رأس المال: الفصل الرابع والعشرون (99) 7) الميل التاريخي للتراكم الرأسمالي


كارل ماركس
الحوار المتمدن - العدد: 7013 - 2021 / 9 / 8 - 11:05
المحور: الارشيف الماركسي     

ما يسمى بالتراكم الأولي
7) الميل التاريخي للتراكم الرأسمالي
إذن، ما هو فحوى التراكم الأولي لرأس المال، أي سفر تكوينه التاريخي؟ فبما أن هذا التراكم ليس تحولا مباشراً للعبيد الأرقاء والأقنان إلى عمال مأجورين، وليس بالتالي مجرد تبدل في الشكل، فإنه لا يعني سوى انتزاع ملكية المنتجين المباشرين، أي انحلال الملكية الخاصة القائمة على العمل الشخصي لمالكها.

فالملكية الخاصة، بوصفها نقيض الملكية الاجتماعية الجماعية، لا توجد إلا حيث تكون وسائل العمل والشروط الخارجية للعمل ملكا لأفراد خاصين. بيد أن طابع الملكية الخاصة هذا يختلف تبعا لكون هؤلاء الأفراد يعملون كشغيلة أم لا يعملون. أما التلاوین التي لا تحصى والتي نراها في الملكية الخاصة لأول وهلة، فلا تعكس غير الأوضاع الوسطية الواقعة بين هذين القطبين المتضادین.

إن ملكية الشغيل الخاصة لوسائل إنتاجه هي قاعدة الإنتاج الصغير، والإنتاج الصغير هو، بدوره، الشرط الضروري لتطور الإنتاج الاجتماعي وتطور الشخصية الفردية الحرة للشغيل نفسه. وبالطبع فإن نمط الإنتاج هذا كان قائما في ظل العبودية والقنانة، وفي ظل سواهما من أشكال التبعية الشخصية. لكنه لا يزدهر، ولا يطلق العنان لكامل طاقاته، ولا يبلغ شكله الكلاسيكي الوافي، إلا حيثما يكون الشغيل هو المالك الخاص الحر الشروط عمله الخاصة التي يستخدمها بنفسه، حيث يكون الفلاح مالكاً للأرض التي يزرعها، والحرفي مالكاً للأدوات التي يستخدمها استخدام الفنان الحاذق لأدواته.

ويفترض نمط الإنتاج هذا، سلفاً، تجزؤ الأرض ووسائل الإنتاج الأخرى. فهو يستبعد تركز وسائل الإنتاج هذه، كما يستبعد التعاون وتقسيم العمل في نطاق عملية الإنتاج الواحدة. ويستبعد سيطرة المجتمع على الطبيعة وعلى تنظيمها اجتماعياً ويستبعد التطور الحر للقوى المنتجة الاجتماعية. وهو لا يتلاءم إلا مع الحدود البدائية الضيقة للإنتاج والمجتمع، والسعي لتخليده يعني، كما يقول بیکور بصواب، السعي إلى “تعميم المستوى الوسطي بمرسوم”(*). لكنه يولد، عند مرحلة معينة من تطوره، الوسائل المادية لفنائه بالذات. ومنذ تلك اللحظة تبدأ في الاضطرام في أحشاء المجتمع قوى جديدة وأهواء جديدة تشعر بأنها مقيدة بنمط الإنتاج هذا. ويقتضي الأمر تدميره، فيدمر. وإن تدميره، أي تحويل وسائل الإنتاج الفردية والمبعثرة إلى وسائل إنتاج متركزة اجتماعية، وبالتالي تحويل الملكية القزمة للكثرة إلى ملكية عملاقة للقلة، وانتزاع الأرض والعقار ووسائل العيش وأدوات العمل من جمهرة الشعب الواسعة، إن هذا الانتزاع المرعب، المؤلم، لملكية الجمهرة يؤلف المقدمة في تاريخ نشوء رأس المال. وينطوي هذا التاريخ على طائفة من الطرائق القسرية، التي لم نعرض منها سوى الطرائق الصانعة لحقبات كاملة، مثل طرائق التراكم الأولي لرأس المال. وقد جرى انتزاع ملكية المنتجين المباشرين بأكثر الأشكال الوحشية قسوة، وبدافع أحط الأهواء وأكثرها مقتاً ودناءة وعاراً. إن الملكية الخاصة المكتسبة بعمل مالكها، أي المرتكزة، إذا جاز القول، على اندماج الشغيل الفردي المستقل، بأدوات ووسائل عمله، تُزاح من قبل الملكية الخاصة الرأسمالية، التي تقوم على استغلال قوة عمل الغير، الحرة شكليا (1).

وما أن تكمل عملية التحول هذه تفكيك المجتمع القديم، بدرجة كافية، من حيث السعة والعمق، وما إن يتحول الشغيلة إلى بروليتاريين، وتتحول وسائل عملهم إلى رأسمال، وما إن يقف النمط الرأسمالي للإنتاج على قدميه هو، حتى نجد شكلا جديداً لمواصلة تعميم الطابع الاجتماعي للعمل، ومواصلة تحويل الأرض ووسائل الإنتاج الأخرى إلى وسائل إنتاج مستثمرة اجتماعياً، أي وسائل إنتاج جماعية، وبالتالي مواصلة انتزاع ملكية المالكين الخاصين. فذلك الذي ينبغي انتزاع ملكيته الآن لم يعد الشغيل الذي يعمل لأجل نفسه بنفسه، بل الرأسمالي الذي يستغل كثرة العمال.

إن انتزاع الملكية هذا يتحقق بفعل القوانين الملازمة للإنتاج الرأسمالي نفسه عن طريق تمرکز رؤوس الأموال. فالرأسمالي الواحد يقضي على الكثير من أقرانه. وإلى جانب هذا التمرکز، أي انتزاع حفنة من الرأسماليين لملكية الكثيرين منهم، يتطور الشكل التعاوني لعملية العمل على نطاق متسع أبدا ، كما يتطور التطبيق التكنیكي الواعي للعلم، والاستثمار المنهجي للأرض، وتتحول وسائل العمل إلى وسائل عمل غير قابلة للاستخدام إلا بصورة جماعية، ويتحقق التوفير في وسائل الإنتاج كافة باستعمالها کوسائل إنتاج لعمل اجتماعي مركب، ويتم زج الشعوب كلها في شبكة السوق العالمية، ويتطور في الوقت ذاته الطابع العالمي للنظام الرأسمالي. وإلى جانب التناقص المستمر لعدد أساطين رأس المال، الذين يغتصبون ويحتكرون كل مزايا عملية التحول هذه، يتسع نطاق البؤس، والاضطهاد، والاسترقاق، والانحطاط، والاستغلال. وينمو في الوقت ذاته عصيان الطبقة العاملة، الطبقة التي يتزايد عددها باستمرار، والتي تتعلم، وتتحد، وتنتظم بفعل آلية عملية الإنتاج الرأسمالي ذاتها. إن احتكار رأس المال يغدو قیداً لنمط الإنتاج الذي نما معه وبه. وإن تمرکز وسائل الإنتاج، وجعل العمل اجتماعياً، يبلغان ذلك الحد الذي يأخذان معه بالتنافر مع الغلاف الرأسمالي. فيتمزق هذا الغلاف. وتدق ساعة نهاية الملكية الرأسمالية الخاصة. ويجري انتزاع ملكية منتزعي الملكية.

إن نمط التملك الرأسمالي الناجم عن النمط الرأسمالي للإنتاج، وبالتالي الملكية الرأسمالية الخاصة، هما أول نفي للملكية الخاصة الفردية القائمة على عمل الفرد بالذات. لكن الإنتاج الرأسمالي يولد، بضرورة عملية طبيعية، ما ينفيه هو نفسه. وهذا هو نفي النفي. إنه لا يعيد الملكية الخاصة، بل الملكية الفردية على أساس إنجازات الحقبة الرأسمالية: أي على أساس التعاون والحيازة الجماعية للأرض ولوسائل الإنتاج التي أنتجها العمل نفسه.

إن تحول الملكية الخاصة المبعثرة، القائمة على عمل مالكيها، إلى ملكية رأسمالية خاصة، هو بالطبع عملية أبطأ وأطول وأصعب وأشق، بما لا يقاس، من تحول الملكية الرأسمالية الخاصة، التي ترتكز واقعياً على عملية الإنتاج الاجتماعية، إلى ملكية اجتماعية. فهناك، يتعلق بقيام حفنة من الغاصبين بانتزاع ملكية جمهرة الشعب، وهنا قيام جمهرة الشعب بانتزاع ملكية حفنة من الغاصبين (2).

_____________

(*) سي. بیکور، نظرية جديدة في الاقتصاد الاجتماعي والسياسي، باريس، 1842، ص 435. [ن. برلين].
(C. Pecqueur, Théorie nouvelle d’économie sociale et politique, Paris, 1842, p. 435).
(1) “لقد بلغنا وضعاً جديداً تماما بالنسبة إلى المجتمع… فنحن نسعى إلى فصل كل نوع من الملكية عن كل نوع من العمل، (سیسموندي، المبادىء الجديدة للاقتصاد السياسي، ص 434).
(Sismondi, Nouveaux Principes de l’Économie Politiques, T. II Paris, 1827]. p. 434),
(2) “إن رقي الصناعة الذي ليست البورجوازية إلا حاملا مذعناً له، مسلوب الإرادة، يستعيض عن انعزال العمال الناجم عن تنافسهم، باتحاد ثوري بواسطة الجمعيات. وهكذا ينتزع تقدم الصناعة الكبرى من تحت أقدام البورجوازية الأسس نفسها التي شادت عليها نظام إنتاجها وتملكها. إن البورجوازية تنتج قبل كل شيء حفاري قبرها، فسقوطها وانتصار البروليتاريا كلاهما أمر لا بد منه… وليس بين جميع الطبقات التي تقف الآن أمام البورجوازية وجها لوجه إلا طبقة واحدة ثورية حقا، هي البروليتاريا. فجميع الطبقات الأخرى تنحط وتهلك مع نمو الصناعة الكبرى، أما البروليتاريا فهي، على العكس من ذلك، أخص منتوجات هذه الصناعة. إن الفئات المتوسطة، من صغار الصناعيين والباعة بالمفرق والحرفيين والفلاحين، تحارب البورجوازية من أجل الحفاظ على وجودها بوصفها فئات متوسطة. فهي ليست إذن ثورية، بل محافظة، وأكثر من محافظة أيضا، إنها رجعية، فهي تطلب أن يرجع التاريخ القهقرى ويسير دولاب التطور إلى الوراء”. (کارل مارکس وفريدريك إنجلز، بيان الحزب الشيوعي، لندن، 1848، ص 9-11).