في خدمة أصحاب المصالح


محمد منير مجاهد
الحوار المتمدن - العدد: 4586 - 2014 / 9 / 27 - 11:52
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر     

تراجع الدكتور محمد المخزنجي عن قراره الذي أحزن الكثيرون من مريديه بأن ينسحب من دور الكاتب فى الشأن العام، وعاد كاتبا يوم 11 سبتمبر 2014 في باب "ملف خاص" بجريدة "المصري اليوم" بثلاث مقالات عناوينها "ثامن الأباطيل النووية"، و"حكاية بوشهر"، و"استعادة الذكرى"، وأوضح لنا أن الذي أعاده للكتابة هو موضوع المحطات النووية لتوليد الطاقة الذي وصفه بأنه "خصمه الشخصي والعام".
لا شك في أن الدكتور محمد المخزنجي هو عملاق جيلنا في القصة القصيرة وهو خليفة دكتور آخر برع أيضا في هذا الفن هو الدكتور يوسف إدريس، ولكن المؤسف أن الدكتور المخزنجي قد سخر موهبته الخارقة في خدمة فلول نظام مبارك الذين عاودت وجوههم الكالحة الظهور لتفريغ الثورة المصرية بموجتيها العارمتين في 25 يناير و30 يونيو من محتواهما، ولعلنا نذكر الدور الذي لعبه "الدكتور" في تضليل سكان مدينة الضبعة بما جعلهم أداة طيعة في يد أصحاب القرى السياحية الذين لم يخفوا أطماعهم في الموقع، ودفعوهم لاقتحام الموقع ونهب محتوياته ونسف مبانيه وبنيته الأساسية بالديناميت، وهو ما أعقبه بكتابة مقال بجريدة الشروق في 23 فبراير 2012 بعنوان "التضبيع النووي" دافع فيه عن اقتحام موقع الضبعة وروج للأكاذيب بحق العاملين بهيئة المحطات النووية أن "ما بقى من أشجار (كانت مملوكة للأهالي) داخل أسوار الموقع كان محصولها يباع لصالح بعض الموظفين هناك، وهو أمر فى حاجة لتحقُّق وتحقيق فى جريمة تربُّح خسيس".
يقول "الدكتور" في ملفه الخاص أنه " ضد مفاعلات الطاقة النووية الانشطارية، السلمية والحربية على السواء"، وهو ما يمكن قراءته بمعنى أنه يطالب بتفكيك مفاعلي الأبحاث النووية الموجودين بهيئة الطاقة الذرية وذلك لحرمان مصر من تنمية وصقل وتأهيل قاعدة بشرية مصرية بالعديد من مجالات الأبحاث الأساسية والتطبيقية لتكنولوجيا مفاعلات البحوث والقوى، ومن إنتاج العديد من النظائر المشعة ذات التطبيقات الطبية الواسعة فى مصر، ومصادر الكوبالت المشع اللازمة لمختلف التطبيقات الطبية والصناعية والزراعية على مستوى الجمهورية، علاوة على إنتاج السليكون المعالج بالنيوترونات لاكتساب الخصائص المناسبة للصناعات الالكترونية وتصنيع الخلايا الضوئية اللازمة لاستخدامات الطاقة الشمسية، وهكذا يتمكن أصحاب المصلحة من استيراد هذه المواد وتحقيق مكاسب طائلة.
خصص "الدكتور" جزءا كبيرا من ملفه لفترة بناء المحطات النووية وزعم أن أغلبها يتأخر تنفيذه وتتضاعف التكاليف، ولا شك أنه في المشروعات النووية – كما في غيرها من المشروعات – هناك ما يتم تنفيذه طبقا للجدول الزمني، وهناك ما يسبقه، وهناك ما يتأخر عنه، ولكن "الدكتور" كان انتقائيا ليثبت وجهة نظره حيث انتقى حالة (OLKILUOTO-3) في فنلندا وهي محطة تعتبر الأولى من نوعها وما يتبع ذلك من مشاكل لا تتكرر عادة في المحطات التالية، ولم يحدثنا عن (OLKILUOTO-1) التي بدأ إنشاؤها في 1 فبراير 1974 ودخلت التشغيل التجاري في 10 أكتوبر 1979، والدكتور المخزنجي في سبيل إثبات وجهة نظره لم يلتزم الموضوعية وبث بعض المعلومات غير الحقيقية كالادعاء بأن مفاعل (Hinkleypoint) في بريطانيا قد تعرض لتأخير كبير، والحقيقة أن آخر محطة نووية تم بنائها في بريطانيا كانت سيزويل (ب) التي بدأ إنشائها في 18 يوليو 1988 ودخلت التشغيل التجاري في 22 سبتمبر 1995، ومنطقة (Hinkleypoint) من أقدم المناطق التي تم إنشاء محطات نووية بها وكانت تضم أربعة مفاعلات تم تكهين اثنين منهما لانتهاء عمرهما الافتراضي ويعمل اثنان منذ عامي 1976 و1978 على التوالي، وهناك تخطيط لإنشاء محطة ثالثة إلا أنه لم يبدأ التنفيذ بعد.
أما ما جاء بخصوص مفاعل بوشهر الإيراني فهو مخجل بكل المقاييس، لأننا – رغم أي خلافات سياسية مع إيران – نفخر بهذا الإنجاز الذي انتصرت فيه إرادة شعب مكافح مثلنا على إرادات الدول الغربية مجتمعة فقد بدأ إنشاء المحطة بتكنولوجيا ألمانية في مايو 1975، إلا أن الإنشاءات توقفت في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979 ثم استؤنفت الإنشاءات في 1996 بتكنولوجيا روسية خاصة حيث أصرت إيران على الاستفادة من وعاء الاحتواء الخرساني والمعدات الألمانية التي كان قد تم توريدها مما استدعى نشر حوائط خرسانية عرضها أكثر من متر لوضع المعدات الروسية التي استدعى الأمر إعادة تصميم بعضها للاستفادة من المعدات الألمانية الموجودة في الموقع. لقد قام الروس بمعجزة فنية حقيقية وأتموا العمل في خمس سنوات حيث تم توصيل المحطة النووية بالشبكة في 3 سبتمبر 2011 وتم التشغيل التجاري في 23 سبتمبر 2013. واستطاعت إيران في هذه الفترة أن تتقن تكنولوجيا إثراء اليورانيوم مما يمكنها أيضا من أن تنتج الوقود النووي اللازم لتشغيل محطة بوشهر وبقية محطات البرنامج النووي الإيراني، وهو ما سبقتها إليه الهند وباكستان وما يمكن أن تفعله مصر أيضا لو توافرت الإرادة السياسية.
وأخيرا يقول الدكتور أن "ما يختبئ وراء «الأحلام النووية» من مخاطر وأباطيل وأوهام، وأكاذيب متقنة للمروجين النوويين، يمكن أن تَخِيل على متخذى القرار أحيانا"، ونود أن نطمئن "الدكتور" أن متخذي القرار الآن لا يمكن خداعهم لأنهم لا يأخذون القرار منفردين ولكن يشاركهم فيه جيش جرار من الخبراء في هيئة الرقابة النووية والإشعاعية، وجهاز شئون البيئة، وأساتذة الجامعات، والمخابرات العامة .. وغيرهم، وهؤلاء لن يوافقوا على إنشاء محطات نووية في مصر إلا إذا كانوا واثقين من سلامتها وأمانها النووي وجدواها الفنية والاقتصادية.
***
ملاحظة: تم إرسال هذا المقال إلى جريدة المصري اليوم بتاريخ 13 سبتمبر 2014 ولم تقم الجريدة بنشره أو الاعتذار عن نشره.