حول الهزيمة الأمريكية في أفغانستان ووصول طالبان إلى الحكم!


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 7005 - 2021 / 8 / 31 - 14:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

حول الهزيمة الأمريكية في أفغانستان ووصول طالبان إلى الحكم!
حوار قناة -عالم أفضل- مع توما حميد.

عالم افضل: ما هو سر الهزيمة السريعة للحكومة الافغانية امام طالبان؟! إذ تحدثت تقديرات المسؤوليين الامريكيين والناتو الى مقاومة الجيش والسلطة القائمة لما لا يقل عن 3 اشهر فيما كانت تقديرات المسؤوليين الامنيين الروس (6 اشهر). رغم إن جيش طالبان يصل كحد اقصى الى 75 الف مقاتل، بيد ان الجيش الاقغاني يصل الى 300 الف مقاتل مدرب بشكل جيد ومسلح بمعدات جيدة. زد على هذا، انفقت امريكا 88 مليار دولار من اجل اعداد القوى المسلحة الافغانية .... فما هو تصوركم لهذه الهزيمة السريعة وهذا الانتصار السريع الذي لم تتوقعه طالبان نفسها....؟
توما حميد: ان الحكومة التي نصبتها أمريكا في أفغانستان كانت تمتلك 308 الاف مقاتل على الورق، والجيش مدجج بأحسن الأسلحة الامريكية، وكان لها قوة جوية معتبرة، في حين كانت طالبان تمتلك حوالي 75 الف مقاتل مسلح باسلحة بدائية نوعا ما. رغم هذا لم يبق للحكومة في أفغانستان إثر في غضون 11 يوم من انسحاب أمريكا.
في الحقيقة ان الجيش الافغاني المنهار كان جيش ينخره الفساد وكان العدد الذي يذكر أي 308 الف جندي مبالغ به، وكانت هناك مبالغة في نوعية التدريب التي تلقاها. فمثل العراق، كان هناك الالاف من المقاتلين الشبح الذين لم يكن لهم وجود. كان يدفع للجندي الافغاني 150 دولار في الشهر، وفي الكثير من الأحيان كان لا يحصل على الراتب. في الأيام الأخيرة، كانت الكثير من الوحدات العسكرية لا يصلها الاكل. والسلطة السياسية كانت أكثر فسادا. ولم يكن للجندي الافغاني أي ثقة بقادة الجيش الكبار او القادة السياسيين.
نشرت صحيفة واشنطن بوست في ديسمبر 2019 وثائق سميت " أوراق أفغانستان- التاريخ السري للحرب" التي كشفت بان ما كان القادة العسكريون الامريكيون يقولونه في السر حول قوة الجيش وقوات الامن الوطنية الافغانية كان، بالضبط، عكس ما كانوا يصرحوا به في العلن؛ حيث كان المسؤولون في أمريكا يتحدثون بإستمرار عن تحقيق تقدم، وهو امر يخالف الواقع.
لقد كَشَفَت هذه الاوراق، اعتمادا على تقرير سري مستند إلى مقابلات أجريت مع عدد من المشرفين على تدريب الجيش الافغاني وقوات الامن الافغانية في 2016، ان القادة السياسيين والعسكريين كذبوا على الأمريكيين بشكل مستمر حول بناء جيش أفغاني قادر على مواجهة طالبان بدون دعم امريكي، وقاموا بالتلاعب بالمعطيات حتى يبينوا بان أمريكا كانت تحقق تقدم وتنتصر في الحرب. اذ اكد هذا التقرير على ان الجيش الافغاني كان غير كفوء وينقصه الحافز ولن يحارب. كما أشاروا الى ان قادة الجيش كانوا يستلمون رواتب لألاف الجنود الشبح، غير الموجودين. لم يعبر أحد من المشرفين على تدريب الجيش الذين تم مقابلتهم عن ثقته بقدرة الجيش الافغاني على التصدي لطالبان، دع عنك هزيمتها. يجب ان نعلم بانه قتل 60 ألف من الجيش الافغاني لان الجيش كان غير مدرب بشكل جيد وغير كفوء ويقوده قادة فاسدين. من جهة أخرى، ان ثلث قوات الامن كانوا اما مدمنين مخدرات او من طالبان. كما نشر الصحفي الأمريكي مايكل تريسي مقابلة في شهر تموز من هذه السنة مع محارب قديم في الجيش الأمريكي من المشرفين على تدريب الشرطة والجيش قال ان بناء الجيش والشرطة الافغانية كانت مجرد عملية لتحويل الأموال الى جهات معينة وخسارة المعدات.
هناك مسائل لعبت دوراً مهماً في هزيمة الجيش الافغاني أهمها هو غياب العقيدة. بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، تمكنت حكومة نجيب الله الموالية للسوفييت من المقاومة لأكثر من سنتين بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي، رغم كل الدعم الغربي للقوى الإسلامية في أفغانستان ورغم انهيار الاتحاد السوفيتي. من جهة أخرى، تمكن الجيش السوري من مجابهة عشرات المجاميع الجهادية التي تضم مئات الاف من المقاتلين المدججين بأحسن الأسلحة الغربية والتغلب عليها. لولا التدخل الامريكي والتركي، لكان بإمكان الجيش السوري من بسط سيطرته على كافة الأراضي السورية في وقت قصير. لقد حدث هذا طبعاً بمساندة روسيا، ولكن لولا رغبة الجيش السوري في المقاومة، لما تمكنت روسيا من تغيير الواقع.
ان السبب هو ان لجيش نجيب الله او جيش سوريا او لجيش فيتنام الشمالية وجيش فنزويلا الذي وقف ضد محاولات أمريكا تنصيب غوان كوايدو رئيسا للبلاد عقيدة وهوية. ان مسالة العقيدة والهوية هي مسالة حيوية بالنسبة للجيش، بغض النظر عن اتفاقنا او معارضتنا لهذه العقيدة والهوية. لم يكن للجيش الأفغاني الموالي لأمريكا أي عقيدة. لقد كان جيش لحكومة عميلة كارتونية اقرب الى مرتزقة.
من جهة لم تنجز الحكومة الأفغانية مكاسب بحيث يحس الجنود الافغانيين انها تستحق التضحية من اجلها.
عالم افضل: هل يمكن إعتبار الامر هزيمة ام مقتضيات استراتيجية لامريكا؟ مقتضيات إستراتيجية بمعنى إن احتلال امريكا في 2001 كان مرتبطا باستراتيجية "النظام العالمي الجديد"، (ترسيخ مكانة امريكا كزعيمة اوحد لعالم مابعد الحرب الباردة)، فيما إن الانسحاب الاخير مرتبط باستراتيجية اخرى، بوضعية اخرى الا وهي مجابهة الصين وروسيا... اي يعترض البعض وفي مقدمتهم الساسة الامريكيون بانه لماذا هزيمة؟! الاوضاع تغيرت، تغيرت الاستراتيجية. لا أكثر! ماذا تقول بهذا الصدد؟
توما حميد: ليس هناك شك بان الطريقة التي انتهى اليه التدخل الأمريكي في أفغانستان هو هزيمة ثقيلة لأمريكا. انا لا اقصد بان أمريكا خسرت المعركة مع طالبان عسكريا، او هزمت نتيجة نضال جماهيري ثوري، ولكنها انهزمت في النهاية، وخاصة من الناحية السياسية لان مشروعها وصل الى طريق مسدود.
نحن نعرف بانه تغيرت استراتيجية أمريكا منذ عهد أوباما حيث كانت هناك رغبة بالتوجه الى الشرق، الى اسيا، والذي يعني مواجهة الصين ومنع صعودها، وكانت هناك خطة لتقليص التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط، ولكن هذا لا يعني بان ما حدث في أفغانستان هو ليس هزيمة مريرة بالنسبة لأمريكا. كما قلنا، هناك ادلة كشفت عنها ما سميت بأوراق افغانستان بان الطبقة الحاكمة في أمريكا كانت على علم بان تدخلها في أفغانستان لم يكن له مستقبل وكان مشروعها سينهار، وتنهار الحكومة التي نصبتها، ولكن تمنوا ان يحدث هذا الانهيار بشكل اخر.
لقد كانت خطة أمريكا هو ان تنسحب من أفغانستان، وان تستطيع الحكومة التي نصبتها من المقاومة لفترة معينة، سنة او سنتين مثلا وعندما تنهار وتصل طالبان الى الحكم، لا يحسب هذا الامر على أمريكا، ولا ينظر اليه كهزيمة لأمريكا، ولكن انهيار الحكومة في غضون أيام جعل هزيمة أمريكا وانتصار طالبان امرا واضحا لا يمكن انكاره. يعتبر ما حدث هزيمة في نظر الطبقة الحاكمة وممثليها في أمريكا. هناك شعور قوي في صفوف النخبة في أمريكا بانها خسرت الحرب في أفغانستان.
لقد كان الهدف المعلن في بداية حملة أمريكا على أفغانستان هو الإطاحة بطالبان وتدمير القاعدة والجماعات الإرهابية. بعدها انخرطت أمريكا في إقامة نظام موالي لها بشكل فوقي وبتغطرس منقطع النظير. في النهاية انسحبت أمريكا ووصلت طالبان الى الحكم، ولا نعرف فيما اذا كان أفغانستان سيصبح مسرح لتجمع داعش والقاعدة وغيرها من القوى الإرهابية في وقت ان أمريكا صرفت 2.26 ترليون دولار على هذه الحرب، أي 300 مليون دولار يوميا لمدة عشرين سنة، هذا عدا الخسائر البشرية. بالطبع هناك فرق بين القوى التي هزمت أمريكا في فيتنام، التي كانت قوات جماهيرية تقدمية وبين القوى التي هزمت أمريكا في أفغانستان، اي طالبان التي هي قوة السيناريو الأسود، ولكن بالنسبة لأمريكا هناك شبه كبير بين سقوط سايغون وسقوط كابول.
من وجهة نظر حلفاء أمريكا أيضا يعتبر ما حدث هزيمة نكراء. يعتبر هذا حدث يقلل من مصداقية أمريكا؛ اذ تُعتبر حليفا لا يمكن الوثوق به. لقد وجدت دول الناتو نفسها في ورطة وفي وضع لا يحسد عليه عندما يتعلق الامر بإجلاء رعاياها والافغان المتعاونين معها، كما تخلت امريكا عن الحكومة الأفغانية. وإن هذا يؤدي الى نمو الشك في صفوف الدول والقوى التي تربط نفسها بأمريكا وتعتمد عليها لحماية امنها مثل تايوان بمواجهة الصين، كوريا الجنوبية واليابان بمواجهة كوريا الشمالية ودول الخليج بمواجهة إيران. لقد سارعت الجريدة الرسمية للحزب الشيوعي الصيني بتذكير تايوان بان لا تضع ثقتها في أمريكا وتربط مصيرها بسياسات امريكا. من وجهة نظر أعداء أمريكا مثل كوريا الشمالية وإيران وغيرها تعتبر هذه هزيمة أيضا، اذ يصعب على امريكا التورط في حرب كبيرة على المدى القصير، وهذا سيقوي ساعد هذه الدول في مواجهة أمريكا وسياساتها.
تعتبر الاحداث الأخيرة في أفغانستان بالفعل كارثة إنسانية. ان وقوع مجتمع من 40 مليون انسان في 2021 تحت حكم قوة تعود بكل معنى الكلمة الى القرون الوسطى هو حدث يبعث على الاكتئاب فعلاً. ان اقتدار طالبان في أفغانستان هو اقتدار للرجعية في كل المنطقة، ولابد ان يكون له عواقب سلبية في المستقبل القريب. لقد فرض الاحتلال الأمريكي أيام عصيبة على المجتمع الافغاني؛ حيث قتل حسب الاحصائيات الرسمية أكثر من 110 الاف من الأفغان. كانت الحكومة الدمية التي اقامتها أمريكا فاسدة الى درجة خيالية وغير فعالة ولم تقدم الكثير للمواطن الافغاني وكانت رجعية تجاه النساء. ولكن رغم هذا يعتبر وصول طالبان الى الحك،م حتى بالمقارنة مع الاحتلال وحكومته العميلة، شيء سلبي للغاية. ان وصول طالبان الى السلطة شيء كارثي خاصة بالطريقة التي حدث بها، حيث تم اهداؤها نصر واضح سوف تستفاد منه لإخضاع المجتمع. ومن الناحية العسكرية لقد استولت على الالاف المركبات العسكرية وعشرات الطائرات.
ولكن هذا لا يعني بأنني كنت مع استمرار الاحتلال الأمريكي. الانسحاب الأمريكي كان لابد ان يحدث، والنتيجة كانت ستكون كارثية متى ما حدث هذا الانسحاب. لا يمكن لأمريكا كقوة محتلة يستند تواجدها على اعمال القتل والتدمير ان تصبح قوة تحمي السكان في أفغانستان. ان كل الادعاءات حول حقوق الانسان وحقوق النساء والديمقراطية هو هراء، فهم من خلق طالبان والقاعدة وكل القوى الرجعية في أفغانستان وهم من دمروا مدنية المجتمع الافغاني التي حققها حتى 1992.
بنظري ان استمرار الاحتلال الامريكي يعني ادامة وضع غير طبيعي ويعني استمرار الرجعية والتناقضات التي يأتي بها الاحتلال الأمريكي في كل مكان تدخلت فيه أمريكا. الاحتلال يعني منع المجتمع من حسم الأمور والمشاكل والتناقضات بشكل من الاشكال. ففي دولة مثل أفغانستان، يصبح التواجد الأمريكي كاحتلال القضية الرئيسية التي تجعل كل القضايا الأخرى ثانوية.
كان بالإمكان ان يكون لأفغانستان مستقبل اخر لولا قيام امريكا بتهميش القوى التقدمية والعلمانية في المجتمع والاعتماد على أكثر العناصر والقوى رجعية في المجتمع لبناء نظام تعددي-بلورالي مغرق في الرجعية والفساد وعدم الكفاءة بدأ من مجلس الاعيان "لويا جركا" انتهاءا بنظام أشرف غني. لا يمكن بناء دولة مؤسسات وجيش نظامي من القوى الرجعية المتخلفة التي تراهن عليها أمريكا.
ان الذي منع أمريكا من النجاح في أفغانستان هو كونها قوة ايدولوجية بدرجة كبيرة وأيدولوجيتها الحالية بخصوص السياسة الخارجية تستند على معاداة كل ما هو علماني، وتقدمي واشتراكي وشيوعي. لذا ففي الوقت التي تتفاوض مع قوة رجعية مثل طالبان، تفرض حصار على كوبا منذ 60 سنة رغم إنجازات كوبا في مجال حقوق المرأة والصحة والتعليم. تجد ان حكومة مادورو في فنزويلا تتوسل لإجراء مفاوضات مع المعارضة وامريكا، وحكومة مادورا مستعدة لتقديم التنازلات، الا ان أمريكا ترفض كل هذه المساعي وتصر على فرض اشرس حصار على جماهير فنزويلا وعلى الإطاحة بحكومة مادورو.


عالم افضل: هناك تصور شائع نوعا ما لدى المحللين الغربيين مفاده ان امريكا انسحبت بهدف خلق المشاكل للصين. للصين مشروع عملاق اسمه خط الحرير. ان محور خط الحرير يمر بباكستان وافغانستان وايران ومنه الى اوروبا.. ان ترك افغانستان منطقة مضطربة وغير امنه ومحفوفة بصراعات ومخاطر يضع عراقيل جدية امام هذا المشروع العملاق او عبر تقوية الجماعات الاسلامية المتشددة بالمنطقة (وما اكثرها!) مما يؤثر على الاستقرار السياسي لتلك البلدان ... وبالتالي، ان امريكا بخطوتها هذه توجه ضربة للصين وروسيا و... كم هذه المقاربات واقعية وصحيحة برايكم؟!

توما حميد: لقد كانت أفغانستان غير مستقرة بوجود أمريكا. ان اغلب الأراضي الأفغانية التي هي خارج المراكز السكانية كانت تحت سيطرة طالبان حتى بوجود أمريكا. ليس بالإمكان التنبؤ فيما إذا كانت أفغانستان ستستقر او تنزلق الى حرب أهلية. ولكن انا شخصيا لا اعتقد بان مشكلة الصين مع أفغانستان هي طريق الحرير. في كل الأحوال، الخطة الاصلية لطريق الحرير لا تمر بأفغانستان. فالمسار الشمالي لهذا الطريق يمر بكازخستان، روسيا، روسيا البيضاء، بولندا، المانيا، فرنسا. والمسار الثاني أي الجنوبي يمر ب (قيرغستان، طاجيكستان، أوزبكستان ، تركمستان، ايران، العراق ، سوريا ، تركيا. والفرع الاخر من المسار الجنوبي يمر عبر باكستان الى ميناء جوادر الباكستاني.

لن اتعجب ان تحرص طالبان على اقامة علاقات مع دول العالم وكسب اعترافها، او على الأقل جعلها تتعامل مع أفغانستان تحت حكم طالبان. طالبان اليوم هي غير طالبان 1996-2001 فيما يتعلق في التعامل مع القوى الأخرى. كان للصين وروسيا مثلا تواصل مع طالبان لسنين. لهذا تجد ان روسيا والصين لم تغلقا سفاراتهما في كابول.

أفغانستان، وبغض النظر عمن يحكم، بحاجة الى الاستثمارات الأجنبية وخاصة الصينية. اذ يوجد في أفغانستان معادن تنتظر الاستخراج بقيمة ترليون دولار، بما فيها المعادن النادرة. من جهة اخرى، تهتم الصين بالاستقرار السياسي وفرص الاستثمار بما فيها في أفغانستان. هناك حديث من الان بان تقوم الصين بتوسيع ما يسمى بالتعاون الاقتصادي الصيني الباكستاني ليشمل افغانستان. ان أولى الخطوات هي امداد الخط السريع الذي يربط الصين بباكستان الى أفغانستان عن طريق خط سريع بين بيشاور وكابول. ان ما يحسم هذا هو مدى قدرة طالبان على فرض الاستقرار السياسي

ان مشكلة الصين الأساسية هي فيما اذا كانت أمريكا او حتى طالبان ستقوم بدعم الحركات الإسلامية في إقليم شنجان الصيني الذي تقطنه الأقلية من مسلمي الايغور او تقوية الحركات الإسلامية الإرهابية في جمهوريات اسيا الوسطى التي سيمر فيها طريق الحرير. ولكن الفوائد التي يجلبها هذا المشروع لدول اسيا الوسطى هي من الأهمية بحيث ستقوم هذه الدول بكل ما في وسعها لإزالة كل العراقيل امامه. فهناك الان نموذج مصغر لهذا المشروع يربط الصين من خلال كازخستان وروسيا بأوروبا، وهو يشمل خط لسكك حديد وخط للشاحنات وخط لسفر وانتقال الافراد بدون أي مشاكل. ستبين الأيام القادمة نوعية العلاقات بين الصين وطالبان، ولكن لن اتعجب ان تلتزم طالبان بعدم دعم الجماعات الإسلامية مقابل الاستثمارات الصينية وتعامل الصين معها. فطالبان بحاجة الى ان تكون مقبولة دوليا. الامر غير المعلوم هو هل سيكون بإمكان طالبان فرض الاستقرار ام لا، اذا بدا الغرب من الان بدعم التحالف الشمالي بقيادة احمد مسعود.

عالم افضل: يتحدث قادة طالبان ومنهم الناطق الرسمي للمكتب السياسي عن ان طالبان اليوم هي غير طالبان السابقة، ما قبل 20 عام حين حكمت من 1996 الى 2001... اذ تؤمن اليوم بحرية المرأة وان يكن وفق الثوابت الاسلامية ، حرية الراي والتعبير والاحزاب السياسية، على قول احد مسؤوليهم ان الحرية في طالبان وأفغانستان ستكون اوسع من الفيسبوك (!!)... اي لا تبقى طالبان طالبان اذبح واجلد واقتل و... السؤال كم هذا التصوير واقعي.... هل يمكن ان تكون طالبان طالبان اخرى؟!

توما حميد: انا لست مقتنعا بادعاءات طالبان حول احترام حقوق الانسان وحقوق النساء والحريات الفردية، والمدنية والسياسية. ان هذه الأمور لا تتوافق مع طبيعة طالبان. سوف تفرض ظروف وحشية على جماهير أفغانستان، وسوف تستمر في استعباد المرأة، وانكار ابسط الحقوق والحريات المدنية والفردية والسياسية. ان وصول طالبان الى السلطة سيجلب موجة جديدة من الإرهاب والقتل والقمع والرجعية. اذ ماذا تعني حقوق المرأة او الحقوق الفردية والسياسية والمدنية حسب الثوابت الإسلامية؟ هذا هراء. المسالة هي هل ستسمح جماهير أفغانستان لطالبان بان تفرض هذه الأمور. طالبان تريد ان تعطي انطباع بانها هي ليست طالبان 2001 ولكن طالبان الى حد ما مجبرة ان تتغير لان المجتمع الافغاني هو ليس مجتمع 2001، اذ تغيرت تطلعات الجماهير. من جهة أخرى، يقوم الاعلام الغربي بتضخيم مسالة ان طالبان متغيرة حتى يثبت بان تدخل أمريكا نجح في تحقيق أهدافه.

عالم أفضل: مع هذا الوضع "الواقعي (سيطرة وحكم طالبان)، كيف سيتعامل الغرب والمنظمات الدولية مثل الامم المتحدة والاتحاد الاوربي وغيره...؟ تتحدث طالبان نفسها عن إقامة علاقات طيبة مع الجيران (روسيا والصين وطاجكستان وباكستان وايران و... غيرها) ومع امريكا لها اتفاقات وتتحدث عن انها تنوي اقامة علاقات سليمة مع العالم ولا تقبل بان تكون افغانستان منطلقا لأي عداء للدول الاجنبية... كيف ترون انتم الامور وما هو موقفكم من وجود طالبان كدولة.....؟!

توما حميد: فيما يتعلق الامر بالغرب والاتحاد الأوربي، اعتقد بان الذي يسود هو حالة من الغموض. اذ لم يحسموا لحد الان كيف سيتعاملون مع طالبان ومدى الدعم الذي سيقدمه التحالف الشمالي. ولكن اعتقد في النهاية سوف يقبلون بالواقع الذي سيفرض في أفغانستان. سيحاول الغرب المنافسة مع الصين وروسيا في كسب أفغانستان فيما يتعلق بالاستثمار في الموارد الطبيعية وحتى إقامة خط الانابيب لنقل الغاز من تركمنستان الى أفغانستان ومنها الى الشاطئ الباكستاني او الاستثمار في تعدين الموارد الطبيعية مثل الليثيوم والنحاس والحديد والذهب. ولكن اعتقد بان للصين اليد الطولي في هذا المجال، وقد تتمكن من دمج أفغانستان في مشروع الحرير إذا استقر الوضع.

اما موقفنا هو ان طالبان هي قوة رجعية ظلامية يجب ازاحتها بالقوة. للأسف ان الظروف التي يمر بها المجتمع الافغاني هي غير طبيعية، حيث اصبحت أفغانستان لعقود ساحة لصراع القوى الرجعية. ان الأوضاع المأساوية والحروب والتدخلات العسكرية ووجود قوى السيناريو الأسود مثل الطالبان لأربعة عقود تعيق فرصة الجماهير في أفغانستان للمقاومة وتقلل من فرص الجماهير في الخوض في نضال سياسي جماهيري بشكل مدني ومباشر.

ان مشكلة أفغانستان هو ان هذا المجتمع ليس لديه قوة تقدمية مقتدرة تصارع اليوم على السلطة. ان الصراع هو بين القوات الرجعية. ولكن هناك بوادر هنا وهناك لمقاومة من قبل النساء والقوى المدنية، والجماهير المحبة للحرية والمساواة والتمدن، وان كانت ضعيفة، ولكن مع هذا فهي تعتبر الامل الوحيد. يجب ان لا ننخدع بأحمد مسعود ابن احمد شاه مسعود او امر الله صالح نائب اشرف غني.

طالبان والقوى الإسلامية مسلحة وتمارس العنف. ليس امام القوى التقدمية والنسوية والشيوعية والعمال والكادحين في أفغانستان من بديل غير بناء جبهة جماهيرية ثورية تنظم نضال مسلح ضد هذه القوى. يجب ان لا يسمح لطالبان ان تتحكم بمصر المجتمع وتضعه في نفق مظلم وتفرض الحرب والقتل والرجعية من خلال نضال جماهيري ثوري. ان بروز جبهة جماهيرية تقدمية سوف يجلب دعم وتضامن اممي للقوى التقدمية والاشتراكية حول العالم.

فيما يتعلق بالسياسية الدولية، بنظري يجب النضال ضد انهاء الاحتلال وأنهاء تدخل كل الدول في أفغانستان من أمريكا وباكستان والهند وروسيا وإيران. والاهم يجب الوقوف ضد أي محاولة لفرض حصار على هذا البلد. يجب ان يكون لجماهير أفغانستان الحق في تقرير مستقبلهم بأنفسهم. يجب عدم الاعتراف بطالبان كحكومة شرعية، ويجب العمل من اجل تنظيم الجماهير والارتقاء بنضالاتها وعندها سنجد بان في أفغانستان من مدنية بحيث يكون بإمكانها اختيار نظام حكم أفضل من الحكم الذي تفرضه أمريكا او الذي تفرضه طالبان من خلال السلاح.