رأس المال: الفصل العشرون (76) عملية تراكم رأس المال


كارل ماركس
الحوار المتمدن - العدد: 6735 - 2020 / 11 / 17 - 09:38
المحور: الارشيف الماركسي     

إن تحول مبلغ معين من النقد إلى وسائل إنتاج وقوة عمل هو الحركة الأولى التي تخطوها كمية القيمة التي ستنشط بمثابة رأسمال. ويجري هذا التحول في السوق، في نطاق التداول. أما الطور الثاني لهذه الحركة، أي عملية الإنتاج، فيكتمل منذ أن تتحول وسائل الإنتاج إلى سلع تفوق قيمتها قيمة العناصر المكونة لها، أي تتضمن قيمة رأس المال الأصلي المدفوع سلفاً، زائداً فائض قيمة. بعد ذلك ينبغي زج هذه السلع في نطاق التداول من جديد. ويتوجب أن تباع، وتتحقق قيمتها في النقد، ويتحول هذا النقد مجددا إلى رأسمال، ثم يتكرر ذلك المرة تلو الأخرى. هذه الحركة الدائرية، التي تمر باستمرار في نفس الأطوار تباعا إنما تؤلف تداول رأس المال.

الشرط الأول للتراكم هو أن يكون الرأسمالي قد أفلح في بيع سلعه، وأعاد تحويل القسم الأكبر من النقود، التي تلقاها بهذه الصورة، إلى رأسمال. وسنفترض في الصفحات القادمة أن تداول رأس المال يجري بطريقة عادية. أما التحليل المفصل لعملية التداول هذه فيجدها القارئ في الكتاب الثاني.

إن الرأسمالي الذي ينتج فائض القيمة – أي الذي يعتصر العمل غير مدفوع الأجر من العمال مباشرة ويجسده في سلع، هو أول من يستولي على فائض القيمة، ولكنه ليس المالك النهائي بأي حال من الأحوال. فينبغي عليه بعدئذ أن يتقاسم فائض القيمة مع رأسماليين آخرين، يضطلعون بوظائف أخرى في الإنتاج الاجتماعي بأسره، ومع ملاك الأرض، إلخ. وعليه، ينقسم فائض القيمة إلى أجزاء شتّى. وتذهب هذه الأجزاء إلى مختلف أصناف الأشخاص، وتكتسي أشكالا مختلفة، مستقلة عن بعضها بعضا، كالربح، والفائدة، والربح التجاري، والريع العقاري، إلخ. ولا يمكن أن نعالج هذه الأشكال المحورة من فائض القيمة إلا في الكتاب الثالث.
نفترض هنا إذن، أن الرأسمالي يبيع السلع التي ينتجها، وفقا لقيمتها من دون أن نتوقف عند عودته إلى سوق السلع، ولا عند الأشكال الجديدة التي يتخذها رأس المال أثناء سيره في نطاق التداول، ولا عند الشروط الملموسة لتجديد الإنتاج التي تتستر وراء هذه الأشكال، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإننا ننظر إلى المنتج الرأسمالي بوصفه المالك لكل فائض القيمة، أو بتعبير أفضل، بوصفه ممثل جميع المساهمين في اقتسام هذه الغنيمة. وعليه، ندرس التراكم، بادئ الأمر، من وجهة نظر مجردة – أي باعتباره مجرد لحظة من لحظات عملية الإنتاج المباشرة.

وما دام التراكم حاصلا، فلا بد من أن يكون الرأسمالي قد أفلح في بيع سلعته، وتحويل النقد المتأتي من المبيع إلى رأسمال مجددا. زد على ذلك أن انشطار فائض القيمة إلى أجزاء مختلفة لا يغير البتة من طبيعة هذه القيمة ولا من الشروط الضرورية لتحولها إلى عنصر من عناصر التراكم. ومهما تكن الحصة التي يحتفظ بها المنتج الرأسمالي لنفسه من فائض القيمة، أو الحصة التي يقدمها للآخرين، فإنه دوماً أول من يستولي عليها بادئ الأمر. لذلك فإننا لا نجافي واقع مجرى التراكم بما افترضناه تمهيدا لدراسته. من جهة أخرى، فإن الشكل الأساسي البسيط لعملية التراكم يتموه نتيجة انقسام فائض القيمة ونتيجة حركة التداول الذي يقوم بدور الوسيط. لذلك يقتضي التحليل الخالص للتداول، أن نغفل، مؤقتاً، جميع الظاهرات التي تخفي الحركة الجوانية لآلية التراكم.