عن هول ما جرى أحدثكم ( ورقة من ذاكرة معتقلة سياسية سابقا )


مليكة طيطان
الحوار المتمدن - العدد: 6363 - 2019 / 9 / 28 - 10:02
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن     

تركت شهية الأكل ورائي ...
وجدت الخيبة في متناولي ...
شهية لروائح الخضر والشاي والنعناع والخبز الطاجز وسمك سردين صيدة الفجر مقلي أو مشوي على فحم شجر أركان الصامد مثلي ...
ولأن نهارتي صارت ليالي أيضا يزورني الملل و الاضطرار لمواجهة نفسي المتعثرة والكتابة الهاربة ...
بين سأم وإكراه وضجر واصطدام أحلم بأفاعي ظمآ تعشق غرس سمها في فريستها و لو عن بعد ...هكذا رسمت لوحة افتراس الإنسان لأخيه الإنسان ولو بعد المسافة ...
أحلم بجوارح العقاب تختلس صغار الدجاج أو قططا وليدة ... مهلا أحبابي هذه مجرد غفوة أو هلوسة طويلة تقتسم النسيان والتذكر .
غنج البخارية ورماد فرن خبز الجوع ... أكياس القطاني تنتظر تنقيتها من الحصا وبزق الجردان ومخلفات الحصاد ... بئيسات يفرد لكل واحدة منهن حصتها لا يهم إن أنجزت المطلوب بإخلاص أو تركت الحب والتبن و فتات براز أهل الحصاد .
تأملت العدس المنتهية صلاحيته بسنوات يحتل فيه البخوش ( الحشرة الصغيرة السوداء ) جل الحبات تأكدت بالملموس أن وجبة هذا الصنف من القطاني هي البخوش مخضر بالعدس ... رويت فضولي وتأكدت من أن تناوله عادي جدا روتيني عند البئيسات المارات من فرائض أيام القيامة الدنيوي تزيح ما استطاعت وتلتهم جل الحشرات , ربما يضفي لذة خاصة جدا اقتنعت مؤخرا وشعوبا في النعيم تسبح تتلذذ بأكل الصراصير والفئران بل حتى الثعبان إذن لا يهم فلنا قصب السبق نحن هم المبدعون و المبدعات
جربت أن أتذوق كل أصناف القطاني من فول وحمص ولوبيا مذاق واحد ترى ما هو السبب ؟
أستكين في وحدتي أخال نفسي صديقة حميمة لذاتي بعد فترة الاستراحة وقرع مفاتيح جهنم و دوي أبواب الفولاد ... أحلم برحاب الحرية ... أول خطوة سأشتري قهوة رفيعة الجودة وشايا صحراويا أو صويريا ونعناعا عبديا أو تيزنيتيا أو مكناسيا ... سأطلب من خالتي خديجة أن تورق رغيفا بدقيق القمح الصلب محصول تربة قبيلتي التيرس المغطاء ... أتخيل والدتي تعد قصعة كسكس بدجاج وسمن بلديين .
أحلم بردائي العصري وحذائي الرياضي وحقيبة أضع فيها لوازم السباحة أقصد الشاطئ ... أستلقي على ظهري أطلب من الموج أن يهدأ لكي أقرأ ما دونته سحب عابرة أو أستمع إلى رسالة طائر اللقلاق ... أحلم أن أغمر رأسي وشعري الذي طال حتى صار كثيفا في لجة موجة هادئة ... جثتي لا تطاوعني أصر بكل حزم ورباطة جأش أنني سأرغمها على ألا تخور ...أسترجع قوتي أسحبها إلى رمال الشط الذهبية ...أفتح الحقيبة لكي أسحب الصحيفة اليومية (المحرر) الغراء لها وحشة يا أحبابي ... أعلم جيدا بأنها جعلتني أيقونة الافتتاحيات فإحدى المميزات السجانات تنفرد بي وتطلعني في غفلة من زميلاتها السجانات وحراس الطواف فالصفحة الأولى تتصدرها صورتي وعلم تحليل نموذج سيرة نضال النساء .
فجدوة الحماس اتقدت في صباح ليس كسائر الصباحات يؤرخه احتفاء كادحي وكادحات الكون بعيدهم الأممي ...فالزعيم الرائد وجه لي تحية حارة مدوية عبر تعبير مسكوك على مقاس مناضلة تؤدي ضريبة النضال في أحقر سجون الوطن ... برأيك يا (ذات ) النضال بأي معيار ستقيسين حجم جدوة الحماس هذه خصوصا والخطب في العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء بل أكبر محج ساحة الأمم المتحدة ... يداعبني الأمل واستيقاظ الهمة وطموح مواصلة النضال ...نعم أمل شبابي و مشعل نار نضال الكادحين في مواجهة كومبرادور متعفن ليس على مقاس مجتمعات الكون وبورجوازية لقيطة لا تاريخ ولا دور اقتصادي أو اجتماعي فقط يختصون في هندسة الهشاشة والانحطاط .
أخلد إلى نومة متقطعة تقتسمها غفوة أو أكثر ... المقيمات معي في لمة ازدراء المجتمع تستسلمن إلى سلطان النوم ... تتعايشن مع واقعهن الموبوء بعدة عضات ... تركن على باب الوطن المقفل عبء تواطؤ أسرهن المغبونة وأولياء أمر وطن يلفظهن حتى صرن مجرد عوالق متخلى عنها أو نازحات من مطارح الهشاشة قد تكون أكواخا أو (خطارات ) قديمة قدم الدولة المرابطية أو الموحدية تم الاستغناء عنها بقنوات مياه أو أخرى للصرف الصحي ... لم يخطر ببالكم أن تعبير الصباح المختزل في صباح الخير قد حل محله تعبير آخر هو نداء يحمل من المعنى الكثير من مسخ إنسانية الإنسان بصوت جوهري والنداء الهدف منه إحصاء العدد ( نوضو لابيل يا قحاب الويل )
سامحوني وضعت جدائلي الآن فوق وسادتي سأخلد للنوم فللسرد بقية