رأس المال: العمل المنتج والعمل غير المنتج (107)


كارل ماركس
الحوار المتمدن - العدد: 7042 - 2021 / 10 / 9 - 21:35
المحور: الارشيف الماركسي     


نود هنا معالجة هذا الأمر بإيجاز قبل أن نلقي نظرة أخرى أبعد على تغير شكل رأس المال، الناجم عن النمط الرأسمالي للإنتاج.

بما أن الغاية المباشرة والمنتوج الأصلي للإنتاج الرأسمالي هو فائض القيمة، فإن العمل لا يكون منتجاً، وممثل قدرة – العمل لا يكون عاملا منتجاً، إلا إذا كان هذا العمل وكان هذا الممثل لقدرة – العمل يخلق مباشرة فائض قيمة، أي أن العمل المنتج الوحيد هو ذلك الذي يستهلك مباشرة في مجرى الإنتاج من أجل إنماء قيمة رأس المال.

ولو نظرنا إلى الأمر من وجهة النظر البسيطة لعملية العمل، فإن العمل يبدو منتجاً إذا ما حقق ذاته في منتوج، أو في سلعة بالأحرى. أما من وجهة نظر الإنتاج الرأسمالي فإن بوسعنا أن نضيف الميزة التالية وهي أن العمل يكون منتجاً إذا قام بإنماء قيمة رأس المال مباشرة، أو خلق فائض قيمة (surplus – value). نقصد القول، إن العمل يكون منتجاً إذا ما تحقق في فائض قيمة دون معادل للعامل، خالقها؛ أي ينبغي له أن يتجلى في منتوج فائض (surplus -product)، أي في علاوة إضافية في السلعة لمصلحة محتكر وسائل العمل (means of labour)، أي الرأسمالي. إن العمل الذي يكون منتجاً هو فقط ذلك العمل الذي يضع رأس المال المتغير، وبالتالي رأس المال الكلي، باعتباره ر+ / ر = ر+/م. وعليه فإن العمل هو الذي يخدم رأس المال مباشرة كذات منفذة (agency) لإنماء قيمته ذاتياً، كوسيلة لإنتاج فائض القيمة.

إن عملية العمل الرأسمالية لا تلغي التحدیدات العامة لعملية العمل. إنها تنتج معا منتوجا وسلعة. ويظل العمل منتجاً طالما راح يشيّيء نفسه في سلع، كوحدة للقيمة – التبادلية والقيمة – الاستعمالية. ولكن ليست عملية العمل سوى وسيلة للنمو الذاتي لقيمة رأس المال. وعليه، فإن العمل يكون منتجاً إذا ما تحول إلى سلع، ولكن حين ننظر إلى السلعة المفردة نجد أن نسبة معينة منها تمثل عملا غير مدفوع، وحين نأخذ كتلة السلع بكاملها، نجد بالمثل أن نسبة معينة من هذه الكتلة تمثل عملا غير مدفوع. وباختصار يتضح أن هذا هو منتوج لا يكلف الرأسمالي قرشا.

إن العامل الذي يؤدي عملا منتجاً هو عامل منتج، والعمل الذي يؤديه هو عمل منتج، إذا كان يخلق، مباشرة، فائض قيمة، أي إذا كان ينمي قيمة رأس المال.

إن البلادة البورجوازية هي وحدها ما يشجع النظرة القائلة بأن الإنتاج الرأسمالي هو إنتاج في شكله المطلق، الشكل الأصيل للإنتاج الذي رسمته الطبيعة. وإن البورجوازي وحده من يستطيع خلط السؤالين: ما هو العمل المنتج؟ وما هو العامل المنتج من وجهة نظر الرأسمالية؟ بالسؤال: ما هو العمل المنتج عموما؟ إن البورجوازيين وحدهم من يستطيع أن يرضى قانعاً بالجواب المتسم بالحشو والتكرار، والقائل إن كل عمل يكون منتجاً إذا أنتج عموما، إذا تمخض عن منتوج أو عن أي قيمة – استعمالية أخرى عموما، أو عن أي شيء إطلاقا.

إن العامل المنتج الوحيد هو العامل الذي يكون عمله = الاستهلاك المنتج لقدرة – العمل (لحامل ذلك العمل) من جانب رأس المال أو الرأسمالي.

يترتب على ذلك أمران:

أولا – مع تطور الخضوع الفعلي للعمل إلى رأس المال، أو تطور النمط الرأسمالي الخاص للإنتاج، لا يعود العامل الفرد، بصورة متزايدة، الرافعة الحقيقية لعملية العمل الكلية، فعوضا عن ذلك هناك قدرات – العمل الموحدة اجتماعياً ومختلف قدرات العمل المتنافسة التي تؤلف معاً ماكنة الإنتاج الكلية، التي تسهم، بطرق مختلفة تماما، في العملية المباشرة لصنع السلع، أو بوجه أدق، في هذا الإطار، خلق المنتوج. فالبعض يعمل بشكل أفضل بيديه، وآخرون برؤوسهم، واحد كمدير (manager)، مهندس (engineer)، تكنولوجي، إلخ، وآخر کناظر (overlooker)، وثالث كعامل يدوي أو حتى عامل مساعد. إن عددا متزايدا أبدا من أصناف قوى العمل تُدرج في المفهوم المباشر لـ العمل المنتج، ويصنف حاملوه، أي أولئك الذين يؤدونه، بأنهم عمال منتجون، عمال يستغلهم رأس المال مباشرة، ويخضعون لعملية إنتاجه وإنمائه. ولو أخذنا العامل الكلّي، أي إذا أخذنا سائر الأعضاء الذين يؤلفون معاً الورشة، لرأينا أن نشاطهم الموحد يؤدي مادياً إلى منتوج إجمالي، هو في الوقت عينه كتلة كلية من السلع. وليس مهمة هنا إن كانت وظيفة عامل مفرد، لا يزيد عن عضو من أعضاء هذا العامل الجماعي، هي على مسافة أبعد أو أقرب من العمل اليدوي المباشر. ولكن عندئذ: إن نشاط قدرة – العمل الكلية هي استهلاكها استهلاكا إنتاجياً مباشراً على يد رأس المال، أي إنها عملية النمو الذاتي لقيمة رأس المال، وبالتالي، كما سنبين لاحقا، الإنتاج المباشر للقيمة – الفائضة، التحويل المباشر لهذه الأخيرة إلى رأسمال.

ثانيا – إن تحديد العمل المنتج تحديدا أكثر تفصيلا ينبع من السمات المميزة للإنتاج الرأسمالي كما وصفناها. ففي المقام الأول، إن مالك قدرة – العمل يواجه رأس المال أو الرأسمالي، بصورة لا عقلانية، كما رأينا التعبير عنها، كبائع لملكيته، فهو البائع المباشر ل العمل الحي، لا لسلعة. إنه عامل مأجور. هذه هي المقدمة الأولى. ثانياً، ما إن تتم هذه العملية الاستهلالية (وهي في الواقع جزء من التداول) حتى دمج قدرة – عمله، أو عمله، مباشرة كعنصر حي في عملية إنتاج رأس المال، لتصبح واحدة من مكوناته، مكوناً متغيراً يعمل، بالإضافة إلى ذلك، جزئياً على صيانة قيم رأس المال الموظفة، وجزئياً على إعادة إنتاجها. بل إنها تذهب إلى أبعد من ذلك؛ إنها تنمي هذه القيم، ثم تحولها، من خلال خلق فائض القيمة، إلى قيمة تنمي قيمة نفسها ذاتياً، إلى رأسمال. إن هذا العمل يتشيّأ ذاتياً على نحو مباشر في عملية العمل باعتباره مقداراً سیالاً من القيمة.

ومن الممكن أن يتوافر الشرط الأول والثاني. إذ يمكن للعامل أن يكون عاملا ماجوراً، عاملا میاوماً، إلخ. يحصل ذلك حيثما تكون اللحظة الثانية غائبة. إن كل عامل منتج هو عامل مأجور، ولكن ليس كل عامل مأجور هو عامل منتج. فحيثما جرى شراء العمل بغية استهلاكه كقيمة – استعمالية، كخدمة لا للتعويض عن قيمة رأس المال المتغير بواسطة حيويته الخاصة هو بالذات، ولا لدمجه في العملية الرأسمالية للإنتاج – حيثما يحصل ذلك، لا يكون العمل منتجاً، ولا يكون العامل المأجور عاملاً منتجاً. إن عمله يستهلك لأجل قيمته – الاستعمالية، لا كخالق لقيمة – تبادلية؛ إنه يستهلك بصورة لا منتجة، وليس بصورة منتجة. من هنا لا يواجهه الرأسمالي وهو في دور رأسمالي، أي كممثل لرأس المال. إن النقود التي يدفعها هي إيراد وليست رأسمالا. وإن استهلاكها لا يوضع في صيغة (ن – س – ن)، بل (س – ن – س) (وهذا ال «س» هي العمل أو الخدمة ذاتها). إن النقود تقتصر، هنا، على وظيفة وسيلة تداول لا رأسمال. إن الخدمات التي يشتريها الرأسمالی، طوعا أو قسراً (من الدولة، على سبيل المثال)،

لأجل قيمتها – الاستعمالية لا تستهلك بصورة منتجة ولا يمكن أن تصبح عوامل رأسمال أكثر من السلع التي يشتريها لأجل استهلاكه الشخصي. إنها لا تصبح عوامل رأسمال؛ وهي بالتالي ليست عملا منتجاً، وحاملوها، أي أولئك الذين يقومون بها، ليسوا عمالا منتجين.

وكلما أصبح الإنتاج على نحو متزايد إنتاجاً لسلع بات لزاما على كل شخص، ورغب كل شخص أكثر، في أن يصبح متعاملاً بسلع، وأراد كل شخص أكثر أن يجني نقوداً، إما من منتوج ما، وإما من خدماته، إذا كان منتوجه لا يوجد طبيعياً إلا في شكل خدمة؛ ويظهر هذا الجني للنقود كغاية نهائية للنشاط أيا كان نوعه(1). إن میل سائر المنتوجات لأن تكون سلعة، وكل عمل لأن يكون عملا مأجوراً، هو میل مطلق في الإنتاج الرأسمالي. إن كتلة كاملة من الوظائف والنشاطات التي كانت محاطة في السابق بمسحة قداسة، والتي كانت تعد غاية في ذاتها، والتي كانت تؤدّى دون مقابل، أو أن الدفع كان يجري بطرق ملتوية (مثل كل المهن، المحامون، الأطباء، في إنكلترا، حيث لم يكن بوسع المحامي (barrister) أو الطبيب (physician) وليس بوسعه أن يطلب مدفوعات حتى يومنا هذا) – إن هؤلاء جميعا يتحولون مباشرة إلى عمال مأجورين، مهما بلغت نشاطاتهم والمدفوعات إليهم من تنوع(2). ومن جهة أخرى، فإن تقدیر قیمتهم – سعر مختلف هذه النشاطات، من المومس إلى الملك – يصبح موضوعاً للقوانين الناظمة لسعر العمل المأجور. إن التضمينات التي تحتويها هذه النقطة الأخيرة ينبغي استكشافها في أطروحة خاصة عن العمل المأجور والأجور، لا في هذا الموضع. والآن، فإن واقع أن كل الخدمات تتحول، مع نمو الإنتاج الرأسمالي إلى عمل مأجور، وأولئك الذين يزاولونها إلى عمال مأجورين، إنما يعني أنهم يميلون على نحو متزايد إلى أن يخلطوا مع العامل المنتج، لمجرد أنهم يشاطرونه هذه الخاصية. إن هذا الخلط يزداد إغراء لأنه ينبع من الإنتاج الرأسمالي وهو ظاهرة نموذجية مميزة له. من جهة ثانية، يخلق ذلك ثغرة للتبريريين من أجل تحويل العامل المنتج، لمجرد أنه عامل مأجور، إلى عامل يقتصر على مبادلة خدماته (أي عمله كقيمة – استعمالية) لقاء النقود. وهذا يسهل عليهم القفز على السمة المميزة الخاصة (differentia specifica) لهذا العامل المنتج، وللإنتاج الرأسمالي، بوصفه إنتاج فائض قيمة، إنماء ذاتياً لقيمة رأس المال الذي لا يكون العمل الحي فيه أكثر من ذات منفّذة أحلّها رأس المال في جسده بالذات. إن الجندي هو عامل مأجور، مرتزق، لكن ذلك لا يجعل منه عاملاً منتجاً.

ثمة خطأ آخر ينبع من مصدرين:

أولا – هناك، في الإنتاج الرأسمالي، على الدوام، أجزاء معينة من العملية الإنتاجية تتم بطريقة تميز أنماط إنتاج سابقة، لم تشهد بعد علاقات رأس المال والعمل المأجور، وبالتالي لا يمكن فيها بالمرة تطبيق المفاهيم الرأسمالية عن العمل المنتج والعمل غير المنتج. ولكن تماشيا مع نمط الإنتاج المهیمن، نجد أنه حتى تلك الأنواع من العمل التي لم تخضعها الرأسمالية في الواقع الفعلي تكون خاضعة مثالياً في الفكر. فمثلا إن الشغيل الذي يشتغل لنفسه بنفسه (self employing labourer) هو عامل مأجور لنفسه؛ ووسائل إنتاجه الخاصة تبدو له، في فكره بالذات، بهيئة رأسمال. وباعتباره رأسمالي نفسه، فإنه يدفع نفسه للعمل كعامل مأجور. إن مثل هذا الخروج على القياس يوفر فرصة رحبة لكل أصناف الهذر عن الفارق بين العمل المنتج والعمل غير المنتج.

ثانياً – إن أنواع معينة من العمل غير المنتج قد ترتبط، عَرَضاً، بعملية الإنتاج، بل إن سعرها قد يدخل حتى في سعر السلعة. نتيجة لذلك فإن النقود المنفقة عليها تؤلف جزءا من رأس المال الموظف، والعمل الذي يلزمها يمكن أن يظهر بمثابة عمل بودل لا لقاء إيراد بل مباشرة لقاء رأسمال.

كمثال على ذلك دعونا نعاين الضرائب، أي سعر خدمات الحكومة. لكن الضرائب تنتمي إلى النفقات غير المثمرة للإنتاج (faux frais de Production) وبقدر ما يتعلق الأمر بالإنتاج الرأسمالي، فإنها في ذاتها ولذاتها عرضية، ويمكن أن تكون أي شيء عدا عن ظاهرة ضرورية، ملازمة، ناجمة عنه. فلو أن سائر الضرائب غير المباشرة. مثلا، حُوّلت إلى مباشرة، فإن الضرائب ستدفع الآن كما كانت تدفع قبلا، ولكنها ستكف عن أن تكون توظيف رأسمال، وستكون، عوضا عن ذلك إنفاقاً لإيراد. إن كون هذه التغيرات في الشكل ممكنة تبين طبيعتها السطحية، الخارجية، العرضية، بمقدار ما يمس ذلك العملية الرأسمالية للإنتاج. وإن تغيرات شكلية مماثلة للعمل المنتج سوف تعني من جهة أخرى، نهاية الإيراد من رأس المال، ونهاية رأس المال نفسه.

هناك أمثلة أخرى هي المرافعات القانونية، والاتفاقات التعاقدية، إلخ، إن كل الشؤون من هذا الصنف تتعلق بتعهدات بین مالكي سلع بصفتهم شراة وبائعين للسلع، ولا شأن لها بالعلاقات بين العمل ورأس المال. وإن أولئك المنخرطين طرفا فيها قد يصبحون عمالا مأجورين لرأسمال؛ لكن ذلك لا يجعل منهم عمالا منتجين.

إن العمل المنتج هو مجرد اختصار لمركب كامل من نشاطات العمل وقدرة – العمل في نطاق العملية الرأسمالية للإنتاج. وهكذا حين نتحدث عن عمل منتج، فإننا نقصد عملا محدداً اجتماعياً، عملا يتضمن علاقة خاصة تماما بين شاري العمل وبائعه. إن العمل المنتج يبادل، مباشرة، لقاء النقد بصفته رأسمالا، أي لقاء نقود هي في ذاتها رأسمال، هي مكرسة لأداء وظيفة رأسمال، وهي تواجه قدرة – العمل کرأسمال. وهكذا فإن العمل المنتج هو عمل يعيد للعامل إنتاج قيمة قدرة – عمله كما هي محددة سلفا، وهو، بوصفه نشاطا خلقاً للقيمة، ينمي قيمة رأس المال ويواجه العامل بالقيم التي خُلقت على هذا النحو وحولت إلى رأسمال. إن العلاقة الخاصة بين العمل المتشییء والعمل الحي التي تحول الأول إلى رأسمال إنما تحول الثاني أيضا إلى عمل منتج.

إن المنتوج الخاص لعملية الإنتاج الرأسمالية، أي فائض القيمة، لا يخلق إلا من خلال التبادل مع العمل المنتج.

إن ما يسبغ عليه قيمة – استعمالية مميزة بالنسبة إلى رأس المال، ليس نفعه الخاص، أكثر مما هو الأمر مع الصفات النافعة الخاصة للمنتوج الذي يتشيّأ فيه. إن نفعه لرأس المال هو مقدرته على توليد قيمة – تبادلية (فائض قيمة).

إن عملية الإنتاج الرأسمالية لا تنطوي فقط على إنتاج سلع. إنها عملية تمتص العمل غير المدفوع، وتجعل من وسائل الإنتاج وسائل لاعتصار عمل غير مدفوع.

يتضح مما تقدم أنه لوصف العمل بأنه منتج، تلزمنا خصائص لا صلة لها البتة، في ذاتها ولذاتها، بالمحتوى الخاص للعمل، بنفعه المتميز أو بالقيمة – الاستعمالية التي يحل فيها.

لذا فإن عملا يتسم بالمحتوى الواحد نفسه يمكن أن يكون منتجاً أو لا منتجاً.
وعلى سبيل المثال فإن میلتون، الذي نظم «الفردوس المفقود» (Paradise Lost)، كان عاملا غير منتج. من جهة ثانية، فإن الكاتب الذي يصنع مؤلفاً لناشره بأسلوب المصنع هو عامل منتج. لقد أنتج میلتون الفردوس المفقود، مثلما تنتج دودة القز الحریر، کنشاط حيوي لطبيعته الخاصة بالذات، وقد باع منتوجه فيما بعد بخمسة جنيهات، وبذا أصبح تاجر سلع. لكن البروليتاري الأدبي في لايبزيغ الذي ينتج كتباً، مثل موسوعة الاقتصاد السياسي، بطلب من الناشر، هو قریب تماما من العمل المنتج طالما أن رأس المال استولى على إنتاجه، ولم يحصل هذا إلا لزيادته. إن مغنية تصدح مثل عصفور هي عامل غير منتج. أما إذا باعت أغنيتها لقاء نقود، فإنها تكون، إلى هذا الحد، عاملة مأجورة أو تاجرة سلع. أما إذا تعاقدت هذه المغنية مع رب عمل يجعلها تغني بهدف جني النقود، فإنها تصبح عاملة مأجورة، ما دامت تنتج على نحو مباشر رأسمالا. إن معلم المدرسة الذي يعلم الآخرين ليس بعامل منتج. أما معلم المدرسة الذي يعمل بأجور في مؤسسة إلى جانب آخرين، مستخدماً عمله لزيادة نقود رب العمل الذي يملك مؤسسة نشر المعرفة (Knowledge mongering institution)، إنما هو عامل منتج. غير أن عملا من هذا الصنف نادرا ما يكون قد وصل، في الجزء الأعظم منه، إلى مرحلة خضوعه، حتى شكلياً، إلى رأس المال، بل لا يزال ينتمي في الأساس إلى أشكال انتقالية.

وعلى العموم، فإن نماذج العمل التي تستهلك كخدمات وليس في منتوجات منفصلة عن العامل، وبالتالي غير قادرة على الوجود كسلع، بصورة مستقلة عنه، ولكنها مع ذلك قابلة لأن تستغل مباشرة، بالمعنى الرأسمالي، هي نموذج ذو أهمية متناهية في الصغر حين تقارن بكتلة الإنتاج الرأسمالي. وعليه يمكن اغفالها كلياً، وتمكن معالجتها تحت مقولة العمل المأجور الذي ليس، في الوقت نفسه، عملا منتجاً.

إن من الممكن بالنسبة إلى نموذج واحد من العمل (مثل البستنة، الخياطة، (gardening tailoring) إلخ) أن يؤديه الإنسان العامل (workingman) نفسه إما في خدمة رأسمالي صناعي أو لحساب زبون مباشر. وهو عامل مأجور أو عامل میاوم في كلا الموقفين، ولكنه عامل منتج في الحالة الأولى، وغير منتج في الثانية، لأنه ينتج رأسمالا في الأولى أما في الثانية فلا؛ لأن عمله في الحالة الأولى عنصر في عملية الإنماء الذاتي القيمة رأس المال، أما في الثانية فهو ليس كذلك.

إن شطراً كبيراً من المنتوج السنوي الذي يستهلك كإيراد، وبالتالي لا يعود للدخول ثانية في الإنتاج كوسيلة له، يتألف من أغلب المنتوجات المبهرجة (القيم – الاستعمالية) المكرسة لإشباع أكثر الشهوات والخيالات (fancies) فقراً. وبمقدار ما يتعلق الأمر بالعمل المنتج، على أي حال، فإن محتوى هذه المواضيع لا أهمية له البتة لتحديد العمل المنتج (رغم أن نمو الثروة، كما هو واضح، سيواجه، حتما، عقبة كأداء إذا ما جرت إعادة إنتاج جزء متضخم، بهذه الطريقة، بدلا من إعادة تحويله إلى وسائل إنتاج وعيش، لكيما يجري امتصاصه من جديد – أي باختصار يُستهلك إنتاجياً – في عملية إعادة إنتاج سلع أو قدرة – عمل). إن هذا النمط من العمل المنتج إنما ينتج قيمة – استعمالية ويتشيّأ في منتوجات مكرسة، حصراً، لاستهلاك غير إنتاجي. ففي واقعها العملي، أي بصفتها مواد، فإنها بلا قيمة – استعمالية لعملية إعادة الإنتاج. (إذ ليس بوسعها أن تكتسب ذلك إلا من خلال الأيض المادي، من خلال التبادل مع القيم الاستعمالية المنتجة؛ ولكن هذه مجرد ازاحة. إذ لا بد لها، في مكان ما، من أن تستهلك بصورة غير منتجة؛ إن مواد أخرى مماثلة ممن تندرج في مقولة الاستهلاك غير المنتج، يمكن لها، إن دعت الحاجة، أن تؤدي من جديد وظيفة رأسمال. ثمة المزيد عن ذلك في الكتاب الثاني، الفصل الثالث(*)، حول عملية إعادة الإنتاج. ونود أن نقتصر هنا على تعليق واحد استباقا لذلك: إن النظرية الاقتصادية العادية تجد أن من المستحيل التفوه بكلمة معقولة واحدة عن العوائق التي تقيد إنتاج مواد الترف حتى من وجهة نظر الرأسمالية نفسها. غير أن المسألة بسيطة تماما، إذا ما جرى فحص عناصر عملية إعادة الإنتاج فحصاً منتظماً. فإن عانت عملية إعادة الإنتاج اختناقا، أو إذا كان تقدمها، بمقدار ما إن ذلك يتحدد بالنمو الطبيعي للسكان، معاقاً بفعل اختلال نسبة العمل المنتج المحول إلى أصناف غير منتجة، ينبع من ذلك أن وسائل العيش أو وسائل الإنتاج لن يعاد إنتاجها بالكميات الضرورية. في هذه الحالة يمكن أن نلعن صناعي السلع الاستهلاكية من وجهة نظر الإنتاج الرأسمالي. وما عدا ذلك فإن السلع الاستهلاكية ضرورية ضرورة مطلقة لنمط إنتاج يخلق الثروة لغير المنتج، وينبغي له، بناء على ذلك، أن يقدم تلك الثروة في أشكال لا تسمح بحيازة هذه الثروة إلا لمن يتمتعون).

إن هذا العمل المنتج، بالنسبة إلى العامل نفسه، هو، شأن أي عمل آخر، مجرد وسيلة لإعادة إنتاج وسائل العيش التي تلزمه. أما بالنسبة إلى الرأسمالي الذي لا يكترث قط لا بطبيعة القيمة – الاستعمالية ولا بطابع العمل الفعلي الملموس المستخدم، فإن ذلك هو ببساطة – وسيلة لسك النقود، وسيلة لإنتاج فائض قيمة.

(un moyen de battre monnaie, de produire la survalue).

إن الرغبة في تحديد العمل المنتج والعمل غير المنتج بلغة محتواهما المادي، تنبع، من ثلاثة مصادر.

(1) الصنمية المميزة لنمط الإنتاج الرأسمالي، والنابعة من ماهيته. ويتمثل ذلك في اعتبار مقولات الأشكال الاقتصادية، مثل كون الشيء سلعة أو عملاً منتجاً، لاعتبارها في ذاتها ولذاتها بمثابة الحاملات المادية لهذه التحديدات الشكلية أو المقولات؛

(2) عند النظر إلى عملية العمل بما هي عليه، يُعد العمل منتجاً فقط إذا أدى إلى منتوج (وبما أننا معنيون هنا بالثروة المادية وحدها، فيجب أن يكون هذا منتوجاً مادياً)؛

(3) في عملية إعادة الإنتاج الفعلية – آخذين فقط لحظاتها الحقيقية – هناك فارق كبير يؤثر على تكوين الثروة، بين العمل المنغمر في مواد ضرورية لإعادة الإنتاج، وعمل معني بمواد الترف حصرا.

(مثال: إنه لأمر لا يعنيني بتاتا إذا ما اشتريت بنطلوناً، أو إذا اشتريت قماشاً وأتيت بمساعد خیاط إلى بيتي ليخيطه وأدفع له لقاء خدمته (خياطة البنطلون). أو أن أشتريه من الخياط التاجر لأنه أرخص. في كلتا الحالتين أحول النقود التي أنفق إلى قيمة – استعمالية تؤلف جزءا من استهلاكي الفردي، وهذا مكرس لإشباع حاجتي الفردية غير أنني لا أحولها إلى رأسمال. وإن مساعد الخياط يؤدي لي خدمة مماثلة بصرف النظر عما إذا كان يعمل لأجل الخياط التاجر، أم في بيتي. من جهة أخرى، حين يستخدم مساعد الخياط نفسه هذا 12 ساعة عمل، ويدفع له عن 6 ساعات، إن الخدمة التي يؤديها، إذن، هي أن يؤدي 6 ساعات عمل مجانا. وكون أن هذه الصفقة تتجسد في نشاط صنع البنطلون لا تعمل سوى على إخفاء طبيعتها الحقة. ويسعى الخياط التاجر، حالما يقدر، إلى تحويل البنطلون من جديد إلى نقود، أي إلى شكل يختفي فيه، كلياً، الطابع المتميز لعمل الخياطة، وتغدو الخدمة المقدمة متجسدة في واقع أن تالراً واحدة قد صار أثنين).

وعلى العموم، يمكن لنا القول إن الخدمة هي مجرد تعبير عن قيمة – استعمالية خاصة للعمل حين يكون هذا الأخير نافعاً لا كمادة، بل كنشاط. [أنا أعطي حتى أنت تفعل، أنا أفعل حتى أنت تفعل، أنا أفعل حتى أنت تعطي، أنا أعطي حتى أنت تعطي]

(Do ut facias, Facio ut Facias , Facio ut des , do ut des)، – (إن سائر هذه الصيغ قابلة للحلول محل بعضها إزاء الوضع الواحد نفسه، أما في الإنتاج الرأسمالي فإن صيغة أنا أعطي لكي تفعل (Do ut Facias)(**) تعبر عن علاقة خاصة تماما بين الثروة المشيئة والعمل الحي. وعليه، وبما أنه لا توجد في هذا الشراء للخدمات العلاقات الخاصة لرأس المال بالعمل – فإما أن تكون مطموسة المعالم وإما غائبة ببساطة . فمن الطبيعي أن تكون هذه الصيغة الشكل الذي يفضله ساي وباستيا، وشركاؤهما، للتعبير عن علاقة رأس المال بالعمل).

إن العامل أيضا يشتري خدمات بنقوده. وهذا شكل للإنفاق، ولكنه ليس بأي حال طريقة لتحويل النقود إلى رأسمال.

فليس ثمة من يشتري خدمات طبية أو قانونية كوسيلة لتحويل نقوده المنفقة إلى رأسمال.

إن نسبة كبيرة من الخدمات تنتمي إلى تكاليف استهلاك السلع. الطباخون مثلا.

إن التمايز بين العمل المنتج والعمل غير المنتج يتوقف حصرا على ما إذا كان العمل بادل لقاء النقود كنقود، أو لقاء النقود كرأسمال. فمثلا، لو اشتريت سلعة من شغيل يعمل لنفسه بنفسه (selfemploying labourer)، حرفي (artisan)، إلخ، فإن المقولة لن تدخل في البحث، لأنه لا يوجد أي تبادل مباشر بين النقود والعمل من أي نوع، بل مجرد تبادل بين النقود والسلعة.

أما في حالة الإنتاج غير المادي، فهناك إمكانيتان، حتى حين يتم ذلك بصورة خالصة لأجل التبادل، إنتاج السلع، إلخ:

(1) إنه يؤدي إلى سلع توجد منفصلة عن المنتج، أي أن بوسعها أن تمضي للتداول کسلع في الفترة الفاصلة بين الإنتاج والاستهلاك؛ مثل الكتب، اللوحات وسائر منتوجات الفن، کشيء متميز عن الانجاز الفني للرسام الممارس. هنا لا يكون الإنتاج الرأسمالي ممكناً إلا في حدود ضيقة جدا. وعدا عن حالات النحاتين (sculptors)، مثلا، الذين يستخدمون مساعدين لهم، فإن هؤلاء الناس (حيثما لا يكونون مستقلين) يعملون أساسا لأجل رأس المال التجاري، أي باعة الكتب مثلا؛ وهو نموذج انتقالي في ذاته، ولا يمكن إلا أن يفضي إلى نمط رأسمالي للإنتاج بالمعنى الشكلي.

ولا يتغير الوضع لمجرد أن الاستغلال يكون على أشده في هذه الأشكال الانتقالية بالضبط؛

(2) لا يكون المنتوج منفصلا عن فعل الإنتاج. هنا أيضا لا يأتي النمط الرأسمالي للإنتاج إلا على نطاق محدود، ولا يمكن له أن ينشط بطبيعة الأمور ذاتها، إلا في مساحات معينة (إنني أريد الدكتور لا ساعيه الغلام). وكمثال، لا يستطيع المعلمون، في مؤسسات التعليم، أن يكونوا أكثر من عمال مأجورين عند منظم مشروع مصنع التعليم. ويمكن اهمال مثل هذه الظاهرات الواقعة على الأطراف بالنسبة إلى الإنتاج الرأسمالي ككل.

«إن العامل المنتج هو ذلك الذي يزيد مباشرة ثروة سيده» (مالتوس، مبادئ الاقتصاد السياسي، ط2، لندن، 1836، [ص 47، الحاشية])(***).
إن التمييز بين العمل المنتج والعمل غير المنتج أمر حيوي للتراكم، نظرا لأن التبادل لقاء العمل المنتج هو وحده الذي يمكن أن يفي بأحد شروط إعادة تحويل فائض القيمة إلى رأسمال.

إن الرأسمالي، بصفته ممثلا لرأس المال الإنتاجي المنخرط في عملية الإنماء الذاتي، يؤدي وظيفة منتجة. وتقوم هذه على توجيه واستغلال العمل المنتج. وبالتمايز عن أقرانه مستهلكي فائض القيمة الذين لا يدخلون في علاقة فعالة مباشرة كهذه مع إنتاجهم، فإن طبقته هي طبقة منتجة بامتياز (par excellence). (إن الرأسمالي بوصفه موجهاً لعملية العمل، يؤدي عملا منتجاً بمعنى أن عمله منخرط في العملية الكلية التي تتحقق في المنتوج). ونحن معنيون هنا، حصراً، برأس المال داخل عملية الإنتاج المباشرة. إن الوظائف الأخرى لرأس المال والذوات المنفذين الذين يستخدمهم في إطار هذه الوظائف، تؤلف موضوعا يترك لما سيأتي فيما بعد.

إن تحديد العمل المنتج (وبالتالي تحديد ضده، أي العمل غير المنتج) يرتكز على واقع أن إنتاج رأس المال هو إنتاج فائض قيمة، والعمل الذي يستخدمه هو عمل ينتج فائض قيمة.

______________

(1) ارسطو.
(2) بيان الحزب الشيوعي (1848).
(*) رأس المال، المجلد الثاني، الجزء الرابع. [ن. ع].
(**) سبق لماركس أن استعرض هذه الصيغ في القانون الروماني، بتسلسل مغاير. أنظر: الطبعة الألمانية، ص 563، الطبعة العربية، ص 663. [ن. ع].
(***) نص المقتبس باللغة الإنكليزية مدرج في قسم المقتبسات باللغات غير الألمانية، ص 1182. [ن. ع].