نيني المهووس بكريّات الشموس


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 6839 - 2021 / 3 / 13 - 17:42
المحور: الادب والفن     

كان يا ما كان ، في سالف العصر و الأوان : الملك نيني لمملكة سمارى . وردته في الصباح الباكر أنباء نجاح الغارة الليلية لعسكره في سبي نساء و أطفال و كنوز أقرب المدن الحدودية العامرة في مملكة زقارة المجاورة بعد ضربها الثقيل بكريات الشموس ـ فصال تيهاً و شرب و عربد . ثم أمر وزيره بإقامة وليمة عشاء فخمة لقادة الغارة في نفس ذلك اليوم احتفاء بالنصر الكبير و الغُنْم الوفير . و بعد أن تعتعه السكر ، نام على كرسي العرش .
في المنام ، راوده كابوس فضيع : وسط أتون المعركة الحامية الوطيس ، كبا حصانه ، فتدحرج أرضاً من فوقه ، و تكسّر رمحه . و عندما نهض من وهدته ، و جرد سيفه للقتال ، وجد نفسه محاطاً برماح فرسان عساكره المنقلبين عليه مطبقةً من كل جانب ، و أعينهم تقدح شرراً ، و ينبجس من رأس كل رمح تنين ينفث عليه النيران الفتاكة . صرخ بهم : "ويحكم ، افرنقعوا عني ـ فأنا سيدكم الملك !" ضحكوا به هارّين : "لم يبق لك سوى الزعم بأنك ربنا الأعلى ! لقد خسفت بك الأرض ، و حان منيَّتك ، فاستسلم للموت شوياً !"
أيقض الوزير ملكه نيني من كابوسه بعدما سمع صراخه ، و راح يهزه هزاً من كتفيه و هو يقول : "إنهض يا مولاي الملك ، إنه مجرد كابوس " .
صحا الملك من غفوته مرتجفاً و متصبب العرق من رأسه حتى كعبيه . جال بعينية حوله ، فلما رأى الوزير و حاشيته يحفّون به وجلين غير مسلحين ، هدأ قليلاً من روعه ، و أغلق عيناه ، و جرّ نفساً طويلاً .
فتح عيناه : لقد أصبحت لديه قوة نظره هائلة تخترق كل الأشياء حوله . إنه يرى كل شيء . ها هي كل الأبواب تتفتح أمامه و تنثال منها الصور : أشكال هندسية و زقورات و أهرام و أبراج و أسوار و ثيران مجنحة و شموس . و كل ما يتحرك أمامه له أطياف تنبجس منها الأضواء كالأحلام . أشياء يعرفها و لكنه لا يتذكرها ، و أشياء يتذكرها و لكنه لا يعرفها . ها هو وزيره يخنزر به . إنه حتماً أحد الخونة الذين أحاطوا به برماحهم التنينية الفتاكة و عيونهم التي تقدح شرراً . يجب عليه أن يلقنه درساً قاسياً فيمسح به الأرض جزاء نظراته العدائية . ألا يعلم أنه ربه الجبار القادر على كل شيء ؟
- كيف تشعر الآن ، يا مولاي ؟ سأله الوزير .
- إخرس أيها الحلوف الخائن ، فأنا ربك الأعلى ، و لست مولاك .
- نعم بالتأكيد ، أنكم ربي الأعلى ، و أنا عبدكم المطيع المخلص .
- إياك أيها الكلب العقور و أن تخطأ ثانية فتعتبرني بشراً مثلك بعد أن سموتُ فوقكم لمرتبة الألوهية الجليلة .
- بالتأكيد ، ربنا الأعلى العظيم . فقط كنت أريد سماع حكمكم الرباني المقدس بشأن كريات الشمس .
- كم صار لدينا منهن ، أيها الذبابة ؟
- ما يكفي لإبادة كل سكان ممالك الأعداء عن بكرة أبيهم .
- إسمع ، ايها البعوضة : بلّغ كل ملوك و رؤساء كل هذه الممالك الحقيرة أنهم أمام خيارين لا ثالث لهما : إما عبادتي و الامتثال لنواميسي الأبدية المقدسة ، أو الفناء بمحارق كريّات شموسي من كل الأصناف . صار معلوم ، أيها الثعلب النجس ؟
- أمركم مطاع ، ربنا الجليل . ماذا يعجبكم من عجائب أطعمة الافطار الصباحي الشهية اليوم ؟
- صه يا غراب ، فقد بانت خيانتك لألوهيتي . ينبغي لي ابادتك أنت و كل أفراد عشيرتك فوراً .
- صحيح ربنا الجليل ؛ صحيح ! عفوكم الرباني ـ فقد دار رأسي . سامحوني ، ربنا الأعلى .
- من أنا ، أيها الجرذ ؟
- أنتم رب العالمين . أنتم رب الإنس و الجن و كل الأكوان .
- و ما دمتُ أنا رب كل الأكوان ؛ فهل أنا بحاجة لتناول الأطعمة الحقيرة التي يأكلها البشر الأنجاس ؟
- نن- كلا كلا ؛ إن رب العالمين لا يأكل . نعم بالتأكيد .
- إياك أيها الجرو و أن تخطأ معي مرة أخرى ، مفهوم ؟ مًن هذه القطيطة القذرة الواقفة جنبك ؟
- إنها ابنة آلسعود ، هي فتاة راحتكم الإلهية الابدية - ربنا الجليل ؛ إنها من – حاشا منزلتكم السامية – سبي مملكة زقارة التي هزمناها في حرب الدقائق الست البارحة .
حدق نيني بعينيها الأرجوانيتين فرأى نفسه يلج غابة غناء مليئة بالحيوانات المفترسة . كرَّ عليها راكضاً فهربت خوفا منه ، فلاحقها . رآها تصعد جبل مركز اتصال الأرض بالسماء ، فاتبع مسارها حتى بلغ القمة المغطاة بالثلوج . جال بعينيه حول المكان : لقد اختفت كل سباع الأرض فجأة . أحس بالبرد الشديد و أخذته الرعشة .
أطبق عينيه ثم فتحها ، فشاهد وزيره و قد اختفت ابنة آلسعود خلفه . زعق بوزيره :
- أيها السافل : أجلب لي واحدة من كريات الشموس الحربية فأنا بردان .
- و ما ذا تفعل بها ربنا الأعلى و فيها الموت الزؤام ؟
- أبتلعها !