نحن والطاقة النووية - 3


محمد منير مجاهد
الحوار المتمدن - العدد: 5735 - 2017 / 12 / 22 - 00:46
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر     

ما أن ظهرت بوادر إبرام عقد إنشاء المحطة النووية بالضبعة حتى عادت مرة أخرى الدعاية الممجوجة للتشكيك في صلاحية موقع الضبعة لإنشاء محطات نووية رغم الدراسات المستفيضة التي أجريت عليه من أواخر السبعينيات، بزعم أن أي تسرب في المحطة النووية سيؤدي إلى فناء مصر كلها، أو أن التربة غير مناسبة، وأنه من الأفضل نقل المشروع النووي إلى مكان آخر، ولعلة من المناسب قبل الرد على هذه الإدعاءات أن نتعرف على كيفية اختيار مواقع المحطات النووية وكيف تم اختيار موقع الضبعة بالتحديد.

يعد اختيار موقع مناسب أحد المراحل الهامة في تطور مشروع المحطة النووية، ويجب دراسة هذا الموقع لتحديد مدخلات تصميم المحطة النووية المتعلقة بالموقع، ولما كان الهدف من إنشاء محطة نووية هو توليد الكهرباء بشكل اقتصادي فيجب بشكل عام أن تتوافر في الموقع العوامل التالية:
1- القرب من مراكز استهلاك الطاقة الكهربية.
2- وجود مصدر للتبريد يسمح بالتخلص من الحرارة الناتجة عن المحطة.

ويمكن تلخيص الأنشطة المتعلقة باختيار موقع مشروع المحطة النووية في مرحلتين هما:
1- مرحلة مسح المواقع: وتهدف إلى تحديد موقع أو أكثر يرجح أن تكون مناسبة لإنشاء محطة نووية وتتضمن هذه المرحلة دراسات عامة لمناطق أو أقاليم واسعة لاستبعاد المناطق الغير مقبولة، ويعقب هذا تحليل منهجي مقارن للمناطق المتبقية لتحديد المواقع المحتملة وأخيرا اختيار المواقع المفضلة.
2- مرحلة تقييم أو تأهيل الموقع: وتهدف هذه المرحلة إلى البرهنة على أن المواقع المفضلة مقبولة من كافة النواحي وخاصة تلك المتعلقة بأمان المحطة النووية، ويجب تقييم مدخلات تصميم المحطة النووية المتعلقة بالموقع قبل بدء عمليات الإنشاء.

يمكن تقسيم مرحلة مسح المواقع إلى ثلاث مراحل فرعية هي:
1- دراسة تحليلية لمناطق أو أقاليم لتحديد "المواقع المحتملة"، يتم فيها استخدام المعلومات المتاحة عن خصائص المواقع لاستبعاد بعض المناطق من أي دراسات مستقبلية، وفي المناطق التي لم تستبعد يتم التعرف على مواقع محددة المساحة باعتبارها مواقع محتملة لإنشاء محطات نووية.
2- غربلة "المواقع المحتملة" واختيار "المواقع المرشحة"، ويتم غربلة المواقع المحتملة باستخدام معايير أكثر دقة من تلك التي استخدمت في المرحلة السابقة، ويلاحظ أنه يتم التعامل في هذه المرحلة مع مواقع محددة وليس مناطق أو أقاليم كما كان الحال في المرحلة السابقة.
3- مقارنة "المواقع المرشحة" وترتيبها طبقا لأفضليتها، وتتم هذه المقارنة على أساس معلومات أكثر تفصيلا وبعض الأعمال الحقلية المحدودة.

أما مرحلة تقييم الموقع فهي تقوم على التقييم من وجهة نظر الأمان النووي وتتضمن أساس ما يلي:
1- إثبات أن الموقع لا يتضمن خصائص تحول دون التصميم الآمن للمحطة النووية.
2- تحديد أسس التصميم اللازمة لحماية المحطة من الأحداث الخارجية القصوى، وتحديد تلك الأحداث التي يمكن أن تتحملها المحطة وتستمر في التشغيل المعتاد.
3- تقييم خصائص الموقع المتعلقة بالآثار المحتملة للمحطة على البيئة في ظروف التشغيل العادية وفي ظروف الحوادث النووية.

دراسات اختيار موقع الضبعة

بعد إنشاء هيئة المحطات النووية عام 1976، تم التعاقد عام 1977 مع هيئة سوفراتوم وهي اكبر هيئة فرنسية متخصصة في إجراء الدراسات اللازمة لاختيار وتقييم المواقع بإجراء الدراسات لاختيار موقع مناسب لإنشاء محطة نووية في جمهورية مصر العربية، استغرقت الدراسات والأعمال الحقلية والمكتبية والمعملية والأبحاث المصاحبة لها الفترة من 1978 حتى 1985 علي ستة مراحل متعاقبة وتم تسليم نتائجها لهيئة المحطات النووية في 33 مجلدا فيما بين تقارير رئيسية وملاحق وخرائط ورسومات وبيانات.

شملت عملية اختيار وتأهيل موقع الضبعة المراحل الستة التالية:

المرحلة الأولى: إعداد دراسات مكتبية ومسح شامل لكافة سواحل الجمهورية حيث تمت أعمال المسح الحقلي والتقييم لإحدى عشر موقعا موزعة علي هذه السواحل لضمان توافر مياه التبريد الكافية لتشغيل المحطة، وهي:
‌أ- ساحل البحر الأحمر: ويشمل منطقتين هما رأس أبو سومة، وجنوب ميناء سفاجا.
‌ب- ساحل خليج السويس: ويشمل ثلاث مناطق هي العين السخنة، ورأس أبو الدرج، والزعفرانة.
‌ج- ساحل الدلتا: ويشمل ثلاث مناطق هي رشيد، وبلطيم، وجمصة/ رأس البر
‌د- الساحل الشمالي الغربي: ويشمل ثلاث مناطق هي رأس الحكمة، والضبعة، وسيدي عبد الرحمن.

انتهت المرحلة الأولى إلى استبعاد العديد من المواقع من المناطق السابق اختيارها لعدم مناسبتها لإقامة منشآت نووية كما يلي:

أ- منطقة رأس أبو سومة على ساحل البحر الأحمر بسبب:
- عدم مناسبة الانتشار الحراري في مياه التبريد
- قربها من مراكز النشاط الزلزالي
- التأثيرات البيئية المحتملة.

ب- منطقتي العين السخنة ورأس أبو الدرج على ساحل خليج السويس بسبب:
- عدم مناسبة الانتشار الحراري لمياه التبريد
- قربهما من مراكز النشاط الزلزالي
- قربهما من منشآت بترولية ومناطق الصيد

ج- مناطق رشيد، وبلطيم وجمصة/ رأس البر على ساحل شمال الدلتا بسبب:
- ارتفاع الكثافة السكانية
- ارتفاع معدل الخطورة الزلزالي
- طبيعة الرسوبيات الشاطئية المتكونة من طمي النيل وعدم مناسبتها لإقامة منشآت نووية.

د- منطقتي رأس الحكمة، وسيدي عبد الرحمن على الساحل الشمالي الغربي بسبب عدم توافر مساحات كافية تحقق اشتراطات الأمان

وتم في هذه المرحلة تحديد ثلاثة مناطق لدراستها بشكل أكثر تفصيلا للمفاضلة بينها وهي:
• منطقة الضبعة علي الساحل الشمالي الغربي.
• منطقة الزعفرانة علي خليج السويس.
• منطقة سفاجا علي البحر الأحمر .

المرحلة الثانية: إجراء دراسات وقياسات حقلية لتوفير البيانات والمعلومات اللازمة لتقييم المناطق الثلاث التي تم اختيارها في المرحلة الأولي وانتهت بإعداد تقرير يتضمن نتائج الدراسات الحقلية التي يمكن علي أساسها المفاضلة بينها، وقد تضمنت عناصر الدراسة للتقييم والمفاضلة بين المواقع العناصر التالية:
• النشاط الزلزالي
• الأرصاد الجوية
• مناسبة التربة للبناء
• الخصائص والظواهر البحرية
• الجيولوجيا
• المياه الجوفية
• الجغرافيا
• الطبوغرافيا
• توزيع وخصائص السكان
• المحتوي الحيوي والتنوع البيولوجي الطبيعي

المرحلة الثالثة: تقييم نتائج دراسات المرحلة الثانية واختيار أنسب المواقع طبقا لمتطلبات الأمان، وانتهت الدراسة بالتوصيات التالية:
• موقع الضبعة أفضل المواقع الثلاث.
• موقع الزعفرانة صالح من كافة الجوانب فيما عدا ارتفاع مستوي النشاط الزلزالي وما يترتب عليه من ارتفاع التكلفة.
• موقع سفاجا تم استبعاده لوجود فوالق نشطة وعدم ملائمة التربة للأساسات.

المرحلة الرابعة: إجراء المزيد من الدراسات والقياسات الحقلية والمعملية علي موقع الضبعة لتوفير القدر اللازم من المعلومات لتحديد خصائص الموقع التي علي ضوءها تم تأكيد صلاحية الموقع طبقا للنظم والتشريعات الدولية وإعداد التصور المبدئي لتصميم المحطة.

المرحلة الخامسة: إجراء الدراسات التفصيلية لموقع الضبعة لتحديد موقع المفاعل النووي وتعيين خصائص الموقع لوضع أسس التصميم واستيفاء متطلبات تقرير الأمان الأولي، وتضمنت عدة عناصر أهمها:
• خواص التربة السطحية وتحت السطحية
• الجيولوجيا الإقليمية والتحركات الأرضية والزلازل
• الخصائص البحرية
• التأثيرات البحرية المتبادلة
• استخدامات الأراضي والمخاطر الخارجية
• الأرصاد الجوية
• المحتوي الإشعاعي الطبيعي بمكونات البيئة
• الجغرافيا والطبوغرافيا

والتي أكدت صلاحية الموقع لإنشاء وتشغيل أربعة وحدات نووية بقدرة إجمالية 4000 ميجاوات كهربي مع توافر كافة عناصر الأمان للإنشاء والتشغيل العادي وأثناء الحوادث مع الحفاظ علي سلامة البيئة ومكوناتها.

المرحلة السادسة: إعداد الجزء الخاص بالموقع من تقرير الأمان الأولي لإنشاء المحطة النووية بموقع الضبعة.

وقد تم مراجعة كل هذه الدراسات والتأكد من صحتها من قبل:
أ- المتخصصين بالهيئة بالاشتراك مع خبراء المعاهد العلمية والفنية المصرية المتخصصة واعتمادها
ب- بيت الخبرة الهندسي السويسري موتور كولومبس استشاري الهيئة في ذلك الوقت.
ج- خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية

واصلت هيئة المحطات النووية منذ انتهاء دراسات شركة سوفراتوم في عام 1985 أعمال الرصد والقياسات الحقلية وتحديث الدراسات في ظل المستجدات بالمعايير والنظم الدولية الخاصة بأسس ومتطلبات اختيار مواقع المحطات النووية والتطور التكنولوجي بأجهزة الرصد والقياس وذلك بهدف تعميق وتحديث الدراسات السابقة وذلك بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والجهات القومية المتخصصة، وقد شملت تنفيذ ما يلي:
1- إنشاء وتجهيز وتشغيل معامل للرصد الإشعاعي بالمنطقة وبحوث البيئة وتحديثها.
2- تنفيذ دراسة وإعداد نموذج طبيعي لمحاكاة العناصر البحرية بالموقع.
3- تنفيذ دراسة حركة الرسوبيات الشاطئية وتغير حدود الشاطئ بالموقع.
4- إجراء تجارب حقلية لدراسة معامل الانتشار في الهواء بالمنطقة.
5- تحديث وتطوير منظومة قياس حركة المياه الجوفية.
6- تحديث وتطوير محطة الأرصاد الجوية لقياس العناصر المناخية.
7- تحديث وتطوير منظومة القياسات البحرية.

في إطار الاستفادة من مشروعات التعاون الفني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمت مراجعة ما هو متاح من دراسات خاصة باختيار الموقع في عدة اجتماعات فنية، وقد أوصى الخبراء بضرورة تحديث عدد من الدراسات السابقة لتتوافق مع أحدث المعايير الدولية، وبناء على توصيات خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تم التعاقد مع المعهد القومي للبحوث الفلكية والزلزالية لتحديث وإجراء بعض الدراسات التكميلية في المجالات التالية:
1- إنشاء وتشغيل وصيانة شبكة لرصد الزلازل الصغيرة للموقع ومحيطه لمدة 5 سنوات متصلة، وإجراء الدراسات التفصيلية اللازمة لمراجعة وتقييم معامل الخطورة الزلزالي للموقع، وقد أوضحت التسجيلات التي رصدتها الشبكة خلال الفترة من مايو 2006 إلى يونيو 2009 عدم رصد أي زلازل في محيط الموقع.
2- تحديث دراسات موقع الضبعة ومحيطه من النواحي الجيولوجية والجيوفيزيقية والزلازل القديمة، وقد أظهرت النتائج والتي استخدم للحصول عليها التقنيات الحديثة، بالإضافة لحفر عدد من المكاشف (ترنشات)، عدم وجود أي ظواهر ذات تأثير سلبي على إنشاء المحطة النووية بالضبعة.

بعد التعاقد مع شركة "وورلى بارسونز" في يونيو 2009 لتقديم الخدمات الاستشارية اللازمة لمراحل تنفيذ المحطة النووية المصرية الأولى بما في ذلك اختيار وتأهيل المواقع النووية‘ والتي تشمل: استكمال دراسات موقع الضبعة، واختيار وتأهيل مواقع إضافية قامت الشركة بمراجعة كل الدراسات السابقة والجارية، كما استكملت الدراسات التي أوصى بها خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية في المجالات التالية:
1- تحديث الدراسات البحرية السابقة وتقييم المخاطر البحرية على الموقع شاملة الفيضانات والمد الزلزالي البحري (تسونامي).
2- تحديث الدراسات الخاصة بالتوزيع السكاني واستخدامات الأراضي الحالية والمستقبلية بالموقع ومحيطة.
3- تحديث الدراسات الخاصة بتقييم مخاطر الأنشطة البشرية القائمة بمحيط الموقع.

وقد خلص التقرير المقدم من شركة "وورلى بارسونز" في ديسمبر 2009 إلى أنه "تأسيسا على نتائج التحليل المتخصص الذي تم إجراءه لموقع الضبعة، فإن الموقع صالح تماما لإنشاء أول محطة نووية مصرية لتوليد الكهرباء، وأنه لا توجد أي موانع تحول دون البدء الفوري لأنشطة ما قبل الإنشاء لبناء محطة قوى نووية على موقع الضبعة"

الخلاصة أن موقع الضبعة ومساحته المخصصة يفي - وطبقا للأكواد والمعايير الدولية المنظمة - بالآتي:
o متطلبات أمان إنشاء محطات نووية وإصدار التراخيص اللازمة للإنشاء
o اشتراطات النطاقات السكانية حول مواقع المحطات النووية أثناء التشغيل العادي وفى حالات الطوارئ
o احتياجات منشآت محطات نووية ومكملاتها لقدرات تبلغ 4000 ميجاوات لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر

الرد على مزاعم أشباه العلماء

لعب أشباه العلماء دورا رئيسيا في تحريض أهالي الضبعة ضد المشروع النووي بإثارة خوفهم ونشر الشائعات والمزاعم الوهمية حول الطاقة النووية عموما، والمحطة النووية في الضبعة خصوصا، ومن المزاعم التي يروجها المعارضين للمشروع النووي أنه لو أقيمت المحطة النووية في الضبعة وحدث تسرب إشعاعي منها فإن هذا سيقضي على مصر بالكامل، لأن اتجاه الرياح في مصر هو الشمالي الغربي، وبالتالي ستحمل الرياح المواد المشعة لتقضي على الضبعة ثم تعبر الصحراء الغربية لتقضي على القاهرة، وإذا مددنا هذا القول على استقامته فإن الرياح لن تتوقف في القاهرة بل ستندفع حاملة الإشعاع ليصل إلى اليمن فيدمرها ويعبر المحيط الهندي إلى استراليا ليدمرها، ويلف الكرة الأرضية ويرجع إلينا مرة أخرى وهكذا إلى مالا نهاية، ولكن من رحمة الله بنا أن للعلم ولقوانين الطبيعة قول آخر، فلو حدثت مثل هذه الحادثة - لا قدر الله - فإن انتشار الملوثات سواء في الماء أو الهواء تخضع لقانون الانتشار الذي يوضح أن تركيز المادة الملوثة (المشعة في حالتنا) يقل كلما بعدنا عن مصدر الإشعاع، وفي حالة حادثتي تشيرنوبل وفوكوشيما فقد تم إجلاء السكان احترازيا من دائرة نصف قطرها 30 كيلومتر فقط، ونستطيع التعرف على هذا القانون بمراقبة انبعاث الدخان من مداخن المنشآت الصناعية حيث تنتشر سحب الدخان رأسيا وأفقيا وتظل كثافة الدخان تقل مع البعد عن المصدر (المدخنة) حتى تنعدم رؤية الدخان تماما بعد بضع كيلومترات علي الأكثر.

من المزاعم الغريبة أن التيارات البحرية في جنوب البحر المتوسط تسير من الغرب للشرق ولكنها عند اليونان تدور لتعود مرة أخرى، وبالتالي فإن المياه الساخنة المطرودة من المحطة النووية (أو أي محطة بخارية لتوليد الكهرباء) ستعود مرة أخرى إلى المحطة، والحقيقة أن الفارق في درجات الحرارة بين الدخول والخروج من المحطة لا يتعدى خمس درجات، وأن دراسات معهد بحوث الهيدروليكا التابع للمركز القومي لبحوث المياه بوزارة الري قد أثبتت أن وجود مسافة خمسة كيلومترات بين المخرج والمأخذ تضمن ألا يحدث هذا، ناهيك عن صعوبة تصور احتفاظ مياه المخرج بدرجة حرارتها لمئات الكيلومترات حتى ولو سارت في أنبوب وليس تيار يختلط بمياه البحر، كما أن محطة سيدي كرير العملاقة تعمل منذ سنوات على الساحل الشمالي الغربي ولم يتم رصد ما يؤيد هذه المزاعم، ومن كل ما سبق يتبين لنا تهافت ما يروجه أشباه العلماء والذي لا يقف على أي أرضية علمية، وإنما تهدف فقط إلى إثارة الفزع في نفوس أهل الضبعة لتأليبهم ضد تنفيذ المشروع.

رغم الدراسات المتخصصة لموقع المحطة النووية بالضبعة، والتي شملت بحوث ميدانية مكثفة عن: خواص التربة السطحية وتحت السطحية ومناسبتها للبناء، والجيولوجيا الإقليمية والتحركات الأرضية والزلازل، والمياه الجوفية، والخصائص البحرية، وغيرها، يأتي إلينا من لم تطأ قدمه الموقع ليصرح «بعدم صلاحية التربة فى الضبعة لإنشاء المفاعل النووي المصري ذلك لأنها تتكون من الحجر الجيري الطفلي على السطح ثم الحجر الجيري المرمركي الذي تشوبه الشقوق والفراغات التي تحتفظ بالمياه الجوفية وهو ما يوضح عدم صلاحية التربة لبناء مشروع المحطة النووية عليها لأنها تُعتبر تربة هشة، وأنها قابلة للذوبان في المياه»، وقد رد على هذه المزاعم في لجنة الصناعة والطاقة الجيولوجي فرحات جمعة الصادي أحد الخبراء الجيولوجيين المتخصصين في دراسات وتأهيل مواقع المحطات النووية بقوله أن هذه هي نصف الحقيقة لأن طبقات التربة الجيرية بطول الساحل الشمالي الغربي من الإسكندرية حتى السلوم تتشابه في طبيعتها، ونعرف أنه توجد منشآت هندسية عالية بكل مناطق الإسكندرية، ولم ينهار أي منها بسبب طبيعة التربة نظرا لأنه يتم تصميمها وتنفيذها طبقا للأصول الهندسية، وبالنسبة لموقع الضبعة فقد أظهرت دراسة الخصائص الهندسية للتربة قدرتها على تحمل منشآت المحطة بكفاءة عالية، وأنه لا يوجد بهذه الخواص ما يؤثر على أمان وسلامة المحطة النووية، ومن ناحية أخرى فإن نوعية المياه الجوفية هي مياه مالحة تميل للقلوية ومصدرها الرئيسي مياه البحر ومشبعة بالأملاح وتزيد ملوحتها أحيانا عن ملوحة مياه البحر، ومن ثم لا تتوافر البيئة اللازمة لإذابة الحجر الجيري، وأضاف أنه إذا صحت الفرضية العلمية بذوبان الحجر الجيري فإن ذلك من شأنه اختفاء آثار العصر الروماني بالساحل الشمالي الغربي وانهيار المنشآت الهندسية بوسط وغرب مدينة الإسكندرية حتى السلوم، وهو ما لم يحدث بالطبع.

ومع هذا فرغم أي مزاعم لنا بصلاحية الموقع، وبغض النظر عن ما تراه الجهة المشغلة من سلامة موقع وتصميم وتنفيذ وتشغيل المنشأة النووية، فلا يمكن البدء في تنفيذ المشروع قبل الحصول على موافقة "هيئة الرقابة النووية والإشعاعية" التي تمثل الدولة وتدافع عن حق الشعب في الأمان الشخصي وأمان البيئة من التعرض لأي إشعاعات نووية، ولهذا الغرض فقد حددت الهيئة مراحل الترخيص للمحطة النووية كالتالي:
1- إذن قبول الموقع
2- إذن الإنشاء
3- إذن تحميل الوقود النووي وإجراء اختبارات بدء التشغيل
4- ترخيص التشغيل
5- ترخيص التكهين عند انتهاء العمر الافتراضي للمحطة

ولا يمكن الحصول على أي من هذه التصاريح ومنها إذن قبول الموقع أو إلا إذا اقتنعت هيئة الرقابة النووية بسلامة الموقع وتصميم المحطة.

الخلاصة: أحد العلامات الهامة في تطور أي مشروع لإنشاء محطة نووية هي اختيار موقع مناسب، ودراسة هذا الموقع لتحديد مدخلات تصميم المحطة النووية المتعلقة بالموقع، وإثبات أن الموقع لا يتضمن خصائص تحول دون التصميم الآمن لها، وقد تم إجراء كل الدراسات المطلوبة بالنسبة لموقع الضبعة، وثبت بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الموقع – عكس مزاعم الطامعين فيه – هو واحد من أفضل المواقع النووية في العالم.