النضال الطبقي في الشرق: إلى أين يتجه؟


أنور نجم الدين
الحوار المتمدن - العدد: 3959 - 2013 / 1 / 1 - 02:22
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

مدخل:

انظروا إلى الأردن! هكذا تؤثر الحالة الاقتصادية للبلدان على بعضها بعضًا، فرفع أسعار المشتقات النفطية في الأردن في نوفمبر عام 2012، وسط موجات نضالية جديدة في الشرق، أدى مباشرة إلى ما بدأ منه الشرق منذ أمد غير قصير: النضال الطبقي في الشوارع!
وانظروا إلى مصر! كم هي جميلة تتحرك من جديد مع رفاق الدرب شديدة التعلق بهم، بل تنسج أروع مشهد تاريخي للنضال من أجمل رومنسياتها:

أعطني حريتي أطلق يديا! إنني أعطيت ما استبقيت شيئا! (أم كلثوم)

فنتيجة لصمود السوريين، وعودة الأردن وتونس، واستخلاص النتائج من الدروس السابقة بسرعة من التحولات السياسية التي لم تعطِ سوى حالة اقتصادية واجتماعية أكثر سوءًا، ظهرت من جديد أقوى قوى الشرق في ساحة النضال ألا وهي مصر. وهذا ما نسميه التضامن الأممي بين الشغيلة من مختلف البلدان. وإذا أردنا النظر إلى ما مضى على الحركات الجماهيرية في الشرق وعلى الأخص في مصر وتونس اليوم نرى أن طبيعة النضال في الشرق، لم ولا يجمعها أي جامع مع أولى النتائج لهذه الحركات والانتفاضات الجماهيرية، ونعني به تبادل الأدوار بين أسياد المجتمع، ولا يمكن فهم طبيعة هذه الحركات دون النظر إليها بمعزل عن الليبرالية والأحزاب الإسلامية التي حولت عمدًا ساحات تجمع المناضلين إلى مسيرة الدعوة للتسبيحات والتهليلات، وكأن الدولة قامت باقتحام المساجد لمنع رجال الدين من الصلاة. فما أسباب نشوء هذه الحركات؟

إن الركود الاقتصادي، وارتفاع أسعار السلع الغذائية، وسوء معيشة الفقراء، والازدياد في البطالة، وأزمة السكن هو الذي أدى إلى نشوب أولى المعارك الطبقية بين الجماهير والقوات القمعية للدولة، فالدولة الكاذبة هي التي أجبرت الشغيلة وستجبرها مرة تلو الأخرى للجوء إلى نضال الشوارع، فممثلو أكياس النقود الفاسدين الذين اغْتَنَوْا من الثروات الوطنية وتاجروا بمقدساتهم الدينية لأجل الحفاظ على الملكية التي يعدونها نعمة من الله، هم الذين دفعوا الطبقة المحرومة من وسائل معيشتها إلى مواجهة السلطة، فالصراع الطبقي الدائر في الشرق ليس سوى كشف وهمية الأخوَّة القومية والوطنية بين الطبقات السائدة والمسودة. فبذلت الطبقة السائدة قصارى جهودها نصف قرن أو أكثر، لتجعل من نظامه السياسي مقبولًا لدى الطبقات الفقيرة عبر تنكره القومي وصراع يتلقي به إسرائيل إلى البحر! فنقطة انطلاق النضال الطبقي في الشرق، لا يربطه أية رابطة بالأحلام البرجوازية القومية أو الليبرالية أو الحركات الإسلامية. ولننظر الآن إلى النضال الطبقي في الشرق في السنوات الأخيرة وأسباب نشوئها.

النضال الطبقي في الشرق 2006 – 2012:

إذا ما بدأنا من دولة إسلامية مثل إيران، فحسب الأستاذ يوسف عزيزي، شهدت العاصمة الإيرانية في عام 2006، إضرابات واعتصامات عمالية صاخبة، أهمها إضراب العمال وسائقي الحافلات التابعة للحكومة الذي أدى إلى شل حركة المواصلات في طهران (المصدر: الوقت البحريني، 11 يوليو 2006).
وفي نفس العام، شهدت كردستان العراق موجة من النضالات الطبقية، جابهتها قوات جلال الطالباني ومسعود البارزاني بالحديد والنار. وفي بيانه الصادر في 28 / 7 / 2006، أشار اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق إلى "ان قوات الاتحاد الوطني -زعيمه جلال الطالباني- تغرق بالدم إضرابًا عماليًا في السليمانية في الوقت الذي تقوم أجهزة السلطة والمسؤلون بالتلاعب بالمليارات، وتعقد وتمرر الصفقات والاختلاسات وعمليات النهب المنظم لثروة المجتمع. وهو برهان على ان هذه السلطات لا تمثل مصالح العمال وجماهير كردستان، ووراء هذا العمل مصالح طبقية في تناقض مع العمال. لقد سجلت مجالس عمال الأسمنت في السليمانية الذين يذبح عمالهم اليوم، دورًا قياديًا في انتفاضة آذار عام 1991".
وفي عام 2011، شهدت كردستان العراق من جديد موجات نضالية صاخبة ضد الدولة البرلمانية المتمثلة بحزبي جلال الطالباني ومسعود البارزاني تشارك فيها الحزب الشيوعي والأحزاب الإسلامية أيضًا، وانتقلت النضالات إلى الاصطدامات بين الجماهير والقوى الأمنية للسلطة الكردية أسفرت إلى مقتل 8 واصابة 400 شخصا ودفعت الجماهير في تنظيم نفسه في المجالس في محافظة السليمانية وما حولها من القصبات والأقضية (انظر: كل شيء لأجل تطوير الحركة الاشتراكية العالمية، أنور نجم الدين) المنشور في الحوار المتمدن.
وكتب الأستاذ عبد السلام أديب في مقال تحت عنوان "الاحتجاجات على ارتفاع الأسعار تعم جميع مناطق المغرب في ذكرى 14 دجنبر 1990" المنشور في الحوار المتمدن، بأنه قد شهدت مختلف مناطق المغرب يوم الخميس 14 دجنبر 2006. ونظمت هذه الاحتجاجات في أكثر من سبعين قرية ومدينة مغربية، وجاءت عقب ارتفاع الأسعار في المنتجات والخدمات وتدهور الخدمات العمومية وسقط على إثرها عدد من الشهداء في فاس وطنجة على الخصوص.
وفيما يخص مصر فأشارت الأستاذة فاطمة رمضان في مقالها المنشور في الحوار المتمدن "إطلالة على الحركة العمالية في مصر (2007-2009)" وتقول: وقد كان عام 2006 عامًا فارقًا في تاريخ الحركة العمالية في الموجة الحالية حيث أضرب 24 ألف عامل في غزل المحلة واستطاعوا أن يصمدوا حتى تُنَفَّذ مطالبهم. وقد ظهرت هذه النقلة في عدد الاحتجاجات الذي تضاعف أكثر من ثلاث مرات عما قبله، فقد كان عدد الاحتجاجات في عام 2007، 756 احتجاجًا، ووصلت نسبة الاعتصامات العمالية في القطاعات الصناعية في مصر عام 2007، إلى 49.4%.
وبخصوص النضالات الطبقية في تونس، يذكرنا الأستاذ محمد المثلوثي في احد مواضيعه المنشور في الحوار المتمدن بانتفاضة عمال المناجم في عام 2008 في منطقة الحوض المنجمي. أما في "تونس: قراءة في الموجة الاحتجاجية الراهنة" فيشير المثلوثي إلى موجات جديدة في عامي 2010 و2011، فوصلت الإضرابات اليومية إلى 15، وقطع الطرق الرئيسية وسكك الحديدية إلى 3 يوميًا. كما وقد أصيب إنتاج الفوسفات بالشلل النسبي، وشمل الأمر نفسه الأنشطة البترولية ولو بدرجة أقل نتيجة الإضرابات العمالية فيها.
وفي "شفاف الشرق الأوسط" فيمكننا الاطلاع على انطلاق "انتفاضة المساكن" في ليبيا بدأت بالاستيلاء على المساكن يوم الجمعة 14 كانون الثاني 2011 شملت كل من طرابلس وبنغازي والبيضاء ودرنة.
ومن الجدير بالذكر، ان الحركة الطبقية هذه، تشمل أيضًا الدولة الفلسطينية، فباتت الاضرابات العامة ينفذها موظفو السلطة الفلسطينية في 19/12/2012 وراءه عجز الدولة الفلسطينية عن دفع رواتب شهرين لموظفيها، حسب جريدة الشرق الأوسط، العدد 12441، والسبب هو أزمة مالية وصفها رئيس الحكومة سلام فياض بأنها الأخطر والأعمق في تاريخ السلطة الفلسطينية.

وهكذا، فما بدأ منه الشرق لم يكن سوى نضالات طبقية، تطالب من خلالها الشغيلة زيادة الأجور، والمستحقات، والعلاوات، والمخصصات، والخطورة، والدفاع عن عمال المطرودين من العمل، ثم ضد أزمة السكن والحالة الاجتماعية المتدهورة للمرأة والرجال، للعمال والموظفين والمدرِّسين والكَسَبَة في كل مكان، فالنضال في الشرق، انطلق وسط العمال بالذات، وإتسع في السنوات الأخيرة وشمل مثلا الديمقراطيات الشرقية مثل تركيا وإسرائيل أيضًا. فبعد سلسلة من المظاهرات العمالية في شركة تكل (Tekel) التركية، قام الاتحاد الأوروبي للنقابات (ETUC) بدعم العمال في تركيا حيث فقدوا 12.000 عامل عملهم في شركات التبغ والكحول نتيجة للخصخصة في عام 2010.
أما في إسرائيل، فان إضراب العمال وإغلاق المطار الدولي في تل أبيب في عامي 2010 و2012 أمام الملاحة الجوية، أدى -في 2012- إلى إضراب في المستشفيات، وعمال الهيئات الحكومية والقطاع العام، والوزارات، والمطافئ، والجامعات، والبنوك، وشركة الكهرباء والمياه، والبريد، والمسارح، وبورصة تل أبيب، والموانئ، وخدمات السكك الحديدية، وقدرت غرفة التجارة الإسرائيلية كلفة الإضراب بنحو 100 مليون دولار (المصدر: BBC عربي).
وهكذا، فالنضال الطبقي المعاصر في الشرق، ليس له العلاقة بحالة سياسية عابرة في العالم العربي يعرفه الأدب البرجوازي بالربيع العربي تمثله الليبرالية والأحزاب الاسلامية، فنتيجة للأزمة الاقتصادية التي يمر عبرها الإنتاج الرأسمالي العالمي، لم يجد العمال في الشرق أنفسهم وحيدين في ساحة النضال، فحسب مقال من (الكومونة) المنشور في الحوار المتمدن: "ففي عام 2008، أعلن عمال النسيج في بنغلاديش إضرابًا عامًا ردًا على إرتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق للمواد الغذائية والمطالبة برفع الأجور، كما وشهدت بوليفيا، وبيرو، والمكسيك، وأندنوسيا، والفلبين، وأوزبكستان، وتايلاند، وأثيوبيا مظاهرات صاخبة وإضرابات عارمة".
وطيلة الوقت، ناضل العمال في أوروبا وأمريكا أيضًا، ضد سياسات التقشف وخفض أجور العمل، والخدمات الاجتماعية، والازدياد في الفقر والجيش العاطلين عن العمل تصل نسبته في إسبانيا إلى 25%، فالأزمة العالمية جعلت من حركات الشغيلة حركة متضامنة في ذاتها. وتسببت إضرابات عامة على مستوى القارة، وعلى الأخص في أسبانيا، والبرتغال، واليونان، وإيطاليا، وبلجيكا إلى توقف حركة النقل جوًّا وبرًّا وإغلاق الشركات والمدارس، ووقعت اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في كل هذه البلدان واعتقلت العديد من المتظاهرين من قبل القوات القمعية للدولة. ومن بين أهم النضالات الطبقية في اليونان وإسبانيا واحتلال وول ستريت، رفع لافتات في البرتغال أيضًا تندد بالاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوروبي فله خطة لإنقاذ البرتغال من خلال دعم مالي يبلغ قيمته 78 مليار يورو، ولكن مقابل إجراءات تقشفية صارمة (المصدر: BBC عربي).

الطابع التضامني للحركة المعاصرة:

هكذا يجري التضامن بين الشغيلة من مختلف الأمم، وهكذا يظهر الشكل الأممي للنضال الطبقي تقوم به الطبقات المستغَلة من جميع الأمم دفعة واحدة وبصورة متواقتة. فليست الشعارات الميتة، بل الواقع التاريخي، أي الأزمات التي يمر عبر كل وريد من الاقتصاد العالمي، هو الذي سيجعل من التضامن الأممي حقيقة من حقائق التاريخ العالمي لا يمكن تصميمها من خلال البيانات أو القرارات السياسية المسبقة. فرغم كل المحاولات للسيطرة على الوضع الاقتصادي المختل، لم يجد الممثل الرسمي للمجتمع البرجوازي، أي الحكومات، أية وسيلة لحل نزاعات تتطور وراءها حركة جديدة تمثل فقط مصالح الشغيلة في كل الأمم لا مصلحة الأمة كلها. فالتربة التي انطلقت منها النضالات الطبقية، هي نفس التربة التي تعكس الظروف الاجتماعية المماثلة للطبقة المستغَلة بين جميع الأمم، وهي الأساس المادي التاريخي للتضامن الفعلي بين الشغيلة في العالم أجمع، كما وهي التربة الواقعية لظهور تنظيمات اشتراكية تتطلبها تعزيز الحركة ذاتها، فالطابع الطبقي في الحركة المعاصرة، سيجعل من قوى الثورة والثورة المضادة، متصارعين فيما بينهم بشدة على مصير هذه الحركة.

قوى الثورة والثورة المضادة:

أثناء تطور النضال الطبقي في الشرق، قد حاولت الحكومات والتيارات السياسية المختلفة إنعاش قوى الماضي واستعارة كل ما هو وهمي ورجعي منها لكي يقدموا صورة متجددة من نفس المسرحيات القديمة التي ستقدمها الدولة على الدوام في ألبسة جديدة، ليبرالية تارة وإسلامية تارة أخرى، ففي كل مكان تستعيد الحكومات ذكريات من الماضي في أشكالها الإيديولوجية المختلفة لكي تخدم بها قضيتها الرجعية تعيق كل تطور مقبل للحركة الثورية. هذا بالإضافة إلى انبعاث ذكريات عهد صدام حسين في العراق بكردستانه، وبن علي في تونس، ومبارك في مصر، والقذافي في ليبيا تعبر عن محاولات مكثفة لانبعاث الماضي ونسيان المستقبل. وعلى الجميع التشارك مع حكوماتهم في الحس الوطني الذي يعبر عنه أناشيدهم العسكرية، ولكن دون التشارك بالثروات الوطنية. وهكذا، فقوى الثورة المضادة تستمد قوتها من الماضي للحفاظ على الحاضر، أما قوى الثورة فتستمد قوتها من المستقبل. وهذا ما نتلمسه من الصراع الدائر والمستمر بين الحكومة المصرية الجديدة والمصريين الذين لم ينطلقوا إطلاقًا مما انطلق منها السادة الجدد في مصر أو الليبراليين. فتعميق الأزمة الاقتصادية، هو الذي يدفع الجماهير نحو الاصطدامات التي سجلت بموجبها البورصة المصرية خساراتها للمرة الثالثة منذ اندلاع الانتفاضة وصلت إلى 4.8 مليار دولار في 25 نوفمبر 2012، حسب العدد 12417 لجريدة الشرق الأوسط، 26 نوفمبر 2012، أما الماضي فليس سوى الثغرات الناتجة من الأمراض الاجتماعية المزمنة للمجتمع البرجوازي نفسه؛ تحاول علاجها فئات جديدة للبرجوازية دون جدوى من خلال تبادل الأدوار فيما بينهم، بل إن النقابات تحاول أيضًا منع الإضرابات غير الخاضعة لخططها في الغرب كالشرق، لأن الإضرابات هذه، ليست موجهة ضد الحكومة، حسب النقابات الأوروبية كالإسرائيلة.
ومن جهة أخرى، فحين تقدم أوروبا بيئة أكثر ملائمة لتطوير النضال الطبقي، فلا يزال الشرق، يقدم بيئة لإشعال النزاعات القومية ضمن البلد المعني بين الكرد والترك والفارس والعرب، وبين الفلسطين وإسرائيل تدفع الطابع الطبقي للحركة ومطالبها الاجتماعية إلى الوراء. وإن قوى الثورة المضادة -وحتى اليسار جميعًا- تحاول الهبوط بنتائج انتفاضات الشرق إلى مستوى أهدافهم ومعايرهم السياسية. وهذه كلها تعزز موقع قوى الثورة المضادة في الوقت الحاضر وإلى اليوم الذي يرفع فيه الطبقة الثورية رايتها الخاصة بها: راية الاشتراكية!

إلى أين يتجه النضال الطبقي في الشرق:

لا تزال الأزمة الصناعية العالمية تتعمق وتتوسع وتنتقل من بلد إلى آخر، ويرتجف العالم كله شيئًا فشيئًا من زلزال هذه الأزمة، فإفلاس الشركات الكبيرة والصغيرة، تتعاقب الواحد تلو الآخر في البلدان الصناعية القديمة على الأخص. وفي الدورات الصناعية والتجارية القادمة، لا بد أن تتسرع وتتكثف النوبات في الاقتصاد العالمي سيتدفق وراءها من جديد الصراع الطبقي في العالم أجمع، ويتعزز من خلاله ودون أي اتفاق مسبق، التلاحم الطبقي بين الشغيلة العالمية التي قد وقفت علنًا ضد أصحاب البورصة في ول ستريت الأمريكية، والديمقراطيات العريقة المتفسخة في إسبانيا وإيطاليا واليونان باشرت العاملين فيها بالاستيلاء على المستشفيات في مدينة يونانية وإدارتها لفترة قصيرة في شباط عام 2012. وعند استعادة الشغيلة قوتها لجولة جديدة في أوروبا العجوزة؛ أي بعد انقضاء فترة قصيرة في الشرق على الأوهام بخصوص الفصل بين البرجوازية الوطنية والكمبرادورية، الفاسدة والنزيهة، الدكتاتورية والديمقراطية، واكتساب دروس جديدة، ينتقل النضال الطبقي في موجاته اللاحقة، من النضال لأجل الحاجات المعيشية المباشرة، إلى رفع شعارات جديدة ما وراء كل الأوهام السابقة. وتتعين على الشغيلة إعلان استقلاليتها التامة في نضالاتها من الفئات المختلفة للبرجوازية وحثالة البروليتاريا التي تشارك في دفع الحركة إلى الوراء عبر أعمال النهب والتجند في صفوف جيوش الحثالات. فيجب أن تتناسب مطالب حركة الشغيلة في الشرق أيضًا، المستوى الرفيع للنضال الطبقي في العالم. وستوضح النضالات الطبقية في البلدان الديمقراطية، بأن الدفاع عن وسائل عيش الشغيلة في الشرق كالغرب، يجري عبر الشارع لا الكتل البرلمانية التي تعيش على صناديق الفساد. وبجانب القوى المتفوقة للثورة المضادة، ومع الشعارات الفارغة لليسار ووسائلهم الديمقراطية ومشاركاتهم في البرلمانات البرجوازية وصيحاتهم المستمرة للسلم الطبقي في مجتمع لا يعرف سوى لغة العنف، تحاول الشغيلة استعادة قوتها من تجاربها وانتظامها واكتساب طاقات جديدة من الاتحادات والجمعيات البروليتارية والتنظيمات الاشتراكية لا هذه الكتلة أو تلك من الكتل البرلمانية لليسار. فمن خلال اكتساب تجارب جديدة من الأبطال السوريين الذين يستمرون في النضال، وعودة الأردن إلى ساحة النضال، وإعادة نظر تونس ومصر والمغرب وإيران وليبيا واليمن والجزائر والعراق مما مضى عليهم من الأخطاء، قد يتعزز في كل مكان في الشرق، الوعي الطبقي للشغيلة بخصوص وهمية سيادة سياسية إنسانية، وفهم حقيقة ألا وهي: إن الدولة - اسلامية كانت أم الديمقراطية - تشبه الشركات الرأسمالية في السوق المزاحمة العالمية، لذلك فعند مواجهة الأزمات الاقتصادية والسياسية، تعود الأفضلية لديها عادة إلى تقليل كلفتها الإدارية بدل حياة المواطنين المحرومين حتى من الضروريات الأولية للمعيشة اليومية. أما تقليل الكلفة فلا يعني سوى القطع من لقمة عيش العاملين في كل المجالات والقطاعات المختلفة الأهلية كالحكومية. لذلك؛ فدخول الصراع مع الدولة في المستقبل القريب، وفي عصر الكساد العظيم، سيصبح أكثر فأكثر ظاهرة مألوفة تنتقل الشغيلة من خلالها في الشرق أيضًا إلى مرحلة تبدأ فيها برفع مطالبها الخاصة بها المستقلة عن مطالب البرجوازيين بمختلف فئاتها، وبتنظيم نفسها في الاتحادات والجمعيات والمجالس بجانب الحكومة الرسمية ولتطوير نشاطاتها وطنيًا وعالميًا، الأمر الذي لا بد ان يخلف أثرًا عميقًا على الأزمة الصناعية الأوروبية والأمريكية. أما النضال المستمر، فسيجعل من الشغيلة ملزمة أن ترفع -عاجلًا أم آجلًا- شعاراتها الخاصة بها، ذات طبيعة اشتراكية، كما سيجعل من التنظيمات الاشتراكية الانضمام بحركة الشوارع والفصل التامّ مع كل التيارات السياسية التي ستعزز الدعامة السياسية للدولة من خلال المشاركة في برلماناتها وبهدف تقوية وهم الديمقراطية وتحسين حياة الطبقات الفقيرة من خلالها، فعلى التنظيمات الاشتراكية التلاحم حول بعضها البعض، وتطوير نشاطاتها وطنيًا وعالميًا ومن وجهة نظر المستقبل، أي المصادمات التي لا بد من حدوثها بين الشغيلة والدولة في كل مكان.
Email: [email protected]