لم يُمكن للفيروس التاجي أن يُشعل فتيل المُسْتَعِر الأعظم للرأسمالية / 3-3


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 6532 - 2020 / 4 / 8 - 13:47
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات     

خلال الأسبوعين الأوسطين من آذار 2020 ، كشفت الحكومات الإمبريالية عن خطط لإنفاق مبلغ (4.5) تريليون دولار لإنقاذ اقتصاداتها المفلسة . فقد أعلنت القمة الطارئة على الإنترنت لمجموعة العشرين (الدول الإمبريالية السبع الكبار (G7) بالإضافة إلى اثنتي عشرة دولة "ناشئة" ، بما في ذلك روسيا ، والهند ، والصين ، والبرازيل ، وإندونيسيا) في 26 أذار ، "أننا نضخ أكثر من (4.5) تريليون دولار في الاقتصاد العالمي ..." هذا هو القول المخادع ، فكلمة "العالمي" لا تعني فعليًا إلا "المحلي" ! ردة فعل "اليسار" في البلدان الإمبريالية كانت بالتصفيق والقول : "لقد كنا على حق طوال الوقت ! توجد هناك شجرة رأس المال السحرية على كل حال !" - يبدو أنهم لم يدركوا بعد أن هذا هو بالضبط ما حدث بعد عام 2008 : تأميم الدين الخاص . و لكنه ، على عكس ما بعد 2008 ، لن يعمل هذه المرة .
مع ذلك ، وبينما تقوم الحكومات الإمبريالية بتعبئة الموارد الطبية في وقت متأخر - وتحتكرها لنفسها - لمواجهة أزمة الفيروس التاجي في بلدانها ، فقد تخلت عن الدول الفقيرة ، تاركة إياها لتواجه مصيرها لوحدها . إن اليسار في البلدان الإمبريالية (أو يمكننا القول "اليسار الإمبريالي" ، باختصار) يتجاهل أيضًا حقيقة أنه لا يوجد أي نصيب في عمليات ضخ الأموال الطارئة هذه للفقراء في جنوب العالم . إذا كان بلدك من بلدان "السوقً الناشئة" ، فاغرب بعيداً عنّا و التحق بطابور قائمة الانتظار لإنقاذ صندوق النقد الدولي ! حتى 24 آذار ، كانت 80 دولة تقف في قائمة الانتظار هذه ، بانتظار بعض من قدرة الإقراض البالغة قيمتها (1) تريليون دولار . و يبدو التريليون دولار هذا كمبلغ كبير من المال ، وهو بالفعل كذلك ، ولكن ، كما يشير "مارتن وولف" ، كبير المراسلين الاقتصاديين في صحيفة الفايننشال تايمز ، "من المرجّح أن تكون فجوات التمويل الخارجي الإجمالية للدول الناشئة والنامية أوسع بكثير من قدرة الإقراض لصندوق النقد الدولي "..
علاوة على ذلك ، مثلما يبين "وولف" ، فإن الغرض من قروض صندوق النقد الدولي إنما هو لمساعدة هذه الدول في "سد ثغرات التمويل الخارجي" - وبعبارة أخرى ، إنقاذ الدائنين الإمبرياليين ، وليس شعوب الدول المدينة . وهي تأتي دائمًا بشروط قاسية ومذلة تزيد من العبء الساحق الذي يضغط بالفعل على شعوب تلك البلدان . وبهذا المعنى ، فإنها تشبه عمليات الإنقاذ الحكومية الضخمة لرأس المال الخاص في البلدان الغنية – إنما دون تخصيص أي شيء إضافي مثلها لتمويل مدفوعات الرعاية الاجتماعية ولا تعويض الأجور جزئيًا . والهدف من هذه التخصيصات الأخيرة إنما هو شراء انحراف الطبقة العاملة في الدول الإمبريالية [ عن طريق الثورة] ، لكنهم لا ينوون القيام بذلك في دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية !
في 24 آذار ، أصدرت الأمم المتحدة نداء من أجل جمع ملياري دولار لمكافحة جائحة الفيروس التاجي في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية . هذ المبلغ ، الذي تأمل الأمم المتحدة بجمعه على مدى الأشهر التسعة المقبلة ، لا يشكل سوى 1/80 من الميزانية السنوية لـخدمات الصحة المجتمعية في المملكة المتحدة ، و هو أقل من 1/2000 من مبلغ (4.5) تريليون دولار المخطط إنفاقها لإبقاء الاقتصادات الرأسمالية على قيد الحياة . كما أنه أقل من 1/40 من الرساميل التي سحبها المستثمرون الإمبرياليون من "الأسواق الناشئة" خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من آذار ، و التي مثّلت "أكبر تدفق لرأس المال تم تسجيله على الإطلاق" ، وفقًا للمديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي "كريستالينا جورجييفا".
أشار "ديفيد مالباس" ، رئيس البنك الدولي ، بعد انتهاء قمة مجموعة العشرين إلى أنه للتخفيف من الآثار الجانبية الوبيلة لوباء الفيروس التاجي على شعوب البلدان الفقيرة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية فإن مجلس إدارته سيجمع حزمة للإنقاذ بقيمة "تصل إلى (160) مليار دولار" موزعة على مدى الـ 15 شهرًا القادمة و التي لا تشكل غير جزء صغير جدًا من الخسائر الاقتصادية الرهيبة التي سيفرضها الركود العالمي القادم على شعوب البلدان التي يطلقون عليها اسم "الأسواق الناشئة" السخيف .
"علينا واجب ثوري للوفاء" - ليوناردو فرنانديز ، طبيب كوبي في إيطاليا
إذن ، ما العمل ؟ بدلاً من التصفيق لإنقاذ الشركات الكبرى ، يجب علينا مصادرتها . بدلاً من المصادقة على الوقف المؤقت لعمليات إخلاء المستأجرين وتراكم متأخرات الإيجار ، يجب علينا مصادرة العقارات لحماية العمال والشركات الصغيرة . هذه ، والعديد من النضالات الأخرى لتأكيد حقنا في الحياة فوق حقوق الرأسماليين في ممتلكاتهم ، ستصبح واقعاً في المستقبل القريب .
الأولوية الآن هي القيام بكل ما هو ضروري لإنقاذ الحياة و دحر الفيروس التاجي . وهذا يعني توسيع التضامن مع أولئك الأكثر عرضًة من غيرهم للوباء : مع الأشخاص المشردين والسجناء وطالبي اللجوء الذين يعانون من "بيئات معادية" ، و مع ضحايا الإمبريالية المحرومين وضحايا الأحياء الفقيرة في مدن الصفيح ومخيمات اللاجئين في جنوب العالم . يشير "راغورام راجان" ، محافظ "بنك الهند المركزي" السابق ، إلى أنه "في انتظار العلاج أو اللقاح الموثوق به ، يحتاج العالم إلى إجبار الفيروس على الاستسلام في كل مكان ليصبح بالإمكان الاسترخاء في أي مكان". وتتفق "الإيكونوميست" مع ذلك : "إذا تُرك الكوفيد-19 ليخرب العالم الناشئ ، فسوف ينتشر قريباً إلى العالم الغني" .
إن جائحة الفيروس التاجي هي أحدث دليل على أننا لا نحتاج إلى الكثير من "خدمات الصحة المجتمعية" المحلية بل إلى "خدمات الصحة العالمية" . و الدولة الوحيدة التي تعمل بهذه الضرورة هي كوبا الثورية . لديهم بالفعل أكثر من 28000 طبيب يقدمون الرعاية الصحية المجانية في 61 دولة فقيرة - أكثر من دول مجموعة السبع مجتمعة – إضافة إلى 52 في إيطاليا و 120 آخرين لجامايكا ، و هم يقدمون المساعدة لعشرات الدول الأخرى للاستعداد للوباء . حتى حكومة بولسونارو اليمينية المتطرفة في البرازيل ، التي طردت العام الماضي 10000 طبيب كوبي ، ووصفتهم بالإرهابيين ، راحت تتوسل إليهم الآن بالعودة .
لهزيمة الفيروس التاجي يجب علينا محاكاة أممية كوبا الطبية . إذا أردنا هزيمة هذا الوباء ، يجب عاينا أن ننضم إلى أطبائها الثوريين و إلى شعبها الثوري ، ويجب أن نستعد لفعل ما فعلته كوبا لجعل هذه الأممية ممكنة - وبعبارة أخرى ، يجب أن نستبدل ديكتاتورية رأس المال بقوة الشعب العامل . لقد جعل المستعر الأعظم للفيروس التاجي من الثورة الاشتراكية - في البلدان الإمبريالية وفي جميع أنحاء العالم - ضرورة ، و مهمة عملية عاجلة ، و مسألة حياة أو موت إذا كانت الحضارة البشرية يراد لها أن تبقى وإذا كان التدمير الرأسمالي للطبيعة - الذي هو بمثابة وباء فيروسي آخر - يجب أن تنتهي .

يشكر الكاتب كل من : "آندي هيغينبوتوم" و "شيه يو تشو" و "والتر دوم" على تعليقاتهم على المسودات السابقة لهذا المقال . "

تم.