رأس المال: الفصل الثالث عشر (60) 8) دور الصناعة الكبرى في تثوير المانيفاکتورة والحرفة اليدوية والعمل المنزلي


كارل ماركس
الحوار المتمدن - العدد: 6627 - 2020 / 7 / 25 - 12:17
المحور: الارشيف الماركسي     



ب) إنعکاس تأثير المصنع على المانيفاکتورة والعمل المنزلي
لا يقتصر تطور نظام المصانع وما يرافق ذلك من انقلاب في الزراعة، على اتساع نطاق الإنتاج في كل الفروع الصناعية الأخرى، بل يتعداه إلى تغير طابعها بالمثل. فمبدأ الإنتاج الآلي بتحليل عملية الإنتاج إلى أطوارها المكونة، وحل القضايا الناشئة على هذا النحو باستخدام علوم الميكانيك والكيمياء وغيرهما، أي باختصار، بواسطة العلوم الطبيعية، يغدو مبدأ مقرراً في كل مكان. ولذلك تتغلغل الآلات في المانيفاکتورة حيثما تجد استخداماً في هذه العملية الجزئية أو تلك. وبذلك فإن التمفصل المتبلور والوطيد لتقسيم العمل القديم في المانيفاکتورة، يتفسخ ويخلي مكانه لتغيرات متواصلة. زد على ذلك يحصل انقلاب جذري في تركيب العامل الكلي أو العامل المركب. وخلافا لمرحلة المانيفاکتورة يقوم مخطط تقسيم العمل الآن على أساس استخدام عمل الإناث والأطفال من جميع الأعمار، والعمال غير المدربين حيثما أمكن، وباختصار، استخدام العمل الرخيص (cheap labour)، حسب التعبير الإنكليزي المعبر. ولا يقتصر ذلك على شتّی أنواع الإنتاج المركب واسع النطاق سواء باعتماد الآلات أم لا، بل ينطبق أيضا على ما يسمى بالصناعة المنزلية، بغض النظر عما إذا كان العمال يمارسونها في مساكنهم أم في ورش عمل صغيرة. وليس في هذه الصناعة المنزلية الحديثة المزعومة جامع يجمعها، عدا التسمية، بالصناعة المنزلية القديمة التي تفترض وجود حِرفة مستقلة في المدينة واقتصاد فلاحي مستقل، بل تفترض أصلا وجود منزل لدى أسرة العامل. أما الآن فقد تحولت الصناعة المنزلية إلى قسم خارجي للمصنع أو المانیفاكتورة أو المؤسسة التجارية. وما عدا عمال المصانع والعمال المانيفاکتوريين والحرفيين الذين يركزهم رأس المال مكانياً بكتل كبيرة ويضعهم تحت إمرته مباشرة، فإنه يحرك بخيوط غير مرئية جيشا جرّاراً من العمال المنزليين المتناثرين في المدن الكبيرة وفي الأرياف. مثال ذلك: إن مصنع القمصان التابع للسادة تيلي في لندندري بإيرلندا يستخدم 1000 عامل في المصنع و9000 من العمال المنزليين المبعثرين في الأرياف (1).

ويتخذ استغلال قوى العمل الرخيصة وغير الناضجة في المانيفاکتورة الحديثة طابعاً أشد سفوراً مما هو في المصنع الفعلي، ذلك لأن الأساس التكنیكي لهذا الأخير، وهو

حلول الآلات محل القوة العضلية وسهولة أداء العمل، لا وجود له في المانيفاکتورة على الأغلب؛ يضاف إلى ذلك أن جسد المرأة أو جسد الطفل الغض يتعرض في المانيفاکتورة لتأثير المواد السامة بلا مواربة. ويكتسب الاستغلال في ظل ما يسمى بالعمل المنزلي طابعاً سافراً يفوق ما في المانيفاکتورة، وذلك لأن قدرة العمال على المقاومة تتضاءل نظرا لتبعثرهم، ولأن سلسلة متصلة من الطفيليين المفترسين تندس بين رب العمل والعامل، ولأن على الصناعة المنزلية أن تصارع في كل مكان مع الإنتاج الآلي، أو مع الإنتاج المانيفاکتوري على الأقل، في الفرع نفسه، ولأن الفقر يسلب العامل شروط العمل الأكثر ضرورة – فسحة المكان والنور والتهوية وإلخ – ولأن عدم انتظام العمل يتفاقم، وأخيرا لأن المنافسة بين العمال تصل لا محالة إلى أقصاها في هذه الملاذات الأخيرة لكل من جعلته الصناعة الكبرى والزراعة “زائداً عن اللزوم”. وإن الاقتصاد في وسائل الإنتاج الذي لا يتحقق بصورة منتظمة إلا بفضل الإنتاج الآلي، والذي يعتبر أصلا تبديداً جائراً لقوة العمل منذ البداية، ووحشية فيما يتعلق بالشروط العادية لسير العمل، يكشف الآن بمزيد من الجلاء عن جانبه التناحري الفاتك بالإنسان وذلك بقدر ما تكون القدرة الإنتاجية الاجتماعية للعمل ضعيفة والأساس التكنیكي لعمليات العمل المركبة ضعيفة في الفرع الصناعي المعني.

____________

(1) لجنة استخدام الأطفال، التقرير الثاني، 1864، ص LXVIII، رقم 415.