نقد البيان الشيوعي من وجهة نظر ماركس


أنور نجم الدين
الحوار المتمدن - العدد: 5954 - 2018 / 8 / 5 - 17:58
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

لندخل لب الموضوع رأسًا:
ان عودة البروليتاريا الى ميدان الصراع التاريخي الحاسم، والذي يدور دائما وفي كل مكان، حول تغير شكل الملكية، يعني العودة في نفس الوقت الى السؤال الذي طرحه التاريخ بخصوص التطور اللاحق للمجتمع، أي الثورة المقبلة بالذات، فحسب انجلس، ان الخطوة الاولى في ثورة البروليتاريا، هي: ترفيع البروليتاريا الى طبقة سائدة والفوز بالديمقراطية وفرض الضرائب على المجتمع.

فرض الضرائب بطريقة ديمقراطية على المجتمع للوصول الى الاشتراكية تدريجيًا: هذا هو لب موضوعنا هنا!
ان هذه المشاريع المنشورة في الجزء الثاني من البيان الشيوعي الصادر عام 1848، وهي نفس مشاريع الطوباوية التي ينتقدها ماركس قبل اصدار البيان بعام واحد فقط، نقله انجلس نصًا الى البيان الشيوعي من كراسه "مبادئ الشيوعية". وبهذا الشكل، يدور البيان في هذا الفصل، مثله مثل كراس انجلس، حول المفاهيم الثابتة والابدية وحقائق غير قابلة للتغير، فان الضريبة صالحة لكل انواع العلاقات الانتاجية، منها الاشتراكية، فانجلس -في كراسه كما في البيان الشيوعي- يبحث المفاهيم النظرية لا الواقع المادي للتاريخ، وكأنت المسألة هي مسألة نظرية لا مسألة تاريخية. وهو بهذا المعنى، يتقاسم مفاهيمه الوهمية مع برودون الفرنسي وشترنر الالماني بالذات لا مع ماركس، كما هو معروف.
يعتبر انجلس بان الضريبة هي نفي التدريجي للملكية البرجوازية. وهو كعادته، يحاول ان يوحد مفهومين متناقضين في مفهوم واحد، لكي يبحث بعد ذلك الروابط الداخلية في هذه الوحدة المتناقضة بطريقة هيغلية، اي بطريقة وهمية خالصة، بطريقة ديالكتيكية. وهكذا، فيبحث انجلس الموضوع خارج التاريخ، اي في فكره المنفصل عن الاشياء، وهو يستغني كليًا عن دراسة التاريخ الواقعي للضريبة قبل التاريخ الذي سيصبح عند انجلس اساسًا لنظام انتاجي جديد، اي الاشتراكية. ولكن فرض الضرائب على المجتمع كوسيلة للوصول التدريجي الى الاشتراكية، لا يبين سوى العجز التام عن إدراك مسيرة التاريخ. وعكس انجلس الذي تبنى المفاهيم الوهمية للاقتصاد السياسي دون دراستها أو نقدها، فقام ماركس بتبيان جوهر الضرائب من وجهة نظر التاريخ، ففي نقد برودون، وجه ماركس انتقاده لهذه الطوباوية على الشكل التالي:

"وماذا نقدر أن نقول عن هذا السير الذي لا يهدف إلا القضاء على البرجوازي بفرض الضرائب، بينما الضرائب هي الوسائل الوحيدة الحقة التي تعطي البرجوازي لحظة من الوقت ليحتفظ بنفسه كطبقة حاكمة؟
لقد حققت الضريبة على الاستهلاك نموها الحقيقي منذ قيام البرجوازية وهي في يد الرأسمالي الصناعي، أي وهي كثروة اقتصادية تنتج وتزيد ذاتها باستغلال مباشر للعمل، فان الضريبة على الاستهلاك كانت وسيلة لاستغلال ثروة الأسياد الذين لم يفعلوا شيئًا إلا الاستهلاك، ولقد حقق جيمس ستيوارت هذا الهدف الرئيسي للضريبة على الاستهلاك في كتابه "بحث مبادئ الاقتصاد السياسي" الذي نشره عشر سنوات قبل آدام سميث" (كارل ماركس، بؤس الفلسفة).

هذا هو الجوهر التاريخي للضريبة، والذي ينتقده اقتصادي برجوازي مثل ستيوارت عشر سنوات قبل سميث، أي اكثر من نصف قرن من كراس انجلس، ما يسمى "المبادئ الشيوعية". فان ما يميز الشيوعية، ليس القضاء على الملكية الخاصة بشكل عام، بل القضاء على الملكية البرجوازية بشكل خاص. هذه هي الاطروحة التي تنطلق منها الشيوعية. فالثورة الفرنسية الاولى، ثورة عام 1789 البرجوازية، قضت على الملكية الاقطاعية لمصلحة الملكية البرجوازية، الملكية التي تحتفظ بنفس الطابع التناقضي للملكية القديمة والسيطرة الطبقية الناتجة منها.
وعكس هذا التطور التاريخي، فعندما تصبح البروليتاريا طبقة موحدة ضد الطبقة البرجوازية السائدة، فآنذاك لا يتعلق الأمر بتداول الادوار في السلطة السياسية بين البروليتاريا وفئة معينة من الطبقة البرجوازية المتسلطة التي تعيش على الضرائب، بل الأمر يتعلق فقط بالغاء علاقات الانتاج المتناقضة بالعنف. وبهذا الشكل، سوف تلغي البروليتاريا اسباب وجودها بالذات، وهي اسباب وجود التناحر في المجتمع، فالهدف من الثورة البروليتارية اي الثورة الشيوعية، هي الغاء الطبقات والسيطرة الطبقية لا تغير الوجه السياسي للمجتمع السياسي. ولا يتحقق هذا العمل التاريخي، دون احلال تجمع تعاوني تشاركي محل المجتمع البرجواي، أي احلال حياة تعاونية محل المنافسة الرأسمالية، فشرط تحرر كل عضو من اعضاء المجتمع، هو التحرر من الطبقات ومن البروليتاريا بالذات، ولا تفقد الملكية طبيعتها الطبقية، دون تحول رأس المال الى ملكية جماعية تخص كل فرد في المجتمع. وعكس انجلس الذي يتلخص مساهماته في تطوير الاشتراكية الالمانية، أي "الاشتراكية الحقيقية" التي هي في الاساس صانع الاشتراكية العلمية، شارك ماركس في تبيان الطبيعة البرجوازية للاشتراكية التي تبدأ من تحقيق رغبات الطبقات المظلومة. وبخصوص هذه الطوباوية التي تلجأ في الاخير الى ايجاد علم لاقامة مؤسسات اشتراكية خيالية، يقول ماركس:

"وبما ان الاقتصاديين هم الممثلون العلميون للطبقة البرجوازية، هكذا الاشتراكيون والشيوعيون هم نظريو صراع البروليتاريا. وطالما ان البروليتاريا لم تنم كفاية لتشكيل طبقة بذاتها وطالما ان صراع البروليتاريا ذاته مع البرجوازية لم يتخذ صفة سياسية بعد، والقوى الانتاجية لم تنم بكفاية في صدر البرجوازية ذاتها لتساعد على تحرير البروليتاريا وعلى تشكيل مجتمع جديد، فان هؤلاء النظريين هم الطوباويون الذين -ليحققوا رغبات الطبقات المظلومة- يقدمون مناهجهم ويمضون ليفتشوا عن علم خلاق، ولكن لدى القول ان التاريخ يتحرك الى الامام، ويتقدم معه الصراع البروليتاريا ويصبح أوضح، فانهم لا يحتاجون ان يفتشوا عن العلم" (كارل ماركس، بؤس الفلسفة).

وهكذا، فلا الدولة الاشتراكية –ما تسمى الدولة البروليتارية، ولا الاشتراكية العلمية، ولا مبدأ التوزيع للاشتراكية الرجعية "مبدأ من كل حسب قدرته، ولكل حسب عمله" نتاج ابحاث ومساهمات ماركس التاريخية، فماركس ليس له اقتراح لمجتمع جديد أو مؤسسات جديدة، والاشتراكية هي من صنع التاريخ لا الافكار أو الاقتراحات الفلسفية، وان المجتمع الاشتراكي لا يعني سوى اختراق حدود المجتمع السياسي، وان المبدأ السائد للتوزيع في المجتمع الاشتراكي يجب ان يكون: "من كل حسب قدرته، ولكل حسب حاجته"، وبخصوص ذلك، يقول ماركس:

"بين المبادئ الشيوعية مبدأ حيويًا يميزها من الاشتراكية الرجعية في جميع اشكالها: ان الفوارق في الدماغ والقدرة الذهنية لا تشترط في حال من الاحوال الفوارق في طبيعة المعدة والحاجات الجسدية؛ وبالتالي فان المبدأ الخاطئ القائم على النظام الراهن، (لكل حسب امكاناته) يجب ان يتغير الى المبدأ التالي (لكل حسب حاجاته)" (كارل ماركس، الايديولوجية الالمانية، ص 594).

وهكذا، آن الأوان من جديد مواجهة خرافة شبح الشيوعية في العالم اجمع بمواجهة أوهام الاشتراكية البرجوازية، فالمسألة تتعلق اذًا بالعودة الى الجوهر الثوري الهدام للبيان الشيوعي، لا بالعودة الى اشتراكية الضرائب، اي اصلاح الدولة لاجل الازدياد في ثروة الأسياد الذين لم يفعلوا شيئًا طيلة التاريخ إلا الاستهلاك. اما هدم الرأسمالية تعني فقط الاستعاضة عن حياة المنافسة الرأسمالية بحياة تعاونية، اي الحياة التي اعلنتها ثورة الكومونة كفاصلة تاريخية بين الرأسمالية والاشتراكية.