطب. إن ثمن اختيارها العيش في الحلم الأميركي المتمثل في الحفاظ على الهيمنة المتمركزة في الولايات المتحدة هو المعاناة من الكساد الصناعي. وما يسميه الأميركيون "الاعتماد" على روسيا حل محله الاعتماد على الموردين الأميركيين الأكثر تكلفة، في حين خسرت ألمانيا أسواقها الروسية والآسيوية. إن تكلفة هذا الاختيار هائلة، لأنه أنهى التوظيف والإنتاج الصناعي الألماني الذي بقي لفترة طويلة بمثابة الداعم الرئيسي لسعر الصرف في منطقة اليورو. وهكذا يبدو مستقبل الاتحاد الأوروبي وكأنه سقوط شاقولي طويل الأمد.
حتى الآن كانت ألمانيا وبقية دول أوروبا هي الخاسر الحقيقي في الحرب الباردة الجديدة التي تشنها الولايات المتحدة. فهل تستحق التبعية الاقتصادية للولايات المتحدة خسارة فرصة الرخاء المتبادل مع الأسواق العالمية الأسرع نمواً؟"