هل ضاع الحلم؟


محمد منير مجاهد
الحوار المتمدن - العدد: 4247 - 2013 / 10 / 16 - 12:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

خرج الشعب المصري في ثورتين عظيمتين لا يفصل بينهما إلا 30 شهرا أسقط فيهما حسني مبارك ومحمد مرسي سعيا لتحقيق حلمه في دولة مدنية حديثة بهدف تحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، والدولة المدنية المنشودة عكس الدولة الدينية وعكس الدولة العسكرية، فهي من ناحية تقف على مسافة متساوية من معتقدات مواطنيها ولا تتدخل لتفرض عليهم ما تراه "الدين الحق"، ولا تتدخل في معتقدات مواطنيها من أتباع هذا الدين لتفرض عليهم ما تراه "صحيح الدين"، ومن ناحية أخرى هي دولة تخضع فيها المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية وتكون جزء من السلطة التنفيذية.
تشير الأنباء المتسربة من لجنة الخمسين إلى تراجع عن مطالب الثورة لا تقتصر فقط على الإبقاء على مجلس الشورى بعد إعطائه اسم قديم ينتمي للعهد الملكي (مجلس الشيوخ) مع الاحتفاظ بقاعدة تعيين ثلث أعضاءه مما ينفي عنه صفة التمثيل الشعبي أساسا، ولكن يمتد هذا التراجع إلى الاحتفاظ بقسمات الدولة الدينية والدولة العسكرية الذين ثار عليهما شعبنا في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013.
فهناك من ناحية الإصرار على أن ما يجري هو "تعديل للدستور" وليس "وضع دستور جديد" وهو ما يعني أن المرجعية لدستور الدولة الدينية الذي وضعه الإخوان والسلفيين، وهناك رفض لوصف مصر بأنها دولة مدنية حديثة في المادة الأولى للدستور، وهناك إبقاء على المادة الثانية بصيغتها المعدلة في 1980، ومحاولات التفافية لإعادة المادة 219 سيئة السمعة التي تجعل "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة"، إضافة لرفض استبدال "غير المسلمين" بـ "المسيحيين واليهود" في المادة الثالثة، وهو ما يقسم المصريين ما بين أتباع "الدين الحق" (المسلمين) وغيرهم، وبين المسلمين أتباع "صحيح الدين" (أهل السنة والجماعة) وغيرهم، وبين غير المسلمين من أتباع الأديان السماوية (المسيحيين واليهود) وغيرهم.
أما بالنسبة للدولة العسكرية فهناك على ما يبدو ميلا للاحتفاظ بالمواد التي تجعل القوات المسلحة مستقلة عن الدولة وفي مرتبة أعلى من بقية أقسامها، والتي استحدثها الإخوان والسلفيين في محاولة لرشوة القوات المسلحة بالنص في المادة 195 من دستور الإخوان على أن "وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعين من بين ضباطها"، والتي عدلتها لجنة الخبراء (مادة 171) بإضافة "بعد موافقة المجلس الأعلي للقوات المسلحة"، وهو ما يمثل إهدار لمبدأ خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية المنتخبة وافتئات على صلاحيات رئيس الوزراء. فالقوات المسلحة ليست سلطة مستقلة كالقضاء مثلا، ولكنها جزء من السلطة التنفيذية، وهذه المادة مع المواد الأخرى الخاصة بوضع القوات المسلحة مثل اختصاص اللجان القضائية لضباط وأفراد القوات المسلحة دون غيرها (أي مجلس الدولة) بالفصل فى كافة المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات الصادرة فى شأنهم، وجواز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى في جرائم يحددها القانون الذي يبين أيضا اختصاصات القضاء العسكرى الأخرى، واختصاص مجلس للدفاع الوطنى وهو جزء من السلطة التنفيذية بمناقشة موازنة القوات المسلحة التي تدرج رقمًا واحدًا فى موازنة الدولة عند عرضها على البرلمان.
كل هذه المواد تقود إلى ازدواج السلطة ووجود رأسين للدولة، رئيس الجمهورية المنتخب والقائد العام للقوات المسلحة غير القابل للعزل إلا بإرادة من عينهم، وهي وصفة أكيدة للدولة الفاشلة التي يزيد من فشلها الطائفية والاستبداد.
فهل نستطيع من خلال لجنة الخمسين التي يرتع فيها حزب النور شريك الإخوان في نشر التخلف والاستبداد، وأنصار عسكرة الدولة أن نحافظ على الحلم من الضياع؟ أم أنه قد ضاع فعلا وعلينا أن نستعد لثورة جديدة؟