رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (92) 5) أمثلة إيضاحية عن القانون العام للتراكم الرأسمالي


كارل ماركس
الحوار المتمدن - العدد: 6979 - 2021 / 8 / 5 - 22:00
المحور: الارشيف الماركسي     


القانون العام للتراكم الرأسمالي
5) أمثلة إيضاحية عن القانون العام للتراكم الرأسمالي
و) إيرلندا


اختتاماً لهذا البند، يتوجب أن ننتقل إلى إيرلندا هنيهة. نبدأ أولا بالوقائع المتعلقة بالمسألة. بلغ عدد سكان إيرلندا 8,222,664 عام 1841، وتهاوى إلى 6,623,985عام 1851، وإلى 5,850,309 عام 1861، ثم إلى 5 ملايين ونصف مليون عام 1866، أي ما يقارب مستوی عام 1801. وبدأ التناقص بسنة المجاعة، 1846، بحيث فقدت إيرلندا، في ظرف أقل من عشرين عاما، أكثر من 16/5 من مجموع سكانها(1). لقد بلغ إجمالي عدد المهاجرين منها 1,591,487 بين أيار/ مايو 1851 وتموز/ يوليو 1865، وبلغ عددهم أكثر من نصف المليون خلال السنوات الخمس الأخيرة، أي في فترة 1861 – 1865. وانخفض عدد المنازل المسكونة بمقدار 52,990 منزلا خلال الفترة 1851 – 1861. وبين 1851 – 1861، ازداد عدد المزارع التي تتراوح مساحتها بين 15 إلى 30 إيكراً، بمقدار 61 ألفا، وعدد المزارع التي تزيد مساحتها عن 30 إيكراً ازداد بمقدار 109 آلاف، بينما هبط المجموع الكلي للمزارع بمقدار 120 ألفا، ويرجع هذا الهبوط إلى سبب واحد هو القضاء على المزارع التي تقل مساحتها عن 15 إيكراً – أي إلى تمرکزها.

وقد اقترن انخفاض عدد السكان، طبيعية، بانخفاض في كتلة المنتوجات. ويكفي، للغرض الذي نبتغيه، تفحص السنوات الخمس الواقعة بين 1861 – 1865، التي هاجر خلالها أكثر من نصف مليون شخص، وهبط العدد المطلق للسكان أكثر من ثلث مليون. [أنظر الجدول آA- – ص 860].

الجدول آ (A)
عدد الحيوانات

السنة الجياد الأبقار
العدد الكلي النقصان العدد الكلي النقصان الزيادة
1860 619,811 – 3,606,374 – –
1861 614,232 5579 3,471,688 134,686 –
1862 602,894 11,338 3,254,890 216,798 –
1863 579,978 22,916 3,144,231 110,659 –
1864 562,158 17,820 3,262,294 – 118,063
1865 547,867 14,291 3,493,414 – 231,120


السنة الأغنام الخنازير
العدد الكلي النقصان الزيادة العدد الكلي النقصان الزيادة
1860 3,542,080 – – 1,271,072 – –
1861 3,556,050 – 13,970 1,102,042 169,030 –
1862 3,456,132 99,918 – 1,154,324 – 52,282
1863 3,308,204 147,928 – 1,067,458 86,866 –
1864 3,366,941 – 58,737 1,058,480 8978 –
1865 3,688,742 – 321,801 1,299,893 – 241,413
ونستخلص

الجياد
انخفاض مطلق الأبقار
انخفاض مطلق الأغنام
زيادة مطلقة الخنازير
زيادة مطلقة
71,944 112,960 146,662 28,821
من الجدول الوارد أعلاه النتائج التالية:
(2)

دعونا ننتقل الآن إلى الزراعة، التي تقدم وسائل العيش للبهائم والإنسان على السواء. وقد حسبت في الجدول التالي ب زيادة أو نقصان مساحة الحقول المحروثة والمروج (أو المراعي)، بالإيكرات بالنسبة إلى كل سنة على حدة بالمقارنة مع السنة التي سبقتها. ويندرج ضمن محاصيل الحبوب: القمح، الشوفان، الشعير، الجودار، الفول، الحمص. أما محاصيل الخضار فندرج فيها (اصطلاحياً): البطاطا، واللفت، والشمندر، الملفوف، والجزر، الجزر الأبيض، والعلف، إلخ. [أنظر الجدول ب-B ص 862].

السنة

محاصيل الحبوب
محاصيل الخضار
الأعشاب والبرسيم
الكتان إجمالي مساحة الأراضي المستعملة للزراعة وتربية المواشي
النقصان النقصان الزيادة النقصان الزيادة النقصان الزيادة النقصان الزيادة
1861 15,701 36,974 – 47,969 – – 19,271 81,373 –
1862 72,734 74,785 – – 6623 – 2055 138,841 –
1863 144,719 19,358 – – 7724 – 63,922 92,431 –
1864 122,437 2317 – – 47,486 – 87,761 – 10,493
1865 72,450 – 25,241 – 68,970 50,159 – 28,398 –
1861- 1865 428,041 108,193 – – 82,834 – 122,850 330,550 –
الجدول ب (B) الزيادة والنقصان في مساحة الأراضي المزروعة بالحبوب والخضار (بالإيكرات)

وفي العام 1865، ازدادت مساحة المروج (Grasland) فبلغت 127,470 إيكرا، والسبب الرئيسي، أن مساحة الأراضي البور والمستنقعات غير المستعملة قد تقلصت بما مقداره 101,543 إيكرا. ولو قارنّا عام 1865 بعام 1864، لوجدنا انخفاضا في محاصيل الحبوب مقداره 246,667 کوارتر، منها 48,999 کوارتر قمحاً، و166,605 کوارتر شوفاناً، و29,892 کوارتر شعيراً، إلخ. أما الانخفاض في محاصيل البطاطا فقد بلغ 446,398 طنا، رغم أن مساحة الأراضي المزروعة بهذا الصنف اتسعت عام 1865. [(انظر الجدول ج-C ص864-865).

وننتقل الآن من حركة السكان والمنتوجات الزراعية في إيرلندا، إلى حركة حافظات نقود ملاكي الأرض الكبار فيها، وكبار المزارعين، والرأسماليين الصناعيين. وتنعكس هذه الحركة في ارتفاع ضريبة الدخل وانخفاضها. وينبغي التنبيه إلى أن الفئة (د) للجدول اللاحق د-D [ص 866] (الأرباح، باستثناء أرباح المزارعين) تتضمن أيضا ما يسمى بالأرباح «المهنية» – أي مداخيل المحامين، والأطباء، وما إلى ذلك، وأن الفئتين (ج) و (ه)، غير الواردتين هنا، تتضمنان مداخيل الموظفين والضباط، وأصحاب الرواتب الحكومية الكبيرة، وحملة أسهم الخزينة، وما شاكل.
لم يكن متوسط الزيادة السنوية في الدخل عند الفئة (د) سوى 0,93% في أعوام 1853 – 1864، بينما كان هذا المتوسط في بريطانيا العظمى، خلال الفترة نفسها، يناهز 4,58%. ويبين الجدول التالي توزيع الأرباح (باستثناء أرباح المزارعين) لعامي 1864 و1865: [(أنظر الجدول هـ -E ص 867)].

إن إنكلترا، وهي بلد الإنتاج الرأسمالي المتطور، والصناعي بالدرجة الأولى، كانت ستنزف حتى الموت لو أنها تعرضت لنزيف الدماء الذي عاناه شعب إيرلندا. لكن إيرلندا، في الوقت الحاضر، ليست سوى مقاطعة زراعية تابعة لإنكلترا، مفصولة بمضيق عريض عن البلد وتقدم له القمح والصوف والماشية، والمجندين للصناعة والجيش.

الجدول ج (C)
الزيادة والنقصان في مساحة الأرض المزروعة، وناتج الإيكر الواحد، والناتج الإجمالي في 1865 بالمقارنة مع 1864(3).

أنواع المحاصيل مساحة الأرض المزروعة (إيكر) الزيادة أو النقصان
1865 المحصول لكل ايكر الزيادة أو النقصان لعام 1865 إجمالي المحصول الزيادة أو النقصان لعام 1865
1864 1865 الزيادة النقصان 1864 1865 الزيادة النقصان 1864 1865 الزيادة النقصان
القمح 276 266,989 – 9494 القمح (قنطار) (*) 13,3 13,0 – 0,3 875,783
(كوارتر) 826,783 – 48,999
(كوارتر)


الشوفان 1,814,886 1,745,228 – 69,658 الشوفان (قنطار) 12,1 12,3 0,2 – 7,826,332
(كوارتر) 7,659,727 – 166,605
(كوارتر)


الشعير 172,700 177,102 4402 – الشعير (قنطار) 15,9 14,9 – 1,0 761,909
(كوارتر) 732,017 – 29,892
(كوارتر)


الجوادر البره 8,894 10,091 1197 – البره (قنطار) 16,4 14,8 – 1,6 15,160
(كوارتر) 13,989 – 1171
(كوارتر)


الجودار (قنطار) 8,5 10,4 1,9 – 12,680
(كوارتر) 18,364 5684 –
البطاطا 1,039,724 1,066,260 26,536 – البطاطا
(طن) 4,1 3,6 – 0,5 4,312,388 (طن) 3,865,990 – 446,398
(أطنان)
اللفت 237,355 334,212 – 3143 اللفت
(طن) 10,3 9,9 – 0,4 3,764,659 (طن) 3,301,683 – 165,976
(طن)
الشمندر 14,073 14,389 316 الشمندر
(طن) 10,5 13,3 2,8 – 147,284
(طن) 191,937 44,653
(طن) –
الملفوف 31,128 33,622 1801 – الملفوف
(طن) 9,3 10,4 1,1 – 297,375
(طن) 350,352 52,877
(طن) –
الكتان 301,693 251,433 – 50,260 الكتان
الستوتات= 14 باونا 34,2 ستون 25,2 ستون – 9,0 ستون 64,506
(طن) 39,561 – 24,945
(طن)
الأعشاب المجففة 1,609,569 1,678,493 68,924 – الأعشاب المجففة (طن) 1.6 1,8 0,2 – 2,607,153
(طن) 3,068,707 461,554
(طن) –
الجدول د- (D) المداخيل الخاضعة لضريبة الدخل (4)

(بالجنيهات الإسترلينية)

1860 1861 1862 1863 1864 1865
الفئة (آ)
الريع العقاري 12,893,829 13,003,554 13,398,938 13,494,091 13,470,700 13,801,616
الفئة (ب) أرباح المزارعين 2,765,387 2,773,644 2,937,899 2,938,823 2,930,874 2,946,072
الفئة (د) أرباح الصناعيين وسواهم، إلخ 4,891,652 4,836,203 4,858,800 4,846,497 4,546,147 4,850,199
مجموع الفئات من (آ) إلى (هـ) 22,962,885 22,962,885 23,597,574 23,658,631 23,236,298 23,930,340
الجدول ها (E) الفئة (د). المداخيل من الأرباح التي تفوق 60 جنيه استرلينيا) في إيرلندا (5)

(بالجنيهات الاسترلينية)


عام 1864


عام 1865
جنيهات استرلينية عدد الأشخاص جنيهات استرلينية عدد الأشخاص
إجمالي الدخل السنوي 4,368,610 موزعة بين 17,467 شخصا)) 4,669,979 (موزعة بين 18,081 شخصا)
مداخيل سنوية فوق 60 ودون 100 جنيه 238,726 (موزعة بين 5015 شخصاً) 222,575 (موزعة بين 4703 أشخاص)
من إجمالي الدخل السنوي 1,979,066 موزعة بين 11,321 شخصاً)) 2,028,571 (موزعة بين 12,184 شخصاً)
بقية إجمالي الدخل السنوي
منها {

2,150,818 (موزعة بين 1131 شخصا) 2,418,833 (موزعة بين 1194 شخصا)
1,073,906 (موزعة بين 1010 أشخاص) 1,097,927 (موزعة بين 1044 شخصاً)
1,076,912 (موزعة بين 121 شخصا) 1,320,906 (موزعة بين 150 شخصاً)
430,535 (موزعة بين 95 شخصاً) 584,458 (موزعة بين 122 شخصاً)
646,377 (موزعة بين 26 شخصاً) 736,448 (موزعة بين 28 شخصاً)
262,819 (موزعة بين 3 أشخاص) 274,528 (موزعة بين 3 أشخاص)


إن نزف السكان في إيرلندا قد انتزع أراضي واسعة من الزراعة، وأدى إلى انخفاض كمية المنتوج الزراعي انخفاضا كبيراً (6). ورغم توسع الأراضي المخصصة لتربية المواشي، فإنها تظهر انخفاضا مطلقاً في بعض فروعها، وتقدماً يكاد لا يستحق الذكر في فروع أخرى، ينقطع باستمرار من جراء التراجع. مع ذلك، فإن هبوط عدد السكان اقترن بارتفاع الريع العقاري وأرباح المزارعين بانتظام، رغم أن ارتفاع الأخيرة لم يكن منتظماً كما في الحالة الأولى. وسبب ذلك يسير على الفهم. فمن جهة، نجد أن دمج المزارع معاً، وتحويل أراض محروثة إلى مراع، أديا إلى تحويل قسم متزايد على الدوام من المنتوج الكلي إلى منتوج فائض. لقد ازداد المنتوج الفائض، رغم أن المنتوج الكلي، الذي يشكل ذاك قسما منه، قد انخفض. ومن جهة أخرى، إن القيمة النقدية لهذا المنتوج الفائض ازدادت بوتيرة أكبر من ازدياد کتلته، نتيجة لارتفاع أسعار اللحوم والصوف، إلخ.، باستمرار في أسواق إنكلترا، خلال العشرين عاما الماضية، وبخاصة في السنوات العشر الأخيرة.

إن وسائل الإنتاج المبعثرة، التي تخدم المنتجين أنفسهم کوسائل عمل ووسائل عيش، ولا تنمي قيمتها عبر التهام عمل الآخرين، لا تؤلف رأسمالا، مثلما أن المنتوج الذي يستهلکه منتجه بنفسه، ليس بسلعة. ورغم تناقص كتلة وسائل الإنتاج المستخدمة في الزراعة، بموازاة تناقص عدد السكان، فإن كتلة رأس المال المستخدم في الزراعة قد ازدادت، بسبب أن جزءا من وسائل الإنتاج، التي كانت مبعثرة من قبل، قد تحولت إلى رأسمال.

إن إجمالي رأس المال الإيرلندي، الناشط خارج الزراعة والموظف في الصناعة والتجارة، قد تراكم خلال العقدين الماضيين بوتيرة بطيئة وسط تقلبات كبيرة، متكررة. أما أجزاؤه الفردية فقد تركزت، بالمقابل، بسرعة أكبر. أخيراً، ومهما بدت الزيادة المطلقة لرأس المال هذا ضئيلة، فإنه ازداد نسبياً بالقياس إلى هبوط عدد السكان.

ها هنا إذن تتكشف، تحت أنظارنا، وعلى نطاق واسع، عملية لا يتمنى الاقتصاد السياسي المتزمت أجمل منها لدعم فكرته الدوغماتية القائلة بان البؤس ينبع من فيض السكان المطلق وأن نزف السكان يعيد التوازن. وهذه التجربة أهم بكثير من الطاعون الذي تفشى في أواسط القرن الرابع عشر، والذي يُسبّح المالتوسيون بحمده تمجيدا(**). ونقول بالمناسبة: إنها لسذاجة متحذلقة أن طبق معايير القرن الرابع عشر على ظروف الإنتاج والسكان في القرن التاسع عشر. وهذه السذاجة، أيضا، أغفلت هذه الحقيقة، وهي أن الطاعون، وما رافقه من هبوط عدد السكان، تلاه على هذه الضفة من القنال، في إنكلترا، تحرر واغتناء السكان الزراعيين، وتلاه على الضفة الأخرى، في فرنسا، تفاقم عبوديتهم واشتداد بؤسهم (7).

إن المجاعة التي تفشت في إيرلندا عام 1846، والتي فتكت بأكثر من مليون نسمة، لم تفتك بغير الفقراء البائسين. أما ثروة البلاد فلم يمسها الضرر أدنى مساس. والنزوح الذي شهدته السنوات العشرون التالية، وهو نزوح يستمر في التزاید، قد خفض عدد البشر ولكنه لم يقلص حجم وسائل إنتاجهم، خلافا لما حصل في حرب الثلاثين عاما. وابتدعت العبقرية الإيرلندية طريقة جديدة تماما لتبعد، بقوة سحرية، شعباً مسكيناً، آلاف الأميال عن مسرح بؤسه. ويرسل المهاجرون الموطنون في الولايات المتحدة، إلى إيرلندا، مبالغ من المال كل عام، لتغطية نفقات سفر الذين خلفوهم وراءهم. وكل جماعة تهاجر في هذا العام، تجر وراءها جماعة أخرى في العام التالي. وهكذا فإن الهجرة، بدلا من أن تكلف إيرلندا أي شيء، صارت تؤلف واحدة من أكثر فروع أعمال التصدير ربحاً. وأخيرا فإن الهجرة تعتبر عملية منظمة، لا تولد فجوة عابرة في عدد السكان وحسب، بل تمتص كل عام عددا من البشر يفوق ما تعوضه الولادات، بحيث أن المستوى المطلق للسكان يهبط عاما بعد عام (8).

فما هي إذن النتائج بالنسبة إلى العمال الإيرلنديين الذين بقوا في البلاد وتحرروا من عبء فيض السكان؟ النتيجة أن فيض السكان النسبي اليوم هو كبير كما كان عليه قبل عام 1846؛ وأن الأجور على الانخفاض ذاته، وأن عناء العمل قد تفاقم، وأن البؤس في الريف يؤدي إلى أزمة جديدة. والأسباب بسيطة للغاية. فالثورة في الزراعة تواكب خطى الهجرة. وتوليد السكان النسبي يسير بخطى أسرع من النقص المطلق في السكان. وإلقاء نظرة سريعة على الجدول (ب-B) يبين أن تحويل الأراضي المحروثة إلى مراع لا بد له أن يتجلى في إيرلندا بحدة أكبر مما في إنكلترا، ففي هذه الأخيرة يزداد إنتاج الأعلاف الخضراء إلى جانب تطور تربية المواشي، أما في إيرلندا فإنه يتناقص. وعلى حين أن مساحات واسعة من الحقول تتحول إلى أراض بور أو مراع، بعد أن كانت مخصصة للزراعة، فإن قسما كبيراً من الأراضي البور والمستنقعات المكسوة بالأعشاب، التي كانت متروكة من ذي قبل، أصبحت تستخدم لتوسيع تربية المواشي. إن المزارعين الصغار والمتوسطين – وأدرج في عداد هؤلاء كل الذين يزرعون أرضاً لا تزيد عن 100 إيكر – لا يزالون يؤلفون ثمانية أعشار العدد الكلي للمزارعين (9). إن منافسة المشاريع الزراعية الرأسمالية تضغط عليهم أشد مما في الماضي، فيقدمون، باستمرار مجندين جدداً لطبقة العمال المأجورين. والصناعة الكبيرة الوحيدة في إيرلندا، وهي صناعة معالجة الكتان، لا تتطلب سوى عدد قليل نسبياً، من الذكور الراشدين، ولا تستخدم، عموما، سوى قسم ضئيل نسبياً، من السكان، على الرغم من التوسع الذي شهدته في أعقاب ارتفاع أسعار القطن خلال أعوام 1861 – 1866. وهذه الصناعة، شأن كل الصناعات الكبيرة، تولد باستمرار، عبر تقلباتها المستديمة في ميدانها بالذات، فيض سكان نسبياً، حتى مع زيادة كتلة العمال الذين تستوعبهم زيادة مطلقة. إن بؤس السكان الريفيين، يؤلف القاعدة التي تنهض عليها المصانع العملاقة للقمصان وإلخ.، التي يتوزع أفراد جيش عمالها، في الغالب، على أنحاء الريف. ونواجه هنا، من جديد، نظام العمل المنزلي، الذي وصفناه من قبل، والذي يمتلك، بالأجور الواطئة والعمل الشاق المفرط، الوسائل اللازمة لتوليد “فيض” في عدد العمال بصورة متواصلة. أخيراً، ورغم أن تناقص السكان لا يترك آثاراً مدمرة كالتي يتركها في بلد ذي إنتاج رأسمالي متطور، فإنه لا يمضي هنا أيضا من دون أن يمارس تأثيراً معاكساً دائماً في السوق المحلية. إن الفجوات التي تخلقها الهجرة، لا تحد من الطلب المحلي على العمل فحسب، بل تحد أيضا من مداخيل صغار أصحاب الحوانيت، والحرفيين وأرباب المهن عموماً. من هنا مصدر تناقص المداخيل التي تتراوح بين 60 إلى 100 جنيه في الجدول (هـ – E).

ونجد عرضاً واضحاً لوضع العمال الزراعيين في إيرلندا، في تقارير المفتشين الإيرلنديين لإدارة شؤون الفقراء (1870) (10). ولما كان هؤلاء موظفين في حكومة لا تحافظ على بقائها إلا بقوة الحراب والأحكام العرفية، المكشوفة حينا، والمستترة حينا آخر، فيتوجب عليهم مراعاة كل المحاذير اللغوية التي لا يعبأ بها زملاؤهم الإنكليز. ولكن، رغم ذلك، فإنهم لا يتركون حكومتهم تسرح في الأوهام. واستنادا إلى معطياتهم، فإن معدل الأجور في الريف، الذي لا يزال منخفضاً جدا، قد ارتفع بنسبة 50 – 60% خلال العشرين عاما الماضية، وهو يتراوح الآن وسطية بين 6 و9 شلنات في الأسبوع. ولكن، خلف هذا الارتفاع الظاهري، يختبئ هبوط فعلي في الأجور، فهذا الارتفاع لا يجاري ابداً حتى الارتفاع في أسعار وسائل العيش الضرورية الذي طرأ في غضون ذلك. ولإثبات ذلك، نقدم الاستشهاد التالي المقتطف من الحسابات الرسمية لمأوى عمل فقراء إيرلندي [انظر الجدول أدناه].

المتوسط الأسبوعي لكلفة إعالة الفرد الواحد

أغذية ملابس المجموع
من 29 أيلول/ سبتمبر 1848 حتى 29 أيلول 1849 شلن و1/4، 3 بنس 3 بنسات شلن و1/4، 6 بنس
من 29 أيلول 1868 حتى 29 أيلول 1869 شلنان و1/4، 7 بنس 6 بنسات 3 شلنات و1/4، 1 بنس
إذن فأسعار وسائل العيش الضرورية قد تضاعفت تقريبا، أما أسعار الملابس، فقد تضاعفت تماما، عما كانت عليه قبل عشرين عاما.

ولو صرفنا النظر عن هذا الانعدام في التناسب، فإن مجرد المقارنة بين معدلي الأجور

المعبر عنها بالنقود، سوف يقودنا إلى نتائج بعيدة عن الدقة. فقبل حلول المجاعة، كان القسم الأعظم من الأجور في الريف يدفع عيناً، والقسم الأصغر نقدا، أما اليوم فالدفع النقدي هو القاعدة السائدة. يترتب على ذلك وحده أنه، مهما كانت حركة الأجور الفعلية، فإن التعبير النقدي عنها ينبغي أن يرتفع.

“قبل حلول المجاعة، كان المياوم الزراعي يتمتع بقطعة أرض صغيرة يزرع فيها البطاطا ويربي الخنازير والدواجن. أما الآن فإنه مضطر لشراء وسائل العيش كافة، وليس هذا وحسب، بل إنه يفقد كذلك ما كان يتأتى له من بيع خنزير أو دجاجة أو بيض” (11).
وفي الواقع، كان العمال الزراعيون، في السابق، مندمجين مع صغار المزارعين، وكانوا يؤلفون في الغالب نوعا من جيش المؤخرة للمزارع المتوسطة والكبيرة التي كانوا يجدون عملا فيها. ولكن منذ كارثة عام 1846 بدأوا يشكلون جزءا من طبقة العمال المأجورين الفعليين، الطبقة الخاصة التي ليس لها مع السادة أرباب العمل سوى علاقات نقدية صرفة.

ونحن نعرف ما كانت عليه ظروف سكناهم قبل عام 1846. وقد ازدادت سوءا منذ ذلك الحين. فجزء من العمال الزراعيين، رغم أن هذا الجزء يتضاءل يوما بعد يوم، لايزال يقطن على أرض المزراعين في أكواخ بالغة الازدحام، تفوق في بشاعتها أسوأ لا رأيناه عند العمال الزراعيين الإنكليز من هذه الناحية. وينطبق هذا عموما، باستثناء بعض أنحاء أولستر، على الجنوب في مقاطعات كورك، ليميريك، کیلکني، إلخ.، وعلى الشرق، في ويكلو وویکسفورد، إلخ.، وعلى وسط إيرلندا، في مقاطعتي کينغ وكوین وفي منطقة دبلن، إلخ، وعلى الشمال في داون، انتريم، تيرون، إلخ؛ وأخيراً على الغرب، في سليغو، روسکومون، مایو وغالواي، إلخ. ويصرخ أحد المفتشين “إن أكواخ العمال الزراعيين لعار على المسيحية، وعار على مدنية هذا البلد”. ولزيادة مفاتن هذه الجحور في أعين المياومين، على ما يبدو، تصادر منهم بانتظام رقع الأرض الصغيرة المتصلة بهذه الجحور منذ غابر الأزمنة.

“إن الاحساس بأنهم خاضعون لهذا النوع من الحرمان، الذي يفرضه الملاكون العقاريون ووكلاؤهم، قد ولد في عقول المياومين الزراعيين ما يقابله من مشاعر العداء والكراهية تجاه أولئك الذين يعاملونهم كجنس مجرد من كل حق” (12). كان أول فعل من أفعال الثورة الزراعية هو إزالة الأكواخ المنتصبة في حقول العمل، وقد جرى ذلك على أوسع نطاق، كما لو كان إذعاناً لأمر صادر من فوق. وهذا ما اضطر الكثير من العمال إلى البحث عن مأوى في القرى والمدن. وقد جرى رميهم هناك، كما تُرمى النفايات، في سقائف وحجور، وأقبية وزوايا أسوأ الأحياء الخلفية. إن آلاف الأسر الإيرلندية التي تمتاز بشهادة الإنكليز، على ما فيهم من تحيز قومي متعصب، بتعلقها النادر بدفء البيت، وبمرحها اللطيف ونقاء حياتها العائلية، قد وجدت نفسها، بغتة، منقولة إلى بؤر الرذيلة. ويضطر الرجال اليوم إلى البحث عن عمل عند أصحاب المزارع المجاورة الذين لا يستخدمونهم إلا يوما بيوم، أي وفق أكثر أشكال الأجور عرضة للخطر. لهذا “يضطرون إلى قطع مسافات طويلة جيئة وذهابا من وإلى العمل، وكثيرا ما يصيبهم البلل من المطر، ويواجهون الكثير من الصعاب الأخرى التي غالبا ما تؤدي إلى الاعتلال والمرض وبالتالي العوز”(13).
“كان على المدن أن تستقبل، من عام لآخر، العمال الذين صاروا فائضين في المناطق الريفية” (14)، ثم كان الناس يعجبون لوجود عمال فائضين في المدن والبلدات، وشحّاً في العمال في الريف (15). الحقيقة أن هذا النقص لا يغدو ملموساً إلا “في مواسم الحصاد، أو الربيع، أو في الأوقات التي تتطلب التنفيذ العاجل لبعض الأعمال الزراعية؛ أما باقي أيام السنة فيبقى الكثيرون من العمال متعطلين” (16)، أما “الفترة المبتدئة بجني المحصول في تشرين الأول/ أكتوبر حتى مطلع الربيع التالي فمن المشكوك فيه أن توجد فرصة عمل لهم”(17)، وعلاوة على ذلك فحتى في فترات تشغيلهم “يتعرضون لخسارة أيام عمل كاملة، ولكل أنواع الانقطاعات” (18).

إن عواقب هذه الثورة الزراعية – ونعني بها تحويل الأراضي المحروثة إلى مراع، واستخدام الآلات، والتقتير الصارم في العمل، إلخ. – تزداد تفاقماً على يد الملاكين العقاريين النموذجيين، الذين يتلطفون ويسكنون وسط أملاكهم في إيرلندا، بدلا من أن ينفقوا ربوعهم في بلدان أجنبية. وتفاديا لخرق قانون العرض والطلب، يأخذ هؤلاء السادة

«الآن كل حاجتهم من اليد العاملة أساسا من صغار مستأجري أراضيهم، ويضطر هؤلاء إلى الامتثال لطلب أسيادهم ملاكي الأرض بالعمل عندهم، لقاء أجور هزيلة تقل، كقاعدة عامة، عن الأجور السارية التي تدفع للمياومين العاديين، فضلا عن الضرر والخسارة اللذين يتعرض لهما المستأجر من جراء اضطراره إلى إهمال العمل في حقله في أوقات البذار أو القطاف الحرجة»(19).
إن انعدام الثقة في إيجاد عمل، وانعدام انتظامه، والبطالة التي تتكرر كثيراً وتدوم فترات طويلة؛ إن جميع أعراض فيض السكان النسبي هذه، تبرز إذن في تقارير مفتشي إدارة شؤون الفقراء، بوصفها مأساة تواجه البروليتاريا الزراعية الإيرلندية. ولنتذكر بأن مظاهر مماثلة واجهتنا لدى البروليتاريا الزراعية الإنكليزية. ولكن ثمة فارقاً. ففي إنكلترا، وهي البلد الصناعي، يجند احتياطي الصناعة من مناطق الريف، بينما في إيرلندا، وهي البلد الزراعي، يجند احتياطي الزراعة من المدن التي اتخذها العمال الزراعيون المطرودون ملجأ لهم. في الأولى، نجد أن العمال الفائضين عن حاجة الزراعة يحولون إلى عمال مصانع؛ وفي الثانية، نجد أن المطرودين إلى المدن، رغم أنهم يضغطون على الأجور في المدن، يظلون عمالا زراعيين، ويعودون باستمرار إلى مناطق الريف بحثا عن عمل. ويلخص واضعو التقارير الرسمية، الوضع المادي للعمال الزراعيين على النحو التالي:

«رغم أنهم يعيشون بأكبر قدر من التقتير الصارم، فإن أجورهم لا تكفي بالكاد لتوفير الطعام لأنفسهم وأسرهم أو لدفع إيجار السكن، وهم يعتمدون على موارد أخرى لتأمين الملابس… إن الجو السائد في منازلهم، والحرمانات الأخرى التي يتعرضون لها، قد جعلت هذه الطبقة عرضة لحمى التيفوئيد والسل الرئوي» (20). ولا عجب إطلاقا، بعد هذا، أن يستشري في صفوف هذه الطبقة سخط مرير، بإجماع شهادات واضعي التقارير؛ وأن تتوق للعودة إلى الماضي، وتمقت الحاضر، وتشعر باليأس من المستقبل، وتكون «نهباً لتأثيرات المضللين الفاسدة»، وتتملكها فكرة واحدة ثابتة هي الهجرة إلى أميركا. هذه هي أرض النعيم الأسطورية، هذا ما آلت إليه إيرين الخضراء(***) بسبب الترياق المالتوسي الشافي العظيم، ألا وهو نقص السكان. أما حياة الرفاه التي ينعم بها العامل الصناعي الإيرلندي فيكفي مثال واحد لتبيانها:

«في أثناء زيارتي التفقدية الأخيرة لشمال إيرلندا» – هكذا يقول مفتش المصانع الإنكليزي روبرت بیکر – «صادفت النموذج التالي لما يبذله عامل إيرلندي ماهر من جهد ليوفر التعليم لأطفاله؛ وأدرج أقواله حرفياً، مثلما سمعتها من فمه. وقولي إنه عامل ماهر، قد يتضح عندما أقول إنه استخدم في صنع سلع لسوق مانشستر. جونسون: إنني عامل ضرب قماش (beetler)، أعمل من السادسة صباحا حتى الحادية عشرة ليلا، من الاثنين حتى الجمعة. في أيام السبت نغادر العمل في السادسة مساء، ولدينا ثلاث ساعات لوجبات الطعام والراحة. لي خمسة أطفال. أتقاضى لقاء عملي 10 شلنات و6 بنسات في الأسبوع، وتعمل زوجتي أيضا وتتقاضى 5 شلنات أسبوعيا. ابنتي الكبرى، وعمرها 12 عاما، ترعى شؤون البيت. إنها طباخة المنزل، والخادمة الوحيدة التي تتولى أموره. إنها تهيئ الصغار ليذهبوا إلى المدرسة. وثمة فتاة تمر بالمنزل فتوقظني في الخامسة والنصف فجرا. وتنهض زوجتي لتذهب معي. ولا تأكل شيئا قبل الذهاب إلى العمل. وتتولى ابنتي البالغة 12 عاماً رعاية الأطفال الصغار طوال النهار. ولا نتناول فطورنا قبل الثامنة صباحا. وفي الثامنة نقصد البيت. ونشرب الشاي مرة في الأسبوع؛ وفي بعض الأحيان نتناول عصيدة (stirabout)، وفي أحيان أخرى نأخذ حساء الشوفان، أو حساء الذرة، حسبما نستطيع أن نشتريه. وفي الشتاء لا نحصل سوى على قليل من السكر والماء إضافة إلى حساء الذرة. وفي الصيف نحصل على حبات من البطاطا، من رقعة صغيرة نزرعها بأنفسنا؛ وحين تنفذ هذه، نعود إلى العصيدة من جديد. هکذا نمضي من يوم الآخر، أيام الآحاد وأيام العمل، على مدار السنة بكاملها. إنني أعود من العمل مساء وأنا مرهق تماما. قد نرى قطعة لحم بعض الأحيان، ولكن ذلك نادراً ما يحدث. إن ثلاثة من أطفالنا يأمون المدرسة، وندفع لقاء ذلك بنساً عن الطفل الواحد كل أسبوع. ويبلغ إيجار مسكننا 9 بنسات أسبوعياً. ووقود التدفئة يكلفنا شلناً واحداً و6 بنسات كل أسبوعين، على الأقل» (21).
هذه هي الأجور الإيرلندية، وهذه هي الحياة في إيرلندا!

الواقع، إن البؤس في إيرلندا عاد ليصبح من جديد قضية الساعة في إنكلترا. ففي نهاية عام 1866 وبداية عام 1867، أراد أحد أساطين مالكي الأرض الكبار في إيرلندا، وهو اللورد دوفيرين، أن يجد حلا لهذه المشكلة في صحيفة تايمز. «يا لإنسانية هذا السيد العظيم !»(****). لقد رأينا في الجدول (هـ E) أن ثلاثة فقط من الرأسماليين استولوا لوحدهم على 262,819 جنيه استرلينياً من إجمالي الأرباح البالغة 4,368,610 جنيهات عام 1864، إلا أن هؤلاء الثلاثة المولعين بـ «الزهد» قد وضعوا في جيوبهم 274,528 جنيها من إجمالي الأرباح البالغة 4,669,979 جنيها عام 1865؛ وفي عام 1864 کسب 26 من الرأسماليين 646,377 جنيها، وفي عام 1865 کسب 28 من الرأسماليين 736,448 جنيها؛ وفي عام 1864 کسب 121 من الرأسماليين 1,076,912 جنيها، وفي عام 1865 کسب 150 من الرأسماليين 1,320,906 جنيهات ؛ وفي عام 1864 کسب 1131 من الرأسماليين مبلغ 2,150,818 جنيها، وهذا الرقم يناهز نصف المقدار الكلي للأرباح السنوية؛ وفي عام 1865 کسب 1194 من الرأسماليين 2,418,833 جنيها، أي أكثر من نصف إجمالي الأرباح السنوية. لكن حصة الأسد التي يبتلعها حفنة من ملاكي الأرض الكبار في إنكلترا واسكتلندا وإيرلندا، من الريع السنوي الوطني للأرض، تبلغ حداً من الضخامة بحيث إن حكمة الدولة الإنكليزية ارتأت أن من الأفضل ألا تقدم عن توزیع الريوع المواد الاحصائية نفسها التي تقدمها عن توزيع الأرباح. واللورد دوفیرین واحد من هؤلاء الأساطين. إن كون الريوع والأرباح يمكن أن تكون «فائضة»، وإن ليس لوفرتها المفرطة أدنى صلة بوفرة بؤس الشعب، إنما هي، بالطبع، فكرة زرية (irrespectable) مثلما هي «غير حصيفة» (unsound). إن اللورد يلتزم بالوقائع. والوقائع تقول إنه كلما تناقص عدد السكان الإيرلنديين، تنامت الربوع العقارية الإيرلندية، وإن تناقص السكان الذي يعتبر نعمة، بالنسبة إلى الملاكين العقاريين إنما هو نعمة للأرض أيضا، مثلما هو نعمة لأولئك الناس، الذين ليسوا سوى ملحقين تابعين للأرض. ولهذا يعلن اللورد أن إيرلندا لا تزال في فيض سكاني، وأن جدول الهجرة لا يزال ينساب ببطء أشد مما ينبغي. ولكي يكتمل نعيم إيرلندا، فعليها أن تتخلص من ثلث مليون من العاملين على الأقل. ولا يظنن أحد أن هذا اللورد، وهو رجل شاعري علاوة على كل فضائله، مجرد طبيب من مدرسة سانغرادو، يعمد كلما لا يرى تحسنا في حالة مريضه، إلى فصد دمه، ثم فصد دمه ثانية، حتى لا يبقى في المريض دم ولا داء. فاللورد دوفيرين يطالب بفصد دم ثلث مليون إنسان فقط، بدلا من زهاء مليونين، وما لم ينبذ هؤلاء، فلن يحل العهد الألفي في إيرين. والدليل بسيط [أنظر الجدول التالي].

عدد ومساحة المزارع في إيرلندا عام 1864

1
مزاع لا تزيد مساحتها عن ايكر واحد 2
مزارع تزيد عن ايكر، ولا تزيد عن خمس ايكرات 3
مزارع تزيد مساحتها عن 6 ايكرات ولا تزيد عن 15 ايكراً
العدد المساحة العدد المساحة العدد المساحة
48,653 25,394 820,937 288,916 176,368 1,836,310
4
مزارع تزيد عن 16 ايكراً ولا تزيد عن 30 ايكراً 5
مزاع تزيد عن 31 ولا تزيد عن 50 ايكرا 6
مزارع تزيد عن 51 ايكراً ولا تزيد عن 100 إيكر
العدد المساحة العدد المساحة العدد المساحة
136,578 3,051,343 71,961 2,906,274 54,247 3,983,880


7
مزاع تزيد عن 100 ايكر 8
المساحة الإجمالية
العدد المساحة
31,927 8,277,807 20,319,924 ايكراً
(22)

لقد أدى التمرکز بین عام 1851 وعام 1861، إلى تدمير المزارع من الفئات الثلاث الأولى بشكل أساسي، أي تلك التي تتراوح مساحتها بين 1- 15 إيكرا. فهذه محکوم عليها بالزوال قبل غيرها. وبهذا نحصل على 307,058 «مزارعاً زائداً عن اللزوم»، ولو حسبنا أن أدنى مستوى لتعداد الأسرة هو 4 أفراد بالمتوسط، لبلغ العدد الإجمالي 1,228,232 شخصا. وحتى لو أسرفنا في الافتراض بأن الزراعة ستستوعب ربع هؤلاء، بعد اكتمال الثورة الزراعية، لبقي 921,174 شخصا مضطرين للهجرة. إن المزارع من الفئات 4 و5 و6، أي التي تزيد مساحتها عن 15 ولا تزيد عن 100 إيكر، هي كما تدل تجربة إنكلترا منذ أمد بعيد، أصغر من أن تلائم الزراعة الرأسمالية للقمح، أما بالنسبة إلى تربية الأغنام فتكاد أن تكون ضئيلة تماما. إذن، فعلى أساس الفرضية السابقة ذاتها، ينبغي أن يهاجر 788,761 شخصا جديداً، والمجموع 1,709,532 شخصا. وبما أن الشهية تنفتح أثناء الأكل
(l ‘ appetit vient en mangeant)، فإن عيون أصحاب الريع سرعان ما ستبصر أن إيرلندا لا تزال بائسة بسكانها الثلاثة ملايين ونصف المليون، فقط، وأن مرد بؤسها هو كثرة السكان. وإذن فإن خفض عدد السكان ينبغي أن يسير خطوة أبعد، كيما تستطيع إيرلندا أداء رسالتها الحقيقية بأن تكون بلد الأغنام والمراعي لإنكلترا(23).

إن لهذه الطريقة المربحة، شأن كل الأشياء الحسنة في هذا العالم، مساوئها. فبينما يتراكم الريع العقاري في إيرلندا، يتكدس الإيرلنديون في أميركا بخطى مماثلة. والإيرلندي، الذي طردته الخراف والثيران يعود إلى الظهور من جديد على الساحل الآخر من المحيط الأطلسي، في هيئة فينيان(*5)؛ ووجها لوجه مع ملكة البحار القديمة، تبزغ الجمهورية الفتية العملاقة، متوعدة منذرة:

Acerba fata Romanos agunt
Scelusque fraternae necis

القدر المشؤوم
وجريمة قتل الأشقاء

يعذبان روما(*6)

____________

(1) كان مجموع سكان إيرلندا 5,319,867 عام 1801، و6,084,996 عام 1811، و6,869,544 عام 1821 و7,828,347 عام 1831 و8,222,664 عام 1841.
(2) ستكون النتيجة سلبية إلى حد كبير، لو مضينا إلى فترة زمنية أبعد. فالأغنام في عام 1865 كانت 3,688,742، أما في عام 1856 فكانت 3,694,294 والخنازير في عام 1865 كانت 1,229,893، ولكنها في عام 1858 كانت 1,409,883.
(3) جمعت معطيات هذا الجدول من الكتابين التاليين: الإحصاءات الزراعية، إيرلندا، الخلاصات العامة لعام 1860 وما يليه. وكتاب: الإحصاءات الزراعية، إيرلندا، جداول تبين معدل الإنتاج.
إن هذه الاحصاءات رسمية، وترفع إلى البرلمان كل عام.
إضافة إلى الطبعة الثانية: تبين الاحصاءات الرسمية لعام 1872، بالمقارنة مع عام 1871، أن هناك تقلصا في مساحة الأرض المزروعة بمقدار 134,915 إيكراً. وطرأت زيادة على زراعة محاصيل الخضار، مثل اللفت، والشمندر، وما يشابههما، كما طرأ انخفاض على مساحة الأرض المزروعة بالقمح مقداره 16,000 إيكراً، والشوفان مقداره 14,000 إيكر، والشعير والجودار بمقدار 4000 إيكر، والبطاطا بمقدار 66,632 إيكراً، والكتان 34,667 إيكراً، والأعشاب والبرسيم، والكرسنة وبزر اللفت 30,000 إيكر. وقد مرت الأرض المزروعة بالقمح، خلال السنوات الخمس الأخيرة، بمراحل الهبوط المتدرج التالية: 285,000 إيكر عام 1868، 280,000 عام 1869، 259,000 عام 1870، 244,000عام 1871، 280,000 عام 1872. ونجد في العام 1872 زيادة تقريبية في عدد الخيول بمقدار 2600، والأبقار 80,000 والخراف 682, 28، وانخفاضا في عدد الخنازير بمقدار 236,000.
(*) القنطار: وحدة وزن تساوي 112 باون في إنكلترا. أي ما يعادل 50 كيلوغراماً؛ والستون = 14 باوناً. [ن. ع].
(4) التقرير العاشر لمفوضي ضريبة الدخل (1866).
(5) إن إجمالي الدخل السنوي للفئة (د) يختلف في هذا الجدول عما في الجدول السابق، بسبب بعض الاعفاءات التي يسمح بها القانون.
(6) إذا كان المحصول يتناقص نسبياً في الإيكر الواحد أيضا، فينبغي ألا يغرب عن البال، أن إنكلترا، ومنذ قرن ونصف، قد صدّرت تربة أرض إيرلندا بصورة غير مباشرة من دون أن تتيح لزارعيها حتى سبل التعويض البسيط عن مكونات التربة المغذية.
(**) تفشى الطاعون في أوروبا الغربية خلال 1347 – 1350، وأودى بحياة 25 مليون نسمة، أي ربع السكان وقتذاك. [ن. برلین].

(7) بما أن إيرلندا تعتبر أرض الميعاد بالنسبة إلى “مبدأ السكان”، فإن توماس سادلر، قبل ظهور كتابه عن السكان Law of population، نشر كتابه الشهير: إيرلندا، شرورها وعلاجاتها. ويبرهن سادلر في هذا الكتاب، بمقارنة احصائيات مختلف المحافظات ومقارنة مختلف المقاطعات في المحافظة الواحدة، على أن البؤس هناك لا يتناسب طردياً كما يدعي مالتوس، مع عدد السكان، بل يتناسب عكسياً مع هذا العدد.
(8) في الفترة بين عامي 1851 و1874، بلغ عدد المهاجرين 2,325,922.
(9) حاشية للطبعة الثانية، استنادا إلى جدول في كتاب مورفي، إيرلندا صناعية وسياسية واجتماعيا، لندن، 1870.(1870 ,Murphy , Ireland , Industrial , Political and social , London) فإن مساحة 94,6% من المزارع المؤجرة تقل عن 100 إيكر و4. 5% تزيد عن 100 إيكر.
(10) تقارير مفتشي قانون الفقراء حول الأجور في الزراعة، دبلن، 1870.
راجع أيضاً تقرير حول العمال الزراعيين في إيرلندا.
(11) المرجع نفسه، ص 29 وص1.
(12) المرجع نفسه، ص 12.
(13) المرجع نفسه، ص 25.
(14) المرجع نفسه، ص 27.
(15) المرجع نفسه، ص 26.
(16) المرجع نفسه، ص 1.
(17) المرجع نفسه، ص 32.
(18) المرجع نفسه، ص 25.
(19) المرجع نفسه، ص 30.
(20) المرجع نفسه، ص21 وص 13.
(***) التسمية القديمة لإيرلندا. [ن. برلین].
(21) تقارير مفتشي المصانع، 31 تشرين الأول/ أكتوبر، 1866، ص 96.
(****) محوّرة من مفیستونولس في تراجيديا ناوست، للشاعر غوته، مقدمة في السماء
Prolof im Himmel. [ن. برلین].
(22) تتضمن هذه المساحة الإجمالية “المستنقعات والأراضي البور”.
(23) أما كيف استثمر الملاكون العقاريون الأفراد، والتشريع الإنكليزي، معاً، المجاعة وعواقبها، استثماراً متعمداً، لتحقيق الثورة الزراعية عنوة وخفض عدد سكان إيرلندا إلى مستوى يرضي ملاكي الأرض الكبار، فذلك ما سأعرضه بالتفصيل في الكتاب الثالث من هذا البحث، في القسم المكرس للملكية العقارية. وسأعود عندها أيضا إلى وضع المزارعين الصغار والعمال الزراعيين. ونكتفي هنا بهذا المقتطف. يقول ناساو و. سنپور، من بين أشياء أخرى، في كتابه المنشور بعد وفاته بعنوان: يوميات وأحادیث ومقالات عن إيرلندا، مجلدان، لندن، 1868، المجلد الثاني، ص 282.

(Journals, Conversations and Essays relating to Ireland, 2 vols., London, (1868, V. II, p.

.(282 قال الدكتور ج. (Dr. G) بصواب إن لدينا قانون الفقراء. وهو وسيلة عظمى لتحقيق الانتصار لملاكي الأرض الكبار. وهناك وسيلة أخرى هي الهجرة. وما من صديق لإيرلندا يتمنى أن تطول الحرب بين الملاكين العقاريين وصغار المزارعين السليين) – ناهيك عن أن يتمنی بأن تنتهي بانتصار المزارعين المستأجرين. وكلما انتهت، (هذه الحرب) سريعاً – تحولت إيرلندا إلى بلد مراع (grazing country) بوتيرة أسرع، وبعدد ضئيل نسبياً من السكان، بما يلائم بلدة رعوية، كان ذلك خبراً لجميع الطبقات. إن قوانين الحبوب الإنكليزية لعام 1815، ضمنت لإيرلندا احتكاراً بالتصدير الحر للقمح إلى بريطانيا العظمى. وهكذا كانت تساعد قصداً وعمداً على زراعة القمح. إلا أن هذا الاحتكار زال فجأة بإلغاء قوانين الحبوب عام 1846. وبصرف النظر عن جميع الظروف الأخرى، كان هذا الحدث كافياً، وحده، لإعطاء دفعة كبيرة تحفز تحويل الأرض الإيرلندية الصالحة للزراعة إلى حقول للرعي، وتركز المزارع، وطرد المزارعين الصغار. وبعد إطراء خصوبة الأرض الإيرلندية، في 1815 – 1846، واغداق المديح العلني عليها باعتبارها أرضا جعلتها الطبيعة نفسها صالحة لزراعة القمح، اكتشف المهندسون الزراعيون والاقتصاديون والسياسيون الإنكليز اليوم، بغتة، أنها لا تصلح لشيء غير إنتاج العلف الأخضر! وقد سارع السيد ليونس دي لا فيرن، إلى تكرار هذا الاكتشاف، على الجانب الآخر من القنال.

إن الانخداع بمثل هذه الترهات يقتضي وجود رجل “جاد” من طراز لافيرن.
(*5) كناية عن الحركة الإيرلندية: الفينية، المطالبة باستقلال إيرلندا عن بريطانيا منذ ستينيات القرن التاسع عشر. [ن. برلین].
(*6) هوراس، الأهجية السابعة Epoden. [ن. برلین].