السجال الديني طريقنا للحرب الأهلية


محمد منير مجاهد
الحوار المتمدن - العدد: 3141 - 2010 / 10 / 1 - 11:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

تنزلق مصر بوتائر متسارعة نحو "مرحلة النزاع الديني بين المواطنين" وهي المرحلة الخامسة من مراحل التوتر الديني في مصر منذ تولي الرئيس السادات الحكم في سبتمبر 1970 والتي حذر منها المفكر سمير مرقس في كتاباته المختلفة، فقد مررنا بالفعل بمرحلة "العنف المادي": من قبل جماعات الإسلام المسلح التي كانت تستهدف الأقباط والكنائس، ومرحلة "الاحتقان المجتمعي": التي بدأت عام 2000 بعد حادث الكشح وأصبح من الممكن أن يؤدي أي خلاف أو مشاجرة بين أي اثنين من مواطنين إذا ما كان أحد أطرافها مسيحي إلى حملة تخريب وسلب ونهب ضد الكنائس ومساكن ومحلات المصريين المسيحيين، ومرحلة "السجال الديني": وبدأت عام 2005، حيث تشهد مصر حالة تراشق كلامي حول العقائد الدينية بين رجال الدين، وأخيرا مرحلة "التناحر القاعدي بين المواطنين": وهي المرحلة التي نعيشها الآن وسمة تلك المرحلة التي تكشف عن مدي خطورتها هو أن أحداث العنف الطائفي يقوم بها مواطنون عاديون وليسوا جماعات إسلامية كما كان في السبعينيات وهذا ما كشفت عنه أحداث نجع حمادي.

وآخر حلقات السجال الديني هو المعركة الجديدة التي أثارها الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس ومطران كفر الشيخ والبراري عندما تساءل عن توقيت نزول بعض الآيات التي قال أنها ضد المسيحية وزعم نزولها بعد وفاة الرسول "صلي الله عليه وسلم"، وهو أثار ردود أفعال غاضبة بين المسلمين واجتمع على إثرها مجمع البحوث الإسلامية في جلسة طارئة يوم 25 سبتمبر 2010 وأصدر بيان أدان فيه تصريحات الأنبا بيشوي وطالب عقلاء مصر بمفكريها ومثقفيها من المسلمين والمسيحيين أن يعتبروا العقائد الدينية للمصريين جميعاً خطاً أحمر لا يجوز المساس به من قريب أو بعيد.

والحقيقة التي نعرفها جميعا أن العقائد الدينية تمثل حقائق مطلقة بالنسبة لمعتنقيها وأنها وإن كانت تتشابه في دعوتها لفضائل الأخلاق والخير والعدل والسلام ... الخ، إلا أنها تختلف مع بعضها البعض في أسسها الفلسفية أو العقيدية اختلافات لا يمكن التوفيق بينها. وإذا أخذنا قضية واحدة على سبيل المثال وهي السيد المسيح عليه السلام فسنجد أن الديانة اليهودية لا تعترف بأن المسيح قد جاء أصلا ومازال اليهود ينتظرون قدومه قبل أن ينتهي الزمان، أما المسيحيين فيرون أن المسيح إله وأنه قد جاء إلى العالم مخلصا للبشر من خطاياهم وأنه قد صلب وقام، وهو عند المسلمين نبي رسول وليس الرب، وكذلك لا يعترف المسلمون بواقعة الصلب التي هي الركن الركين في العقيدة المسيحية.

باختصار الديانة اليهودية لا تعترف بالمسيحية ولا بالإسلام كأديان سماوية، أما المسيحية فهي كما جاء في أناجيلها الأربعة المعتمدة لا تعترف بأنه سوف يجئ من بعد السيد المسيح نبي ولا ترى الإسلام كدين سماوي أصلا، أما موقف الإسلام من الديانتين المسيحية واليهودية فهو أنهما ديانتان سماويتان ولكن أدخل عليهما قدر كبير من التحريف وأنهما فقدتا صلاحيتهما بظهور الإسلام، ومن ثم فلا يمكن – وليس مطلوبا – الوصول لحلول وسط في هذه الاختلافات العقيدية لأنها تمثل صلب الدين والخروج عنها لأي دين تعني الخروج على الدين نفسه، لذا فالمطلوب دوما هو البحث عن سبل للتعايش المشترك لأتباع هذه الأديان وغيرها على أساس المساواة والمواطنة وحرية العقيدة.

يدرس المتخصصون من أتباع كل دين العقائد المغايرة من منظور عقيدتهم فيما يسمى "علم الأديان المقارن"، ولا توجد مشكلة في هذا ولكن المشكلة تبدأ حين يخرج هذا الخلاف "الأكاديمي" - إذا جاز التعبير – من المجال الخاص لرجال الدين إلى المجال العام لأنه يؤدي إلى استعداء أتباع كل دين على أتباع الدين الآخر ويؤدي إلى التناحر القاعدي بين المواطنين، ويمكن أن يؤدي لا قدر الله إلى "مرحلة النزاع الديني بين المواطنين" أي حرب أهلية لن يكون فيها منتصر ولا مهزوم وسيكون الخاسر الوحيد هو الوطن.

لهذا فإن دعوة مجمع البحوث الإسلامية لأن تكون "العقائد الدينية للمصريين جميعاً خطاً أحمر لا يجوز المساس به من قريب أو بعيد"، دعوة صائبة يجب علينا جميعا أن ندعمها بما فينا بالطبع المجمع نفسه، فقد انزلق بعض الدعاة وبعضهم أعضاء في مجمع البحوث الإسلامية في السجال الديني الذي يقوم على تحقير عقائد المسيحيين والطعن فيها ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- في ديسمبر 2006 صدر كتاب "فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية" للدكتور محمد عمارة – عضو المجمع – نشره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، جاء فيه "استباحة دماء غير المسلمين، من اليهود والنصارى والبراهمة والزنادقة"، وقد زعم الدكتور أنه أخطأ في وضع مقتطف من كتاب لأبي حامد الغزالي دون أن يتحقق منه، وأعتذر قائلا "ومع أن الأمر لا يخرج عن دائرة السهو والنسيان الذي أعفانا الله سبحانه من تبعاته.. لكن الضرر الذي لحق بالغير بسبب نشر هذه الكلمات يستوجب مني الاعتذار الواضح والحاكم والصريح".
2- في ديسمبر 2009 صدر للدكتور محمد عمارة كتيب باسم «تقرير علمي» تم توزيعه كملحق مع مجلة الأزهر وصف فيه الدكتور عمارة الكتاب المقدس بأنه «محرف» وبأن المسيحيين «مشركون»، وعقب جدل ديني واسع واعتراضات من الكنيسة المصرية ونشطاء أقباط، قررت الأمانة العامة لمشيخة الأزهر الشريف سحب الكتيب وقالت الأمانة العامة للأزهر في بيان لها «إن الأزهر وشيخه يحترمان المسيحية والمسيحيين».
3- بتاريخ 24 يناير 2005 كتب الدكتور زغلول النجار في جريدة الأهرام "ونظرا لضياع أصول الرسالات السابقة كلها‏، وتعرض ما بقي من ترجمات منحولة لبعضها إلي قدر هائل من التحريف الذي دفع بأهل الكتاب إلي الشرك بالله‏،‏ وإلي عدد من الوثنيات القديمة والمعتقدات الباطلة، فقد تعهد ربنا‏ (‏تبارك وتعالي‏)‏ بحفظ وحيه الخاتم حفظا كاملا كلمة كلمة وحرفا حرفا إلي يوم الدين"، وبتاريخ 27 سبتمبر 2005 كتب في جريدة القاهرة "لا توجد مقارنة بين نزاهة القرآن وبين هزاءة ورداءة ما يسمى بالكتاب المقدس".

يجب على مجمع البحوث الإسلامية، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية وغيرهما من المؤسسات الإسلامية التي تضم كبار علماء الدين عدم الانجرار للسجال العقيدي، وهو ما نطلبه أيضا من الكنائس المصرية وخاصة الكنيسة الأرثوذوكسية أكبرها وأكثرها تأثيرا، وأن تقتصر الأبحاث في مقارنة الأديان على قاعات الدرس المتخصصة لرجال الدين، وليس على صفحات الجرائد، أو الفضائيات والإنترنت، وأن تتولى مؤسسات الكنيسة والأزهر الرد على صغارهم الذين يؤججون للفتنة ويدعون للتباغض والكراهية بين طوائف الشعب المصري.

وفي نفس الوقت لا يجب أن يترك الأمر لضمير هذه المؤسسات الدينية الجليلة، فالقانون يجب أن يطبق على الجميع كبارا وصغارا، ونحن لا نطالب بتشريعات جديدة، ولا حتى بتطبيق قانون الطوارئ، ففي مواد القانون الجنائي العادي الكفاية، ويجب أن تطبق على من يهين أو يزدري المعتقدات الدينية لأي مصري، وعلى كل من يشكك في ولاء قطاع من المصريين على أساس انتمائهم الديني، أو من ينشر إشاعات عن وجود أسلحة في الأديرة والكنائس، أو من ينشر الكراهية الدينية بين المواطنين، أو يدعو لمقاطعة المسيحيين، أو يحرض عليهم.

الأمر جد لا هزل ويجب الحزم والحسم واستخدام سيف القانون البتار مع رؤوس الفتنة حتى لا نضيع بلدنا التي لا نعرف غيرها، والتي إن ضاعت ضعنا.